و بينما نحن هنا نتحدث عن المرأة و حقوقها، من مساواة و تعليم، صحة و استقلالية... تجدها تكافح من أجل لقمة العيش هناك... تسابق خيوط فجلا لاهثة حيث الذل و القهر و الاحتقار، ولا تعود إلا وقد غابت أشعة لشمس إلى مضجعها، تأوي إلى حلم تراه بعيدا بعد القمر : عيش كريم و راحة بال. لطالما سمعت بوضعية النساء اللواتي تشتغلن في الحدود بين سبتة السليبة و الفنيدق "الديوانة" لكنني لم أخالها بهاته الفظاعة إلا بعد أن صرت أزور هذه المدينة كل يوم من أجل العمل، هذا ما جعلني أقترب من هؤلاء النساء، أحادثهن تارة في مقر عملي و أسترق السمع إلى معاناتهن و هن يجاهرن بها في التاكسي تارة أخرى. "البراكدية" أو "مولات السلعة" : مواطنة مغربية وجدت نفسها أمام ظروف اجتماعية و مادية قاهرة اضطرتها للخروج بحثا عن باب فرج يمطر عصي سحرية تلون حياتها .. و لم تجد أمامها غير باب العبور إلى سبتة لتحصر في المعبر المسيج إلى أجل غير مسمى، محملة بأطنان فوق ظهرها، مثقلة بهموم الأسرة و مسؤولية إعالتها، مهرولة .. مسابقة الزمن .. فالسرعة بالنسبة لها لا تقتل بل تنقذ يومها و تؤمن قوتها.. كيف لا و إن حدث و تأخرت عن موعد إغلاق المعبر ستقضي الليلة في سبتة متوسدة العراء، ملتحفة العياء .. ليضيع الربح و يتبخر جهد النهار سدى. شابة أو سيدة خمسينية، لا يهم، الكل في المعبر سواسية، يعشن و ناقوس الخطر كل يوم .. يخرجن من بيوتهن و يجهلن العودة، متى ستعدن؟ و كيف ستعدن؟ هل في كامل صحتهن .. أو أشلاء جسد؟ ناهيك عن العنف النفسي و الاستعباد الأليم، يرتشفن شظف العيش على مهل و لا من يسأل عن حالهن؛ نساء التجئن إلى حضن الخطر هربا من الحياة ... و إلى قهر الحياة هربا من الإملاق فيها ..؛ نساء لا يفقهن من الالنضال. كسرة خبز و الرجوع سالمات إلى أبنائهن...؛ نساء يناضلن في زمن النضال .. و النضال أنواع.