يتقاضون أكثر من 100 مليون سنتيم شهريا.. ثلاثون برلمانيًا مغربيًا متهمون بتهم خطيرة    الصين تتخذ تدابير لتعزيز تجارتها الرقمية    مطار الحسيمة يسجل زيادة في عدد المسافرين بنسبة 28%.. وهذه التفاصيل    بطولة اسبانيا: ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز على فالنسيا 4-2    وفد حماس يدرس مقترح الهدنة.. والولايات المتحدة وبريطانيا تدعوانها لقبول "العرض السخي"    أمطار ورياح مرتقبة اليوم الثلاثاء في ممناطق مختلفة من البلاد    مواهب كروية .. 200 طفل يظهرون مواهبهم من أجل تحقيق حلمهم    مغربية تشكو النصب من أردني.. والموثقون يقترحون التقييد الاحتياطي للعقار    حريق مهول يلتهم سوق المتلاشيات بإنزكان    فرنسا.. أوامر حكومية بإتلاف مليوني عبوة مياه معدنية لتلوثها ببكتيريا "برازية"    طقس الثلاثاء.. أمطار الخير بهذه المناطق من المملكة    الأمن المغربي والإسباني يفككان خيوط "مافيا الحشيش"    ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لأوروبا    أسماء المدير تُشارك في تقييم أفلام فئة "نظرة ما" بمهرجان كان    الجيش الملكي يرد على شكاية الرجاء: محاولة للتشويش وإخفاء إخفاقاته التسييرية    سكوري : المغرب استطاع بناء نموذج للحوار الاجتماعي حظي بإشادة دولية    وزارة الفلاحة: عدد رؤوس المواشي المعدة للذبح خلال عيد الأضحى المقبل يبلغ 3 ملايين رأس    مطار الصويرة موكادور: ارتفاع بنسبة 38 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    مشروبات تساعد في تقليل آلام المفاصل والعضلات    تحديات تواجه نستله.. لهذا تقرر سحب مياه "البيرييه" من الاسواق    بلينكن: التطبيع الإسرائيلي السعودي قرب يكتمل والرياض ربطاتو بوضع مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية    رسميا.. عادل رمزي مدربا جديدا للمنتخب الهولندي لأقل من 18 سنة    مجلس النواب يطلق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية    برواية "قناع بلون السماء".. أسير فلسطيني يظفر بجائزة البوكر العربية 2024    عملية جراحية لبرقوق بعد تعرضه لاعتداء خطير قد ينهي مستقبله الكروي    المحكمة تدين صاحب أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن لهذه المدة    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    هذا هو موعد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري        اتفاق بين الحكومة والنقابات.. زيادة في الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجامعي : هذا رأيي في الملكية
نشر في لكم يوم 21 - 02 - 2011

- لم أستغرب لتلك الردود. وأنا لم أكن أستبعد أن يثير ما جاء في الاستجواب القلق لدى البعض، خاصة لدى الحكم ولدى المتحلقين به. وقد بينت تلك الردود أن الحكم عندنا له أيضا "البلطجية" المحسوبين عليه، أقصد الصحافيين البلطجيين. وفعلا، فالذين هاجموني دون أن يناقشوني في ما قلت يدخلون ضمن هذه الفئة من الصحافيين، الذين يصلح أن نناديهم من اليوم ب"الصحافيين البلطجيين". وهم معروفون بأنهم يكتبون لصالح الحكم.
- تحيل هنا على البلطجية الذين خرجوا في مصر لمهاجمة المحتجين في ميدان التحرير. لكن من ردوا عليك صحافيين أو ينتسبون إلى الصحافة. فكيف تشبههم ببلطجية مصر؟
- فعلا، هناك فرق بين بلطجية مصر وبلطجية المغرب. فبلطجية مصر يركبون الخيول والجمال لمهاجمة الناس، بينما بلطجية المغرب يستعملون القلم للاعتداء على الناس. ومع ذلك، فإن ما أثار انتباهي كثيرا هو مصدر ردود الفعل هذه، أي من أين أتت. فلأنني تكلمت عن مسائل تخص إمارة المؤمنين وعن الأخطاء السياسية للملكية، فقد كنت أترقب أن تكون ردود الفعل من جهات أخرى. كنت أترقب مثلا أن يبادر فاعلون سياسيون إلى الرد علي. ومثلما لم أكن أستبعد أن يلجأ البعض منهم إلى السب، كما فعل الصحافيون البلطجيون، فإنني لم أكن أستبعد أيضا أن آخرين سيردون علي بشكل حضاري، وإن كانوا غير متفقين مع ما أقول. وأنا أدعو الذين تهجموا علي أو الذين أعطوا الأوامر للتهجم علي إلى الانتباه إلى أمر غاية في الأهمية. فهناك فئات سياسية مهمة لها رمزية قوية لم تحرك أصبعا واحدا ضدي...
- من تقصد بالضبط؟
- هناك هيئات سياسية ذات رمزية وهناك فعاليات سياسية محترمة لم تتدخل لترد علي...
- ولكن، قرأنا في الصفحة الأولى من جريدة "الاتحاد الاشتراكي" ردا عليك؟
- إذا كنت تقصد ما كتبه طالع سعود الأطلسي، فسأجيبك بأن ذلك لا يهمني، فهذا الشخص دخيل على الاتحاد الاشتراكي وليس من رموزه أو قادته، ثم إنني، كما قلت لك من قبل، لا أعبأ بما يكتبه ويقوله من أسميتهم بالصحافيين البلطجيين.
- وبماذا تفسر عدم الرد عليك ممن تصفهم بأن لهم رمزية؟
- في رأيي، قد يعني هذا أن السيل وصل الزبى. فرغم أن هذه النخب لا تبوح بهذا، فإننا نعرف أنها غير راضية عن الوضع السائد، وتعتبر أن الأمور "مشات بعيد بزاف".
- أنت تقول إنهم غير راضين عما يحدث، ولكن هم لا يصرحون بذلك. هل معنى ذلك أنهم ينتظرون منك أن تنوب عنهم في نقل ما يشعرون به؟
- أنا لا أدعي أنني أقوم بهذه المهمة. فأنا لا أمثل أحدا، أنا أمثل نفسي فقط. كما أنني لا أملك الحقيقة، ولا أدعي أن رأيي صائب دائما. فحينما أدلي برأي، فإني أظن أنه رأي صائب، وفي نفس الوقت لا أستبعد أن يحتمل الخطأ. ولذلك، فأنا أنتظر من الناس أن ينتقدونني.
- هل هذا يعني أنه لو كنتَ تلقيت انتقادا ممن تعتبر أن لهم رمزية وأنهم محترمون، كنتَ ستأخذ بانتقاداتهم؟
- إلى حد الساعة، أنا مقتنع برأيي. ولكن إذا تبين لي أن هناك رأيا آخر هو الصحيح، فلن أشعر بأي مركب نقص أو عقدة للأخذ به. ثم إنني لا أنطلق من فراغ في اتخاذ موقف أو تبني رأي، بل أستند على وقائع ومعطيات.
- ما هي الظروف التي أحاطت بإدلائك بذلك الاستجواب؟
- بصراحة، الاستجواب الذي أدليت به لمجلة "نوفيل أوبسيرفاتور" لم يكن استجوابا انتهازيا...
- ما الذي تقصد بهذا الوصف؟
- أقصد أنني لم أنتهز فرصة ما حدث في تونس لأقول ما قلته، ولم أجر وراء ذلك. لقد كنت في منزلي، فاتصلت بي صحافية اسمها سارة دانيال، وطلبت رأيي في ما يحدث. هل يظن البعض أن لدي سلطة على جون دانيال وعلى مدير "نوفيل أوبسيرفاتور" لكي أقرر متى تُجري معي المجلة استجوابا.
- لننتقل إلى مضمون الردود عليك. كيف وجدتَ المناقشات التي ردت على ما جاء في استجوابك؟
- البلطجية لا يعرفون إلا الضرب. لم يكونوا يناقشون. كانوا فقط يسبون ويقذفون. إذا كانت لهم الشجاعة، فليفتحوا نقاشا في التلفزيون، وأنا مستعد لأشارك معهم فيه. إنهم لا يستطيعون. هل تتصور أن واحدا من هؤلاء الذين كتبوا للرد علي كلف نفسه عناء الاتصال بي، لكي يستفسر هل ما صدر في المجلة هو ما قلته بالضبط، أو ليطلب تفسيرا إضافيا أو تدقيقا ما؟ لا أحد.
- قلتَ إنك كنت على يقين من أن ما صرحت به سيثير القلق لدى البعض، وذكرتَ الحكم والمتحلقين حوله. لماذا كان عندك هذا اليقين؟
- لأنني تكلمت بصراحة وبصدق. وما قلته في الاستجواب يمكن أن ألخصه لك في ثلاث نقط: أولا، ليس لي اليقين من أن ما وقع في تونس لن يقع في المغرب. فأنا لم أقل إنه في صباح الغد، سينزل الناس إلى الشارع وسيحرقون الدنيا...
- أنت، إذن، ترفض تهمة التحريض التي ألصقتها بك بعض الجرائد؟
- ما صدر عني بالضبط هو أن هذا احتمال موجود بالمغرب. وذكرت بأنه سبق للناس في المغرب أن انتفضوا وثاروا، وسبق أن عشنا ثورات صغيرة، مثل ما حدث في سيدي إيفني. فمعنى الثورة ببساطة هو أن الناس يثورون ضد السلطة. وهذا وقع في المغرب محليا، ويقع بصفة متفرقة.
النقطة الثانية التي قلتها هي أنه إذا حدث أن وقع في المغرب ما وقع في تونس، فيمكن أن يكون أكثر دموية من تونس. لماذا؟...
- هذا هو السؤال الذي كنت أود أن أطرحه عليك، حيث لم تفسر في الاستجواب كيف وصلتَ إلى هذه النتيجة...
- لا، لقد شرحت، ولكن بتركيز واختصار. ففي المجتمع التونسي، إذا استثنينا عائلات بن علي وزوجته وأقربائهما التي اغتنى أفرادها بشكل مهول عن طريق النهب والسرقة والاحتكار، مما جعلها تحمل اسم "المافيا"، فإن باقي المسؤولين في تونس، من وزراء وجنرالات وغيرهم...، ليسوا من الأغنياء. فالمجتمع فيه نوع من التقارب، ولا يعاني من تلك الفوارق الشاسعة في امتلاك الثروات. فجنرالات تونس، مثلا، ليسوا مثل بعض جنرالاتنا الذين يملكون الضيعات والرخص... في المغرب، نجد من لا يملك سنتيما واحدا، ونجد في المقابل من ينعم بالأموال الطائلة. وهذه الفوارق الاجتماعية تجعلني أظن، وأتمنى أن أكون مخطئا في التحليل، أن الناس إذا خرجوا إلى الشارع فسيكونون أشرس وأفظع. وهذا ما قصدته حين قلت إن الوضع في المغرب سيكون أكثر دموية من تونس، لأن الانسجام الاجتماعي الذي يوجد في تونس غير موجود في المغرب. لكن، أود أن أشير، هنا، إلى أن انتفاضة مصر، التي اشتعلت بعد تونس بأيام، جعلتني أراجع هذه الخلاصة. فمصر، التي تعاني تقريبا من نفس العلل الاجتماعية التي يعاني منها بلدنا، وفي مقدمتها الفوارق الاجتماعية الصارخة، خاضت ثورتها بشكل حضاري، وبدون عنف أو مواجهة دموية. فالحتمية، هنا، ليست واردة. وأتأسف إن كنت قد تحدثت بما يفيد أن هناك حتمية. أما النقطة الثالثة...
- عندما قمتَ بالمقارنة، ألم تكن تتمنى أن ينتقل ما حدث في تونس إلى المغرب؟
- بالعكس، إن هدفي، كملاحظ ومتتبع، هو أن أنبه النخب المغربية. وأنا أفضل أن نبادر إلى إطلاق صيرورة إصلاحية لكي نتفادى أية مواجهة عنيفة. لأنه إذا حدث العنف، فليس لدي اليقين بأن الأمور ستمر بسلام. فما حدث في تونس، ورغم ذلك العدد من الضحايا، مر بسلام.
والنقطة الثالثة التي عرضتها في الاستجواب هي أنه إلى حد الآن لم يقع بالمغرب ما وقع بتونس. وفسرت لماذا؟ فخلافا لتونس، يوجد في المغرب وسطاء اجتماعيون. ففي تونس، تم القضاء على الأحزاب ذات المصداقية، وعلى الجمعيات الحقوقية المستقلة، وعلى النقابات... ولذلك، لم يجد الشعب من يؤطره إلى أن فاض لوحده. أما في المغرب، فإن الوسطاء الاجتماعيين هم الذين أنقذوا المجتمع من الانفجار...
- في هذه النقطة بالذات، تعرضتَ للنقد. فهناك من قال إنك بخستَ من شأن الجمعيات الحقوقية والنقابات، حين ذهبت إلى أنها تقوم فقط بالتنفيس على الشعب، لتقدم بذلك خدمة للنظام، وهناك من أثار اسم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي دافعت وتدافع عنك.
-لا، أبدا. ما تقوم به هذه الجمعيات كلها، وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عمل حضاري. وإذا كان النظام يستفيد منه، فليس لأن هذه الجمعيات تخدم النظام ومن يدور في فلكه، وإنما لأنها تسعى إلى أن يتطور المغرب بطريقة حضارية. ولو كان للسلطة ذرة من العقل، لما سعت إلى التضييق على هذه الجمعيات. ويمكن أن أتحدث في هذا الصدد عن الأدوار التي قد تلعبها بعض التنظيمات الموصوفة بالراديكالية، من حيث لا تشعر، مثل جماعة العدل والإحسان. وهنا، أحيل إلى إحدى برقيات ويكيليكس، وبالمناسبة قرأتها بعد إجراء الاستجواب مع المجلة الفرنسية، تتحدث عن لقاء أحد المسؤولين الأمريكيين بالسفارة الأمريكية بالرباط مع فتح الله أرسلان، القيادي بالعدل والإحسان. في هذه البرقية، ينقل المسؤول الأمريكي، بناء على آراء محللين ومتتبعين، ما مفاده أن العدل والإحسان تقوم بدور "سلمنة" المجتمع (من السلم، أي جعل المجتمع يتعامل بشكل سلمي). فعندما يكون هناك وسطاء اجتماعيون، فإنهم يساهمون في تقنين الطاقات وتنظيمها، أي أنهم حين يفتحون النقاش بين الناس وينظمون أنشطة لهم، فإنهم يهيئون لهم الفضاءات التي تخفف من توترهم وتنفس عنهم، ولا تتركهم مقيدين إلى أن ينتفضوا على بغتة. وهذا الدور الحضاري تقوم به حتى الأحزاب. فرغم كل ما نقوله عنها، فإنها مازالت تلعب بعضا من هذا الدور. وحتى النقابات في المغرب مازالت تقوم بدور يجنب المغرب العنف. وكذلك الصحافة. فنحن من هذه الناحية أحسن من تونس بن علي، التي كان البعض يريد للمغرب أن ينسخ نموذجها.
- أنت تقر الآن بوجود الاختلاف بين المغرب وتونس، ومع ذلك لم تستبعد في الاستجواب أن يشهد المغرب ما شهدته تونس؟
- نعم، هناك اختلاف. ولكن المشكل في المغرب هو اتجاه التطور. فالاتجاه الآن سلبي. المغرب لم يصل إلى الدرجة التي يمكن أن يقع فيها انفجار مثلما وقع في تونس، ولكن اتجاه التطور عندنا سلبي. ومن عناصر هذا التطور السلبي، وجود "البام" (حزب الأصالة والمعاصرة). فهذا الحزب لا ريب اليوم أنه حزب الملك. وهذا لم يعد يخفى على أحد، سواء داخل المغرب أو خارجه. وهناك وقائع تؤكد هذا، تتعلق بانتخاب مسؤولي البلديات والمدن، مثلما جرى في وجدة وغيرها، حين تدخلت السلطة لكي تمنع أن تؤول الرئاسة إلى إسلاميي العدالة والتنمية. وقد تطرقت برقيات ويكيليكس إلى هذا النوع من التدخلات. ونقرأ في ويكيليكس أن ديبلوماسيا فرنسيا أخبر الأمريكيين، وكان يظن أنه يقدم خدمة للمغرب، بأن القصر هو الذي لم يقبل أن يُنتخب إسلاميون على رأس بعض المدن. ثم هناك الكارثة التي وقعت في الصحراء. فصحافة حزب الاستقلال، ولست أنا، هي من اتهم "البام" بأنه كان وراء أحداث العيون ووراء إحداث مخيم "أكديم إيزيك"، وأن الوالي كان يعمل تحت إمرة هذا الحزب. أنا لا أقول إن "البام" أصبح هو التجمع الدستوري الديمقراطي، ولكنه كان يسير في هذا الاتجاه، وهو يحمل ملامح حزب بن علي.
العنصر الثاني الذي يؤكد الاتجاه السلبي، وهو الأخطر، هو ما تقوم به الملكية في عالم الأعمال. هناك هيمنة على الادخار المغربي. فحين تنظر إلى تركيبة رأسمال الشركات التي تُنسب إلى الهولدينغ الملكي، تجد أن نسبة مهمة من أموال الادخار المغربي تحول لفائدة تلك الشركات. وقبل أيام، تحدث أحد المصريين في "الجزيرة" عن مثل هذا الوضع في مصر، حيث قال إن الادخار المصري كان يتعرض للسطو من طرف شركات المقربين من مبارك. إنني أعتبر أن استعمال أموال الادخار المغربي شكل من أشكال الشطط في استعمال السلطة. وهو يعد من أخطر ما يجري اليوم في المغرب، لأن من شأنه أن يعرض بلادنا لكوارث خطيرة...
- لكن، من يقف بالضبط وراء هذا العمل؟
- مجموعة من الأشخاص يدبرون الثروة الملكية. وهذه المجموعة هي التي تقف وراء تعيين عدد من الأشخاص على رأس المؤسسات المعنية بالادخار، لكي تضمن أن تُفتح لها أبواب تلك المؤسسات. ولم يعد يخفى أن من يقود هذه المجموعة هما منير الماجيدي وحسن بوهمو. بل إن هذا الأخير أصبح أكثر خطورة من الماجيدي، لأنه أصبح المدبر الفعلي والمنفذ العملي، إلى درجة أن بعض رجال الأعمال أصبحوا يسمونه "أوفقير الأعمال".
- لماذا تحمل المسؤولية إلى هذين الشخصين بالضبط؟
- هذان الشخصان يتعاملان بصفتهما ممثلي الملك. وبهذه الصفة، يتصرفان كما يشاءان. ولم يعد عدد من رجال الأعمال يخفون قلقهم مما يحدث. وحتى بعض الفئات التي من طبيعتها أن تحافظ على الستاتيكو ولا تنشغل بمطلب الديمقراطية أصبحت تخاف مما يجري اليوم. وقد أخبرني بعض رجال الأعمال المرموقين في هذه البلاد بأنهم لم يعودوا مرتاحين لما يجري في هذا المجال.
- ولكن لا أحد من رجال الأعمال تكلم؟
- أتفهم تحفظهم. فقد استعمل المخزن وسائل عديدة لترويضهم والضغط عليهم. ومع ذلك، أقول إن على رجال الأعمال أن يتحملوا مسؤوليتهم. عليهم أن يتكلموا. فعملهم كنخبة اقتصادية ليس فقط هو تحقيق الربح، ولكن كذلك الانخراط من أجل تنمية هذه البلاد ومن أجل حقوق المغاربة جميعهم.
- ربما تصدق عليهم مقولة "رأس المال جبان"؟
- رأس المال لا هو بالجبان ولا هو بالشجاع. فالماء حين تسكبه يتدفق، فلا يمكن أن نقول عنه إنه جبان لأنه يتدفق...
- قد يكون رجال الأعمال ضحايا وضع سياسي عام، إذ يُفترض أن النخبة السياسية هي التي تشق المجرى الذي يمكن أن يسلكه الماء...
- لا يمكن أن ننسى أن من أبرز التطورات السياسية التي وقعت في المغرب كانت تتمثل في بداية استقلالية عالم الأعمال عن المخزن. وقد تابعنا هذه البداية مع ما سمي ب"حملة التطهير" التي قادها في عهد الحسن الثاني وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري. لقد تبين حينذاك أن بعض رجال الأعمال كانت لديهم شجاعة سياسية وجابهوا تلك الحملة. لكن اليوم حصل تراجع...
- وبماذا يمكن أن تفسر هذا التراجع؟
- أستعمل، هنا، المثل المغربي "ركدوهم عل الكوش"...
- ما الذي تعنيه بهذا المثل في هذا السياق؟
- أقصد أنهم، مثل نخب أخرى ومكونات سياسية، آمنوا بالعهد الجديد وبأن عليهم ألا يربكوا الملك الجديد. لكن، بعد ذلك، خرج لهم الماجيدي وبوهمو. وأنا أريد أن أنبه إلى أن ما يقوم به هذان الشخصان في مجال المال والأعمال خطير جدا، وقد تكون له آثار جسيمة، ليس فقط على الاقتصاد المغربي، ولكن أيضا على المجتمع واستقراره. فقد جعلوا نسب احتكار الهولدينغ الملكي في الادخار الوطني تصل إلى أرقام خيالية. وأنا أتساءل هل لدينا في المغرب ليبراليون حقيقيون؟ الليبراليون الذين كانوا ينتقدون الماركسية والشيوعية كانوا يرون أن المشكل الجوهري في الماركسية أو الشيوعية يكمن في اعتقادها أن الدولة لديها القدرة على اتخاذ قرارات اقتصادية ناجعة وهادفة، لأنها هي التي تتوفر على المعلومات الكافية. وكان الليبراليون يرون أن هذا خطأ، لأنه ثبت أن الدولة لم تكن، في نهاية المطاف، إلا مجموعة من الأشخاص القليلين الذين يحتكرون المعلومات لفائدتهم. اليوم في المغرب عندنا سلبيات الشيوعية بدون إيجابياتها. فهناك أشخاص قلائل هم الذين يحددون الإستراتيجية الاقتصادية بالبلاد. فالأرباح لهم، والخسارة يتكبدها المغاربة.
- وهل القرب من الملك هو الذي يجعل هؤلاء يستمدون كل هذه السلطة في مجال المال والأعمال؟
- جوابا على هذا السؤال، سأنقل لك ما قاله لي أحد رجال الأعمال في المغرب. لقد نقل لي أن الماجيدي وبوهمو ومن يشتغل في كنفهما ينطلقون من أن من وسائل حكم الملك للبلاد أن يمتلك قوة اقتصادية كبرى. ومادام أنه لا يوجد أحد يحب الخير للبلاد أكثر من الملك، فإنه هو الذي يعرف، أكثر من الآخرين، المشاريع والبرامج التي تجعل الاقتصاد يزدهر، وتعود على البلاد بالنفع. ولذلك، عليه أن يستمر في الأعمال وألا يتخلى عليها. لكن ما الذي حصل في المقابل؟ الذي حصل هو أن هؤلاء المنظرين استغلوا موقعهم لملء جيوبهم، وليس لخدمة اقتصاد البلاد. ولذلك، فأنا أطالب اليوم بأن يصرح هؤلاء بثرواتهم؟
- من تقصد بالضبط؟
- حسن بوهمو، منير الماجيدي وآخرون يحيطون بالملك. نريد أن نعرف كيف كانت ثرواتهم حين بدأوا العمل مع الملك، وما هي ممتلكاتهم وثرواتهم اليوم؟ كما أطالب بأن يطلع المغاربة على الممتلكات العقارية لكل هؤلاء. وإذا كان من حق كل مواطن أن يطلع على وثائق المحافظة العقارية، فأنا أطالب بأن يتم إنشاء موقع إلكتروني توضع فيه كل أراضي المغرب ومعها أسماء من يملكها. وإذا كان هناك من يقف ضد هذا الحق، فمعنى ذلك أنه يلعب بثروة المغرب.
- تطالب الماجيدي وبوهمو وآخرين بالتصريح بثرواتهم. هل هذا يعني أنك تعتقد بأن هؤلاء امتلكوا الثروة بطرق غير مشروعة؟
- لدي شكوك قوية بأن هؤلاء استفادوا من عمليات بالبورصة، عن طريق المعلومات التي سمح لهم موقعهم القريب من الملك بالحصول عليها. أنا أطالب أن نعرف من استفاد من مثل هذه العمليات؟ وكيف استفاد؟ وعلينا ألا ننسى أن السوق يتكلم. وهنا، أعود إلى ما قلته في الاستجواب. لقد قلت إن انخراط الملكية في المجال التجاري جعلها ضحية أخطاء سياسية فادحة، وجعل حتى الذين ليس لهم أي مشكل مع الملكية منزعجين مما يحدث من طرف هؤلاء الذين يديرون ثروة الملك.
- تُنتقد بأنك توجه كلامك وانتقاداتك مباشرة إلى الملك. كيف ترد على مثل هذه التهم؟
- أنا أقول إن الحديث عن الملك حق لكل مواطن مغربي. ليس حقي كصحافي فحسب، ولكنه حقي كمواطن. فمن حقي أن أبدي رأيي في من يحكم في بلادي. وهذا أمر لم يعد يُناقش اليوم. هذا حق تضمنه حقوق الإنسان وكل القوانين التي تستند إليها. فأنا لا أسعى إلى قلب النظام. أنا أتحدث بفمي وأعبر عن رأيي بالكلام وليس بالسلاح. وهذا حق ازددت به ولن يحرمني منه لا الماجيدي ولا بوهمو ولا من يدور في فلكهما. وأنا أقول للمغاربة هذا حقكم. فكل من يحكمكم ويتخذ القرارات في ما يتعلق بحياتكم من حقكم أن تسألوه عنها وأن تسائلوه، لماذا اتخذ تلك القرارات؟ وكيف اتخذها؟...
- ولكنك أثرتَ في استجوابك إمارة المؤمنين...
- أنا لم أقل إنني ضد إمارة المؤمنين أو معها. أنا لم أكن أعطي هناك رأيي. أنا قلت إن هناك استهانة بإمارة المؤمنين واستهانة حتى بالمؤسسة الملكية من طرف الناس الذين يشغلون المناصب العليا فيها اليوم.
- أسالك سؤالا واضحا: هل بوبكر الجامعي ضد الملكية في المغرب؟
- بالنسبة إلي، فإن طبيعة النظام لا ترتبط بما هو تاريخي أو ديني، إنها ترتبط بما يمكن أن تحققه للشعب من منافع ومكاسب. فالسؤال هو: هل هذا النظام يخدم البلاد أم لا يخدمها؟ فإذا حللتُ الأوضاع ووجدتُ أن الملكية اليوم في المغرب تخدم البلاد فأنا ملكي. وإذا وجدتُ أنها لم تعد تخدمه، فأنا لست ملكيا. فأسمى هدف هو العيش الكريم للإنسان. وأكبر طموح هو أن يعيش أولادي وأحفادي وأصدقائي وجيراني وبني وطني عيشا يضمن لهم الكرامة. فالأمر لا يتعلق بالتسمية، وإنما بالمضمون الذي تحمله المؤسسة. ولذلك، فأنا لا أنشغل بالتسمية. لتسمى ملكية أو جمهورية، المهم هو أن يكون هناك نظام يُخضع من يحكم إلى المساءلة والمحاسبة. فالدولة المتحضرة هي التي يخضع فيها من يمتلك السلطة للمساءلة والمحاسبة. وقناعتي الفلسفية والسياسية هي أن الشعوب يجب ألا تبقى رهينة الأنظمة السلطوية، كيفما كانت. ولذلك، فلا الملكيات السلطوية ولا الجمهوريات السلطوية أنظمة مقبولة في حضارة اليوم.
- ألا تبالغ حين تطالب بأن يحصل التحول الآن؟
- إذا قلنا إنه يجب أن تكون هناك مرحلة انتقالية، فأنا مع هذا الاختيار. ولا أحتاج إلى التذكير بأن الخط التحريري ل"لوجورنال" كان مبنيا على هذه الرؤية. إذا كانت الملكية الحالية ستساعدنا في الوصول إلى ملكية برلمانية، فهذه المهمة لا يمكن إلا أن نثمنها.
- أنت، إذن، تؤكد من خلال ما تقوله أنك إصلاحي...
- أنا إنسان غير ثوري. أنا أسعى إلى الإصلاح بكل هدوء، لسبب بسيط وهو أنني لا أقبل أن يموت الناس أو أن تحدث انتفاضات تخلف قتلى. بالنسبة إلي أن يموت 100 مواطن في تونس، فإنه أمر فظيع.
- ولكن هذه المرحلة الانتقالية التي تدعو إليها دخلها المغرب منذ حوالي عقد ونصف. فهل تُنكر كل ما حدث في المغرب من تطورات؟ وهل ترى أن المغرب لم يقع فيه أي تحول؟
- ينبغي أن أوضح هذا الأمر. فحين يقال لي إن المغرب بنى الطريق السيار، فهذا إنجاز. ولكن هذا الطريق السيار يجب ألا يبنى على حساب كرامة المواطن المغربي. ولا ننسى أن أحسن الطرق السيارة التي بنيت في العالم بنتها أنظمة استبدادية. فأنا حين أنتقد الوضع في المغرب أو أصرح بأن الأمور لا تسير في المنحى الذي يظهر لي بأنه هو السليم، فليس معنى ذلك أنني أقول إنه لم يتحقق أي شيء. مثلا، حين يتحدث البعض عن هيئة الإنصاف والمصالحة كأحد الإنجازات الكبرى، فإن 100 مليون دولار التي وزعتها الدولة لتتصالح مع من تعرضوا من طرف أجهزتها للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان صُرفت من أموال الشعب، من خزينة الدولة. ونفس الأمر ينطبق على ما يصطلح عليه بالأوراش الاجتماعية، فكل الأموال التي تُصرف هي من جيوب المغاربة.
- ولكن هذا لا ينفي أن الملك محمد السادس له حس اجتماعي ويتفاعل مع الأوضاع الاجتماعية للمغاربة. وهذا ما يظهر من خلال المبادرات التي يقوم بها إزاء الفئات المعوزة.
- أنا أدعوك إلى الرجوع إلى الإعلام التونسي الرسمي، لتطلع على ما كانت تقوم به ليلى بن علي في المجال الاجتماعي. المشكل هو هل نبني مؤسسات ستخرجنا من هذا العمل الخيري أم سنستمر في هذا العمل إلى ما لا نهاية؟ فاستشراء العمل الخيري يدل على فشل مؤسساتي. نعم، هذا العمل الخيري يُشكر عليه كل من يقوم به، ولكن دور الدولة مؤسساتيا هو ما تبنيه، لكي لا تتوقف حياة أبنائنا وأحفادنا غدا على هذا العمل الخيري. إن دور الدولة أن تهيئ بنيات ووسائل تحفظ كرامة مواطني اليوم والأجيال اللاحقة.
- المغرب انخرط، منذ سنوات وقبل تونس أو مصر، في دينامية التحول أو الانتقال. فهل هو ملزم بأن ينشغل بما يجري أو أن يتبع خطوات تونس ومصر؟
- نحن ملزمون بأن ننشغل بما وقع في تونس وما يقع في مصر، وأن نأخذ كل المتغيرات التي تجري بجوارنا بعين الاعتبار. والسؤال المثير الذي يجب ألا نغفله بخصوص حالتنا هو لماذا توقف ذلك الانفتاح السياسي الذي شهده المغرب في منتصف التسعينيات. ويمكن لأي أحد منا أن يرجع إلى ما كانت تكتبه جريدة "الاتحاد الاشتراكي" في أوائل التسعينيات، ليرى النضج والمستوى العالي للنقاش حول المؤسسات السياسية وحول الملكية وحول اختصاصاتها وحول مقترحات تطويرها... إلخ. هذا النقاش ينبغي أن نسترجعه اليوم، لأن النقاش هو الذي يحدد الطريق نحو المؤسسات المتحضرة التي ستحفظ كرامتنا. أشقاؤنا في تونس نزلوا إلى الشارع مواجهين الموت بشعار نريد حرية التعبير. فحرية التعبير هي الأساس، وهي المدخل لحوار حقيقي وعلني بين كل المغاربة، وهي السبيل للوصول إلى الحلول. بينما هؤلاء عندنا يقولون لنا ليس من حقكم أن تتحاوروا حين يمنعوننا من التعبير عن آرائنا.
- وما هي، في رأيك، الخطوة الأولى التي ينبغي أن يقوم بها المغرب لكي يتفادى ما وقع بالبلدان المجاورة؟
- المشكل في المغرب مشكل مؤسساتي. يجب أن ندشن صيرورة حقيقية تؤدي بنا إلى نظام مؤسساتي يحاسب الذين يحكمون. فكل المشاكل الأخرى تنجم عن هذا المشكل. فإذا تم حل هذا المشكل ستحل بالنتيجة باقي المشاكل. ومن الأولويات التي ينبغي أن يقوم بها المغرب هي العمل على توقف احتكار الادخار المغربي. فهذا، كما قلت، أمر خطير جدا، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن أيضا من الناحية السياسية. ففي يوم من الأيام لن يستمر السياسيون في تحمل تبعات ذلك. فقد يستيقظون أمام ضغط المتضررين، من موظفين ومستخدمين وغيرهم، ليقولوا لهم إن أموالكم يلعب بها بوهمو والماجيدي. هذا الاحتكار يهدد الاقتصاد المغربي، مثلما يهدد الاستقرار السياسي. وهو يشكل أيضا خطرا حتى على الملكية نفسها، فعندما يمارَس هذا باسم الملكية أو من طرف من يتحدثون باسمها أو يستعملون سلطتها، فإنه يجلب لها المشاكل.
- لكن هل يتم استثمار هذا الادخار خارج القانون؟
- المشكل في العمق سياسي وليس بالضرورة قانونيا. وهو يرتبط أساسا بكون الملكية عندنا شبه مطلقة، إذا لم نرد أن نقول إنها ملكية مطلقة. فإذا كان الملك يحكم، وفي نفس الوقت رجل أعمال، فإننا نكون بإزاء مشكل سياسي ينعكس على الاقتصاد، ومشكل اقتصادي ينعكس على السياسة. فهل تظن أن من يترأس مثلا صندوقا من صناديق الادخار سيقول لا، عندما يقدم له الماجيدي مشروعا باسم الملك ويطلب منه أن يضخ فيه الأموال؟ بالطبع، سيرد البلطجية، هنا، بأن الأمور من الناحية القانونية سليمة، وبأن ما يتم يجري في إطار القانون. أقول لهم إن الأمر لا يمكن أن يُنظر إليه من الوجه القانوني الصرف، فقد يكون هذا القانون الذي وضعوه صيغ بالشكل الذي يسمح لهم بذلك. إن المشكل كما قلت سياسي، وله تبعات سياسية. ومن هذه التبعات أن الملكية، التي تقول إنها منخرطة في إطار تحديث المؤسسات، تجد نفسها في وضع مناقض لذلك. وما يصلنا من أخبار يؤكد ما أقول. ففي الدار البيضاء، حين بادر أحد المستشارين الجماعيين إلى التفكير في إعادة التفاوض حول عقد اللوحات الإعلانية الموقع بين البلدية وشركة "إف سي كوم" (F C Com)، رد عليه ممثل الشركة بالقول: ألا تعرف مع من تتحدث؟ إنك تتحدث مع الديوان الملكي. نحن نعرف أن الأمر يتعلق بشركة مملوكة من طرف الماجيدي، فإذا بنا نكتشف أن من جاء للتحدث باسمها أصبح يتحدث باسم الملك. هذه الشركة، التي تستفيد من صفقة وقعتها مع عبد المغيث السليماني زمن إدريس البصري، تنعم بمزايا كثيرة، والقسط الذي تؤديه للبلدية ضئيل جدا، بالمقارنة مع منافسين آخرين. وحين فكر أحد المسؤولين بالبلدية، أمام الأرباح التي تجنيها الشركة بالمقارنة مع المنافسين الآخرين، في تجديد العقد، ووجه بإشهار سلطة الديوان الملكي. فهل هذا النوع من الممارسة يقدم صورة إيجابية عن الملكية؟ وكيف يقول لنا هؤلاء إنهم منخرطون في العهد الجديد، بينما هم يستفيدون من تعاقدات جائرة أبرمت في العهد القديم؟
- الوعي بالتحول الديمقراطي حاصل في المغرب منذ زمان لدى مختلف المكونات، لكن يجري الحديث عن التحول التدريجي وبمرافقة الملكية. كيف تنظر إلى هذا التصور، أمام ما يحدث اليوم بالمنطقة؟
- أنا أظن أن أي تحول تدريجي وحضاري من ملكية شبه مطلقة إلى ملكية ديمقراطية برلمانية يتطلب أن تحافظ الملكية التي سترافقنا في هذه المهمة التاريخية على مصداقيتها. وعلى الذين يتشبثون بالملكية أن يناضلوا من أجل حفظ هذه المصداقية. والنضال من أجل ذلك يعني مواجهة هؤلاء الناس الذين يستغلون قربهم من الملك، فيسيئون إلى الملكية ويشكلون خطورة عليها، مثلما يعني مواجهة كل القرارات التي تكون ضد مصلحة المغرب، كيفما كان مصدرها. وإذا كان الأمر يتطلب انتقالا تدريجيا، فلا بأس. ولكن شريطة أن يكون هناك تعاقد مكتوب، وأن توضع من أجل الوصول إلى ذلك خارطة طريق واضحة المعالم ومحددة الأشواط والمراحل. لقد كان هناك تعاقد غير مكتوب بين الملكية والمغاربة والنخب التي كانت تسعى إلى الديمقراطية. ومفاده أنه لن يتم استعجال الوصول إلى الملكية البرلمانية الآن، بل توفير الشروط لذلك، على أساس أن يتم ذلك لصالح البلاد. لكن ما وقع هو أنه تم استغلال نفوذ الملكية في الميدان الاقتصادي، كما ذكرت، مثلما تم توظيف ذلك النفوذ في الميدان السياسي، كما يتجلى بوضوح من خلال حزب "البام".
- وهل ترى أن المغرب مؤهل اليوم لإنجاز هذا التعاقد؟
- وما المانع؟ هناك نخبة سياسية في المغرب لها ما لها وعليها ما عليها، ورغم كل ما يمكن أن نوجهه لها من نقد، فهي موجودة ويمكن أن تقوم بهذه المهمة. وهناك تعددية في المغرب، فرغم محاولات ترويضها وتدجينها، فمازال لها وجود. وهناك شباب الفايسبوك، وعلينا أن نراهن على الشباب، فالشعوب التي لا تراهن على شبابها لن تحقق أي تقدم أو تغيير. وهناك المجتمع برمته، ويمكن أن أقول إن المجتمع المغربي أكثر نضجا من المؤسسات السياسية. وقد توفرت في المغرب شروط هذا التعاقد منذ سنوات، وظهرت بعض ملامحه خلال السنوات الأخيرة من عمر الملك الحسن الثاني، الذي قبل أن يدخل غمار الانفتاح السياسي مرغما، لعدة عوامل، منها عوامل خارجية مرتبطة بنهاية الحرب الباردة، ومنها عوامل داخلية، وهي الأهم، وتمثلت في نضال المغاربة ومقاومتهم للاستبداد. وهنا، أُذَكر مرة أخرى بأن تجربة "لوجورنال" انطلقت على أساس أن المغرب يسير في هذه الصيرورة. فعندما قررنا أن ندخل غمار تلك التجربة، كان ذلك انطلاقا من إيماننا بأن المغرب يوجد أمام رهان تاريخي. وكنا نأمل أن يفوز في هذا الرهان. إذن، لا شيء يمنعنا من القول إن بلادنا مؤهلة للوصول إلى الملكية البرلمانية.
- هناك من يرد بأن المغاربة يفضلون أن تكون كل السلطات بين يدي الملك الذي يثقون فيه، وبأنه لا يوجد في المغرب بعد من يمكن أن يقوم بهذه المهمة؟
- هذا استهزاء بالشعب المغربي وبالوطن كله وبالمواطنين كلهم. وهذا يعني أننا لسنا قادرين على إنجاب مغاربة يستطيعون أن يخدموا وطنهم ويحفظوا كرامة مواطنيهم. من يقول مثل هذا الكلام يريد أن ينسى أن المغرب هو بلد بن عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي وبلحسن الوزاني والمهدي بن بركة وبنسعيد آيت يدر وآخرين كثيرين. يكفي أن نعتمد المبدأ المتعارَف عليه في الديمقراطية، وهو أن من يملك السلطة يجب أن يُساءَل ويحاسَب، ليكون المغاربة مطمئنين إلى أن من سيمارس الحكم سيخضع لمراقبتهم. المشكل عندنا هو أن هذا المبدأ لا يتم تفعيله. ولا يمكنني أن أتصور أن المغاربة بالفعل يقبلون أن يمارَس عليهم الحكم بدون مساءلة أو محاسبة. وإذا كنا نؤمن بالتاريخ، فلا مفر لنا من أن ندفع بلادنا إلى أن تسير في هذا المنحى.
- هناك أيضا من يقول إن المغرب خطا منذ بداية التسعينيات خطوات نحو الانتقال الديمقراطي، ولذلك، فليس هو تونس أو مصر، لكي يتلقى الدروس منهما.
- من يقول هذا الكلام لا يريد للوضع أن يتغير بالفعل نحو الأحسن. ما أقوله وأؤكد عليه هو أن النظام الذي لا توجد فيه مساءلة المسؤولين الحقيقيين الذين يملكون السلطة الفعلية هو نظام لا يحترم القواعد الديمقراطية المتعارف عليها، ويشجع على كل أشكال التفاوت داخل المجتمع. بطبيعة الحال، أنا لا أقول إن المغرب هو تونس. ولكن، لا أنفي امتداد ما وقع إلى بلدان أخرى، ولا أستثني منها بلدنا. ولذلك، أقول إن من حظنا أن الأحداث وقعت في بلدان أخرى، وينبغي أن نتخذ ما وقع كمنبه لنا، لكي نستأنف النقاش بيننا، من أجل تفادي أية كارثة. هذا ما أقوله بكل وضوح.
- أنت تعيش خارج المغرب، ومع ذلك تحرص على أن تعلق على كل ما يحدث داخل المغرب. لماذا هذا الإصرار؟
- أنا لا أريد أن أقول إنني وطني، لأن كثيرا ممن يعطون لأنفسهم هذه الصفة يشطبون بها الأرض. بالنسبة إلي، الوطنية اليوم هي النضال من أجل حفظ كرامة المواطنين. أوضح، أولا، أنني أعيش خارج المغرب، لأنهم لم يتركوني أعيش داخل وطني. ولذلك، فالأمر لا يتعلق بمنفى اختياري، كما يريد أن يوحي البعض، وإنما بمنفى اضطراري، لأنه لا يمكن لي أن أكسب "طرف الخبز" في المغرب. فأنا أواجه أحكاما قضائية تجعلني لا أستطيع أن أزاول أية مهنة في بلدي لكسب قوتي. أنا لا أستطيع أن أعيش في المغرب، لأنهم جردوني من الوسيلة التي تضمن لي العيش وأسرتي داخل وطني. فأنا مضطر للهجرة إلى بلد آخر من أجل ضمان العيش. فهل هذا منفى اختياري؟ ثم لأنني مغربي بهويتي وبأصلي، فلا أنتظر الإذن من أحد لكي يتصدق علي بهذه الهوية، مثلما لا أنتظر الإذن من أي أحد لكي أنشغل بقضايا وطني، سواء كنت داخله أو خارجه.
- بوبكر الجامعي صحافي، ولكنه يصر على اتخاذ مواقف سياسية مما يجري في المغرب. هل أنت فاعل سياسي؟
- نعم، أنا فاعل سياسي، ولكن كمواطن وليس كمنتم. وأنا أعتبر أن العنصر الأساسي للسياسة هو المواطن. وأنا أمارس اليوم حقي كمواطن...
- هنا، يهاجمك خصومك بالقول إنك صحافي وتمارس السياسة...
- نعم، أمارس السياسة. وهذا حقي كمواطن. الفرق بيني وبين المنتمي إلى الحزب السياسي هو أنني أمارس السياسة دون أن يكون لي طموح سياسي. وأنا لا أريد أن أكون في هذا الاختيار قدوة. أنا أريد أن يكون للمغاربة طموح سياسي. فلا يمكن أن ندبر شؤوننا بأشخاص سياسيين لا طموح سياسي لهم. فالطموح السياسي هو الذي يدفع الشخص إلى النضال والتطوع بالأفكار والبرامج لخدمة المجتمع والمنافسة خلال الانتخابات، على المستوى المحلي وعلى المستوى الوطني. فما على هؤلاء إلا أن يطمئنوا، فأنا كمواطن لدي حق أمارسه وسأظل متشبثا بممارسته.
- من بين ما يقوله بعض الذين يردون عليك هو أن الذي يدفعك إلى هذا النوع من المواقف هو الحقد الذي تكنه لعدد من الذين تسببوا في إفشال مشروعك الإعلامي ودفعوك إلى الهجرة.
- أنا على يقين أن من يردون بهذا الشكل لن أشفي غليلهم إذا قلت لهم إن ذلك ليس صحيحا. وأكتفي بأن أدعو إلى قراءة ما كتبته من قبل للتعرف على المنطلقات التي تصدر عنها أفكاري وآرائي. كما أدعو إلى أن أواجَه في أفكاري وفي ما أقوله وأكتبه، وليس باللجوء إلى الغيبيات. ولكل من أراد أن يتعرف على مواقف العديد من البلطجية عندنا، يمكن أن يرجع إلى ما كانوا يكتبونه عن بن علي، ويقارنه بما كنا نكتبه في "لوجورنال". وسيعرف آنذاك من كان يسير في اتجاه التاريخ ومن كان يسير في الاتجاه المعاكس للتاريخ. إنهم بما يقومون به يسيرون ضد التاريخ.
- كيف تلقيتَ بعض الردود التي استهدفت الحفر في مسار عائلتك للرد على استجوابك؟
- لن أكون صادقا إذا قلت لك إنني لا أغضب، حين يثار اسم جدي أو والدي في موضوع لا علاقة لهما به. فهؤلاء تربطني بهم علاقة عاطفية وليست علاقة سياسية. ثانيا، لست أنا من سيدافع عن بوشتى الجامعي أو عن خالد الجامعي. فالناس يعرفانهما. ثالثا، هذا سجال البلطجية، وليس سجال العقلاء. فمن أراد أن يرد علي أو يحكم على أفكاري، فليواجهني في ما أقول. أنا أريد أن أساهم في بناء مجتمع يتم التعامل فيه مع الفرد بناء على أعماله، وليس بناء على صلاته العائلية أو القرابية. وعندما يصل بهم الأمر إلى مهاجمة والدي أو جدي بسبب رأي سياسي صدر عني أنا وليس عن والدي أو جدي، معنى هذا أن الأمر يتعلق بمحاولة اغتيال معنوي. فهل إلى هذا الحد أنا خطير؟ هل إلى هذا الحد كان مجرد التعليق على حدث يتطلب أن تتعبأ كل تلك الصحف والمجلات لترد علي في أغلفة وملفات وافتتاحيات؟ هذا في الحقيقة ليس برهانا عن قوتي، وإنما هو برهان عن ضعفهم.
- هل ستشارك في تظاهرات 20 فبراير؟
- نعم، سأشارك فيها، حتى لو شارك فيها بضعة أشخاص. المهم هو أن تكون 20 فبراير بداية مشوار، لأن الهدف نبيل. والمسيرات الكبرى تبدأ بخطوة.
المصدر: عن أسبوعية "الحياة الجديدة" وباتفاق معها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.