جرائم غسيل الأموال بالمغرب.. القضايا المعروضة أمام المحاكم تقترب من 3000    الحوار الاجتماعي المركزي بالمغرب..    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    الحراك الطلابي لمساندة قطاع غزة يمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    بعد محاولة أولى فاشلة بمقر الشرطة.. وفاة مواطن منتحرا في تزنيت إثر شكاية قضائية من زوجته    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صديقي يزور مشاريع تنموية لقطاع الورد العطري بإقليم تنغير    اقتطاعات جديدة وغير معهودة تثير قلق زبائن الوكالات البنكية    الدكتور التازي ما خرجش براءة.. تحكم ب3 سنين وها وقتاش ياخد مجلس هيئة الاطباء قرار فملفو وها اش كيقول القانون    المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"    بونو يقترب من تحقيق رقم تاريخي    تنظيم لحاق "الأطلس للفروسية" من 6 إلى 12 ماي الجاري بمدينة الحاجب    صناديق الإيداع والتدبير في المغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها استجابة للتحديات الكبرى التي تواجه الحوض المتوسطي    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة خلال الربع الأول من 2024    مطالب برلمانية بالكشف عن نتائج دراسة الحكومة لآثار الساعة الإضافية    لقجع: "الوداد والرجاء والجيش أقطاب الكرة المغربية .. وعلى الأندية الأخرى كنهضة بركان الاشتغال أكثر لتلتحق بهم"    رؤى متقاطعة حول المساواة والعدالة والاستدامة خلال مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس"    إجلاء قسري لمئات المهاجرين من مخيمات في العاصمة التونسية    طقس حار نسبيا اليوم السبت    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    تطوان تحتضن ورشة تكوينية حول تسوية البنايات غير القانونية    مثول أكثر من 200 أستاذ موقوف عن العمل أمام المجالس التأديبية    "موج أزرق" للتشكيلي يوسف سعدون يغرق رواق محمد الدريسي بطنجة    فقدان 157 ألف منصب شغل خلال 3 اشعر يضع وعود الحكومة على المحك    لقجع يكشف سبب إقالة خليلوزيتش قبل أشهر من انطلاق كأس العالم 2022 وتعيين الركراكي    نفي وتنديد بتزوير باسم " الأيام24″    إصابة حمد الله تزيد من متاعب اتحاد جدة السعودي    حسابات الصعود تجمع الكوكب المراكشي وسطاد المغربي في قمة نارية    وفد من حماس إلى القاهرة لبحث مقترح الهدنة في قطاع غزة    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    مؤجل الدورة 26.. المغرب التطواني في مواجهة قوية أمام نهضة بركان    هيئة حقوقية تطالب عامل إقليم الجديدة بوقف سراء سيارتين جماعيتين بقيمة 60 مليون سنتيم    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة        كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فريدة العاطفي "القدس العربي": حركة 20 فبراير من اجل فتح نقاش ثقافي

'راهم كلاو رزاقنا ورموا لينا الفتات' أغنية لفنانين من 20 فبراير نعم، المثقف المغربي في حالة استقالة وشرود عما يحدث في بلادنا، بل أضيف انه (باستثناء أقلية نبيلة) يتعامل مع تطورات الأحداث الاجتماعية والسياسية بنفس منطق الربح والخسارة الذي يتعامل به رجال الأعمال ومالكو زمام السلطة في البلاد. وأنا هنا أتقاطع مع الشاعر والإعلامي الصديق ياسين عدنان في وجهات النظر، لكن اختلافي معه هو اختلاف معرفي خلاق، يهدف إلى فتح آفاق أرحب وأصدق وأجمل للثقافة والإبداع.
أقول أولا أن الأمر لا يتعلق بمجرد حراك وإنما بثورة...ثورة حقيقية...ثورة ضد الظلم وضد الفساد، وضد استعباد الإنسان لأخيه الإنسان وتبخيسه واحتقاره، والمثقف ليس بمعزل عن ذلك.
هي ثورة بنداء عميق وممتد من أجل توزيع عادل لثروات البلاد المادية والمعنوية. والثقافة إن شئنا مجازا استعمال تعبير السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو هي 'رأسمال رمزي' من هنا أيضا فان شعار إسقاط الفساد الذي رفعه المتظاهرون الثائرون من المفروض أنه يشمل الفساد في شموليته اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا.
فإلى جانب النخبة المحظوظة ماديا، وهي أقلية أقصت الأغلبية وجردتها من أبسط حقوقها، ليجد المواطن البسيط نفسه محروما من كل ما يضمن له العيش الكريم، لا يملك إلا ماضيا تعيسا وحاضرا ملغوما ومستقبلا مخيفا.
إلى جانبها تواجدت فئة محظوظة ثقافيا هي التي اصطلح على تسميتها بالنخبة المثقفة، هي أيضا استولت على كل ما من شأنه أن يطور 'الرأسمال الرمزي' للبلاد ويدفع به إلى الأمام. و بنفس إقصاء الأغنياء للفقراء أقصت هذه النخبة ولعقود طويلة ما دونها من مواطنين مثقفين ومبدعين. هكذا تم احتكار وسائل الإعلام ومجال النشر في المنابر الثقافية لحساب فئة محدودة ليست بالضرورة هي الأرقى إبداعيا، كما تم احتكار حضور المهرجانات الثقافية محليا عربيا وعالميا لحساب فئة محدودة كانت تتكرر أسماؤها باستمرار كمرشحة لحضور هذه الملتقيات. أما الجوائز الثقافية والإبداعية فكان الحسم فيها يعتمد على معايير في الغالب بعيدة عن الهاجس الإبداعي والثقافي. أمور بعيدة عن الثقافة لكن باسم الثقافة ساهمت أيضا في نشوء مؤسسات ثقافية وزوالها، وكانت وراء معارك وحروب ودسائس ومكائد بل حتى الاحتجاج والنقد والنقد المضاد كان مدفوعا في معظم الأحيان بمصالح وحسابات ذاتية. وكما عانى ويعاني المواطن المغربي من المحسوبية والزبونية في الحياة العامة، فإن الأسلوب ذاته ووجه به المبدع المغربي المتواجد خارج هذه النخبة من اجل إقصائه ومنع تفاعله واستفادته من 'الرأسمال الرمزي' للبلاد. بل إن المحسوبية والزبونية الثقافية ستقضي على أهم المجالات الإبداعية خصوبة وحيوية في المغرب وهو النقد المغربي الذي ضحى بانشغاله بأسئلة ابستمولوجية هامة حول المنهج وحول الآفاق المعرفية لمغامرة النقد، ليتحول إلى مجرد متابعة بئيسة لأعمال مبدعين دون آخرين تتحكم في انتقائهم مصالح ذاتية لا علاقة لها بالنقد.
هذه الوضعية ستؤثر على نوعية العطاء الإبداعي في المغرب كما وكيفا، إذ ستنسحب إلى الظل الكثير من الأصوات الحرة، بينما ستختنق طاقة الإبداع داخل فئات أخرى من الشباب سيؤدي بها ضغط الإقصاء إلى الكفر بكل شيء، وأحيانا إلى تبخيس ذاتها.
أما تبخيس الذات فهو أحد الخصوصيات النفسية ' لسيكولوجية الإنسان المقهور' بتعبير علي زيعور، وهو في علاقة الحاكم بالمحكوم وفي تجارب الشعوب هدف نفسي هام يسعى إليه الديكتاتور وأتباعه لتغذية التضخم النرجسي بداخلهم مقابل تبخيس الآخر الأضعف. هذه العلاقة بين رموز السلطة المستبدة والمواطن المقهور ستتكرر داخل الحقل الثقافي المغربي بما لا يدع مجالا للشك بأن الأجواء العامة لفضاءاته لم تكن إلا إعادة إنتاج لما يحدث في الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، إذ بمقابل تبخيس الذات عند الفئة غير المحظوظة ثقافيا، سيتطور عند النخبة المحظوظة منها قدر مثير من تضخم نرجسي للذات سيسهل ملامسته في لقاء الطرفين بالمهرجانات والملتقيات الثقافية... كما لو أننا أمام هامش ومركز في الجانب الاجتماعي في العلاقات الثقافية.
سيصل هذا التضخم النرجسي إلى ذروته مع الوزير بنسالم حميش وحاشيته. هؤلاء سينظرون إلى المثقف المغربي كما ينظر الفيل إلى النملة، وكما لو أن قدر هذا الرجل آن يفجر النتوءات كلها، فعارضته الفئة الصادقة التي تشعر بغيرة على الثقافة والمثقف، وعارضته الفئة التي حرمت من مصالح ذاتية معه، وظلت فئة أخرى في المنزلة بين المنزلتين لا تعرف أين توجه بوصلتها، ليس حكمة ولكن رغبة للاستفادة من كل الأطراف. إن دارسي البنيوية يفهمون جيدا أن لكل مرحلة تاريخية بنيتها التي تفرز من يعبر عنها من الأشخاص بشكل شفاف، وبنسالم حميش ليس نشازا وإنما هو تعبير رمزي عن طبيعة حقلنا الثقافي بكل ما فيه من شذوذ وانحراف، انه نقطة التراكم التي أفاضت الكأس. لقد وصلت المحسوبية والزبونية الثقافية إلى مستويات عالية في المغرب نحسد عليها إلى درجة أننا حين تمكنا من الوصول إلى اللائحة القصيرة لجائزة رفيعة مثل جائزة البوكر العربية، وصل منا من فرط المفاجأة وزيران في وقت واحد، وزير سابق ووزير حالي، كما لو أننا بلد الوزراء وليس بلد الفقراء. أنا لا أتحدث هنا عن التقييم النقدي لعمل الوزيرين المذكورين، أنا فقط كمواطنة تهتم بالثقافة، أطرح سؤالا مشروعا: كيف لا يحصل على الجوائز الهامة منا سوى الوزراء؟ هل الأمر مجرد صدفة؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تقف الصدفة بالضبط إلى جانب الوزراء على حساب الحقوق الثقافية للمبدع حين يكون مواطنا من الشعب؟ نريد أيضا أن نذكر هنا أن مفهوم الصدفة مع الفيزياء وعلم النفس الحديث قد تغير، ولم تعد الصدفة مجرد حادثة مفاجئة لا أسباب لها، وإنما هي حدث تساهم فيه مجموعة من العوامل الصغيرة والكبيرة الخفية والظاهرية المترابطة فيما بينها والتي تؤدي إلى نتيجة معينة.
لست هنا بصدد القيام بسيكولوجية المشهد الثقافي المغربي رغم أن اشتغالا من هذا النوع قد تكون له أهميته في مناسبة أخرى.
ما أريد الوصول إليه هو أن الخيط الرهيف من اختلافي مع ياسين عدنان يكمن في الرؤية للنخبة المثقفة ذاتها، كونها بالنسبة إليه رغم وعيه بهفواتها ومنزلقاتها ومطباتها هي نخبة ذات شرعية، ولا تتعامل مع الأحداث بنفعية السياسي، لذلك تتطلب المرحلة التخفيف من تبخسيها لكي تتمكن من القيام بمهامها وتكون في مستوى اللحظة التاريخية التي نعيشها، بينما أرى أنا بأنها نخبة فقدت مصداقيتها، إنها نخبة مدانة لأنها جزء من الفساد الذي عاشته بلادنا وما تزال.
أما تعاملها مع الأحداث بانتهازية فأمر لا يرقى إليه الشك، كيف لأشخاص تعاملوا بانتهازية مع أبسط تفاصيل الحياة الثقافية... مثل النشر في جريدة، أو السفر إلى بلد آخر، أو الترشيح لمؤتمر، وأحيانا مع مجرد وجبة عشاء... الخ، كيف ننتظر منهم التعامل بصدق مع أحداث هامة من شأنها أن تحدد مصير شعب، وتعيد تشكيل بناء المجتمع من جديد؟
إن ما سمي بعجز النخبة المثقفة عن مسايرة الأحداث السياسية الحالية، هو في الكثير من تفاصيله يتعلق بما سماه الأخ ناصر موحا في تعقيب له على صفحة ياسين بالفيسبوك 'بصدمة التلقي السيكولوجي' هي صدمة وذهول أمام تطورات أحداث فهم منها جيدا هذا المثقف أنها ستقصف به وبمصالحه إلى الجحيم، خصوصا وانه كان مستكينا للوضع السائد معتقدا انه وضع خالد، ولم يعود نفسه على حرقة الأسئلة والشغف الصادق في مطاردة الأجوبة.
ومن ثم فان الجذور الحقيقية للتشكيك في قيمة البيانات التضامنية مع الشعوب العربية والتي وقع عليها مثقفونا، تعبر عن التشكيك في صدق موقف المثقف وليس في قيمة البيان ذاته. اذ البيان الحقيقي الذي ينتظر من هذه الفئة من المثقفين المغاربة إعلانه هو بيان النقد الذاتي على ممارستهم وسلوكهم ومساهمتهم في الفساد الثقافي بكل أنواعه. أما الإستراتيجية الثقافية الحقيقية التي ننتظرها منهم، فهي إستراتيجية التطهر والتطهير من الداخل، وإعادة بناء جسمنا الثقافي بما يليق به من وهج.
مع الاعتراف بوجود أصوات نبيلة لديها مواقفها ومبادئها ، أصوات رغم الضغوطات القوية لم تروض، وعاشت بما يليق للمثقف من كبرياء المبدأ وشموخ الروح.
بشكل عام مقال ياسين عدنان يطرح مجموعة كبيرة من الإشكاليات الثقافية التي يصعب اختزال الرد عليها في مقال واحد، فمن الضروري بعد طرح الخلل في المشهد الثقافي فهم الأسباب التاريخية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، الفكرية والنفسية، الشعورية، واللاشعورية التي أفرزت هذه النخبة المثقفة في بلادنا، وحددت بالتالي علاقتها مع السلطة من جهة ومع الناس من جهة أخرى. واذا كنت اتفق مع ياسين في التحفظ على اختزال الثائرين فقط في الشباب بشكل يستحق أن نتوقف ونتساءل عن خلفياته، إلا أنني لا أستطيع الجزم بان هذا الاختزال يمكن أن يؤدي أو قد يكون تعبيرا عن غياب إيديولوجي وسياسي، من المحتمل أن يكون الأمر كذلك، ولكنه قد يكون تعبيرا عن دينامية جديدة في سوسيولوجية الاحتجاجات والثورات من الصعب التكهن بآفاقها الآن، فنحن نحتاج، وهنا اتفق مع ياسين، إلى ما يسمى في السوسيولوجيا بالمسافة النقدية الضرورية كشرط لإنتاج المعرفة. على أن تكون مسافة من اجل المعرفة ولفهم تطورات الأحداث ولا يجب أن تتخذ بدورها كذريعة ومبرر لإعفاء المثقف من التعبير عن دفاعه على قيم العدالة والحرية والكرامة. هناك خيط يسهل التلاعب به بين الانتظارية والانتهازية وبين التريث الرزين الذي يعبر عن موقف معرفي شجاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.