حادثة سير خطيرة قرب "بيت الصحافة" بطنجة تُخلّف إصابتين بليغتين    الشارع الإسباني يرفض خطاب الكراهية ويدعم التعايش مع الجالية المغربية    المديرية الإقليمية بالعرائش تحتفي بالتميز الدراسي في موسم 2024 – 2025    تهنئة : سكينة القريشي تحصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد والتدبير بميزة مشرف جدا    أخنوش: توسعة مصنع "ستيلانتيس" بالقنيطرة ستمكن من مضاعفة طاقة الإنتاج    لجنة التعليم والثقافة والاتصال تباشر مناقشة تفاصيل مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    ماذا لو كان للشعب قادة؟؟؟    غزلان الشباك ضمن فريق دور المجموعات في "كان" السيدات المغرب 2024    كرة القدم المغربية تودع أحمد فرس    الموت يغيب الدولي المغربي السابق أحمد فرس    وفاة الوزير والسفير السابق عبد الله أزماني خلال عطلة بأكادير    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى أفراد أسرة المرحوم أحمد فرس    الأمواج تبتلع أما وثلاثة من أطفالها في شاطئ مهجور بالجديدة    توقيف فرنسي مبحوث عنه دوليا في الدار البيضاء    النيابة العامة: معتصم خزان بني ملال لم يُبلغ سابقا عن شكوكه بوفاة والده    جلالة الملك : المرحوم أحمد فرس قدوة للأجيال        دبلوماسية المغرب الناعمة تهزّ أركان الجزائر: تحوّل تاريخي في جنوب إفريقيا            بعد ميسي.. لامين يامال يحمل رقم 10 في البارصا    واقعة معتصم "شاطو" جماعة اولاد يوسف تخرج الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ببني ملال ببلاغ للرأي العام    الكاف يختار غزلان الشباك ضمن التشكيلة المثالية لدور مجموعات "كان السيدات"    الدار البيضاء: توقيف مواطن فرنسي موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    هيئات حقوقية وحزبية پإوروبا تتضامن مع المهاجرين المغاربة بمورسيا    أتلتيكو مدريد الإسباني يعزز صفوفه باللاعب كاردوسو القادم من ريال بيتيس    ارتفاع طفيف في أسعار الغازوال واستقرار في البنزين بمحطات الوقود بالمغرب    لجنة تسيير قطاع الصحافة تسلم حصيلتها للحكومة وتوصي بإصلاح جذري ينطلق من تأهيل المقاولة والإعلاميين    58 ألفا و573 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    الدورة الثانية لمهرجان العيطة المرساوية تنطلق عبر ثلاث محطات فنية بجهة الدار البيضاء سطات    المساعدات الدولية للبلدان الفقيرة في مجال الصحة قد تسجل أدنى مستوياتها منذ 15 عاما    أكثر من 300 قتيل في جنوب سوريا    كلمة .. وسعوا النوافذ ..ففي البدء كانت الكلمة...    رحلة إلى قلب الفلامنكو في مسرح رياض السلطان بطنجة    خواطر وهمسات على أديم الفضاء الأزرق    بورصة البيضاء تغلق على الانخفاض    الحشرة القرمزية تعود لتهدد حقول الصبار بالمغرب    هل تكتب أو تنشر أو ترسم للأطفال؟..الجائزة الدولية لأدب الطفل ترحّب بالمواهب المغربية والعربية.    وزارة الثقافة الفرنسية: المغرب خزان فني في ازدهار مستمر    إحداث نحو 49 ألف مقاولة بالمغرب مع نهاية ماي منها أزيد من 15 ألفا في البيضاء    إسرائيل تقصف رئاسة الأركان السورية    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    خامنئي: هدف الحرب إسقاط النظام    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن        قمة أورومتوسطية مرتقبة في المغرب.. نحو شراكة متوازنة بين ضفتي المتوسط    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأجواء العامة بإقليم الحسيمة ما بين فترة الهدنة، مسيرة 20 يوليوز و خطاب عيد العرش‎
نشر في نون بريس يوم 29 - 07 - 2017

أحداث كثيرة تلك التي جرت من يوم إعلان رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني عن الهدنة، مرورا باستمرار الاحتجاجات، التعبئة ل 20 يوليوز و الدعوة آلى الخروج يوم 30 يوليوز المصادف لذكرى عيد العرش.
"الهدنة" فوطوشوب يخفي الحقيقة
كل بعيد عن الحسيمة، خارج عن الريف و متابع لمجريات الحراك عن بعد في ظرفية بداية شهر يوليوز بالذات يظن أن دعوة العثماني لما أسماه ب "الهدنة" في خرجته الإعلامية الأخيرة قد أعطت أكلها و أعادت الأمور بالمنطقة إلى نصابها، و أن نشطاء الحراك رجالا و نساء قد التزموا بملازمة منازلهم و عدم الخروج إلى الشارع إلا لقضاء حوائجهم، شريطة الكتمان و الصمت دون كل تلك الشعارات التي كانوا يصدحون بها عفويا في أي زمكان. بيد أن كل تلك الظنون إثم و تصديق الهدنة غباء و واقع ما يجري بالحسيمة شيء آخر.
نشطاء حراك الريف آمنوا و أجزموا على أن الهدنة الحقيقية لن تكتمل بل و لن تكون في الأصل إلا بإطلاق سراح جميع المعتقلين، فقد وحدت ساكنة الريف جمعاء قناعاتها على أن الخطوة الأولى و الأساسية التي يمكن للدولة القيام بها لتهدئة حقيقية للأوضاع، إذا كان هذا هو الهدف المتوخى حقا، هو إطلاق سراح المعتقلين و لو بشكل تدريجي، حتى يظهر للعموم و للعالم الذي أصبح يترقب جديد أحداث الريف أن الدولة فعلا لها نية صريحة لحل هذه الأزمة دون تسجيل أية خسائر.
"نون بريس" عاينت الأوضاع و الأجواء الأخيرة لما بعد الهدنة عن كثب، نشطاء الحراك أكدوا أنهم ينتظرون عن ظهر قلب ظهور أية مبادرة واقعية و مسؤولة لحل أزمة الريف، و أضافوا أن أية خطوة للإصلاح و المصالحة يجب أن تسبقها خطوة أساسية تتمثل في إطلاق سراح جميع المعتقلين بعد تجريدهم من كل تلك التهم "الواهية" التي يتابعون بها -حسب تصريحات النشاطء-. و أضافوا أيضا أن الحراك عاهدهم أنه سيعود إلى أوجه الأول إذا لم تكن هناك أية مبادرة قريبة لحل الأزمة التي لا تخطو خطوة نحو الانفراج إلا و ظهرت خطوات أخرى إلى الوراء.
"شن طن"، "طن طن" و احتجاجات الشواطئ حاضرة بقوة في الحسيمة و النواحي، رغم ما يمكن أن يطلق عليه ب "الهدنة" أو كما وصفها لي أحد النشطاء ب "الهدنة فوطوشوب".
يمكن القول أنه في الأيام الأولى مباشرة ما بعد دعوة الهدنة كانت مظاهر هذه الأخيرة مغيبة بشكل تام، و الأمر راجع بالأساس إلى استمرار التدخلات الأمنية في فض و نسف أي شكل احتجاجي يزعم النشطاء تنظيمه بشوارع المدينة. الاعتقالات ظلت قائمة خصوصا يوم الثامن من يوليوز حين اعتقل 27 ناشط بالحراك بعد شكل احتجاجي حاول أن ينفذه النشطاء وسط المدينة.
* يقول النشطاء أنه رغم يقين المسؤولين بأن السبب الرئيسي في تضخم الوضع حول قضية الريف بشكل عام راجع لهذه الاعتقالات "العشوائية" الممنهجة، إلا أن هذه الأخيرة لا زالت مستمرة و مساهمة في تأجيج الوضع أكثر. و بالتالي يمكن القول أن هناك عجز جامح للجهات المسؤولة في احتواء الأزمة و إعادة التوازن و تهدئة الأوضاع و إصلاح ما يمكن إصلاحه -يقول النشطاء-.
مظاهر العسكرة و لعبة "الكاش كاش"
الداخلية مصممة على أن تلعب لعبة الغميضة "كاش كاش" مع ساكنة الريف، تلغي مظاهر العسكرة من منطقة و تسقطها على مناطق أخر. لا يخفى للعلن و للمارة أن ساحة محمد السادس أو كما أطلق عليها نشطاء الحراك بساحة "الشهداء" قد تجردت من لباس العسكرة الذي كانت ترتديه منذ مدة و من آليات العسكرة التي كانت تكتسيها، بيد أنها الساحة الوحيدة في منطقة بأكملها التي تم إطلاق سراحها.
و أنت تتمشى في شارع الجزائر و على طول شارع طارق بن زياد، و حي أفزار ثم قرب ملعب ميمون العرصي و أمام المعهد الإسباني و قس على ذلك من شوارع المدينة، سترى سيارات أمن بالجملة تلك الخاصة بالتدخل السريع و غيرها من جميع الأصناف ترتكن هنا و هناك و تتخذ من شوارع المدينة ملجأ لها. تجدها مستعدة لأي تدخل أو نسف أي تجمع حتى و إن كان التجمع بحجم أصابع اليد.
لا نخفي أيضا حجم السعادة التي عايناها على وجوه نشطاء الحراك و الساكنة بشكل عام حين إفراغ الساحة من رجال الأمن و آلياتهم مباشرة بعد دعوة العثماني إلى الهدنة، بحيث اعتبروها خطوة و مبادرة أولية محسونة تدعو بشكل صريح إلى تبني الحلول العقلانية و الرشيدة التي يمكن أن تساهم في انفراج الأزمة. و كالعادة الحلم سرعان ما تبخر حين العثور على كل تلك الآليات و رجال الأمن متفرقين في مناطق و أحياء أخرى مجاورة لساحة الشهداء، في تأكيد صريح على أن المسألة في الواقع لا تتعلق إلا بمهرجان قريب ستحتضنه الساحة أو بزيارة لوفد خارجي أو بأمور أخرى من هذا القبيل -حسب تصريح العديد من النشطاء-.
حراك إمزورن انخراط شيه كلي من طرف الساكنة
إمزورن المنطقة التي لا تتوقف فيها الاحتجاجات مذ بداية الحراك، المنطقة التي تنجح أشكالها الاحتجاجية بنسبة كبيرة مذ بداية الحراك و بشهادة الإقليم كاملا، إمزورن المنطقة التي يغلق تجارها محلاتهم التجارية من أصغرها إلى أكبرها، إمزورن التي تركت الساحات بعد قوة التدخلات الأمنية و اتخذت من التلال القريبة مكانا جديدا للاحتجاج، إمزورن "المحافظة" التي خرجت الكثير من نساءها لتحتج على الوضع.. إمزورن التي التزمت بمواصلة الحراك تؤكد و تصر على أن لا عودة إلى المنازل دون إطلاق سراح المعتقلين و الشروع في تنفيذ الملف الحقوقي للإقليم.
شهدت منطقة إمزورن ركود اقتصادي كبير على غرار ما يشهده الإقليم، بحيث استمرت في إغلاق محلاتها التجارية منذ الإضراب الأول. و لم تشهد المنطقة حركية إلا يوم السبت 8 يوليوز حسب ما عاينته "نون بريس"، بحيث عادت الأمور مبدئيا إلى نصابها وعادت الساكنة لتمارس حياتها بشكل "طبيعي" ضمنيا.
القسم "الضمير المؤنب"
رغم ما دعا إليه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لما أسماه بالهدنة، إلا أن النشطاء أبوا إلى أن يظلوا حبيسي منازلهم و عابدي نشاطاتهم اليومية. يتذكرون بين الفينة و الأخرى القسم المؤدى و قادة و نشطاء الحراك المعتقلين و عائلاتهم التي تعاني في سفريات زياراتها لهم و ما إلى ذلك.. شباب الحسيمة أقسموا أن لا هدنة إلا بإطلاق سراح جميع المعتقلين و تمتيع الإقليم بحقه في العيش الكريم و رفع كل مظاهر العزلة و التهميش و الإقصاء و مظاهر العسكرة على رأسها -حسب التصريحات المتوفرة لدينا-.
سيف الدين الاستثناء
أيام "الهدنة" خرج الطفل سيف الدين بتصريح أحدث الاستثناء و أثار الرأي العام الوطني و الدولي، سيف الدين، طفل في السادسة من عمره؛ من منطقة امزورن، دعا نشطاء الحراك إلى الخروج للاحتجاج و نصرة المعتقلين، في محاولة منه لتذكير كل من أدى القسم أنه لا زالت هناك قضية أقسموا فيها أن لا يتراجعوا عن تحقيق المطالب الحقوقية و إطلاق سراح المعتقلين قبل كل شيء.
سيف الدين الاستثناء، استدعي إلى مخفر الشرطة بإمزورن للتحقيق معه بعد الفيديو التي تناقلته مختلف وسائل الإعلام و على رأسها موقع فايسبوك و غيره. التحقيق استمر لما يقارب 4 ساعات تم فيه توبيخ الصغير على ما صرح به و دعا إليه، منبهين والده لما فعله الابن/ الطفل -حسب تصريح الوالد-.
سيف الدين واحد من مئات الأطفال بالإقليم الذين تكونت عندهم شخصية ثورية، أطفال يتحدثون كالشيوخ. عاينا الكثير من الوقائع و الصور التي تؤكد أن الطفولة في الحسيمة في طريق التغييب.
استمرارية الاحتجاجات "صفعة النشطاء للهدنة"
لم يكن على نشطاء الحراك إلا أن يكملوا مسيراتهم الاحتجاجية رغم ما أطلق عليه ب "الهدنة". فقد استمرت الاحتجاجات و استمر النشطاء في إبداع مجموعة من الأشكال من بينها فكرة "البالونات"، حيث قام شباب الحراك بتدوين مجموعة من الرسائل التي تطالب برفع مظاهر العسكرة، إطلاق سراح المعتقلين و الاستجابة للملف الحقوقي لساكنة الحسيمة و غيرها.. البالونات أطلقت في الهواء بما فيها من رسائل، و بعدها ظلت محلقة لما يقارب اليومين أو أكثر.
في ذات السياق، استمرت احتجاجات الشواطئ، و التي ارتأى فيها النشطاء في وقت استجمامهم و راحتهم أن يستكملوا مسيرتهم النضالية، تحت شعار "لا وقت يضيع عن المطالبة بحقوق الريف".
يقوم الشباب من النشطاء بمسيرات و وقفات على هوامش شواطئ الحسيمة مرددين شعاراتهم المعهودة، أو يدخلون الماء متخذين من الصخور الكبيرة وسط البحر مرتعا للاحتجاج و التجمع و ترديد الشعارات.
استمرار الأشكال الاحتجاجية بمدينة الحسيمة هو اعتراف أو رسالة صريحة و واضحة للدولة و للجهات المسئولة، فحواها و مفادها أن أبناء الريف لا يضيعون الوقت و لا حتى ثانية منها ليرفعوا شعاراتهم و يطالبوا برفع العسكرة و إطلاق سراح المعتقلين وسراح الإقليم على حد سواء.
النشطاء لا زالوا يعبئون لمسيرتهم المليونية (20 يوليوز) التي تصادف ذكرى معركة أنوال، و لا زالوا يأملون في أن هناك غد سيحمل معه الكثير من الحبور، و لهم أمل كبير أن هناك من رشيد سيزف لهم خبر يسر له إقليم الحزن هذا..
التجمعات و الوقفات الفجائية بالحسيمة (كيف ذلك؟)
و أنا أجوب شوارع الحسيمة في زيارتي الأخيرة هذه و التي يعبأ فيها لمسيرة 20 يوليوز، استغربت من الطريقة التي يتبعها ساكنة المدينة في بدء تجمعاتهم و وقفاتهم الاحتجاجية و كيف يجتمعون و كأنهم أتثوا للوقفة بشكل مسبق.
كنت في شارع الجزائر، قبل أن أسمع امرأة تصدح بصوت عال جدا و تقول "إيمازيغن، إيمازيغن"، ترفع يدها إلى السماء راسمة شارة "النصر". في نفس اللحظة تعالت كل الأصوات التي كانت مارة من الشارع ترد على شعار المرأة، الكل يصدح بهتافات الحراك ليجتمعوا في نقطة واحدة، قبل أن تتدخل القوات العمومية لتنسف الوقفات الفجائية متبعة منهج قطع الأوصال، تدخل الشوارع بسيارات الأمن فتفض التجمعات و تعود الأمور إلى مجراها.
وسط الحسيمة فقط يمكن أن تكون مارا بمعيتك أسرتك، والديك أو إخوتك، حتى تسمع شعارا ارتفع إلى السماء بصوت عال لتنظم أنت الأخير و كل من يرافقك و تصدح بنفس الشعارات و كأنك كنت على موعد مسبق بوقفة مناصرة للحراك و معتقليه.
في الحسيمة فقط يمكنك أن تقصد أحد الشواطئ بالمنطقة للسباحة و الاستجمام حتى تجد نفسك تناضل على رمالها من أجل إطلاق سراح المعتقلين. بل حتى و أنت غاطس تحت الماء و بمجرد سماعك لشعار منسوب للحراك حتى ترتفع إلى سطح الماء بسرعة لتنظم إلى الجمهور.
كل هذه الأمور تحدث في الحسيمة، و قد عايناها عن كثب و رأينا كيف تسير وقفات "شن طن" و كيف يبدأ النشطاء أشكالهم، و عن الأوضاع العامة داخل المدينة و الإقليم عموما في ظل ما يشهده من حركة و حراك.
أخطاء تؤجج الوضع بالحسيمة و تقتل الهدنة
من الأخطاء الكبيرة التي كان من شأنها زيادة نسبة الاحتقان في أوساط الإقليم و تأجيج الوضع أكثر و التأكيد و الحث الصريح على الخروج في مسيرة 20 يوليوز التي كان مبرمج لها قبل أشهر، من قبل حتى اعتقال قائد الحراك و رموزه، هو تسريب فيديو ناصر الزفزافي و هو شبه عار، بهدف درء تهمة التعذيب الجسدي التي روج لها عن طريق التقرير الأولي للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان و عبر تصريحات المعتقلين لأولياء أمورهم و لقضاة التحقيق و لهيئة دفاعهم أيضا. و هي التصريحات التي أكدت على تعرض النشطاء المعتقلين للتعذيب خلال جلسات التحقيق التي أجريت معهم في مركز الفرقة الوطنية بمدينة الدار البيضاء.
ظهور الزفزافي و كأنه منوم مغناطيسيا، و بحركات "روبوتية" يرفع لباسه التقليدي ليظهر أجزاء كبيرة من جسده أمام علبة الكاميرا التي كانت تصوره، أثار سخطا كبيرا في صفوف النشطاء، استحقنوا، استحقروا و استنكروا الفيديو و ظرفية نشره والطريقة التي تم من خلالها تصوير قائدهم. كل العيون كانت تراقب تقاسيم وجه ناصر، من النشطاء من استخلص كون القائد يخبرهم بنظراته أن الاستمرار في الخروج إلى الشارع واجب، و منهم من حزن لنظرات ناصر التي تحمل الكثير من الحزن و الكثير الكثير من الشجاعة. أما البعض الآخر فقال أن ناصر قد تعرض للتعذيب النفسي أكثر منه تعذيبا جسديا.
في كل الحالات الفيديو كان له وقع كبير في شحن النشطاء بشحنات زائدة ليستمروا في التعبئة لمسيرتهم التاريخية "20 يوليوز" التي تصادف ذكرى ملحمة أنوال.
مسيرة 20 يوليوز (المنع و القمع)
رغم قرار المنع الذي أصدرته وزارة الداخلية في حق مسيرة 20 يوليوز، و التي قيل فيها أنها غير قانونية و لم يتم مسبقا طلب الترخيص لها من قبل السلطات المعنية، فقد استمر النشطاء في حملاتهم "التعبوية" و التحضير لمسيرتهم المعهودة رافعين شعار "السلمية" و صادحين بصوت واحد "نكون أو لا نكون".
صبيحة الخميس 20 يوليوز، كل شوارع المدينة تخيف و ترهب، و تظهر للعلن مسبقا سوداوية ما سيجري هذا اليوم، رجال الأمن بمختلف اختصاصاتهم منتشرين في كل بقاع المدينة، مداخل الحسيمة يمنع فيها الجميع من الدخول و تجمد وطأة الأقدام بالنسبة للراجلين و العجلات بالنسبة للسائقين، و لسان حالهم يقول اليوم بالذات بأمر من آمر لن يدخل الحسيمة إنس و لا جن..
و هم في حالة تأهب (الأمن)، بدأت تتكون التجمعات في معظم شوارع المدينة و التي شملت نشطاء الحراك و مناضلين من كل حدب و صوب، من جاء من الدار البيضاء، الرباط، تطوان، الناظور و غيرها من المدن المغربية التي خرجت سابقا إلى الشارع في خطوة لنصرة الحراك الحسيمي و نشطاءه المعتقلين. كانت الأمور في الدقائق الأولى تسير على خير ما يرام، و المسيرات المتفرقة في شوارع المدينة تحاول الوصول إلى نقطة التجمع حتى تبدأ مسيرتهم التاريخية، إلا أن الأمن كان السباق لينهج طريقة قطع الأوصال التي يتم من خلالها قطع الطريق على النشطاء و تقسيم المسيرة و بالتتالي عدم تمكينهم من إنجاح شكلهم النضالي الذي كان مبرمجا له.
ساءت الأوضاع بسرعة، خصوصا بعد أن تدخلت القوات الأمنية و شرعت في قذف الغازات المسيلة للدموع "الكريموجين" وسط التجمعات أو المسيرات المتفرقة وسط المدينة. لم يكن من مسعف للمصابين في أعينهم من نساء و رجال و أطفال صغار غير قطع البصل التي كانت تخرجها النسوة من منازلهن إنقاذا للموقف.
رغم قرار المنع الذي تبعه أسلوب القم، إلا أن النشطاء و كل الفعاليات التي حظرت التظاهرة كانوا مصرين على استكمال شكلهم و الاستمرار في رفع شعاراتهم حتى و إن لم يتمكنوا من أن يكونوا مسيرة مليونية مجتمعة.
أحداث كثيرة جرت يوم 20 يوليوز، منها المحزنة و منها المفرحة. فأما من الجانب المحزن فكان تعرض شاب من ضمن نشطاء الحراك و المدعو عماد العتابي لضربة على مستوى الرأس (قيل في رواية أنها صوبت من قبل رجال الأمن نحو رأس الضحية، فيما قالت رواية أخرى أن عماد تعرض لضربة حجر من طرف النشطاء). المحزن في الأمر أن عماد لا يزال في العناية المركزة بالمستشفى العسكري بالرباط العاصمة يحارب الموت و متشبث بقوة بالحياة، و لا زال النشطاء و كل ممتبعي الشأن العام ينتظرون خبر شفاءه، مؤكدين أن الحسيمة لن تصمت و لن ترضى بشهيد ثان في القضية.
و عن الجانب المفرح فقد كان بخصوص الكم الهائل من مناصرين الحراك الذين أتوا من كل بقاع المملكة، رجالا، نساء و شباب، و حتى نشطاء الجالية الذين حضروا و انضموا إلى الاحتجاجات التي تشهدها المنطقة.
طرائف يوم 20 يوليوز
منذ بداية الحراك و هذا الأخير يسجل مجموعة من الطرائف قولا و فعلا و التي ستسجل في ملف ذكريات الحراك الريفي، و سيكتب عنها التاريخ لتظل راسخة إلى الأبد، من هذه الطرائف تلك التي جاءت عفوية/ عبطية دون أن يفكر صاحبها بشكل مسبق في تبعاتها، على سبيل المثال مقولة "بيك يا وليدي، و معندي بو الوقت" المقولتان اللتان أثارتا ضجة واسعة على الصعيد الوطني و الدولي. و منها طرائف أخرى سجلها الحراك يوم الخميس 20 يوليوز. فبعد خطوة الداخلية في وضع حواجز أمنية بمداخل الحسيمة لمنع نشطاء المناطق الريفية المجاورة من الانضمام إلى المسيرة، قام هؤلاء بالتفكير في خطط قيل عنها "جهنمية" و "إبداعية" بشكل كبير، بحيث ارتأى بعض الشباب لتزيين مجموعة من السيارات على شاكلة سيارات المواكب العرائسية التي تنقل العرسان من مكان إلى آخر.
بالطبع قام رجال الأمن بإيقاف الموكب في طريقه، لكن الشباب أكدوا أنهم بصدد الانتقال إلى الحسيمة من أجل الإتيان بالعروس من منزل والديها و تسليمها لزوجها. استكمل النشطاء مسيرتهم بهتافات الأعراس ممزوجة بشعارات الحراك تاركين الحواجز الأمنية في خبر كان.
و لا حديث عن الشباب الذين انتقلوا من مدينة الناظور إلى الحسيمة عبر القوارب المطاطية. و عن الشاب عبد الغفور عبد الصمد الغرماوي الذي ركب دراجة هوائية يوم 19 من يوليوز و انتقل على متنها إلى مدينة الحسيمة، قاطعا طرقا وعرة في مسافة 117 كلم دون أية معدات مساعدة.
و عن الخطوة الفجائية التي قام بها النشطاء عشية الخميس 20 يوليوز، بعد أن اقتحم موكب كبير من السيارات شوارع المدينة، رافعا شعارات و لافتات الحراك دون أن يتم منعهم كما حدث مع النشطاء الراجلين.
30 يوليوز عيد العرش (هل يخرج النشطاء إلى الشارع)
الكل يتساءل عن مصدر النداء الذي يتم تناقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي و الذي يدعوا إلى الخروج يوم 30 من يوليوز الذي يصادف ذكرى عيد العرش. كانت مجموعة من النداءات مجهولة المصدر و التي جعلت نشطاء الحراك يعربون عن امتناعهم و رفضهم النزول إلى الشارع في ذاك اليوم. خصوصا و أنهم يعتبرون الأمر مخالف للاستراتيجية التي يمشي عليها الحراك و التي تحترم القواعد و الالتزامات القانونية.
حتى من لجنة الحراك بالحسيمة و عائلات المعتقلين و النشطاء على حد سواء، خرجوا بتصريحات و بيانات تعارض دعوات الخروج يوم 30 من يوليوز مؤكدين أن الأمر سيساهم في تأزيم الوضع و تأجيجه، و أن الدعوة "مجهولة المصدر" ما هي إلا محاولة لإقبار الحراك من الداخل و بالتالي الاحتجاج في هذا اليوم سيكون ضربة قاضية للحراك الحسيمي الذي حافظ على أسسه و مبادءه مذ اليوم الأول من وفاة شهيد لقمة العيش محسن فكري.
خطاب عيد العرش "الكلمة الحاسمة"
المغاربة قاطبة و نشطاء الحراك الريفي جميعا ينتظرون بترقب لحظة إلقاء خطاب عيد العرش مساء اليوم السبت 29 يوليوز، الكل يرى أن مضمون خطاب المساء سيكون الحاسم في قضية الريف، فإما إطلاق سراح المعتقلين ومحاسبة الجهات المسئولة عن تأزيم الوضع بالريف، أو الاستمرار في النزول إلى الشارع و تكثيف الاحتجاجات و ما إلى ذلك..
فهل يحدث مضمون الخطاب الملكي مساء اليوم أي تغيير في قضية الريف؟ و هل تعود الأمور بالحسيمة إلى نصابها بعد الخطاب؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.