قبل ما يربو عن أربعة أشهر خلت، كنت قد كتبت في إحدى الأسبوعيات عن مخيم دوار" الصيابرة" التابع لإقليم سيدي سليمان، والذي كان مسرحا لمأساة حقيقية، وقعتها فيضانات فصل الشتاء الفائت. وأذكر أن زيارة الجريدة كانت قد جاءت، بعد يومين من زيارة عامل الإقليم للمخيم، حيث تفضل بتقديم "بانيي" وهو عبارة عن كيس من الدقيق وعلبتا شاي وسكر، ودراهم معدودة لكل منكوب، كما وعدهم بإعادة إسكانهم في قطعة أرضية قريبة من المخيم، مساحتها عشر هكتارات. كان هذا في شهر يونيو من السنة الجارية. وبالأمس، شاءت الأقدار أن تقودني من أمام المخيم، حيث وجدت أن الأمر لازال على حاله. عادت بي الذاكرة إلى "الهكتارات التي كان قد وعد "السيد" العامل المنكوبين بإعادة إسكانهم فيها، فسألت أحد المنكوبين عنها، فهنأني على صحة وسلامة ذاكرتي، لأن ذاكرته حسب قوله ما عادت تتسع لوعود المسئولين. وحكى لي الرجل عن الهبة التي، جادت بها جمعية إماراتية مأخرا، لفائدة المنكوبين(20.000درهم) لكل خيمة، (الله يخلف عليهم ! ! )، وكيف" كشكش وحيح "أحد مسئولي السلطات المحلية، عندما منحته الجمعية المذكورة فقط (1500درهم) وهو مبلغ صغير، رأى فيه المسئول السيئ الذكر إهانة لسعادته، وهو" الشيخ" بلغة الإماراتيين. ولست أدري كيف طفحت أمام عيني بسرعة البرق، أمام المخيم، عناوين الصفحات الأولى من صحفنا( الوطنية)، ( أب يغتصب ابنتيه، شاب يغتصب صديقه، لص يعود إلى شقة لسرقة"تيليكموند" بعد أن كان قد سرق التلفاز، حكاية السفاح الذي دوخ..) وخاصة تلك الجرائد المتنطعة، والتي يفاخر ويباهي أصحابها ببيع أكثر من ( 140.000 نسخة) " الله أعلم" وإن صدقوا " فاللهم لاحسد". ساورني إحساس مرير في غمرة "مونولوك" داخلي : مخيم عمره أكثر من عشرة أشهر، فوق أرض مغربية، يظم أزيد من ثلاث مائة خيمة، في كل واحدة منها حوالي ستة أفراد، أي ما يعادل ألف وثمان مائة (مواطن) " نظريا على الأقل". جردتهم الفيضانات من ممتلكاتهم البسيطة، اغتصبهم البرد في فصل الشتاء، واغتصبتهم الحرارة في فصل الصيف، واغتصبهم الجوع في كل الفصول، كما سيغتصب الجهل أبنائهم بفعل الهدر المدرسي، وهو أشد وأفتك الغاصبين. أفلى يستحق هؤلاء المغتصبين، عناوين كبيرة في الصفحات الاولى من جرائدهم (الوطنية). أليست ألف باء الصحافة تقول: الخبر هو الذي يفرض نفسه كخبر؟ وأن هذا الأخير، هو ما هم شريحة كبيرة من الناس؟ ألا تهم مأساة( 1800)منكوب مغربي كل المغاربة؟ وأين هو المنطق الإنساني، والنفسي، والجغرافي، ومنطق القرب، وغيرها من المنطلقات، التي تحدد وتحفز الكتابة الصحافية؟ أم أن شهية القارئ لا تنفتح لأخبار البر اريك والمخيمات، كما يتذرع بعض فقهاء ومقاولي الصحافة، والرأي عندي، أن شهية المالكين لزمام الأمورهي التي انغلقت، وضاقت ذرعا بهذه الأخبار( لأن سبعة أيام ديال الباكور سالات) وعلى الصحافة أن تخفف من حدتها وتعود إلى المواقع التي رسمت لها ( لنسمع وقع خطانا على الأرض ) كما قال الشاعر أحمد درويش. ولعل أهل منطقة الغرب صادقون عندما يثهمون الصحافة بالتآمر عليهم، وهي التي سحبت أقلامها، وابتلعت ألسنتها، أمام الفظائع التي واجهوها ولا زالوا حتي كتابة هذه السطور، ورب قائل يقول:"إن بعض الظن إثم". أم أن منطق السوق والربح، هما المحددان والمتحكمان، في فلسفة وتفكير كثير من الزملاء، سامحهم الله، وهنا نقول "إن بعض الظن، لعين الصواب، وكبد الحقيقة". " الأخبار الملاطية تعني الأخبار التافهة والكاذبة" *صحفي بجريدة الرهان الأسبوعية.