16 ماي.. ذكرى تأسيس الأمن الوطني المغربي: مسيرة عطاء وتفانٍ في خدمة الوطن    وهبي يمرر قانون المسطرة الجنائية أمام لجنة العدل والتشريع بعد جلسة ماراثونية    جدل حول مشروع قانون المسطرة الجنائية والتنسيقية توضّح: "لا صفة ضبطية للمقدمين"    لقاء بالعاصمة يعزز القيادة النسائية    طنجة تشهد انطلاق المؤتمر الوطني 32 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب    الزيارة لكنوز العرب زائرة / 1من3    كارثة إنسانية في العرائش: تهميش ممنهج أم تقصير فادح؟    طنجة.. تدخل أمني سريع بكاسابراطا استجابة لنداءات السكان لإخلاء الرصيف    تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    المغرب يتأهل إلى نهائي كأس أمم إفريقيا تحت 20 سنة بعد الفوز على مصر.. وهذا هو خصمه    البارسا يُتوج بطلا للدوري الإسباني    أشبال المغرب إلى نهائي كأس إفريقيا بعد الفوز على مصر    مغاربة يُنددون بتجويع وتقتيل الغزيين ويرفضون "نكبة جديدة" بفلسطين    السغروشني تستعرض التحول الرقمي    العرائش.. الدريوش في زيارة ميدانية لوحدات صناعية متخصصة في تثمين المنتجات البحرية    يستهدف 110 آلاف مستفيد... إطلاق مرتقب لبرنامج جديد لدعم المقاولات الصغيرة جدا    نصف نهائي "كان أقل من 20 سنة".. المغرب ينهي الشوط الأول متعادلا أمام مصر    الرباط.. الأميرة للا حسناء تترأس أول اجتماع للمجلس الإداري لمؤسسة المسرح الملكي    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات مع المدير العام للمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي    الإمارات تعلن استثمارات ضخمة بأمريكا    جهة طنجة تطوان الحسيمة تسجل أكبر عدد من حرائق الغابات في 2024    سقوط أكثر من 100 شهيد في هجمات إسرائيلية جديدة على قطاع غزة    بعد 3 أشهر من وضعه.. إزالة السوار الإلكتروني عن نيكولا ساركوزي وإفراج مشروط عنه    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    في الجزائر الانفعال سياسة دولة    مشجعو الكوكب المراكشي يحتفلون بعودة الفريق إلى القسم الأول من البطولة الاحترافية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    تم توقيفه في باب مليلية.. خمسيني يحاول تهريب الشيرا في بطنه    قضية مبديع.. متهم أمام هيئة المحكمة باستئنافية الدار البيضاء: لم أتلقَ أي تعليمات بشأن الصفقات    الجيش الملكي يواجه الزمامرة في ثمن نهائي كأس العرش في هذا التاريخ    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    محكمة العرائش ترفض دعوى زوج الوزيرة المنصوري وتُمهّد لاسترجاع عقارات جماعية    الملك محمد السادس يهنئ باراغواي    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي لتعزيز الإبداع والتعليم الفني بالمغرب    قبل استئناف تصفيات المونديال "فيفا" يُعيد خصم "أسود الأطلس" إلى المنافسة    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    ارتفاع الضغط يطال 1,2 مليون مغربي    باب برج مراكش يفتح ذراعيه لتيار تشكيلي مغربي يسعى لكتابة اسمه عالميًا    الأمن الوطني يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيسه: وفاء للمسؤولية.. تحديث مستمر.. وخدمة مواطنة متجددة    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    فيدرالية الدواجن تفنّد شائعة الحظر الصيني وتؤكد سلامة الإنتاج الوطني    بنيعيش يفتتح مهرجان الموكار طانطان لحماية وصون تراث الصحراء    في خطوة لدعم العالم القروي: سند مستدام ثان لبنك المغرب من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية    الموت يغيب الرابور "مول العافية"    إدريس الروخ يكشف كواليس تصوير "BAG" قبل العرض الأول    تقرير أمريكي يصنف المغرب كأفضل وجهة إفريقية لرجال الأعمال الأجانب    إحياء النادي السينمائي بمدينة مشرع بلقصيري    أسعار النفط تتراجع بعد ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية    ترامب: أمريكا تقترب جدا من إبرام اتفاق نووي مع إيران    أسعار العملات الأجنبية مقابل الدرهم ليوم الخميس    من طنجة إلى بكين: كتاب "هكذا عرفتُ الصين" يكشف عمق الروابط التاريخية بين المغرب والصين    الكرملين يكشف عن تشكيلة وفده للمفاوضات مع أوكرانيا في إسطنبول    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطايا العشر في القصة الأميركية
نشر في مغارب كم يوم 04 - 09 - 2013

كان واجبا أن يكون هذا المقال عن سوريا وما سوف تؤدي إليه الضربة الأميركية المحتملة لها من نتائج؛ خاصة أن القصة المصرية أخذت في الشحوب مع مضي الأيام، وظهر أن مشهد النهاية الذي توقعه الإعلام الأميركي والغربي عامة من حرب أهلية وحمامات للدم لم يثبت أن له أساسا.
كان لما جرى في مصر ضحايا لا شك فيهم، لكنهم كانوا الثمن الذي يدفع بالضرورة في معارك المصير التي عندها تتحدد مصائر بلاد ومستقبلها. ولذا وجب أن نختم الحكاية كلها ليس لأنها وصلت إلى نهايتها، فقصص الأمم ليس بها نهايات، لكن لأنه ربما كانت المرحلة الجديدة تحتاج اهتماما من نوع آخر؛ وربما يكون لها ارتباط بأشكال متنوعة مع القصة السورية التي وصلت بسرعة إلى ما تمناه آخرون لمصر من حرب أهلية وحمامات دم وصلت إلى النتيجة البشعة باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري.
الخطيئة الأولي في القصة الأميركية هي أنها استلبت تماما من المشهد المصري فكرة «الإرادة الشعبية». وكما هو الحال في «المفاهيم» الجمعية فإنها صعبة الترجمة العملية. ولكن ما حدث أن الشباب المصري نجح في وضع المفهوم تحت الاختبار من خلال جمع التوقيعات حول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكان ما جرى جمعه خلال شهرين تقريبا (28 أبريل/ نيسان، إلى 28 يونيو/ حزيران، 2013) هو أكثر من 22 مليونا. تولدت عن الخطيئة الأولي خطيئة ثانية هي إسقاط مظاهرات الثلاثين من يونيو التي زادت على ثلاثين مليونا من التحليلات والتعليقات والسياسات الأميركية. لقد وفّى بالعهد هؤلاء الذين وقعوا، ونزلوا إلى الشوارع والميادين، معلنين المطالب نفسها التي وقعوا عليها، وما كان على المصابين بحالة الإنكار إلا أن وقعوا في خطيئة ثالثة من النوع نفسه وهي تجاهل أن هؤلاء الملايين تجمعوا حتى يوم الثالث من يوليو (تموز)، ثم نزلوا مرة أخرى في اجتياح بشري مبهر يوم 26 يوليو استجابة لطلب الفريق أول عبد الفتاح السيسي بأن تعطيه الجماهير «تفويضا» بمقاومة الإرهاب. الخطايا الثلاث الأولى في الفكر الأميركي والغربي عامة بصدد الحالة المصرية أنه كان مستبعدا لموقف الجماهير المصرية وإرادتها تهربا من استحقاق ديمقراطي وهو أن الشعب في النهاية هو مصدر السلطات، واستبدال ذلك «بميكانيكا» الديمقراطية وهي الصفة التمثيلية التي تأتي عن طريق صناديق الانتخابات. كان في ذلك إنكار لأن تعود الوديعة إلى أصحابها في لحظات نادرة من التاريخ تجد الشعوب فيها نفسها تأخذ الأمر بيدها وتمارس الأمر مباشرة خوفا من لحظة قادمة تجمعت نذرها في الأفق، وتقول إن ما جري من تمثيل وانتخاب لن يتكرر مرة أخرى، وهو ما شهد عليه قانون الانتخاب الذي كان يعده «الإخوان» واعترضت عليه المحكمة الدستورية العليا لأنه كان يعني ببساطة أن أحدا لن ينجح في الانتخابات سوى الإخوان.
الخطيئة الرابعة جاءت من اختطاف التغيير في مصر كلها ووضعه في عنوان «الانقلاب العسكري». وبغض النظر عن حالة النفاق التي سادت الساحة الأميركية عندما لم يقارن أحد بين ما جرى في يوليو 2013، ويناير (كانون الثاني) 2011، فإن الساحة ذاتها أسقطت من ذاكرتها حقيقة أن القوات المسلحة المصرية لم تتحرك إلا بعد ثلاثة أيام من الثورة الشعبية، وكان لرئيس الجمهورية فيها الحق التام في الاستجابة لرغبات الجماهير الإعلان عن انتخابات مبكرة. ولذا كانت الخطيئة الخامسة منطقية، وهي أن أحدا لم يذكر في الصحافة والإعلام الأميركي شيئا عن أن الجيش المصري عرض على رئيس الجمهورية خلال يومين (الأول والثاني من يوليو) أن يعرض الأمر على استفتاء شعبي ليتبين له بما لا يوجد فيه مجال للشك أين توجد إرادة الجماهير. عند ذلك فقط لم يجد الجيش المصري بداً من الاستماع إلى طلب الشعب.
مثل هذا التسلسل التاريخي يوضح كيف أن الخطايا الخمس الأولى وضعت الأسس للخطايا الخمس التالية، حيث كان هناك انعقاد للنية على تجاهل الأمور التي تخص جماعة الإخوان وحلفاءها من الجماعات المتأسلمة وحتى الإرهابية. فالخطيئة السادسة نظرت إلى الاعتصامات على أنها سلمية مثل تلك التي تجري في البلدان الغربية حيث لا سلاح ولا أطفال ولا نساء يُستخدمون دروعا بشرية، ويجري فيها التحريض على العنف، والتهديد بحرق البلاد والعباد. مثل هذا كان يجري في مصر بصورة يومية وعلى منصة اعتصامي رابعة والنهضة، ويجري نقل ما فيه عبر القنوات التلفزيونية، ولم يكن الأمر يحتاج ما هو أكثر من الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية التي كان الإخوان يتحدثون بها عن الديمقراطية والسلمية والشرعية.
وهكذا كان منطقيا أن تأتي الخطيئة السابعة، وهي التجاهل التام لحقيقة أن الاعتصامات لم تكن ساكنة بل كانت متحركة، ورغم ما ركزت عليه الدعاية الغربية عن «المذابح» التي جرت عند نادي الحرس الجمهوري وعند المنصة على طريق صلاح سالم السريع، إلا أنها تجاهلت حقيقة أن كلا الحادثين جرى في ساعات الصباح الأولى بعد أن تركت جماعات من المعتصمين مكانها لقطع الطريق ومحاولة شل الحياة في مدينة كبيرة مثل القاهرة. هنا كانت الخطيئة الثامنة وهي أن الاعتصامات «المسلحة» كان لها ظهير أكثر تسليحا وتدريبا وإرهابا ممثلا في الجماعات الإرهابية التي تمركزت في سيناء والتي اعتمدت استراتيجية تقوم على محاولة إنهاك القوات المسلحة المصرية من ناحية، ومحاولة جر إسرائيل إلى المعركة المصرية من خلال عمليات صاروخية بمعاونة حماس تدفعها إلى الرد العنيف ومن ثم كسر معاهدة السلام بين البلدين.
كل ذلك لم يشاهده أو حاول تجاهله الإعلام الأميركي، وكثرة من الساسة الأميركيين، ومع هذا العمى المعلوماتي والتحليلي جاءت الخطيئة التاسعة المنطقية وهي الفشل في التعرف على توازن القوى، وكان الخطأ في الحسابات مروعا. والبداية كانت الفشل في إدراك قوة الدولة المصرية ممثلة في الحالة «الوطنية» المصرية، وقوة المؤسسات التي وقفت في وجه الإخوان من القوات المسلحة والقضاء والمؤسسات الأمنية سواء كانت الأمن العام أو المخابرات أو الأمن الوطني أو الإعلام أو الأزهر والكنيسة وغيرها، فكانت المعركة بين الدولة كلها شعبا ومؤسسات ضد جماعة سياسية فاشلة مع حلفائها. ولكن ربما كانت المفاجأة الكبيرة في تقدير العون الذي قدمته الدول العربية الشقيقة سواء كانت المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية أو الكويت، والتي قلبت المعايير كلها، وجعلت من التهديد بوقف المساعدات الأميركية مجرد فقاعة لا تعني شيئا.
الخطيئة العاشرة جاءت بفشل الإدراك الأميركي أن جماعة الإخوان توقفت أن تكون منافسا على حكم مصر، فمن يريد حكم بلد لا بد أن يحافظ عليه، وعلى مؤسساته، ولا يجعل من أول أهدافه هدمها وإحراقها. ساعتها خرج الإخوان من المعادلة المصرية ولم يخرجهم أحد لأنهم فشلوا في فهم معنى قيادة دولة.
"الشرق الأوسط"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.