انخفاض المبيعات العقارية ب21% .. والأسعار ترفض النزول    إيقاف 6 أشخاص متورطين في سرقة وتهريب هواتف من فرنسا    تساؤلات برلمانية حول نجاعة الإنفاق العمومي بقطاع تربية الأحياء البحرية    بعد ضمان التأهل للمونديال …. أسود الأطلس تصل زامبيا لمواجهة منتخبها الوطني !!    نمو مطار الحسيمة.. أزيد من 92 ألف مسافر في 8 أشهر    محاولة جماعية لعشرات القاصرين لاجتياز الحدود نحو سبتة المحتلة    مهرجان اللوز بآيت تكلا بأزيلال يكرس مكانته كرافعة للتنمية والتراث المحلي    نائبة برلمانية للميداوي: رسوم دراسة الموظفين تكرس منطق المتاجرة في التعليم    هيئات صحفية ونقابية ترفض مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    التوفيق: الذكاء الاصطناعي يثمن خطب الجمعة الموحدة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح عاصفية بعدد من أقاليم المملكة    العاهل الإسباني فيليبي السادس يلمح لزيارة مليلية        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    موسم "ذراع الزيتون" بالرحامنة.. ذاكرة المقاومة وتلاحم القبائل    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    بعثة المنتخب المغربي تصل إلى مدينة ندولا استعدادا لمواجهة زامبيا    العلاقات المغربية التركية: دينامية متواصلة من أجل شراكة واعدة    مطار الداخلة... خلل في الخدمات يسيء لصورة وجهة سياحية واعدة    رقم قياسي جديد في المبادلات التجارية بين المغرب والصين    في رسالة مصورة: 'إنفانتينو' يصف تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم 2026 بالإنجاز الاستثنائي    الذكاء الاصطناعي يكشف توقعاته في تأهل المنتخبات العربية والإفريقية رفقة المغرب    مبابي يسير بثبات نحو "لقب" أفضل هداف في تاريخ المنتخب الفرنسي    انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفن التشكيلي بتطوان    بادو الزاكي: الخسارة أمام المغرب "عادية".. فهو أفضل منتخب إفريقي    ميناء الحسيمة يسجل تراجعا في مفرغات الصيد البحري    ترامب يوقع على قرار يغير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب رسميا    آلاف المغاربة يتظاهرون ضد الحرب على غزة والتطبيع... والدولة تواصل تعزيز علاقاتها مع إسرائيل    لجنة تؤطر النموذج الجديد للصيدليات    افتتاح الدورة ال13 للمهرجان الدولي "ملحونيات" بأزمور    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح اللاممركزة للأمن الوطني في عدد من المدن    ترامب يقول إن أمريكا تجري مفاوضات متعمقة مع حماس    المفوضية الأوروبية تغرم "غوغل" 3,5 مليار دولار لانتهاكها قواعد المنافسة    كأس العالم 2026 .. المغرب القوة الصاعدة في سماء كرة القدم العالمية    عدد مستخدمي "شات جي بي تي" يتجاوز 20 مليونا في غشت    ألمانيا تدشن الحاسوب الفائق "جوبيتر" لتعزيز قدرتها في الذكاء الاصطناعي    تلميذة تنال شهادة الباكالوريا الفرنسية في سن التاسعة    سمكة قرش تقتل رجلا قبالة شاطئ سيدني        طنجة.. الدرك الملكي يوقف شابًا متورطًا في ترويج المخدرات وحبوب الهلوسة    ساكنة مدينة الجديدة تخرج لتجديد العهد على نصرة ف.ل.سطين    موهوزي كاينيروغابا .. جنرال أوغندي مثير للجدل يقود المعارك عبر "إكس"    مسعد بولس يلتقي دي ميستورا في واشنطن ويؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو "الحل الوحيد"    الزلزولي يتدرب منفردا مع ريال بيتيس    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    حينما يتحدث جاد المالح، ينثر الابتسامات، يؤجج العواطف، ويؤكد ارتباطه العميق بالمغرب    بعد سنوات من الرفض.. أوروبا وأمريكا تعتمدان علاج مبتكر ضد ألزهايمر    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس        رضوان برحيل يعلن موعد إصدار جديده الفني    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    علماء يحددون البكتيريا المسؤولة عن أول جائحة في التاريخ البشري    دراسة: ثلاثة أرباع واد سبو في سيدي علال التازي تُصنف ضمن "التلوث المرتفع جدا"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بوزكو يكتب.. في أعالي المتعة
نشر في ناظور سيتي يوم 28 - 03 - 2017


أما قبل...
قبل مشاهدة مسرحية "في أعالي البحر" بالمركب الثقافي بالحسيمة، كانت لي جلسة قصيرة مع مخرجها يوسف العرقوبي كلمني خلالها عن ظروف الاشتغال ومدني ببعض المعلومات وبخاصة عن مؤلف المسرحية البولوني سلافومير مورزيك وكيف انه حاول بمعية الكاتب عزيز الإبراهيمي جعل الأحداث تتوافق مع واقع الريف. إإذاك لم اقف كثيرا عند هذا الأمر إلا أنني، لكني وأنا اتابع العمل وأشاهد ثلاثة اشخاص جائعين وسط بقايا مركبة غارقة في أعالي البحر تتمايل وسط الظلام جراء امواج متحركة وكل منهم يخطط كيف يأكل الآخر... نعم وأنا اتأمل المشهد شد انتباهي حركة الموج كيف تتحرك... ولعل ذكاء ونباهة فكرة السينوغرافيا وتقنية صنع الأمواج وهي تتحرك على تغمات صوتها هو ما جعلني اقف بالضبط عند حراك الموج ذاك ليقفز بي التفكير نحو حراك المجتمع... وتتناسل الأفكار تباعا... صراع الابطال... المتسلط... الانتهازي... المتقلب... التكتيك المتبع ثم القاموس المستمعل... لأقف عند خلاصة لابد منها ولو كانت مجرد صدفة... أليست الحسيمة/الريف هي بالذات بقايا تلك المركبة؟ أوليست تلك الشخصيات ذاتها من تحرك الأحداث فوق اللوح الخشبي وفي الواقع؟ ثم اليس الموج المتحرك هو اللامتيقن منه... أي المجهول الذي يتقاذف بالجميع؟
على اي هذه مجرد وقفة أمام مشاهد مصغرة لمسرحية كتبها بولوني تعرض فوق خشبة بمدينة هي ذاتها مسرح لأحداث تتقاطع لحد كبير بين ما كتب وما يقع... ولكل منا حق البحث في الواقع عن ذاك المتسلط وذلك الانتهازي وذاك المتقلب... و في آخر المطاف عن اولئك الضحايا...
أما بعد...
لا بد من الإعتراف أولا انني كلما قصدت الحسيمة إلا ورجعت منها منشرحا وفخورا... مدينة حية متحركة مشبعة بالروح والدفئ... تجعلك تشعر بأنك بالفعل موجود... حراك مجتمعي حي... كر وفر... قمع وهروب... نقاشات هنا وهناك... أفكار تسير في اتجاهات مختلفة... وفعل ثقافي لا ينضب... وانا القادم من مدينة شبح... مكفهرة وشاحبة كبائعة هوى مسنة...
في ظل هذا الجو تابعت مشاهد مسرحية "في أعالي البحر".
اول ما شدني وأنا استمتع بمتابعة هذا العمل ثلاثة أشياء... الصمت، الموج وصوته ثم الظلام... الصمت كان بليغا... معبرا... لكنه ليس بالضرورة حكيما كما يقال دائما، لأن دوره هنا كان محتالا... كاشفا للمستور... الصمت خلته كجلاد يتربص بضحاياه في جنح الظلام... على رقصات الموج... أوليست الشخصيات كلها ضحايا لهذا الصمت المريب؟
وكم هو صعب ان يستفرد بك الصمت وسط الظلام والامواج تتقاذف بك في أعالي البحر!... ذاك الصمت الحاضر بكل ثقله كي يذيب الكلام ويجعله دون جدوى... الصمت جعل منه المخرج زئبقا ملتويا ومنفلتا ومتربصا بكلام الشخصيات كي يحتويها ويتكلم هو.
وتأتي الأمواج... تأتي بصوتها ليس لتكسر ذاك الصمت كما قد يبدو بل تأتي لتتواطئ معه وتجعل منه ذاك الحاكم المتسلط وسط مساحة لا متناهية من الظلام.... فحين يجتمع الصمت بالموج وصوته في أعالي البحر ووسط الظلام تصغر باقي الشخصيات ويبدو صراعها بينها، مهما بدى كبيرا... صغيرا، ضعيفا، بل وبلا قيمة احيانا... ما دام السائد والمنتهى صمت، ظلام وموج...
تتشابك الشخصيات الثلاثة في ما بينها وتتصارع من أجل الأكل... من اجل البقاء... يحضر المكر والخداع... يستاسد القمع والتسلط... يتفشى الكذب والغش... لكن دون جدوى وكأنه العبث... لان كل ذلك لا يساوي شيئا أمام الثالوث الأبدي... الصمت، الموج وصوته ثم الظلام. ثلاث شخصيات رئيسية وحاضرة تصارع الغياب وحولها تحيط ثلاث شخصيات اخرى قد تبدو ثانوية وغائبة لكنها تصارع الحضور.
هي ذي الحقيقة الحقيقية التي حاول المخرج أن يبلغها لنا، فهو لم يقف عند حدود النص وصراع الشخصيات فوق خشبة وسط البحر بل انتقل بنا للمحيط... للحلبة التي تقع فيها الاحداث ليجعل منها الحاضر بقوة... وهنا لا بد من الإعتراف له باجتهاده هذا بحيث انه اخرج لنا مسرحية اخرى من النص الأصلي... مسرحية شخوصها الثلاث، وكما سبق الذكر، هم الصمت، الموج وصوته ثم الظلام... إنها شخصيات متماهية مع الشخصيات الأصلية... وهذا التماهي ليس بالضرورة إيجابا... وليس حقيقة مطلقة ما دام الكل يتحرك وغير متيقن منه. ولعل اعتناد التقنية السنيمائية في بعض المشاهد أضاف للعمل جمالا وجودة جعلتنا نقترب للواقع أكثر.
ويأتي الأداء... اداء الممثلين... تشخيص متقن... منسجم ومتناسق وأحاسيس تجعلك تعيش الأحداث بجوارحك... محمد سلطانة، طارق الصالحي، محمد بنسعيد وحيدوش بوتزوكانت تمكنوا من خلال صراعهم، مكرهم وخداعهم... ومن خلال حركاتهم وتنقلهم فوق الخشبة وكذا حضورهم الجسدي... تمكنوا من ضبط صراعهم، ليس في ما بينهم فقط، بل صراعهم ضد الشخصيات الآخرى السابق ذكرها... احيي فيهم الانضباط في الأداء... والقوة في التشخيص... والدقة في الحركة والتنسيق. وكم كانت بعض المشاهد قوية حين يصمت الجميع ليتكلم الصمت والموج... وكم من مرة طغى فيه حوار الصمت والموج على حوار الشخصيات... ان سكوت الشخصيات لتفسح المجال كي يتكلم الصمت والموج لهو في حد ذاته حوار... تقاسيم وجوههم... رقصات اعينهم وبريق لمعانها وهي تداعب الصمت تارة وتارة تنتشي صوت الموج... كل هذا حوار وصراع... حوار بين النسبي والمطلق... بين المادي واللامادي... بين الحقيقة والكذب وصراع من أجل ضمان الإستمرار في محاولة لضمان البقاء.
هكذا بدت لي المسرحية... هي فعلا مسرحية بنيت على كذبة لتتفتق منها الحقائق.
كما العادة لم يخيب أملي من انتقالي لمدينتي الثانية... ولم يخب املي في المخرج يوسف العرقوبي ولا في ممثليه الذين أبدعوا ولا في الكاتب عزيز الابراهيمي ولا حتى في كامل فريق عمله... لأنهم أثاروا مشكلة الصراع داخل الصراع... ولأنهم سلطوا الأضواء من الأعلى على حقيقة صراعات تتقاذفها الامواج في أعالي البحر وفي صمت وسط الظلام... وبمنتهى الابداع.
تبقى الإشارة لنقطة مهمة وهي أن الإنارة كانت في مستوى أقل من العمل ولعل ذلك راجع بالأساس لبنية المركب الثقافي الذي يفتقد لتنظيم ضوئي متكامل. كما كنت أود إقحام العنصر النسوي في العمل حتى تكتمل العناصر المكونة للجنس البشري وحتى يعطي للموضوع قوة ومصداقية أكثر .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.