أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    أخنوش: تماسك الحكومة وجديتها مكننا من تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى وبلوغ حصيلة مشرفة    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    الأمثال العامية بتطوان... (582)    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل القاعدة ترهب دائما؟
نشر في هسبريس يوم 15 - 08 - 2010

الحيلولة دون وصول طالبان مجددا إلى السلطة في أفغانستان، واحتضانهم مرة أخرى لمجاهدي القاعدة : لأسباب كهاته وأخرى، يقاتل الأمريكي هناك إلى جانب البريطاني والفرنسي. الحرب المشتعلة في هذا البلد، تدعو إلى طرح التساؤل التالي : هل يجب الخوف دائما من القاعدة ؟ وما هي الوضعية الآنية للتنظيم الإسلامي الجذري الذي يقوده المنشق السعودي أسامة بن لادن ؟
عشرون سنة انقضت على إنشاء تنظيم القاعدة بين الحدود الباكستانية الأفغانية، ثم ثمانية سنوات مرت الآن فيما يتعلق بأحداث 11 شتنبر 2001. القاعدة، في طريقها نحو الزوال. فالمختصون يؤكدون "التقلص الكبير"ل "قدرتها العملية".
طيلة عقدين من السنوات، أوحى ودبر تنظيم القاعدة ما يناهز ستين مؤامرة، أربع عشرة فقط حققت أهدافها، يؤكد "مارك ساجمان" (Marc Sageman)، الخبير الحالي والعميل السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية، ويضيف : ((تسعة منها، نفذها انتحاريون)). أستاذ العلوم السياسية، "جان بيير فيليو" (Jean Pierre Feliu) ، يصرح بأن "الأجهزة المخابراتية المضادة للإرهاب، أقامت ميدانيا وسائل للاستنفار، يبدو بأنها اشتغلت جيدا".
تنظيم القاعدة تم دحره في أفغانستان والسعودية،وضعفت شوكته بالعراق ثم عجز عن التجّذر في فلسطين، أجبر على الانتشار داخل مناطق للعمليات هامشية أكثر، مثل الساحل، الصومال، اليمن، باكستان. وحسب، فيليو Filiu دائما، من الضروري، أن تتواصل مطاردة "بن لادن" لأن القضاء عليه وكذا مساعده "أيمن الظواهري" يعني "الموت النهائي للتنظيم". في حين، لا يتفق "مارك ساجمان" (Marc Sageman)، على احتفاظ "الأمير الأعلى" بدور مركزي، كما أن الحرب الدائرة في أفغانستان من أجل القضاء على تنظيم القاعدة "لا معنى لها".
1 أحداث 11 شتنبر 2001، ذروة تنظيم أسامة بن لادن :
هل مثلت هجومات 11 شتنبر منذ ثمانية أعوام، أوج تنظيم القاعدة؟ الحركة الجهادية غير الشرعية، والتي لا تستفيد من دعم أي دولة منذ سقوط طالبان الأفغان سنة 2001، تعتبر مغامراتها غريبة. عجز زعيمها أسامة بن لادن، عن إرسال فريق مسلح آخر، خارج مراكز التنظيم بمنطقة وزيرستان الباكستانية، لتكرار سيناريو الهجوم المثير والدموي، مثلما حدث في نيويورك، وواشنطن سنة 2001، على الرغم من انتشار أفكار تنظيم القاعد وبروز آلاف المحاربين منذ ثمانية سنوات وتحولهم إلى جهاديين. مات الكثير منهم، وبعضهم لازال يقاتل، بالتالي فالعالم أبعد من أن يعيش في مأمن عن الجهاديين أصحاب الفكر الكلياني الذين يحلمون بخلافة كونية.
على وجه الإطلاق، ترتبط مغامرة تنظيم القاعدة ومستقبله، بطبيعة أجوبة خصومه وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. ردود فعل، غريبة وانفصامية. هكذا، منذ نهاية سنة 2001، أسس التنظيم من جديد قواعده بوزيرستان، ثم انتقل نهاية سنة 2001، أسس التنظيم من جديد قواعده بوزيرستان، ثم انتقل المجهود الحربي إلى أفغانسان والعراق. هاته العمليات العسكرية داخل بلدان، حيث استبعد تنظيم القاعدة منها (أفغانستان)، أو لم تعد له أهمية (العراق)، أدى بامتياز إلى خلق جهاديين، أكثر من استئصاله. على النقيض، الصراع ضد الإرهاب الكلاسيكي، حقق نجاحا. فالجهاديون، المسؤولون عن أحداث 11 شتنبر، قتلوا أو اعتقلوا. بالرغم، من انتصار بعض الجماعات المسلحة المستلهمة لتنظيم القاعدة كما حدث يوم 11 مارس 2004 بمدريد أو 11 يوليوز 2005 بلندن، تمكنت البلدان الغربية من حماية نفسها، فقد أحبطت مجموعة محاولات، ولا يستطيع أي بلد البقاء في منأى عن اعتداء محتمل، غير أن العمل الدؤوب لأجهزة المخابرات والشرطة، أسفر عن نتائج جيدة.
ولكي تستمر في توسيع رقعة أفكارها، قررت الإدارة المركزية لتنظيم القاعدة منح شعلتها، لحركات إسلامية أخرى مسلحة. فبعد فشلها في بلد الحرمين (العربية السعودية)، حيث عجزت حقا عن التوطد داخل الموطن الأصلي ل بن لادن، فإن فريقان "تمتعا بالامتياز"وحققا نجاحا مهما. المجموعة الأولى، تسمى "التوحيد والجهاد" برئاسة الجهادي الأردني "أبو مصعب الزرقاوي"، والتي شهدت اندفاعا مذهلا بعد أن أصبحت "القاعدة في بلاد الرافدين". اغتالت سنة 2003 "سيرجيو فييرا دو ميلو" (Sergio vieira de mello)، المشرف على الأمم المتحدة ببغداد، ثم مع توالي الاعتداءات والاختطافات أصبح فريق الزرقاوي العدو الأساسي للحكومة العراقية الشيعية وحلفائها الأمريكيين، وتمكن في فترة ما من السيطرة على عمق حرب العصابات السنية ب الفلوجة. ولم يتراجع نفود تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، إلا بعد مقتل الزرقاوي سنة 2006، ومجيء الجنرال الأمريكي "دافيد بيترواس"
(David Peatraeus) إلى بغداد سنة 2007، فهيأت الولايات المتحدة الأمريكية انقلاب حرب العصابات السنية ضد الجهاديين الأجانب.
الفريق الثاني، يتمثل في "المجموعة السلفية للدعوة والقتال"، بزعامة الإسلامي الجزائري "عبد المالك درودكال" والتي استعادت قدرتها على التحرك بعد أن اتخذت اسم "القاعدة بالمغرب الإسلامي". اتصل "درودكال" عبر الزرقاوي" بتنظيم القاعدة وهو يأمل في الحصول على صفة "أمير" القاعدة بالمغرب والصحراء. تمكن، من ضرب العمق الجزائري، لكن واجهته مشكلات أساسية مثل ضعف عدد مقاتليه إضافة إلى عجزه عن تحقيق الهدف الأساسي الذي سطره زعماء القاعدة : فرنسا.
خارج إقليم وزيرستان، لا يسيطر تنظيم القاعدة على أية منطقة. يعيش بن لادن، مختفيا مطاردا، منقطعا عن العالم، بصحبة مساعده المنظر الإيديولوجي الإسلامي المصري "أيمن الظواهري". سيبثان، خطاباتهما كتابة أو صوتا ومن خلال شرائط فيديو أو عبر مواقع الانترنيت، لكن لا أحد يعلم مستويات سيطرتهما على الحركة الجهادية. بل، عجزا حتى عن القيام بعمل مأثور بالقرب من مركزهم بباكستان أو أفغانستان. فداخل هذان البلدان، يقود المعركة الطالبان الباشتون، حيث يرتبط بعضهم بتنظيم القاعدة، في حين ينفصل آخرون عنه. لا نعلم، طبيعة سيطرة بن لادن والظواهري، على معسكرات الجهاديين الأجانب، الذين يتواجدون ب وزيرستان سواء كانوا سعوديين، مصريين، أردنيين، يمنيين أوزبيكيين.
في الواقع، بعد أن توفق تنظيم القاعدة في ضربة 11 شتنبر، قاده حظه إلى أن يجد نفسه أمام إدارة أمريكية (بوش، شيني، رامسفيلد) هيمن عليها بإلحاح هاجس العراق وصدام حسين. لذا، فإعلان الحرب عن بلد لا صلة له بحركة الجهاد الدولي، مع تقديمها لانطباع بأنها تشن الحرب على المسلمين والإسلام، جعل واشنطن تهيئ خدمات للتنظيم، تتجاوز طبعا أكثر طموحات "بن لادن" جنونا، فصار بالتالي "الشيخ" المطلق للجهاديين الدوليين.
يعود نجاح "بن لادن" إلى عدم فهم للموقف الأمريكي بعد أحداث 11 شتنبر. عرف تنظيم القاعدة شعبية داخل المساجد الخليجية والمدارس الدينية الباكستانية، وضواحي القاهرة، أو تجمعات دور الصفيح بالدار البيضاء. على هذا النحو تقريبا، تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفضل حليف للقاعدة.
منذ تسلم باراك أوباما للسلطة بالبيت الأبيض، حاول مخالفة الاتجاه بالسحب التدريجي للجيش الأمريكي من العراق، وعبر عن رغبته لإعادة تركيز حربه ضد تنظيم القاعدة. وقد ألقى خطابا بالقاهرة يوم 4 يونيو، أعلن فيه نفيه لقيام أية حرب سواء ضد الإسلام أو العالم الإسلامي، رفع من وتيرة الضغط على باكستان، كي تكثف حملة القصف-تشنها طائرات عسكرية بدون طيارين-التي ابتدأت أواخر فترة بوش، كما حرض الجيش الباكستاني على اقتحام معاقل الجهاديين.
قرر أوباما أيضا، مضاعفة المجهود الحربي بأفغانستان، البلد الذي انتفى منه كل أثر لتنظيم القاعدة منذ نهاية 2001. القياس الأساسي في هذا الإطار، إذا استلم الطالبان ثانية مقاليد السلطة، فسيصاحبه عودة لرفاقهم في تنظيم القاعدة، احتمال، وليس بالشيء اليقين. حاليا، الحرب الأفغانية، تساهم خاصة في ازدياد عدد المقاتلين الأعداء.
2 ملاذ وزيرستان :
"طورا بورا"، تحت نيران قصف المقاتلات الأمريكية (B-52)، نهاية وبداية في الآن ذاته. ففي شهر دجنبر 2001، شرعت القوات الدولية، وبدعم من ميليشيات العشائر، في القيام بعملية "تنظيف" لكهوف الكتلة الجبلية الممتدة في الغرب الأفغاني، والتي يفترض بأن القيادة العامة لتنظيم القاعدة المنهزم، قد عثر هناك على مخبأ. إنها، حتما نهاية عهد، كان الجهاد الدولي بزعامة بن لادن، قد جعل من أفغانستان طالبان، دولة - معبد، ونقطة انطلاق لهجومات 11 شتنبر ثم غارات أخرى قبلها.
لكنها أيضا بداية، اشتغال تشكل جديد، من خلال صيغ أخرى وفي مناطق مختلفة. "طورا بورا" فارغة أو تقريبا. لأن، آلاف مقاتلي تنظيم القاعدة، استغلوا الوقت لاجتياز الحدود القريبة جدا مع باكستان. ثم، تجمعوا ثانية في واد "شوال" شمال وزيرستان الباكستانية عند القبائل المتمردة دائما. بعد، العبور، سيظهرون داخل الحواضر الآهلة بالسكان ل "بلد الطاهرين".
شيء ما، عودة إلى المنابع والتلاقي من جديد، مع بلد احتوى قبل ذلك سنوات 1980 المجاهدين الأفغان إبان حربهم ضد الروس. شكلت باكستان إذن، ولاسيما الشريط الحدودي الباشتوني، بوْتقة إسلام راديكالي، حينما دشّن أسامة بن لادن وظيفته لنصرة الجهاد. لكن الأزمنة تغيرت، والدولة الباكستانية التي سلحت ودعمت ماليا المنشقين من أجل محاربة الشيوعية بنا على توجيهات المخابرات الأمريكية، ستنقلب هاته المرة لملاحقة الناجين من "طور بورا".
في هذا الإطار، مارس العرّاب الأمريكي ضغطا رهيبا على الجنرال "بيرفيز مشرف". كان ذلك، مأزقا قاسيا بالنسبة ل "إسلام أباد". أدت "واشنطن" فورا واجبها كاملا، فألغت ديون باكستان مع رد الاعتبار لها دبلوماسيا بعد فترة إقصاء بسبب طموحاتها النووية. إلا أن، الانقياذ وراء أوامر جورج بوش ينطوي على خطورة سياسية، مما دفع المعارضة الباكستانية إلى مواجهتها بشدة، فضلا عن تردد المخابرات العسكرية السرية ومعها الاستعلامات الباكستانية (ISI)، في التضحية بمجاهدين "يحرسون" المصالح الجيوبوليتكية لباكستان ولاسيما في صراعها مع الخصم الهندي.
إنها لحظة، المراجعات المؤلمة. لقد صمم "مشرف" على التعاون مع واشنطن، والثمن الواجب تسديده، كي يظل وازنا نسبيا على المسرح الأفغاني، بالتالي، كان عليه تقديم التزامات لأمريكا. أثناء، المرحلة الأولى (2002-2004)، امتدت "الحرب ضد الرعب" إلى المدن الكبرى، بعيدا عن المناطق القبلية، أسفرت عن اعتقال عناصر قيادية في تنظيم القاعدة : أبو زبيدة، رمزي بن شيبا، خالد الشيخ محمد، مصطفى أحمد حوصوي، نعيم نور محمد خان، أحمد غيلاني، أبو فرج الليبي. أطر عليا قادة ميدان، محاسبون، خبراء إعلاميات لعبوا دورا أوليا في مجموعة عمليات نفذها تنظيم القاعدة، ومن بينها التحضيرات لأحداث 11 شتنبر (خالد الشيخ محمد).
الغنائم ثمينة، غير أن بن لادن وذراعه الأيمن أيمن الظواهري، في حالة فرار دائمة. إنكار "مشرف" لتواجدهما داخل باكستان، يثير الارتياب لدى المخابرات السرية الأمريكية. كيفما هو الأمر، ظهر سنة 2004 بإقليم وزيرستان (شمالا وجنوبا)، طوق قبلي، في منطقة مضطربة يحيط بالحدود مع أفغانستان. وتحول ثانية إلى ملاذ مثلما كانت لحظة الحرب ضد الروس. منطقة شبه مستقلة، ومأهولة بقبائل الباشتون المتمردة، بحيث عجزت كل القوى عن معرفة كيفية إخضاعهم، بما في ذلك بريطانيا خلال القرن 19.
بعد التشتت الكبير، نهاية سنة 2001، تمكن الطالبان وحليفهم تنظيم القاعدة، من إعادة تجميع قواتهم بالاتصال مع قيادة الطالبان المنسحبة نحو "قيطا" مركز البالوتشيستان الباكستاني. جهاز الاستخبارات الباكستانية، (ISI) يدرك تماما بأن الملا عمر الوجه الوصي عن النظام الأفغاني المنهار، يتولى عرش هاته الشورى السائدة ب قيطا، إلا أن الأوامر تؤكد على عدم إزعاجه. تتوخى، إسلام أباد استعادة جزء من تأثيرها التاريخي على الحركة، كي تواصل لعب دور في أفغانستان.
لا يجعل الأمريكيون من ذلك قضية للدولة، نظرا لاهتمامهم بتنظيم القاعدة أكثر من الطالبان، بالتالي تمثل وزيرستان هاجسهم الأساسي مقارنة مع "قيطا"، لأنها في اعتقادهم تشكل تهديدا حقيقيا. ما يريدونه، تدخل للجيش الباكستاني في أفق طرد "المقاتلين الأجانب" كما يسمونهم، أي العرب، والأوزبيكيين ثم الشيشانيين الذين تطوعوا للجهاد الدولي. هنا، أيضا سيخضع الرئيس مشرف ولو جزئيا على الأقل.
بعد الغارات على المدن، استُأنفت حلقة جديدة سنة 2004، تهم الحرب العشائرية، حيث اصطدم الجيش بقبيلة "وزير" ثم "محسود". بعد ذلك، انتقلت المعارك إلى شمال وزيرستان فتكبد الجيش خسائر فادحة وأجبر على التفاوض بخصوص اتفاقات محلية كشفت عن ضعفه. لكن، يمكنه التشبث بمكتسب : إبعاد جزء من المقاتلين الأجانب، المنتمين للحركة الإسلامية الأوزبكستانية التي يتزعمها "طاهر يولداشيف"، المتنازع جدا بشأن قيادته. لم يتصرف أنصاره، بطريقة مناسبة، حينما أهانوا الخصوصيات المحلية، مما اضطر بعض قادة طالبان مثل، الملا "نزير" (جنوب وزيرستان) والملا "حافيظ غول بهادور" (شمال وزيرستان)، للتشديد على رحيلهم.
لكن هذا، لا يعني إخلاء المنطقة من تنظيم القاعدة، بل، على العكس. ففي شمال وزيرستان، عمل "حافيظ غول بهادور" على نسج علاقات جيدة مع حركة "جلال الدين حقاني"، أحد المقاتلين القدامى ضد الروس، المعروف باتصالاته العلنية مع أسامة بن لادن. فانطلاقا، من قاعدته بشمال وزيرستان، يشن "حقاني" وهو يسنده اليوم ابنه "سيراج الدين"، هجومات تستهدف وحدات الحلف الأطلسي المتواجدة في الأقاليم الأفغانية المجاورة بل وأبعد منها كذلك. العمليات الانتحارية، الأكثر دموية سواء في "كابول" والمدن الأفغانية الأخرى، تنسب بصفة عامة إلى شبكة "حقاني". يركز هذا الأخير، على أفغانستان، وسيتجنب مهاجمة الدولة الباكستانية التي تنظر بدورها إلى موضع آخر.
كذلك، هل تمكن الأمريكيون لوحدهم، أخذ زمام الأمور. فمنذ سنة 2008، تضاعفت غارات طائرات بدون طيارين، على أهداف تابعة لحركة حقاني بإقليم "ميرنشاه" شمال وزيرستان. إنها، "طورابورا" جديدة.
3 رموز تنظيم القاعدة :
أ الظواهري :
الدكتور أيمن الظواهري، بورجوازي مصري حاصل على دبلوم في الجراحة، اعتٌبر أحيانا خطأ، المنظر الإيديولوجي الأول لتنظيم القاعدة. تقول، شهادة ل "أبو قتادة" أحد الوجوه السفلية الرديكالية المستقرة بلندن : ((كم هما ثمينتان، تجربته وحكمته بالنسبة لشبابنا والتاريخ !)). إلى جانب انخراط الظواهري المبكر في صراع الإسلاميين المصريين، رسم مساره حسب المختصين أفضل نموذج عن تاريخ الإسلام الراديكالي السني المعاصر.
ولد الظواهري سنة 1951 في ضاحية ثرية بالقاهرة، ينحدر من طبقة مصرية راقية ومثقفة، طفل ورع ومرهف الحس ثم تلميذ مجد و موهوب. تأثر بالفكر الإسلامي للسيد قطب (1906/1966) والذي تبنى الدعوة إلى الكفاح المسلح من أجل إسقاط النظام المصري "الكافر" وإقامة دولة تحكمها الشريعة. تأثر وهو مراهق، بما روي عن حياة قطب خاصة استشهاده في السجون المصرية، كما شاهد سنة 1966 إعدامه شنقا. واقعة، أقنعته بممارسة المقاومة السرية والانضمام إلى المقاومة الإسلامية المسلحة.
التحق سنة 1979 بتنظيم "الجهاد الإسلامي"، حيث اختص في استقطاب عسكريين من الجيش المصري. أواخر سنة 1980، التأمت صفوف "الجهاد الإسلامي" و "الجماعة الإسلامية" الفريق المنافس، داخل تنظيم مسلح واحد سعيا لإزالة الرئيس "أنور السادات" الذي وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل. أدى اغتياله يوم 6 أكتوبر إلى حملة اعتقالات واسعة. الظواهري بدوره، سجن قبل أن تتم تبرئته ويطلق سراحه سنة 1984. تجربة السجن، ثم أشكال التعذيب والإهانة التي تعرض لها، أقنعته بشرعية نضاله : "استعملوا معنا الصعقات الكهربائية ! والكلاب المسعورة ! (...) فأين هي الديمقراطية ؟ الحرية ؟ حقوق الإنسان ؟ والعدالة ؟ لن ننسى أبدا ما وقع". هكذا يصرخ بالإنجليزية أمام الصحافيين الأجانب المتواجدين داخل قاعة المحكمة.
حقبة "صارمة" لكنها "جوهرية، في نظر الباحث "ستيفان لاكروا"
(Stéphane la croix)، ويضيف : ((في السجن فرض نفسه زعيما للحركة الإسلامية المصرية الراديكالية)). وشرع في تأليف أولى أعماله : [الكتاب الأسود : تعذيب المسلمين في ظل رئاسة حسني مبارك]. يحكي، عن تجربته الخاصة.
حين خروجه من السجن، بقي تحت المراقبة الشديدة للمخابرات المصرية. ثم ترك بلده متوجها إلى العربية السعودية وبعدها أفغانستان. هناك، التقى بالشاب أسامة بن لادن، ولم يفترقا بعد ذلك أبدا. سعى، بن لادن إلى مهاجمة السلطات السعودية : أقنعه الظواهري بالشروع، في الجهاد ضد كل "أنظمة العالم الإسلامي الكافرة". هكذا، تبلورت أسس تنظيم القاعدة.
مع ذلك، لم يعدل الظواهري عن مشروعه : تحطيم النظام المصري في السودان، حيث التحق ب "بن لادن" في منفاه، جهّز قاعدة خلفية قصد إعادة ترتيب الجهاد المصري. للعثور على مصادر التمويل توجه الظواهري إلى آسيا وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، وهو متستر وراء "الهلال الأحمر الكويتي"، قبل أن يشن سنة 1993 هجومات جديدة ضد نظام القاهرة. محاولاته الفاشلة، لاغتيال وزير الداخلية : "حسن الألفي"، وكذا الوزير الأول "عاطف صديق"، خلقت انشقاقا داخل الحركة. لكن، سنة 1995، سينجح الظواهري بسرعة في توحيد الصفوف بهدف ضرب رأس النظام : اغتيال حسني مبارك أثناء زيارته إلى أديس أبابا. أخفقت، العملية أيضا.
السودان، والتي أشارت إليها بالأصبع كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية، لم تعد تنظر بعين الرضى إلى تنظيم بن لادن الذي شد الرحيل مجددا نحو أفغانستان. أما الظواهري، فقد عاود جولته حول العالم لتأسيس مجموعة خلايا. أغلب هاته، المحاولات فشلت بشكل مؤلم، ولم يكن من خيار آخر غير التحاقه ب "بن لادن" وكهوف أفغانستان. سلسلة الإخفاقات المتوالية، لم يمس بأي شيء تصميمه، بل على العكس خول له إمكانية إعطاء شحنة زائدة لرؤيته الجهادية، بالتالي سيتوجه صوب الاشتغال على تعزيز الجانب الإيديولوجي. تأسيسه سنة 1998، ل "الجبهة الإسلامية العالمية من أجل الحرب المقدسة ضد اليهود والصليبيين"، ثم فتواه التي تنص على قتل الأمريكيين وحلفائهم، كواجب عيني على كل مسلم، ستبدوان مثل نتيجة مميتة لفكره. كما غذى الالتجاء إلى العمليات الانتحارية، التي أصبحت علامة مميزة لتنظيم القاعدة.
منذ أحداث 11 شتنبر، فرض "الدكتور" نفسه شخصا كاريزميا للتنظيم، بعد أن بقي في الظل حتى ذاك الوقت، فازداد ظهوره الإعلامي. تشبت بتبرير الأساليب العنيفة ولاسيما قتل المدنيين، شيعة كانوا أم غيرهم، الشيء الذي أدى إلى اتهامه سنة 2008، من قبل شخصيات مهمة في الجهاد المصري، تنتمي إلى جيله. سجالات عنيفة، هزت الدائرة الفكرية للإسلام الراديكالي. بعض مقربيه القدامى، مثل "الدكتور فضل"، وهو منظر أصيل للجهاد، خاصمة واتهمه بكونه : "خذل الإسلام والمسلمين، بل إذا صح القول، فقد أفسد الفكر باعتباره رسالة "للحرب المقدسة".
ب خالد الشيخ محمد : العقل المدبر ل 11 شتنبر :
فترة قليلة، قبل حلول الذكرى الخامسة لهجمات 11 شتنبر وأسابيع على موعد الانتخابات العامة لشهر نوفمبر 2006، قرر جورج بوش أن يحيل على القضاء المحرض المفترض على الهجمات والمواطئين معه. بعد، الإبقاء عليه طيلة سنوات، بين جدران "السجون السرية" للمخابرات السرية الأمريكية، تم ترحيل خالد الشيخ محمد والمتهمين الأربعة معه إلى سجن غوانتنامو: ((ما إن يصادق مجلس الشيوخ على المحاكم العسكرية التي اقترحتها عليه، فإن الأشخاص الذين تسببوا في موت ما يناهز 3000 أمريكي وفق تقارير مخابراتنا، سيُقدمون إلى المحاكمة))، يصرح، جورج بوش يوم 6 شتنبر 2006. وإلى غاية الذكرى الثامنة ل 11 شتنبر، لم يصدر بعد أي حكم في حق "خالد الشيخ". في دجنبر 2008، أي شهر واحد قبل خروجه من البيت الأبيض، نظمت إدارة بوش أول مثول للمتورطين الخمسة، وذلك بقاعدة غوانتنامو البحرية. وبلغة، إنجليزية سليمة طورها حينما كان يجري ب "كارولين الشمالية" تدريبا في تخصص الهندسة الميكانيكية، أراد "العقل" المدبّر لأحداث 11 شتنبر، الترافع لصالح براءته. لقد بدا قتاليا، ومنظما، ومقررا عدم إضاعة الوقت، لنيل ما يلتمسه : الإعدام. أحضرت الإدارة عائلات الضحايا، لكن المحاكمة توقفت فجأة، عندما قرر القاضي "ستيفن هينلي" (Stephen Henley)، وهو كولونيل في القوات البرية، إجراء كشف نفسي لاثنين من المعتقلين. هكذا تأجلت الجلسة إلى غاية 22 شتنبر. ثم ، سيرفض القاضي الخوض في القضية، قبل صدور قرار من الرئيسي باراك أوباما، يتعلق بالصلاحية القضائية التي سيتم اعتمادها لمتابعة المتهمين. استعادة لمحاكم بوش العسكرية (اللجان العسكرية المشهورة) ؟ أو وضع الملف بين أيادي المحكمة الجنائية الفيدرالية. لقد، تبين له أفضلية الاختيار الأخير، حينما تقلد وظائفه شهر يناير ؟ في هاته الحالة، قد ينتقل "خالد الشيخ" إلى نيويورك، حيث هو موضوع اتهام منذ 1996. فترة اعتقاله، أرخى العنان للحية بيضاء طويلة، مع العلم أن عمره لم يتجاوز 44 سنة. خضع لعمليات تعذيب متواصلة بواسطة الخنق. في مرحلة أولى، تسربت إلى الصحافة عن طريق المخابرات الأمريكية، بعض الأخبار مفادها أن المتهم "تكلم" لدقيقتين لحظة التحقيق معه. وخلال فصل الربيع، أشار تقرير رسمي إلى خضوعه ل 183 حصة تعذيب بالكيفية نفسها أي الخنق simulacre de noyade، فقط خلال شهر مارس 2003. بناء على البيانات الرسمية، فإن "خالد الشيخ محمد" يتحمل وِزْر جرائم من بينها قطع رأس صحافي (Wall street) "دانييل بيرل" (Daniel pearl).
ولد خالد الشيخ محمد بإقليم "بلوتشيستان"، الباكستاني، شارك في الجهاد الأفغاني ضد الجيش الأحمر. وبعد الحرب، اشتغل في باكستان مع منظمة غير حكومية لمساعدة المجاهدين. حسب، لجنة تقصي الحقائق حول اعتداءات 11 شتنبر، فقد التقى بأسامة بن لادن سنة 1996، واقترح عليه تفجير طائرات، في أن واحد ضد أهداف محددة. سنتان، بعد الاعتداءات على السفارتين الأمريكيتين بكينيا وتانزانيا. أدرك خالد الشيخ محمد بأن أسامة بن لادن اعتنق فكرة الهجوم على الولايات المتحدة.
ج أبو مصعب الزرقاوي : نذل يقتل ذبحا.
حينما التقيا في أفغانستان بداية الألفية الثالثة، لم يكن أسامة بن لادن يريده. وفي شهر فبراير 2003، أي ستة أسابيع قبل الغزو الأمريكي للعراق، سيُذكر لأول مرة اسم مصعب الزرقاوي على منبر الأمم المتحدة من قبل "كولن باول" Colin powell رئيس الديبلوماسية الأمريكية. الزرقاوي، المتواجد في إقليم كردستان، بأقصى شمال العراق المجاور لإيران، أضحى "صلة الوصل"، بين صدام وتنظيم القاعد، يؤكد "باول" Powell. واستلزم الأمر، انتظار عشرين شهرا كي يظهر "عدم وجود أي دليل مقنع "عن هذا التواطؤ، بالتالي انعدامه.
حفلة تذريع رسمية، للقاتل الأردني أو "أحمد فاضل نزّال الخليلي" اسمه الأصلي من طرف الأمير الأعلى لتنظيم القاعدة، تعود ليوم 17 أكتوبر 2007، حينما حدث اتفاق بينهما بعد فترة جفاء نظرا لاختلافات حقيقية على المستوى التاكتيكي. خلال تلك الحقبة، تعرضت القاعدة "الأم" لإخفاقات داخل "أرض الجهاد" الأولى، دولة العربية السعودية. وفي العراق، بدت المقاومة البعثية للمحتل غير منظمة وبدون فعالية. لكن الزرقاوي، وهو يرأس مجموعته "التوحيد والجهاد"، أنجز بداية دموية. يوم 19 غشت 2003، نجح في تفجير مقر الأمم المتحدة المتواجدة ببغداد (22 قتيلا من بينهم "سيرجيو فييرا دو ميلو Sergio Vieira de Mello الممثل الخاص). عشرة أيام بعد ذلك، تبنى عملية انتحارية تدميرية ضد أهم مكان مقدس للشيعة بالنجف، وبالضبط ضريح الإمام علي (85 قتيلا). هكذا، استرعى انتباه "القيادة المركزية". ثم، يوم 11 ماي 2004. بث الزرقاوي على الأنترنيت أول شريط فيديو، يظهر عملية ذبح لأحد الرهائن الغربيين، ويتباهى بكونه هو من قام شخصيا بقطع رأس الشاب الأمريكي "نيكولا بيرغ" (Nicholas Berg) ، فسعى آخرون إلى الإقتداء بنموذجه. توطدت سمعته "أسد ما بين النهرين" لأنه يجسد بالتأكيد العنصر الأكثر دموية من بين كل مقاتلي حرب القيامة التي تدور رحاها بالعراق منذ غزوه. واسع الخيال، منعدم الذمة، فإن فتى السوء سابقا بمدينة الزرقا الأردنية، تحول إلى قاتل الشيعة الأول وكذا المسؤولين على جهاز السلطة. يصف الزرقاوي الشيعة بقوله : "إنهم حثالة الأرض، خنْجر، استقر في ظهر الإسلام" . لذا، يدعو إلى قتلهم قدر ما نستطيع. الهدف، أيضا تاكتيكي : يظن بأن الغاية تستهدف تحريض "الكافرين" كي ينتقموا من الأقلية السنية "النائمة"، بحسبه هكذا تشتعل حرب أهلية حقيقية. وبالفعل، أثمرت الخطة، بعد تحطيم سنة 2005 لضريح شيعي مقدس يتواجد بالسمراء.
سنتان من المجازر المتواصلة. تأسس معها بالفعل، الإيمان الدموي للزرقاوي وجماعته المتوحشة. بداية سنة 2006، عزت له القيادة العامة الأمريكية، مسؤولية قتله على الأقل ل 675 عراقيا وما يناهز 40 أجنبيا. إنه، قائد الفوضى الأول. في منتصف سنة 2004، أصبح رأس الزرقاوي مطلوبا، مقابل نفس المبلغ الذي خصص، لمن يقبض على بن لادن : 25 مليون دولار. الإقرار باعتباره إيقونة الدم في حرب العصابات الجهادية، أعطى مبررا لقصف أمريكي للمدن العراقية، ركز بداية على الفلوجة، منطقة نفوذ الزرقاوي، حيث سيتدمر نصفها سنة 2004. كان من الضوري إذن، ترقب يوم 7 يونيو 2006، لتخليص العراق من "أمير الرعب" عن سن الأربعين، بعد التقاط معلومات استخباراتية أردنية دقيقة وقصف أمريكي محدد.
د عبد المالك درودكال : صانع المتفجرات، المناهض لفرنسا :
هل مات ؟ مثلما أعلنت عن الخبر السلطات الجزائرية في مناسبات عديدة، آخرها شهر يونيو 2004 ؟ شيء مستبعد الاحتمال، ما دامت صورة لجثة عبد المالك درودكال، لم تعرض بعد. بالتالي، يمكننا التمسك بعدم صحة إشاعات وفاته أثناء مواجهة مع قوات الأمن الجزائرية ؟ ذلك، في كل الأحوال موقف "ماتيو غيدير" Mathieu Guidère))، أستاذ بجمعة جنيف وباحث مختص في شؤون تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، كما أنه مبرّز في اللغة العربية. بين صفحات كتابه :
(Al Qaida à la conquête du maghreb) (2007) كرس محاور عديدة للمسؤول عن التمثيل القويم لأسامة بن لادن ببلاد المغرب.
ولد درودكدال يوم 20 ابريل 1970 في قرية "زيان" غير البعيدة عن "البليدة" وعلى مسافة 50 كلم من العاصمة الجزائرية. لا نعرف، شيئا عن ماضي التلميذ سوى حصوله على شهادة الباكالوريا سنة 1989. بعد ذالك، وجه اهتمامه إلى دراسة الهندسة بجامعة "البليدة". نحن الآن مع بداية سنوات 1990، حين سرق الجيش الجزائري من جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزها بالانتخابات التشريعية. اضطرت، معه إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع السلطة. النتيجة، حرب أهلية دموية مزقت الجزائر مدة عشر سنوات. ومثل، كثير من مواطنيه، تعاطف درودكدال مع جبهة الإنقاذ الإسلامية ثم أنضم إليها سنة 1992. سنة بعد ذلك، دشن مقاومته السرية في صفوف المجموعات الإسلامية المسلحة (GIA)، وهو يبلغ من العمر 23 سنة، فأوكلت له مهمة صنع المتفجرات، وأصبح "رئيس أوراش الإنتاج العسكرية" داخل كتيبة مهمة. شيئا فشيئا، تسلق صفوف الحركة، فعين قائد خلية، ثم منطقة. التحق ب "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" لحظة إنشائها سنة 1998 من طرف "حسن حطّاب"، حيث ارتقى إلى "مجلس القادة" ثلاثة أعوام بعد ذلك.
سنة 2003، أبعد "حطّاب" عن رئاسة التنظيم بسبب اختلاف وجهات نظره مع رفاقه، ليخلفه "أبو إبراهيم نبيل الصحراوي" والذي سيقتله الجيش الجزائري في صيف 2004. حل محله، "درودكدال" وقد اختار اسما حربيا دالا، يعبر عن انخراطه في الجهاد : أبو مصعب عبد الودود، أي إحالة على "الزرقاوي" قائد تنظيم القاعدة الشهير، الذي لقي مصرعه سنة 2006 بالقرب من بغداد. الاسم أيضا،، يذكرنا بأحد أصحاب النبي محمد.
بعث، "درودكال" 200 جزائري، كي يقاتلوا في العراق، وتوجيه الصراع خارج الجزائر، دون أن يعني الأمر التوقف عن محاربة النظام القائم محليا. أحرز على وعد من قبل حركة أسامة بن لادن يقتضي بإمكانية إدماجه، لكن وفق بعض الشروط. ثم سيعمل في السنة الموالية على تنظيم صفوف "الحركة السلفية للدعوة والقتال". يوم 11 شتنبر 2006، أعلن أيمن الظواهري عن ولاء وتبعية "الحركة السلفية للدعوة والقتال". وشهريناير 2007، أمر أسامة بن لادن بتغيير اسم "الحركة السلفية للدعوة والقتال" إلى "القاعدة في بلد المغرب الإسلامي". هكذا، بدأت بلاغات "أبو مصعب عبد الودود" أو "درودكدال" سابقا، تصدر تحت عنوان : "أمير القاعدة في بلد المغرب الإسلامي"، تختصره الصحافة من باب السهولة إلى : "القاعدة بالمغرب الإسلامي".
4 العراق : تنظيم القاعدة أصابه الضعف، لكنه مميت دائما :
بعد الآن " ما يقارب 2000 في مواجهة 3800، حتى نهاية 2007". صرح، بداية شهر أبريل ضابط أمريكي إلى "نيويورك تايمز". فمنذ، موت أميرهم المؤسس، الأردني "أبو مصعب الزرقاوي" جراء قصف أمريكي مركز صيف 2006، تعرض أتباع "أسامة بن لادن" لهزات قوية أفقدهم مئات المتطرفين وكذا قادة محليين.
لقد تسببت وحشيتهم وطموحاتهم للتسلط على القبائل العربية السنية إلى تدمير في صفوف عدد كبير من الخلفاء المحليين، فانقلبوا عليهم. على امتداد سنتين، وبعد خلق مليشيات الصحوة المنظمة والممولة من قبل الأمريكيين حتى هذه السنة، فقد انتفى لديهم كل إرساء إقليمي. تخلصت من سلطتهم جميع أحياء بغداد وقراها بالأنبار، ثم مقاطعات عراقية أخرى : ((بالاعتماد على لجان الصحوة المتواجدة في كل مكان، حوصر تنظيم القاعدة داخل بلدنا))، يؤكد يوم 11 نوفمبر 2008، "عبد الكريم خلف" الناطق الرسمي باسم وزير الداخلية العراقي، ويضيف بتهور حقيقي، ((إنهم عاجزون عن التحرك)). رأي يشاطره الجنرال الأمريكي "دافيد بيركينس" (David perkins)، المتحدث بلسان المجندين : ((تمكنّا من القضاء على فاعلين أساسيين داخل تنظيمهم، وأصبح آنيا أكثر صعوبة بالنسبة إليهم القيام بهجومات. أما، ما يقومون به فلم يعد يشكل خطرا مميتا)).
كان ذلك، في وقت ظن العراق بأنه تخلص من المأزق. بعد، سنتين من المذابح الطائفية، أودت بحياة عشرات آلاف القتلى سنتي 2006 و 2007، في ظل الحرب الأهلية التي استطاع الزرقاوي إشعال فتيلها بين الأقلية السنية وأغلبية شيعية وصلت حديثا للسلطة،ثم توقفت نظرا للإنهاك الذي أصاب الطرفان. مع مطلع سنة 2008، دعا الوزير الأول العراقي "نوري المالكي" بشدة إلى عودة السيادة الوطنية، وتفاوض مع واشنطن أواخر السنة ذاتها، بخصوص انسحاب منتظم. الشيء، الذي قبلت به أخيرا إدارة بوش على الرغم من عدم تحقيق "انتصار مطلق" كما كان مطمحها سنة 2003. خروج تدريجي لأفراد الجيش الأمريكي، البالغ تعداده 130.000 عسكريا، حتى نهاية 2011. كان ذلك منذ عشرة أشهر، أي ما يمثل أبدية في العراق.
بين شهري فبراير ومارس 2009، ظهر كما لو أنه من الضروري العودة إلى نقطة البداية، حيث تضاعفت المحاولات التي تحمل توقيع تنظيم القاعدة أو نسبت إليه. ثلاث هجومات انتحارية متزامنة بمدينة بغداد يوم 23 أبريل، خلفت 80 قتيلا و 200 جريح. أما، بمدينة الصدر، الضاحية الشيعية الضخمة داخل العاصمة فقد ترتب عن حادث آخر، مقتل 51 شخصا، يوم 29 أبريل. ثم، توالت العمليات الدموية، طيلة الشهور اللاحقة. وفي تصريح صادر شهر يوليوز الماضي، عن وزير الصحة المكلف بإحصاء الموتى، يقول فيه : ((لم نعثر إلا على 224 قتيلا مدنيا، قياسا لشهر يونيو،حيث بلغ العدد آنذاك 373)). بمعنى ثان، الوضع أفضل. لكن، الأسوأ هو ما سيأتي، فقد اعتبر شهر غشت الأكثر عنفا منذ سنة، بعد تصفية 456 عراقيا. سيارات مفخخة استهدفت الشيعة بالموصل يوم 7 غشت، وشاحنتان تنفجران ضد شيعة آخرين من أصل كردي يوم 10 غشت على مقربة من المدينة ذاتها. ثم، شاحنان ممتلئتان بالمتفجرات سيملأ دويهما قرية بجوار الموصل دائما، المدينة العراقية الثالثة تقطنها قبل مجيء الإسلام طائفة صغيرة تسمى اليازيديين.
متمركزون، بشكل كبير شمالا في مناطق تتميز، بساكنتها المختلطة، فإن، "آخر المجاهدين"، كما تسميهم قيادة الجيش الأمريكي منذ أكثر من سنة، أخذوا يهتمون فيما يظهر، باستغلال نزاعات سياسية، قد تقود إلى حنق بين الأغلبية العربية والأقلية الوطنية الكردية التي تريد توسيع إقليمها الذاتي ومواردها البترولية، وبالفعل، نتج عن ذلك تبادل الطرفان لاتهامات جسيمة.
يشير جنيرال أمريكي إلى احتمال وقوع حرب "عربية كردية"، وهي اليوم : "أخطر تهديد يواجهه العراق". صب تنظيم القاعدة كل زيته على النار، هاجم عربا شيعة وأكراد سنيين ثم المسيحيين. لكن ما العمل ؟ لم ينجح قط في إثارة النزاع الجديد، المرتبط بصراع الإخوة كما كان يطمح إليه. لأحدهم إذن، فكرة بديلة قابلة لأن ترفع شأن تنظيم القاعدة، بين مختلف أعداء الحكم الفيدرالي الشيعي.
الأربعاء 19 غشت، حلت الذكرى السادسة للعملية التي نظمها الزرقاوي ضد مقر الأمم المتحدة ببغداد، شاحنتان تحملان طنان من المتفجرات، تتجه إحداهما صوب وزارة المالية، بينما الثانية تستهدف وزارة الخارجية، وهي على بعد 5 كيلومترات من الوزارة السابقة. على الساعة الحادية عشر، سمع انفجار، أتى على حياة ثلاثين شخصا. ثلاثة دقائق بعد ذلك، حطمت الشاحنة الثانية قسما كبيرا من هدفها، المجاور مع ذلك ل "المنطقة الخضراء" الشهيرة والمتميزة بتحصيناتها الأمنية. تنظيم القاعدة الذي أعلن مسؤوليته عن هذه العملية بعد مرور ستة أيام، تمكن من ضرب عمق السلطة العراقية ذاته. الحصيلة، 101 قتيلا وما يقارب 600 جريحا. لكن، بالتأكيد أصيب التنظيم بالضعف،ولم يعد بوسعه الانتشار من جديد إقليميا، شبكاته المساندة دمرت بشكل واسع، إضافة إلى أن جل الداعمين سياسيا ودينيا وسط الطائفة السنية تم الاستدلال عليهم مما أدى إلى اعتقالهم والقضاء عليهم أو إبعادهم. لكنه، أثبت قدرته على أن يضرب مرة أخرى.
أول ضحية سياسية لتنظيم القاعدة، الوزير الأول ذاته. قوي بالنتائج التي حصل عليها سنة 2008، مع تراجع نسبة ضحايا الحرب إلى %80، رغم أنها لا زالت مستمرة لكن بكيفية "مضبوطة أكثر". توصل المالكي، إلى تأكيد يوم 30 يونيو، بخصوص انسحاب كلي لمختلف وحدات الجيش الأمريكي، المتواجدة في أرجاء العراق.
منذ ذاك الحين، فإن جنود الأطلسي، آخر ممثلي "ائتلاف" يضم قوات بريطانية إلى جانب قوات أخرى، أخلوا مواقعهم كي يعودوا إلى قواعدهم، ولا يمكنهم العودة للجبهة إلا بطلب من الحكومة العراقية.
بشكل سابق لأوانه، اعتبر المالكي إعادة الانتشار هاته مثل"انتصار عظيم" فأمر بإزالة التحصينات المضادة للقصف، المنتشرة في بغداد، محتفيا بزعمه المبالغ فيه كونه قد اهتدى ثانية إلى قوات الأمن العراقية، مدافعا عن سمعته الذاتية بأنه صانع للأمن. بالتالي، إعادة التصويت عليه في الانتخابات العامة لشهر يناير 2010.
غداة الكارثة، تراجع الجميع ! ألغى المالكي أمره المتعلق بالانتهاء من الجدران، كما عمل على توقيف عشرات الأشخاص أصحاب البذلة العسكرية، الذين سمحوا بمرور الشاحنات إما بسبب اللامبالاة أو لتقاضيهم رشاوي. ثم، دشن المالكي أزمة دبلوماسية مع سوريا المتهمة بعجزها عن القيام بأي عمل لصد قدماء البعثيين أنصار صدام حسين، المتواجدين فوق أرضها، ويشتبه كثيرا في تعاونهم مع الجهاديين.
لقد انتصرت شبكة أسامة بن لادن : ست سنوات، بعد تجلياتها الأولى بالعراق تزامنا مع الغزو الأنجلو أمريكي، لا يزال من الضروري أخذها بعين الاعتبار.
5 تنظيم القاعدة بالمغرب، الطموح مهاجمة فرنسا :
يعتبر أولا، تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، نسخة عن حركة أسامة بن لادن، غير أن الوضع لا يقف عن هذا الحد. فمع مرور الوقت، يصعب الادعاء، بأن الأمر يتعلق ب "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" سابقا، وقد تقمصت الآن أشكالا جديدة، كما تقول السلطات الجزائرية.
سنة 2005، قررت هذه الجماعة الانقلاب نحو فلك تنظيم القاعدة، لكنها احتاجت إلى سنتين قصد الوصول إلى أهدافها. ففي حقبة تسمية "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، آخر زمرة إرهابية جزائرية فاعلة، وجدت نفسها في مواجهة ضغط قوي. مع بداية سنة 2004، اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، بإعطاء تعاونهما الأمني صيغة رسمية، كما أن مقترحات العفو التي تقدمت بها السلطة الجزائرية أخلت الأدغال، مما أدى إلى استنزاف في عدد مقاتلي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بزعامة عبد المالك درودكال أو "مصعب عبد الودود". سنة 2003، خرج من صفوف الحركة مؤسسها "حسن حطاب"، بعد رفضه لوجهة نظر رفاقه، الذين كشفوا عن رغبتهم لإعطاء صراعهم بعدا دوليا، وبشكل خاص حقهم في الذهاب إلى العراق من أجل محاربة الأمريكيين. لذا، ووفق مبدأ أغلبية الأصوات، اضطر "حطاب" إلى تقديم استقالته وحل محله "أبو إبراهيم" المعروف ب "نبيل الصحراوي". هذا الأخير، قتل سنة 2004 بعد عملية للجيش الجزائري. فأوكلت مهمة القيادة، إلى "درودكال"، البالغ من العمر آنذاك 36 سنة، وصاحب تكوين علمي، أهله للتخصص في صناعة المتفجرات، فترة التحاقه ب "الجماعات الإسلامية المسلحة" (GIA).
الحروب التي يقودها الأمريكيون في أفغانستان والعراق، دفعت بالإرهاب الجزائري إلى امتطاء الحصان ثانية وتمثله لأهداف جديدة. تنظيم القاعدة بدوره، يبحث عن استراتيجية مغايرة، ويرى في المغرب: "حوض سمك لتغذية وحداته" كما جاء على لسان "محمد ضريف" جامعي مغربي ومهتم بالإسلام الراديكالي. سنة 2005، حين اختطف ديبلوماسيان جزائريان يعملان بالعراق، انتهزت الفرصة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" كي تعلن عن ولائها لقائد تنظيم القاعدة بالعراق، أبو مصعب الزرقاوي، بل رحب "درودكال" بقتل الرهينتين. على امتداد سنة 2006، أخرجت "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" كل ما في جعبتها حتى تكون عند حسن ظن تنظيم القاعدة، والذي ظل محتفظا بجوابه حول طلب الإدماج، إلى غاية شهر يناير 2007، حينما سلمه رسميا قميص المحارب تحت يافطة تسمية : [القاعدة في بلد المغرب الإسلامي[
سنة 2007، يقدم المستقيم الجديد دليل تصديقه. في شهر أبريل، شهدت كل من الدار البيضاء والجزائر العاصمة، عشرات المحاولات الانتحارية، وفق الأسلوب "العراقي" غير المألوف بالمغرب. ثم شهر دجنبر، هزت الجزائر موجة هجمات اقترفت هذه المرة ضد مقر الأمم المتحدة والانتربول، وقد كان الصدى الإعلامي جليا. كما، اغتيل في الوقت ذاته أربعة فرنسيين بموريطانيا يوم 24 دجنبر، أكد "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي" مسؤوليته عن الحادث.
سنة 2008، طرح " درودكال" استراتيجية لإعطاء جماعته بعدا عالميا.جدد، أغلب ضباطه وكذا قادة المناطق العسكرية وعين مكانهم آخرين شباب، أسر رهائن نمساويين جنوب تونس، ثم كنديين وألمانيين وسويسريين بالنيجر، مع تصعيد عملياته المناوشة في كل مكان تقريبا. غايته التحول إلى القوة المعارضة الأولى ببلاد المغرب، ذلك ما قاله بوضوح ل "نيويورك التّايمز" عبر حوار أجرته معه شهر يوليوز 2008. يسعى في إطار خططه الحربية، أن يتجنب قدر ما يمكنه ذلك خلق ضحايا بين المدنيين المسلمين. تشكل قوات الأمن أهدافه الأولى داخل الجزائر، ثم تظل فرنسا عدوه الرئيسي بجانب الولايات المتحدة الأمريكية. أما، عن مصادر تمويل "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي"، فقد استندت لفترة طويلة على الابتزاز والتهريب ثم اللصوصية (وبشكل خاص، على امتداد الحدود المغربية الليبية، الموريطانية). لكن، مع نهاية 2008 تمكن من الحصول على إيرادات وافرة عن طريق اختطاف الرهائن الغربيين مما خول له ثروة حقيقية. حتى يومنا هذا، لم ينفذ حكم الموت إلا في حق رهينة واحدة، وبالضبط بريطاني خلال شهر ماي 2009 بدولة مالي، حينما رفضت لندن تأدية الفدية المطلوبة.
أين يتواجد، " درودكال" اليوم ؟ على وجه الاحتمال، بمنطقة "القبايل" في قلب أدغالها التي يعرفها أيضا أفضل من قوات الأمن الجزائرية، حيث يختفي هناك منذ ستة عشر سنة.
لما تبوأ باراك أوباما، مقاليد السلطة بالبيت الأبيض وإعلانه انطلاق مسلسل انسحاب القوات الأمريكية من العراق إلى غاية نهاية 2011، وجد درودكال صعوبات أمامه لاستقطاب وتجنيد المتطوعين : ((أوباما من أصول إسلامية، فلماذا نحاربه؟ ولما تكلم الرئيس الجديد في خطابه بالقاهرة عن "الاحترام المتبادل" فقد عمق الحيرة السائدة)) يشير بهذا الصدد، "ماثيو غيدير" Matthieu Guidère)) باحث مختص في شؤون "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي".
بدون شك، من الضروري أن نضعه في الحسبان ولفترة طويلة. لقد انتقل ثقله أخيرا من المغرب إلى الساحل، والمجندون الجدد هم بالأحرى موريطانيون وماليون مقارنة مع المقاتلين المنحدرين من الجزائر. ربما، لأنه في الجنوب، لا زال بإمكان تنظيم القاعدة الكشف عن جاذبية الجدة.
6 فلسطين أرض منيعة :
في أول بيان عمومي لأسامة بن لادن رسالة مفتوحة إلى "بن باز"، المفتي الأول للعربية السعودية شهر دجنبر 1994 أبرز بأن إعادة استرجاع فلسطين يندرج في قلب حركة الجهاد : ((الواجب الشرعي اتجاه فلسطين، يرتكز على القيام بالجهاد في سبيل الله، وتحفيز الأمة على الجهاد إلى أن تتحرر فلسطين كليا وتعود إلى السيادة الإسلامية)). لكن، بن باز، أعلى سلطة دينية بالسعودية، اعترف باتفاقيات أوسلو التي وقعت شهر شتنبر 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. موقف المفتي، اعتبر "خيانة"، فأضحت القضية الفلسطينية ملازمة لبيانات بن لادن وكذا إيديولوجي تنظيم القاعدة. مع ذلك، هذا الأخير لم يضرب قط الأرض الفلسطينية أو تأتّي له الوصول إليها، فالمواجهة ارتبطت أساسا بالجماعة الفلسطينية أو حزب الله اللبناني. جماعات لم تحصل أبدا على استحسان تنظيم القاعدة، بل وتعرضت لانتقادات حادة من قبله.
حركة أسامة بن لادن، التي أظهرت قدرتها على تحقيق إنجازات في الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، عجزت مع ذلك، عن التجذر عسكريا وإيديولوجيا داخل المنطقة المناسبة، المجاورة لفضاءات الصراع. إذن المفارقة واضحة، فقبل الرسالة المفتوحة الموجهة إلى مفتي العربية السعودية، لم يظهر بن لادن أي اهتمام بمصير فلسطين، حيث تمركزت مجهوداته على الأرض الأفغانية. واستمر التصور بعد حرب الكويت سنة 1990ضد الحضور العسكري الأمريكي بالعربية السعودية.
من جهتهم أيضا، غاب كل حضور للقضية الفلسطينية لدى كبار إيديولوجي الجهاد فالهاجس الأساسي للمصري "أيمن الظواهري"، هو بلده. أما الفلسطيني عبد الله عزام (اغتيل في بيشاور سنة 1989)، فقد تخلى بسرعة عن صفوف المقاومة الفلسطينية، لأنه يرفض نزوعها اللائكي والوطني.
شكلت سنة 1994، لحظة القطيعة. في فصل الربيع، جرد النظام السعودي بن لادن من جنسيته وجمد ممتلكاته. ثم، نفي إلى السودان، حيث سعى هناك إلى إعادة تأسيس قاعدة للجهاديين، وتعددت رسائله إلى مستمع مسلم تزداد أعداده . تحتل القضية الفلسطينية موقعا خاصا في قلوب الجماهير العربية. لذا فالكلام البلاغي عن فلسطين يعبئ خاصة الأجيال الشابة، التي تفتقد لعلامات موجهة.على سبيل التوضيح، فأثناء النزاعات العسكرية سنة 2007.
داخل الأراضي اللبنانية بين إسلاميي المخيم الفلسطيني "النهر البارد" مع الجيش اللبناني، فإن بعض الجهاديين أغلبهم عرب أتوا من خارج فلسطين، اعتقدوا بحتمية القتال بجنين الفلسطينية.
عارض بن لادن دائما وبشكل عنيف الأطروحات الوطنية الاشتراكية التي استندت عليها لفترة طويلة منظمة التحرير الفلسطينية. أما، حركة حماس، الوريث الفلسطيني لمجموعة الإخوان المسلمين التي يبغضها الجهاديون فهي بالفعل حركة إسلامية راديكالية، لكنها أولا حركة وطنية. حزب الله، الشيعي يمقت تنظيم القاعدة (والعكس صحيح) ويراقب بشكل دقيق تحركاته داخل الساحة اللبنانية. أخيرا، تتجلى القضية الفلسطينية بين ثنايا الجهاد الدولي مثل غاية مجردة، وقبل كل شيء كوسيلة فعالة من أجل الاستمالة أو كسب التعاطف.
7 الصومال، خيبة الأمل الكبرى :
سعى أسامة بن لادن، في رسالة صوتية أذيعت شهر مارس، إلى التذكير بما يلي : تتموقع الصومال ضمن الخنادق الرسمية لحربه. ثم في رسالته الأخيرة، شجع "أبطال الصومال" على القتال وبالضبط أن يقلبوا بالقوة نظام الحكم، القائم هناك على رأس السلطة الانتقالية، بزعامة "الشيخ شريف أحمد" المنحدر من الحركة الإسلامية الصومالية، مما يكشف عن مشاكل عميقة في القرن الإفريقي لتنظيم القاعدة، رغم أنه، وعد منذ عشر سنوات بتحويله المنطقة إلى إحدى مواقعها المحصنة على مستوى إفريقيا.
تاريخ قديم، ل بن لادن، داخل الصومال الذي انهارت دولته عام 1991. ففي سنة 1993، بعث تنظيم القاعدة برجاله إلى هذا البلد، بالتالي كان الإخفاق ينتظر المبادرة التي تقودها الأمم المتحدة عسكريا وإنسانيا. في تلك الفترة، كان بن لادن يستقر بالسودان. خمسة عشرة سنة بعد ذلك، تبدو الحصيلة ضعيفة، حفنة مسؤولين ترتبط مباشرة بتنظيم القاعدة مثل "فاضل عبد الله محمد"، (جزر القمر)، قاموا بتنفيذ الاعتداءات الإرهابية ضد السفارتين الأمريكيتين بنيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) شهر غشت 1998، ثم محاولة استهدفت إسرائيل بمدينة مومبازا الكينية سنة 2002، وقد استفادوا من دعم لوجستيكي وملجأ آمن بموقاديشو، في ظل حماية الصوماليين.
نظمت الولايات المتحدة الأمريكية، هجومات استهدافية، ابتغاء تصفيتهم (قصف انطلاقا من سفن حربية وجوي بالخصوص). لكن، وكما أوضح لنا خبير أمريكي مهتم بشؤون محاربة الإرهاب : ((هناك على الأرجح، عناصر قليلة تنتمي لتنظيم القاعدة بموقاديشيو، مقارنة مع مدن خليجية أخرى)).
من بين الفرق التي تخوض حاليا حربها ضد السلطة الانتقالية الصومالية، نصادف جماعة "حركة الشباب"، القريبة جدا من الوجهة الإيديولوجية لتنظيم القاعدة. وقد حصلت سنة 2009، على دعم مقاتلين أجانب قدموا من العراق وأفغانستان.
مع ذلك، لم ينجح "أسامة بن لادن" في توحيد المشهد التمردي الصومالي، ولو أمكن إقامة مجموعة جسور لنقل المعلومات أو التقنيات. حينما، اتصلنا بأحد عناصر "جماعة الشباب"، متخصص في صناعة المتفجرات، أكد لنا بأنه قد توجه إلى أفغانستان قصد تطوير معرفته بالمهنة.
يقول "ميكيل وينستاين" (Michael Weinstein)، أستاذ العلوم السياسية ومنكب على الموضوع الصومالي : (( تبدو "الشباب" خاصة، حركة صومالية تقتسم مع تنظيم القاعدة إيديولوجيته الدولية، وتدعي ذلك علانية. طبعا، التواصل الإيديولوجي، لا يعني أبدا ترابطا عمليا)).
الدراسة التي أصدرها "معهد محاربة الإرهاب" التابع للأكاديمية العسكرية ب "West Point" (الولايات المتحدة الأمريكية)، انبنت على تحليل وثائق، عثر عليها بالصومال عقب الاجتياح العسكري الإثيوبي، وقد انتهت إلى الخلاصة التالية : ((إن السيطرة على الصومال، قد يوحي بكونه يخدم خطط تنظيم القاعدة، لكنه يبدو أكثر إشكالية بالنسبة إليه من التنظيمات الغربية التي تتوخى مساعدة الصومال)).
8 تضييق الكماشة على أسامة بن لادن :
للمرة الأولى منذ سنوات، لم يعد بوسع الرجل الأكثر مطاردة في العالم استعمال الانترنيت لتمرير آخر ما لديه من نقد لاذع، لذا بعثه مباشرة إلى قناة الجزيرة. لاشك، بأنه قد افترق عن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. بالتالي، سيكون "الأمير الأعلى" معزولا قياسا مع كل ما مضى من الوقت.
فقط أربعة تسجيلات صوتية سنة 2009، غير مصحوبة بأية صورة. الأجهزة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، تؤمن تماما بصحة الأشرطة التي أذيعت هذه السنة. بالفعل، من يتحدث هو أسامة بن لادن، الرجل الذي يلاحقه كل العالم. لكن، لماذا لا يظهر صورته ؟ هل جُرح ؟ مريض ؟ حلق لحيته كي يتغير شكله ويتوجه إلى الاختفاء في مختبئ جديد "داخل مدينة باكستانية ما" كما يعتقد مجموعة خبراء من جامعة كاليفورنيا. وربما أيضا، فقد أدت مشاق العيش داخل مغارة على ارتفاع معين لمدة طويلة، إلى شيخوخته قبل الأوان، يجعله ممتنعا عن الظهور بطيفه النحيل جدا.
لقد مرت 21 سنة على تأسيس تنظيم القاعدة. شيء واحد ثابت، عن سن الثانية والخمسين، وبعد مضي 12 سنة وهو يعبر الجبال هربا وحياة التزهد في مكان ما بآسيا الجنوبية، فإن أسامة بن لادن أو "أمير جند الله" مثلما تمجده القمصان التي تباع خفية بكراتشي، يعيش انهيارا جسديا. لم نعرف أبدا على وجه التحديد إن كان يعاني أم لا من إصابة الكلي، بالتالي حاجته المنتظمة إلى حصص للتصفية. لكن اليقيني وما تأكد واتضح، أن المحرض على صدمة 11 شتنبر 2001، صحته بالأحرى ضعيفة. وإذا توضح ما هو في عداد اليقين، خبر موت سعد بن لادن أحد أبنائه المفضلين، البالغ من العمر 30 سنة عدد أبناء أسامة بن دلان 19 ولدا من أربعة نساء فلن يزيده ذلك إلا إرهاقا. فبعد إقامته لفترة طويلة بإيران، سقط "فجأة" "سعد" صريعا نتيجة قصف صاروخي أمريكي على » هيلفر » بباكستان خلال هذا الصيف.
أسامة بن لادن، تبرأ منه بلده الأصلي العربية السعودية، وتمت مطاردته بشدة أكثر مع مجيئ باراك أوباما، من قبل القوة الأولى في العالم إلى جانب حلفاء الأطلسي تم كل قناصي المكافآت غير المنتظرة، الذين قد يحاولون خيانته طمعا في الجائزة الفاحشة والتي ضاعف مجلس الشيوخ مبلغها إلى 50 مليون دولار، خلال شهر شتنبر 2008. هكذا، يعيش اليوم أسامة بن لادن : ((وحيدا ومعزولا تماما)) كما يقول "ميكيل هايدن" (Michael Hayden)، الرئيس السابق للمخابرات الأمريكية، يقضي "معظم وقته بحثا عن الاحتماء".
آخر خطبة له، تسجيل صوتي استغرق 20 دقيقة، قدمت جزءا منه قناة الجزيرة يوم 3 يونيو، لم يتضمن شيئا جديدا. يظهر، بأنه قد دُون قبل أسابيع عديدة من حدث الساعة لحظتها توقف أوباما بالسعودية، وهو في طريقه إلى القاهرة، سيوجه خطابا هاما إلى العالم الإسلامي فنقده اللاذع، غابت عنه أية إشارة إلى جولة رئيس البيت الأبيض. فضل الخطيب لهجة أسقف متملقة، فاستحضر أساسا ما قام به الجيش الباكستاني بواد سواط، حيث نجد في مقدمة المواجهة، حلفائه طالبان.
عملية كلفت بشريا كثيرا، لكنها توجت بنجاحات عسكرية وجاءت بأمر مباشر من الرئيس الباكستاني الجديد "أسيف علي زارداري" زوج الراحلة "بنازير بوتو". أكد، أسامة بن لادن، بأن هذا الموقف العسكري "تحدد بتوصية أمريكية"، ((فانطلقت المذابح والغارات، للحيلولة دون تطبيق أفراد "سواط" للشريعة الإسلامية)). ولم يشر بأية كلمة إلى "بيت الله محمود"، خليفه الذي قتل بضعة أسابيع بعد ذلك جراء قصف أمريكي مركز. هذا، الهجوم يضيف بن لادن : ((أوضح بأن أوباما يتبع نفس خطى سلفه، ويزرع بذورا أخرى لمضاعفة الكراهية ضد أمريكا)) ثم يهدد : ((ليتأهب الشعب الأمريكي، كي يواصل جني خلال السنوات العشر القادمة، ما زرعه طيلة سنوات)).
مرة أخرى، لا جديد حقا، بالمقارنة مع مداخلته السابقة يوم 19 مارس، حينما دعا الجهاديين بالصومال إلى الإطاحة بالرئيس "شريف شيخ أحمد"، إسلامي معتدل، انتخب نهاية شهر يناير. يقول "توماس هيغهمر" (Thomas Hegghemmer)، خبير نرويجي اشتهر بالقضية : ((هذه المرة، الأكثر أهمية، ليست الرسالة، بل كيفية تقديمها. أغلب بيانات القاعدة "التنظيم المركزي" خلال السنوات الأخيرة، اتجهت إلى الأنترنيت مباشرة. بينما الرسالة الحالية، فقد وظفت "الطريقة العادية"، وذلك بتكليف رسول يحملها مباشرة إلى مكاتب قناة الجزيرة)).
بالنسبة لهذا الاختصاصي المعروف، ومؤلف كتابات عديدة حول الجهاد، ثم صاحب موقع إلكتروني ممتاز يهتم بموضوع الجهاد (Jihadica.com) : ((فالأمر يدل على تغير وضعية بن لادن الشخصية. ربما، رحل إلى منطقة جديدة، أو قرر أن يحتاط أكثر قياسا للسابق)). حينما اتصلنا، بأحد رجال الاستخبارات الفرنسية، قصد التهيئ لهذا الملف، فقد أكد بصيغة مقتضبة : ((تضيق الكماشة على الرجل)). أما "جون بيير فيليو" المؤرخ المتقن للغة الغربية والخبير في شؤون الجهاد، فيذهب أبعد من ذلك: ((لاشك أنه استبدل بروتوكوله الأمني. أزداد الضغط الباكستاني في المناطق القبلية على الحدود الأفغانية، موت خليفه بيت الله محمود، حدة الغارات الأمريكية العسكرية على المنطقة، ربما بموافقة السلطات الباكستانية. لن أستغرب إذن، إذ قتل أسامة بن لادن أو قبض عليه خلال الشهور القادمة)). وحسب، أبو جندل أحد حراسه الشخصيين (إلى غاية 2001)، في جواب له عن سؤال صحافي شهر يونيو الأخير : ((يرفض الشيخ أسره حيا. فقد أمر رجاله، بالعمل على تصفيته إذا كان على وشك أن يقبض عليه)). حاليا، الطالبان يحمونه. اسمه الرمزي، هو التقوى (كلمة عربية تحيل على الخوف من الله)، وقد اكتٌشف من خلال مذكرة طالبانية داخلية، عٌثر عليها سنة 2008. لكن ماذا سيحدث ، إذا وجد نفسه وحيدا، هل ستعقد أمريكا "تسوية" مع "المعتدلين" وسط طالبان ؟ لم يتأكد بعد أي شيئ. منذ ثلاث أو أربع سنوات، أعلن عن موت "الأمير الأعلى" من طرف الباكستانيين وآخرين لاسيما إشارة الجهاز الفرنسي (DGSE) سنة 2008 ما يقارب ست مرات، لكن، في كل مرة يبرز بن لادن ثانية على المسرح.
الإيحاء الثاني، لمداخلة بن لادن الأخيرة، عدم ظهوره إلى جانب ملازمه الأول، الطبيب المصري أيمن الظواهري، الذي تحدث بدوره عبر شريط فيديو بثه الانترنيت عشية مجيء أوباما إلى الشرق الأوسط. منظر الإرهاب الإسلامي، الذي كما قلنا عنه، يحلم بأن يصير خليفة مكان الخليفة، شكل موضوع نزاع شديد حتى بين نظرائه الجهاديين القدامى، مع استمراره في عرض أفكاره بطريقته المألوفة. هكذا، وصف بداية شهر يناير، أوباما ب "عبد البيت الأسود" مثلما سمي قديما العبيد الأفارقة. كما، أن الريس الجديد "منافق" "قاتل للأبرياء"، "عدو للمسلمين"، "ذبح بلا رحمة في غزة أشقائنا وشقيقاتنا". ولا يهم، أن المقصود بهذا الكلام لم يتسلم بعد وظائفه لحظة وقوع الهجوم الدموي الإسرائيلي على البقعة الفلسطينية الصغيرة في الفترة الممتدة من شهر دجنبر 2008 إلى يناير 2009. ينتشي أيمن الظواهر دائما بالأقوال ذاتها، ويجتر نفس الهواجس. لم يستطع قط الظواهري وكذا زعيمه بن لادن، إبداء نوع من الواقعية اتجاه الأحداث. هذا ما يفسر ربما، عدم اهتمامهم بانتقادات المقربين مثل أبو مصعب السوري المهندس السوري الذي بقي لفترة طويلة خبيرهم الاستراتيجي ومنظرهم إلى غاية اعتقاله سنة 2005 فيما يخص "عملية 11 شتنبر" والتي انتهت بطرد تنظيم القاعدة من حصنه الإقليمي الوحيد : جمهورية طالبان الإسلامية، وانهيارها الفوري بعد ذلك.
في إطار دعوته إلى المقاومة الإسلامية الشمولية، كتب أبو مصعب السوري، 1500 صفحة، سنقف على صيغة مقتضبة منها بين طيات الانترنيت ابتداء من سنة 2005 : ((ليست القاعدة تنظيما أو جماعة، ولا نريد أن تصير كذلك. إنها، نداء وإصلاح ومنهجية)). بالنسبة إليه، لا يجب أن تقوم ((روابط عضوية بين وحدات المقاومة الإسلامية الشاملة)). مع هاته، المنهجية التي تنطوي على تأسيس خلايا مستقلة لا صلة بينها، بالتالي، من واجب هذه المقاومة ((أن تجدد ذاتها، وتحافظ على استمراريتها بشكل ذاتي)).
إلى حد ما، أقر بن لادن و الظواهري بالمبدأ، فأضحى التنظيم لا مركزيا. ذلك، أن تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي وتابعيه بالعراق أو الصومال، لا يستمدون مباشرة الأوامر من "القيادة الأم"، المتواجدة على الحدود الباكستانية الأفغانية. لكن، التي تنسب نفسها لتنظيم القاعدة، وتحت دواعي توجهها الدولي أو بغية أن تكون فعالة، تلتمس أحيانا المال، التجهيزات واليد العاملة أو حفل تسليح رسمي يشرف عليه الشيخ.
نصل الآن، إلى جوهر اختلاف في الرؤية بين "مارك ساجمان" (marc Sageman) خبير مناهضة الإرهاب، ثم وجهة نظر "بروس هوفمان" (Bruce Hoffman) أستاذ بواشنطن ومختص في القضاء على التمرد.
حسب تصور الأول، فقد تفككت السلطة المركزية لتنظيم القاعدة، وتحول إلى "حركة مجتمعية" دون حدود وعلامات فارقة وواضحة تعطي إمكانية كشف تلك "الذئاب المنعزلة"، جهاديون يبادرون بمفردهم كليا أو تقريبا. بينما، "هوفمان" Hoffman ويشاطره في رأيه "فيليو" Filliu، فيعتقد بأن كل خيوط القيادة يمتلكها دائما المنشق السعودي.
نجد أيضا تأويلا ثالثا، عند المحلل العسكري الأمريكي "تيد غيستارو" ((Ted Gistaro، الذي يقول : (( يظل بن لادن منبع السلطة ثم القائد الاستراتيجي والتاكتيكي. أيمن الظواهري، يبقي على وحدة تنظيم القاعدة كما يحدد رؤيته الاستراتيجية وأولياته العملية)). بشكل واضح، من اللازم القبض عليهما "أموات أو أحياء" على حد تعبير جورج بوش.
[email protected]
* نشر بجريدة "لوموند" الفرنسية الأربعاء 9 شتنبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.