أرقام صادمة تلك التي كشف عنها وزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي، عندما أكد أنه تم ضبط 4235 حالة غش في امتحانات الباكالوريا لهذه السنة؛ بنسبة ارتفاع بلغت 116 في المائة مقارنة مع دورة السنة الماضية. ولم تكن الأرقام المُعلن عنها وحدها من أثارت التساؤلات حول مستقبل بُناة الغد، إذ لم تمر إلا أيام عن انتهاء امتحانات البكالوريا حتى تفجرت فضيحة غش في أحد الامتحانات بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة. ارتفاع نسبة الغش في الامتحانات يدفعنا إلى التساؤل حول كيف أصبحت لدينا منظومة تعليمية تُكون غشاشين، وكذا جامعات تُنتج غشاشين؟ وأي مصداقية للشواهد التي يحصل عليها هؤلاء الطلبة؟. عبد الرزاق الإدريسي، الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي)، يرى أن ظاهرة الغش في الامتحانات تتماشى مع ما يسود من سوء القيم في المجتمع المغربي، ذلك أن" الغش هو العملة السائدة وعدم الغش هو الاستثناء، والغش هو العادي وعدم الغش هو غير العادي، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه العكس". وأضاف الإدريسي، في تصريح لموقع "نون بريس"، أن " الشخص الذي لا يغش يعتبر أنه غير عادي وليس شخصا متطورا، كما الحال بالنسبة للرشوة والمحسوبية والزبونية والمكر فهي أيضا نوع من الغش، ولها علاقة بما أصبح في مجتمعنا من تدني القيم والأخلاق". وأكد الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، أن " هذا الشيء راجع بالأساس لسوء التربية والتعليم، وغياب نوع من المساءلة والمحاسبة على مختلف المستويات، ذلك أنه عندنا سياسة اللاعقاب المُنتهجة في بلادنا ضد ناهبي المال العام والمسؤولين، إلخ..". واستطرد الإدريسي، قائلا:" فمثلا المجلس الأعلى للحسابات ينجز تقارير، غير أنها تظل بدون متابعة ومحاسبة بما فيها تقارير حول التربية الوطنية والتعليم، وأن هناك ناهبي المال العام في التعليم والتربية الوطنية ولكن بدون مساءلة وبدون محاسبة". إذن هذا الشيء، يضيف المتحدث ذاته، " لا يخص مجالا دون آخر، ولكن مع الأسف عندما يصل إلى مجال التعليم والتربية، والتهذيب والأخلاق، والعلم والمعرفة، ويصل الإعداديات التأهيلية وكذا التعليم العالي، فإنه مؤسف وراجع بالأساس إلى كون أنه لا يوجد لدينا سياسات تعليمية في المستوى، لا على مستوى المناهج ولا على مستوى البرامج والمدرسين والمدرسات وتأهيلهم، لأنه إن كان لدينا نظام تعليمي صحي وفي المستوى لن يلجأ التلميذ إلى الغش ولم يكون هناك عقاب". و"بما أن النظام التعليمي منخور بشهادة الجميع، فإنه يكون عبارة عن تربة خصبة لمجال الغش وغيره" يؤكد الإدريسي. مشيرا إلى أنه لاحظ خلال عملية تجميع نتائج انتخابات اللجان الثنائية لممثلي الموظفين، أن الإدارة والوزارة قامتا بغش واضح. متابعا "وفي وقت نشدد فيه على عدم قيام التلاميذ والطلبة بالغش، نجد مسؤولين يقومون بالغش". وكشف أنه تمت مراسلة كل من رئيس الحكومة، ووزير الاقتصاد والمالية بصفته مسؤولا عن الوظيفة العمومية، والأمين العام للحكومة بصفته مسؤولا عن التوقيع على وثائق الانتخابات، وكذا وزير التربية الوطنية، بخصوص الموضوع ولكن بدون رد. وبالتالي، يضيف الإدريسي "عندما تصل الأمور إلى هذا الحد، فيجب أن يكون هناك تغيير في البلاد يشمل جميع القطاعات والمستويات ويجب أن تسود قيم داخل المجتمع كما كان في السابق والتي لا يزال جزء منها وهي قيم الأخلاق والمعقول". ولفت الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، إلى أن آباء وأولياء التلاميذ يعتبرون أن الغش حق ومن الواجب على المدرس والإداري أن يسمح للتلميذ بالغش. وحول تأثير عمليات الغش في الامتحانات في مصداقية الشهادات التي تمنح للطلبة، قال الإدريسي، إن العمليات تكون مرتبطة بالكامل ولها تأثير سلبي ليس على الشهادة فقط، وإنما على العلم والمعرفة والحرفة والمهنة. ذلك أن " أقل ما يمكن أن يقال عن أي طبيب أو مهندس أو شاعر أو أديب نجح عن طريق الغش إلا أن يكون مُفلسا، وشهادته لا يمكن إلا أن تكون مفلسة كذلك؛ لأن الأمور بأكملها مبنية على الغش، وهذا الشيء مع الأسف أصبح عاديا". وفق المتحدث ذاته. وشدد الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم، على ضرورة أن يكون هناك مجهود كبير على جميع المستويات (التربية، والأخلاق، والتعليم، والأسرة، والمجتمع، والإعلام السمعي والبصري، والمواقع الإلكترونية) للمساهمة في تنقية المجتمع من هذه الشوائب.