أخيرا وصل النبأ: مقتل أسامة بن لادن في عملية عسكرية. واستيقظت الكرة الأرضية على وفاة رجل اعتقدت لمدة أنه أسطورة أو أنه الناصري الذي لا يموت. ووحده هو الذي لن نسأل السؤال لماذا مات، بل نكتفي بكيف مات ومتى، وماذا بعد موته. لم يترك أسامة بن لادن بقعة أو شبرا لم يزرع فيه قنابله وموتانا. في كل القارات كان اسمه يسبق الانفجارات ويليها، وفي كل البلدان كان اسمه يصحب القتلى إلى المقابر وإلى بيوتهم وإلى قلوب أهاليهم. والمشكلة أنه باسمنا كان يقتل، وباسم أجمل ما فينا، عقيدتنا كان يقتل، وباسم نبينا كان يقتل. وهذا الدليل على أن القتلة يمكنهم أن يستعملوا أفضل ما في حضارة ما أو في أمة، لكي يفعلوا أقبح ما في كل الحضارات. لقد أثبت بن لادن أن الإيديولوجيا مهنة المجانين، وأثبت أن الدين يمكنه أن يتحول إلى فصل في الجحيم، والأنبياء إلى كتبية للإعدام، بمجرد أن يتكلم باسمهم معتوه أو مجنون .. لقد أقام الدليل، أيضا، أن الأغنياء يمكنهم أن يتحولوا إلى مجانين أيديولوجيين يزرعون الموت وينشرون التراجيديا. الأغنياء الذين يستحوذون على الثروة ويستعملونها في دفع الفقراء إلى الموت المبرمج، كما هو حال أطفال سيدي مومن وطوما. بن لادن الذي أصبح في نهاية القتل، اسما لشركة متعددة الجنسيات، وتوقيعا دمويا على جبهة الكون، ليس سوى فكرة منحرفة، إنه الفكرة المنحرفة عن الله، وعن الجنة، وعن النبي .. الفكرة المضادة للخير، من مسماه. ولهذا، فإن الجسد الذي مات، لا تموت معه فكرته، بل ستظل حية، ويتطلب قتلها فكرة أقوى. نحن معه في إشكال يشبه المضادات الحيوية. الفيروس الذي لا يموت إلا بمضاد منه. ومن المتوقع أن الشبكة التي نسجها حول اسمه، باستعمال المصري أيمن الظواهري، سوف ترد، في ما يشبه الانتقام القوي، لكنها ستتحلل ولا شك، نظرا لارتباطها به، وتقديسها له، وتحويله إلى ما يشبه الوارث الشرعي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. بن لادن هو أيضا ما سنرثه من صورة مشوهة عنا، هو المرآة التي تقلب صورتنا قلبا واعوجاجا. في المغرب استيقظنا على أبنائنا يتحولون إلى قنابل، كانت القابلة يد القاعدة. واستيقظنا على جدراننا تنهار، وكانت الديناميت أصابع بن لادن. وبن لادن الذي خلق أسطورة مغربية تجعلنا بوابة المستقبل الذي يحلم به ماضيا، وجعلنا البقعة التي ستنتهي عندها أيام ياجوج وما جوج. هذا بن لادن يَتَّم أبناءنا ورمل نساءنا ، ووقف يتلو علينا سورة الزلزلة. كما لو كنا في يثرب قبل الدعوة. هناك أسطورة نبتت قبل بن لادن واتخذت معه شكل مقبرة، أسطورة أن ماضينا أحسن ما فينا، وأن سلفنا قد بلغ الكمال، وما علينا سوى أن نقلد آباءنا، وإذا ما كان الوقت لا يسعفنا، فلنهدم الأرض والبشرية حتى نعود إلى ... شعاب مكة ويستقيم العالم تحت سيوفنا. بن لادن، أيضا، صناعة الجنون الغربي، الذي لم يقبل بتفكير العقلانيين والديموقراطيين في هذه الدائرة العربية الإسلامية المفتوحة على احتمالات الماضي، أكثر مما هي مفتوحة على معاداة الحاضر -المستقبل، وقد أضعف الغرب، وهو يدوس بلدان المسلمين بدباباته ويترك الفلسطينيين في العراء الكوني الشاسع، كل الأفكار التي تنتمي إلى جسم البشرية المتطورة، وكان لا بد لأفكار من قبيل أفكار بن لادن من أن تنتصر. وعوَّض مجنون احتضن الغرب، بسياساته التقزيمية، مجانين كثرا وانفجروا في وجهه وفي وجوهنا أيضا. بن لادن قابل للموت، كما هي أفكاره قابلة للاستمرار، منذ فجر حسن الصباح، ومجموعة الأساسيين ... ومنذ قلعة حلموت والسكاكين الطائرة في يقظة السلاطين والمفكرين.. كنا أمام بن لادن بأكفان ، وقبور طائرة، سواء في أمريكا أو في الدارالبيضاء. كان يوقع موتنا في كهوف تورابورا. ووقع أكثر من موتنا، وقع صك الدخول الكبير لقوات الاستعمار الجديد في العراق وفي أفغانستان، وهو مبرر الغرب لكي يأتي بمجنزراته إلى بيوتنا. ولعل بن لادن هو أكبر واحد غير وجه الأرض في القرن العشرين ورسم ملامحها في القرن الواحد والعشرين، منذ أن حلق في سماء نيويورك وناطحات مانهاتن. بن لادن استطاع أن يخلق متعاطفين كثرا في بلاد الاسلام، من المغرب إلى أندونيسيا، ولهذا لن تكون مهمة محوه من الذاكرة مسألة بسيطة، إنها مسألة ثقافية بالأساس ودينية تحديدا.