غيب الموت، صباح يومه الاثنين، بالمستشفى العسكري بالرباط، الكاتب المغربي، عمران إدمون المليح، عن عمر ناهز الثلاثة والتسعين عاما. وعاش إدمون، السنوات الأخيرة وحيدا، بشقة متواضعة بحي أكدال بالرباط بعدما فقد زوجته بفرنسا،عاد بعد فراقها إلى الرباط ليستقر بشكل نهائي في المغرب بعد أن عاقته السن المتقدمة عن التنقل إلى فرنسا، ولكنه لم يستسلم للشيخوخة وتشبث بالكتابة السلاح الذي قاوم به الوحدة ورتابة الحياة خاصة وأنه فقد كل أقاربه من العائلة. وعلى الرغم من عمره المديد، فإن المليح، ظل يقظ الذهن مرحا متابعا للحياة الثقافية، وثيق الصلة بثلة من الأصدقاء الذين أحبوه. وكان حريصا في غالب الأحيان على حضور تظاهرات ثقافية حيث ، يأتي إليها على عكازه، يتدخل في النقاش، معبرا عن آراء تتسم بالصراحة والحصافة ، لا مكان فيها للمجاملة حتى ولو تعلق الأمر بمناقشة أعمال أخلص أصدقائه، مفضلا التدخل بالعربية التي كان يمزجها بالدارجة فتاتي ذات إيقاع خاص ما جعل المثقفين المغاربة يكبرون فيه تشبثه بالوطنية المغربية وبهويته اليهودية التي لم يتاجر بها أبدا ولم يجد تعارضا بينهما على الإطلاق وكان يحب أن ينعت بالكاتب المغربي اليهودي. وأوصى الكاتب الراحل أن يدفن بمدينة الصويرة وليس في مسقط رأسه مدينة آسفي التي رأى بها النور عام 1917 في عائلة يهودية. ومارس الراحل الكتابة الإبداعية في سن متأخرة إلى حد ما حيث توالت إصداراته في مجالات الرواية والسيرة الذاتية والسرد الأدبي إلى جانب ولعه بالفنون التشكيلية ، كل ذلك بدءا من ثمانينيات القرن الماضي إلى غاية 2004 حيث صدر له آخر كتاب مطبوع . وقبل ذلك انخرط إدمون المليح في معمعة النشاط السياسي مناضلا في الحزب الشيوعي المغربي (التقدم والاشتراكية) ولكنه ابتعد عن الرفاق محتفظا بعلاقات إنسانية، مؤثرا الانتماء إلى الفضاء الوطني التقدمي الرحب. عاش إدمون، حياة متواضعة قانعا بما كان يحصل عليه من عمله كأستاذ لمادة الفلسفة في فرنسا ثم تقاعده وكذا من عائدات كتبه ورفض وهو في سن متقدمة أن يطاب أية مساعدة من الدولة، مقاوما مساعي الأصدقاء الذين حاولوا إقناعه بقبول رعايتها بمنحه معاشا مستحقا. وفي هذا الصدد يروي أصدقاؤه أنه قاوم بكل القوة الإغراءات من دولة إسرائيل التي اعتبرها كيانا معتديا على حقوق الشعب الفلسطيني. لكن الكاتب الشهم لم يرفض التكريم المعنوي والاعتراف بقيمته كأديب ومناضل في سبيل القضية المغربية، وهكذا أنعم عليه العاهل المغربي عام 2004 بوسام الكفاءة الفكرية، وقبل ذلك حاز على جائزة المغرب الثقافية، عن مجمل أعماله. ومن المؤكد أن إدمون ترك كتابات لم تنشر، سيعمل أصدقاؤه الكثيرون على العناية بها إذا كان قد ترك وصية في هذا الصدد. وبرحيله يفقد المغرب أحد أبرز الوجوه الثقافية ذات السجايا الإنسانية الخالصة.