تميزت سنة 2005 بإطلاق الملك للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية كخارطة طريق لمعالجة كل الاختلالات الاجتماعية التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا على استقرار المغرب اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. إن المبادرة التي رصدت لها الدولة كمرحلة أولى تمتد لخمس سنوات ( 2006-2010 ) غلاقا ماليا ناهز 10 ملايير درهم، بمعدل 2.5 مليار درهم سنويا، واعتمدت فيها مقاربة تشاركية، انخرط فيها كل الفاعلين من حكومة ومجتمع مدني ومنتخبين، لم تكن خيارا إراديا للدولة، بل إن المبادرة أملتها عدة سياقات وطنية ودولية . فعلى المستوى الوطني خطاب 18 ماي 2005، جاء بعد سنتين على أحداث 16 ماي الأليمة، التي خلفت ورائها العديد من الضحايا الأبرياء، وكشفت بالملموس بأن الوضع الاجتماعي بالمغرب قابل للانفجار في أي لحظة بحكم هشاشته وبحكم ارتفاع مؤشرات الفقر والبؤس والعوز كما أشارت لذلك بحوث المندوبية السامية للتخطيط.كما أن الخطاب الملكي جاء أيضا في سياق وطني وصل فيه الاحتقان الاجتماعي درجة قصوى بفعل تزايد وثيرة الحركات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي بمجموعة من المدن. أما على مستوى السياق الدولي، فان إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، جاء عقب صدور مجموعة من التقارير الدولية الصادمة، التي نبهت إلى خطورة الوضع الاجتماعي بالمغرب، وما يمكن أن يترتب عن ذلك من نتائج سلبية تضر باستقرار هذا الوضع. التقرير السنوي للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة المتعلق بالتنمية البشرية، الصادر سنة 2005، وضع المغرب قي الرتبة 124 من أصل 177 شملها التصنيف، وهي رتبة بطبيعة الحال غير مشرفة. تقرير التنمية الإنسانية في الوطن العربي لم يختلف عن التقرير السابق في تشخيص الهشاشة، اد أن مجموعة من الدول، ومن بينها المغرب وصفت بموجب هذا التقرير بالثقب الأسود، وهي إشارة ذاله التقطتها الدولة بشكل جيد. بموازاة هذين التقريرين، صدر تقرير مكتب الدراسات الأمريكي ماكنزي بطلب من المغرب، فما كان منه إلا أن قدم عدة توصيات للمغرب للخروج من عنق الزجاجة. لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني دخلت على خط الأزمة قي المغرب، وأصدرت تقريرا في مطلع شهر أبريل 2005، اعتبر المغرب مرتعا للإرهاب نتيجة تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد. الأمر الذي سبق للعديد من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي أن نبهت المغرب إليه. بغض النظر عن السياقات الوطنية والدولية التي تكون قد تحكمت في صياغة مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فان إعلان الألفية، وإعلان الحق في التنمية، الذين صادق عليهما المغرب، إلى جانب العهد الدولي حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كلها مواثيق دولية، ترتب التزاما دوليا على المغرب بحكم التصديق عليها، وهو ما يعني أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حينما تستهدف التصدي للعجز الاجتماعي، وتشجيع الأنشطة المنتجة للدخل القار والمدرة لفرص الشغل، والاستجابة لحاجيات الأشخاص في وضعية صعبة، تكون قد لا مست قضايا جوهرية تحيل على العلاقة بين التنمية البشرية وحقوق الإنسان. إن العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية، هي علاقة شبيهة إلى حد كبير بعلاقة الروح بالجسد، فمن المستحيل جدا أن تتحقق التنمية في مجتمع لا يعير اهتمام لحقوق الإنسان. وتستمد هذه العلاقة حيويتها من كون الهدف الأسمى للجهود التنموية هو تحقيق الرفاه الاجتماعي، الذي لن نصل اله إذا قمنا بإهدار كرامة الإنسان والحط من أدميته والتضييق من هامش الحرية التي ينعم بها كحق طبيعي له. فمهما اختلفت الرؤى حول طبيعة العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان، فالثابت أن الإنسان يشكل الموضوع الرئيسي لعملية التنمية.وهذا ما أشار إليه إعلان الحق في التنمية، الذي صادق عليه المغرب، حينما أكد على أن الإنسان هو الموضع الرئيسي لعملية التنمية، التي ينبغي لها أن تجعل الإنسان المشارك الرئيسي في التنمية والمستفيد الرئيسي منها، وأن الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان الغير قابل للتصرف فيه. إن محاولة تقييم تجربة خمس سنوات من عمر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالمغرب، من خلال تتبع أداء الفاعلين الأساسيين في عملية تفعيل مضامين هذا الورش الهيكلي الكبير، ولا سيما، أجهزة الحكامة على المستويين المحلي والإقليمي، يعطي الانطباع بأن المبادرة التي أريد لها بمنطق الخطاب الملكي لسنة 2005، أن تكون تشاركية ومفتوحة على كل الفاعلين من أحزاب ونقابات وجمعيات حقوقية وفعاليات مدنية مستقلة، صارت في أحيان كثيرة مغلقة وهندستها تتم في مربع ضيق جيدا لا يسمح حتى بالاطلاع على جدول أعمال الأنشطة المبرمجة في إطارها. فاحدات اللجان المحلية للتنمية البشرية، في إطار تفعيل سياسة اللامركزية الإدارية، تقتضي أن تضم تركيبتها إلى جانب المنتخبين والسلطات المحلية والمصلحة التقنية اللامركزية، تمثيلية للنسيج الجمعوي، لها مشروعيتها وقادرة في المساهمة من موقعها في تفعيل روح المبادرة الوطنية، وليس تمثيلية صورية لجمعيات صفراء تم استنباتها في ظروف غامضة. وهذا ما يحصل للأسف الشديد. أما اللجان الإقليمية التي يتولى العمال رئاستها والإشراف على إحداثها، والتي تضم في تركيبتها إلى جانب العامل،المنتخبون من ممثلي الجماعات المحلية بما فيهم رئيس المجلس الإقليمي ورئيس المجلس الجماعي وممثلي المصالح اللامركزية للقطاعات الوزارية، يمكن لها أن تلعب دورا أساسيا في ضمان الانجاز الجيد لبرامج المبادرة على المستوى الإقليمي، إذا هي حاولت ترصيد حاجيات الساكنة بشكل جيد وحددت طبيعة المشاريع وطبيعة الفئات المستهدفة. حتى لا نتهم بإصدار أحكام قيمة، فان التقارير التي يقدمها سنويا المرصد الوطني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ينبغي مراجعتها بشكل يومي من قبل الفاعلين الأساسيين في عملية تفعيل مضامين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ولا سيما أجهزة الحكامة على المستويات المحلية والإقليمية والجهوية، فتجربة خمس سنوات صرفت فيها ميزانيات كبرى على مشاريع غير مدرة للدخل ولم تنعكس إيجابا على مستوى عيش المواطن ودخله اليومي...فهل سنستفيد من أخطاء الماضي أم أننا سنكرسها بشكل فضيع؟ سؤال مما لا شك في ذلك ستكون لنا أجوبة عليه في القادم من الأيام والشهور والسنوات. [email protected]