بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    لفتيت يقضي عطلته بمراكش    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    بنك المغرب .. الدرهم يرتفع مقابل الدولار خلال شهر غشت    أسعار النفط تسجل خسائر أسبوعية    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    قمة ألاسكا : ترامب وبوتين يعلنان عن تقدم كبير دون اتفاق نهائي بشأن أوكرانيا    شركة غوغل تطرح أداة جديدة لحجز رحلات منخفضة التكلفة بالذكاء الاصطناعي    السكيتيوي: "مواجهة الكونغو الديموقراطية تعتبر معركة وتتطلب تركيزا عاليا والكثير من الذكاء والجهد"    صحيفة أرجنتينية : التبوريدة فن الفروسية الذي يجسد روح وهوية المغرب    نادي برشلونة يمدد عقد مدافعه جول كوندي    ليدز يتعاقد مع المهاجم كالفرت لوين    وكالة المياه والغابات تدعو ساكنة جهة طنجة لتوخي الحذر من حرائق الغابات    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    غاب عن جل الأحزاب    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    صيادلة المغرب يعلنون التصعيد ضد الحكومة    فوز مثير لليفربول على بورنموث برباعية في مستهل المشوار بالدوري الإنجليزي    الواحدي يقود جينك للفوز بثنائية في الدوري البلجيكي    تسويق 6.14 مليار درهم من منتجات الصيد البحري إلى غاية نهاية يوليوز المنصرم    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    "الغارديان": هل مهد الإعلام الألماني الطريق لقتل الصحفيين الفلسطينيين في غزة؟    طلبة الأقسام التحضيرية يلوحون بالاحتجاج رفضا لطريقة توزيع مقاعد مدارس المهندسين    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    الدفاع الحسني الجديدي لكرة القدم يختم موسمه الرياضي بعقد الجمع العام العادي    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    مأساة وادي الحراش في الجزائر... دماء الأبرياء تكشف كلفة سياسات عبثية    بولمان.. اكتشاف ثلاث أسنان متحجرة لديناصورات عملاقة تعود إلى حقبة الباثونيان    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    مريدو الطريقة البودشيشية في ليبيا يعلنون دعم مشيخة منير البودشيشي ويراسلون الملك محمد السادس    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    زيلينسكي يلتقي ترامب في واشنطن    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    مقتل 11 وإصابة أكثر من 130 في انفجار بمصنع في موسكو    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    نائبة رئيس محكمة العدل الدولية: الرب يعتمد عليّ للوقوف إلى جانب إسرائيل    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    كينيدي يخوض معركة جديدة ضد صناعة المكملات الغذائية في أمريكا    موجة حر مع "الشركي" وزخات رعدية من الجمعة إلى الاثنين بعدد من مناطق المملكة    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    كرنفال وعروض موسيقية وفروسية في افتتاح مهرجان وادي زم    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"    "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الباري عطوان – "القدس العربي": نعم للهدنة.. لا للمكابرة
نشر في مغارب كم يوم 18 - 10 - 2012

من أصعب المشاكل التي يواجهها المرء عندما يتناول الصراع الدموي الدائر حالياً في سورية وتطوراته حالة التشنج التي تسود مواقف الاطراف المتحاربة في الجانبين، الحكومي والمعارض على حدّ سواء. فالحلول السياسية مرفوضة وكذلك الجلوس الى مائدة الحوار، والنتيجة مقتل المئات يومياً من المتقاتلين والأبرياء، والمزيد من الدمار.
السيد نبيل العربي امين عام الجامعة العربية، وبعد بيات صيفي امتد لأشهر، خرج علينا بالأمس بدعوة جميع الاطراف الحكومية والمسلحة، الى الالتزام بهدنة خلال عيد الاضحى الذي يبدأ نهاية الاسبوع المقبل.
الدعوة الى الهدنة، في صيغتها الاصلية صدرت عن السيد الاخضر الابراهيمي مبعوث الامم المتحدة، وقررت الجامعة العربية ركوبها، للإيحاء بأنها ليست عاطلة عن العمل، وما زالت ملتزمة بأداء دورها في البحث عن مخارج لهذه الأزمة الدموية.
ومن المفارقة ان السيد العربي الذي اكد بالأمس انه لا يوجد حل سياسي للخروج من هذه الأزمة، يعود اليوم متحمساً لمقترحات السيد الابراهيمي، وداعماً لها، ولكنه لم يقدم اي مقترحات حول الآليات التي يمكن استخدامها للوصول الى هذه الهدنة، مثل الدعوة لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، أو ارسال وفد منهم الى دمشق للبحث عن هذه الآليات، طالما ان الجامعة تتطلع للعودة الى دور الوسيط، وليس الطرف مثلما هو عليه الحال حاليا في هذا الصراع.
' ' '
المشكلة ان بعض اطراف المعارضة السورية، خاصة تلك التي تعيش خارج البلاد، سارعت لرفض هدنة السيد الابراهيمي باعتبارها تصبّ في مصلحة النظام، وتوفر له مهلة لالتقاط الأنفاس، واعادة تموضع قواته وامدادها بالأسلحة والعتاد، ولم يتغير هذا الموقف المتسرّع الا بعد اعلان المجلس الوطني السوري، وربما بإيعاز من البعض، القبول بالهدنة والترحيب بها.
اللافت ان نوعاً من التعب بدأ يظهر على بعض اطراف الصراع والقوى الداعمة لها سياسياً وعسكرياً، وتبلور هذا بشكل واضح باتساع دائرة القبول بمهمة السيد الابراهيمي، ودعواته الى حل سلمي سريع للأزمة، وتركيزه بالذات على القوى الاقليمية المتورطة فيها لطلب مساعدتها.
عندما ذهب سلفه كوفي انان الى طهران قامت قيامة الاطراف العربية والغربية ولم تقعد، لانه ارتكب خطيئة كبرى بزيارة هذه الدولة الداعمة للنظام السوري، وبلغت المأساة ذروتها عندما رفضت دول مجموعة اصدقاء سورية دعوته الى اجتماعها الذي انعقد في باريس في شهر تموز/ يوليو الماضي، ففهم الرجل، اي انان، الرسالة وقدّم استقالته قرفاً واستياء.
السيد الابراهيمي زار ايران، وعرّج على بغداد، ثم ذهب الى الرياض وبيروت، واخيراً حطّ الرحال يوم امس في دمشق، ولم نسمع اعتراضاً واحداً من الدول العربية المتطرفة في مساعيها لتأجيج الصراع السوري، على زيارته للعاصمة الايرانية، وبحثه كيفية التوصل الى حلّ سلمي مع قيادتها.
الهدنة التي يقترحها السيد الابراهيمي، هي المبادرة الوحيدة، واليتيمة، المطروحة حالياً لعلاج هذه الأزمة، بعد ان اختفت جميع المبادرات، العربية منها والغربية، ولذلك يجب ان توفر لها كل الفرص للنجاح، لسبب بسيط، وهو ان نجاحها يعني انقاذ حياة الف انسان على الاقل، وهؤلاء بشر من لحم ودم في نهاية المطاف.
النظام لن يحتاج الى هذه الهدنة لتعزيز قواته، او نقل اسلحة وذخائر اليها، لأنه يملك الطائرات والدبابات في مواجهة معارضة مسلحة بأسلحة خفيفة، جرى تضخيم قواتها وتصويرها على انها جيوش عظمى، الأمر الذي اعطى انطباعاً مضللاً عن طبيعة المواجهات الدائرة بينها وبين جيوش النظام، لكن الشعب السوري الذي نسيه الكثيرون، هو الذي يحتاج الى هذه الهدنة لعلاج جرحاه، ودفن شهدائه، والبحث عن طعام لاطفاله، وترميم جزء مما تهدم من منازله، خاصة ان موسم الشتاء القارس بات على الابواب.
نشعر بالألم ونحن نرى الكثير من المحرّضين على استمرار الحرب في الجانبين، يتجاهلون مأساة الشعب السوري الذي يدفع الثمن غالياً من دمه وأمنه واستقراره ولقمة عيشه، خاصة الفضائيات التي لا ترحم، ومن الواضح ان استشهاد اكثر من اربعين الف انسان، وتشريد اكثر من اربعة ملايين في الداخل والخارج، وتدمير ما قيمته مئة مليار دولار من البنى التحتية لا يشفي الغليل.
الهدنة المقترحة ليست فرصة لالتقاط الأنفاس فقط، كما انها لا تعني وقف القتل في عطلة العيد ثم استئنافه بعدها، وانما هي خطوة لتجريب شيء آخر غير القتل والدمار، واعادة التذكير بشيء اسمه الأمان والنوم شبه الطبيعي، والحياة لأيام بدون جنازات ومقابر وعويل وفقد الأحبة وفلذات الاكباد.
لعل الهدنة المقترحة، اذا نجحت، تؤدي الى افساح مساحة للعقلاء والحكماء في الجانبين، السلطة والمعارضة، ليقولوا كلمتهم، ولعلها ايضا تكرّس ثقافة الحوار المنقرضة، وتفتح الطريق لهدنة اخرى، او تمديد الهدنة الحالية لأكثر من مرة.
' ' '
البديل للهدنة وحقن الدماء، ولو لأيام معدودة، هو استمرار القتال، وبمعدل مئتي شهيد يومياً على الاقل، معظمهم من الاطفال والنساء، فمن كان يتوقع ان تتحول هذه الانتفاضة المشروعة التي انطلقت سلمية، الى ثورة مسلحة، توفر الغطاء للنظام لكي يستخدم كل ما في جعبته من اسلحة فتّاكة في محاولة لسحقها، وتدمير مدن بالكامل فوق رؤوس اصحابها؟
السيد الابراهيمي اطلق صرخة تحذير لا يجرؤ على اطلاقها الا شخص مثله يتمتع بمظلة المنظمة الدولية، عندما قال ان الأزمة السورية قد 'تأكل الاخضر واليابس' في المنطقة، وانها لا يمكن ان تظل محصورة في الحدود السورية، وقد تمتد للجوار الجغرافي، ولا بد من علاجها فوراً قبل فوات الأوان.
العلاج الذي يتحدث عنه السيد الابراهيمي هو الحلّ السياسي، بعد ان ثبت فشل الحل العسكري، الذي لجأ اليه النظام والمعارضة في حسم الامور في ميادين القتال. والحلّ السياسي يعني التنازل من علياء العناد والغرور القاتل، وتقديم تنازلات من الطرفين لإنقاذ الشعب السوري وحقن دماء ابنائه بأسرع وقت ممكن.
نكتب بتفاؤل، ونحن الذين شككنا بنجاح مهمة الابراهيمي منذ اللحظة الاولى لبدئها، لأننا ننحاز الى الشعب السوري، ونشعر بمأساته، بكل اطيافه دون اي تمييز، فهؤلاء اهلنا، وكانوا في مقدمة المضحّين بحياتهم وارضهم من اجل قضايا الأمة، ولا احد يستطيع ان يزايد عليهم في وطنيتهم وعروبتهم وكرامتهم، وفتح بيوتهم وقلوبهم لكل انسان مظلوم طالباً للأمان والمساعدة من دول الجوار، والقائمة تطول.
النظام سيذهب لا محالة، ولكن سورية ستبقى، فكم انظمة مرت على هذا البلد، وكم امبراطوريات قامت فيه او احتلته، وفي نهاية المطاف كان النصر من حليف الشعب. اتقوا الله في هذا الشعب الوطني الطيب الكريم الشريف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.