عرفت الكرة التطوانية خلال موسم 1964-1965 سنة كروية مزدهرة بامتياز، وخاصة في الدور الأول من مرحلة الذهاب، فكانت بحق مسيرة متطورة لم يشهدها الفريق من قبل، فما بالك فيما بعد، وذلك حسب استطلاع الرأي الذي عايش تلك الفترة، كما عرف المتفرج التطواني الرياضي وغير الرياضي جوا رياضيا متحمساً ودافئا ومليئا بالأحداث، تقاسمه جيلان متقاربان في المفهوم والعقلية والسلوك على الرغم من وجود الفريق في القسم الوطني الثاني. وكان هذا نتيجة تغيير طرا على الفريق، والانتصارات التي حققها منذ انطلاق المباراة الأولى، واحتلاله الصف الأول، واستمراره في مقدمة الترتيب، بل وابتعاده عن مطارده الثاني بثمان نقط طوال مرحلة الذهاب، علما بأن التنقيط كان يحسب في تلك الفترة ثلاث للفائز، ونقطتين للمتعادل، ونقطة واحدة للخاسر. ومن المفارقات العجيبة التي واكبت الموسم، ظهور بوادر وإشارات توحي بأن نهاية الموسم ستعرف تغيرات لم تكن في حسبان المدرب، الذي سطع نجمه في سماء المجد. ولسوء الحظ توالت الأحداث بسرعة لتسبق التوقعات، وتكمن في: * كيفية وضع حد لمدرب لم يتحقق حلمه بعد، والموسم في نصفه الأول من البطولة. * وكرد فعل لهذا، سيبدأ النزول التراجعي التدريجي، لكنه حتمي، لفريق في أوج عطانه وشموخه حيث؛ ستغيب عنه إدارة تقنية منظمة، يليه تفكك في الأصرة الرياضية و ما ساد من روح مكتسبة بين اللاعبين على مر السنين. وهذا ما تم بالفعل، ولم يعد الأمر مجرد تخمينات، بل أصبحت واقعا ظهرت نتائجه حين اكتفى الفريق في آخر المطاف ونهاية الموسم بالتعادل في ميدانه، بعدما كان في الزعامة عند مرحلة الذهاب. و لولا فارق النقط التي حصدها الفريق في الدور الأول، والنسبة في الأهداف عند نهاية البطولة لما تحقق له الصعود. ولهذه الوقائع أسباب نستحضرها بالتفصيل، لأن الكثيرين يجهلونها وخصوصا أجيال ما بعد السبعينيات التي نشأت وسط مغرب تطواني يتيم. في موسم 1959-1960، دعا المرحوم الحاج "أحمد الفيلالي" رئيس « المغرب أتلتيك تطوان»، المدرب الشاب "محمد البقالي" وكلفه بالإشراف التقني والتدريب الميداني، لفتيان وشبان المغرب التطواني، في هذه الأثناء كان "البقالي" يدرب فرقة الكشفية بدار البومبة ( مقر الكشفية الحسنية )، وفي غمرة الاستعداد للمشاركة في أول دوري ينظم في كرة القدم تحت إشراف المغرب أتلتيك تطوان، ويجري بملعب La Cultura (ثانوية القاضي عياض حاليا)، وهو أو ل دوري ينظم لفائدة الأحياء وبعض المؤسسات التعليمية. وللتذكير، فإنه بفضل هذا الدوري برزت إلى الوجود عناصر موهوبة أصبح لها باع طويل في فريق المدينة الأول، أمثال: المرحوم امحمد احمامو – بوجمعة – الإسبانيAlcaide، ثم لحق بهم آخرون، أمثال: بنصبيح ( احميدو)- مصطفى البقالي. وابتدأ مشوار المدرب "محمد البقالي"، ليكون في ظرف وجيز فريقا نموذجيا ومثاليا لجميع المواصفات من حيث الانضباط والاستقامة والأخلاق والجدية، لا يضاهيه أي فريق شباب محلي، تجلت قدرته مع مرور الأيام عندما كان يسحق أعتى الفرق التي كانت تواجهه، معتمدا على إمكانيات ذاتية بسيطة للمدرب. وجاء موسم 1963-1964، سنة مصيرية لتحقيق الذات، فأسند له المكتب الجديد الذي خلف مكتب الاستقلال، مسؤولية تدريب الفريق الذي ثلث مكوناته من "شباب البقالي" وسبب هذا التعيين هو: 1- مكتب إداري جديد مؤقت، وبدون دعم وتأييد من الجمهور. 2- المغادرة الجماعية للاعبين الإسبان كاللأخوين: مولينا – و الأخوين: إلصاردو وطوطو ثم يوطوس، لأسباب مادية بالدرجة الأولى. لكن المدرب "البقالي" لم يجد صعوبة في تعويض هذا النقص العددي، وهذا الخلل الذي احدث بالفريق، بالمناداة على بقية الشباب، ليتحول الفريق برمته، مؤلفا من شباب المغرب التطواني، مع بعض الامتيازات، في فارق السن حيث كان متوسط العمر بينهم لا يتعدى ثمانية عشرة سنة. وانطلق المدرب "البقالي" في بناء و تهيىء فريق بناء متينا يحدوه الأمل في تحقيق هدفين اثنين: + الأول: أن يصعد الفريق إلى القسم الوطني الأول. + الثاني: أن ينعم الفريق بالاستقرار في التسيير، والبقاء في القسم الوطني الأول أطول مدة، وأن تتقوى الإدارة التقنية. فبدأ العمل تحت شعار: « التداريب ثم التداريب »، إيمانا بأن اللياقة البدنية مع التقنية الفردية هي الأساس عند كل فريق. والذين عاشروا البقالي يعرفون جديته في الميدان، في المواعيد، لا يعرف المجاملة، ولا المحاباة، ولا تؤثر عليه الصداقة والعطف. وظهر جليا للعموم أن مخططه الكروي، يسير وفق الأهداف التي سطرها. لقد أنهى ومكامن قوتها. موسمه باحتلال الفريق المرتبة السادسة، بعد أن عرف خلالها مستوى الفرق، ونقط ضعفها، وتزامن هذا التتويج، وهذه الانطلاقة الجيدة مع بروز خلخلة في المكتب المسير المؤقت، وتوالت الأحداث بسرعة، وتشابكت لينتهي الأمر إلى ذهاب المكتب المؤقت قبل انتهاء الموسم حيث؛ لم يظهر جديته أثناء تحمله المسؤولية. ومع ذلك انطلقت التداريب من جديد في الموعد المحدد، بعناصر شابة، مهيكلة ومنسجمة، كلها من منبع واحد، فكانت كل الظروف التقنية متوفرة، بالإضافة إلى مكتسب جديد هو مؤازرة الجمهور للفريق بعودته بكثافة إلى ملء جنبات ملعب سانية الرمل بعد عزوف استمر وقتا طويلا. بدأ الموسم الكروي بحدثين جديدين: 1- نتائج إيجابية منذ المباراة الأولى، إذ لا ينكر أحد أن شياطين "البقالي" أصبحوا محط إعجاب الجميع، فلم تمض سوى ست أو سبع مقابلات حتى تحول الفريق إلى حديث الساعة في الشارع، في المقهى، داخل البيوتات، صارت قدرة ملعب سائية الرمل على استيعاب الجمهور لا تسع كل المتفرجين، وبالأخص حين انضاف إلى المتفرج المحلي، متفرجون آخرون قادمون من سبتة وشفشاون والعرائش وطنجة، ليستمتعوا بكرة من النوع الرفيع، سواء على المستوى. الجماعي أو الفردي. 2- وكنتيجة لهذا التربع على قمة الترتيب، أصبح لكل لاعب معجبون، على غرار الفرق العظمى من الأطفال، فكان أعظم مكسب يتحقق بفضل هذا التألق، أن تأثر أطفال المدينة وفتيانها بهؤلاء الشباب، تأثرا برزت معه ظاهرة محمودة وهي: مصاحبة الآباء لأبنائهم لمشاهدة شياطين "البقالي"، مما يعكس إلى حد ما بلغت ثقافة الجمهور الرياضي. يقول المثل المغربي « لكل عمل جيد أجرته »، ففي ظل هذه النتائج السارة والأمل في استمرارها، وضرورة وجود تحفيزات لصانعها المتمثل في اللاعبين، كان المدرب "محمد البقالي"، لا يتهاون، ولا يهدا له بال في طلب مكافات إضافية للاعبيبه، وهي مسؤوليته، فهو الناطق الرسمي لهم، معتمدا في طلبه وإصراره على: ا- النتائج التي يحصدها في كل مباراة. ب- تركيبة ثلث الفريق من التلاميذ، والثلث الآخر في احتياج لدعم إضافي، ولا يتوفر على عمل. كان يدرك تمام الإدراك أن التنكر لحق اللاعبين، وعدم تحسيسهم بالوقوف إلى جانبهم، له عواقب وخيمة ستنعكس سلبا على مسيرة المدرب الناجحة والفريق على حد سواء، سيما والمدرب مر من التجربة مع المكتب المؤقت السابق، الذي لم يكن في مستوى المسؤولية. لقد بدا واضحا للجميع، أن المداخيل، ترتفع من مباراة إلى أخرى. أليس من واجب المكتب أن يبرهن عن حسن نيته، إزاء اللاعبين؟. لسوء حظ المدرب، لم يعر المكتب أي اهتمام لطلبه، فما هي يا ترى هذه المطالب التي يخجل المرء من ذكرها لتواضعها. إنها: 1- أن تكون المكافآت مبنية على النتائج، وبالتالي على الترتيب الذي يحتله الفريق. 2- أن تتوفر لدى اللاعبين البسة رياضية، تليق بمكانتهم الكروية، وتصون كرامتهم الرياضية أمام أقرانهم. 3- ان تكون التربصات في فنادق محترمة، لأن الفريق في طريقه إلى القسم الوطني الأول، بالمدن التي يزورها. 4- أن تمنح للاعبين مكافآت استثنائية في الأعياد الدينية. وقد رفض المكتب، أوغض الطرف عنها رغم بساطتها جملة وتفصيلا. ومن باب الإنصاف، وللتاريخ، كان المحبون والأنصار، وهم كثيرون، لا يتأخرون في شراء ألبسة رياضية ويقدمونها هدية للاعبين، ومن بينها البذلة الرياضية المعروفة بالخطوط الحمراء والبيضاء، التي كانت يمنا وبركة على الفريق. في ظل هذه التطورات، بدأ المكتب يخطط لوضع حد للمدرب الذي أتعبه كثيرا بمطالبه، وكان المدعو " عمار"، وهو رجل سلطة وراء تنفيذ هذا المخطط، والذي كان ينوب عن المكتب في كل أعماله، أحب أم كره. فكيف جاءت فكرة تنحية المدرب؟. لقد جاءت بانتهاج سياسة خلق مشاكل وعراقيل بالاعتماد على: 1- عدم الاستجابة لأي طلب، لخلق سوء تفاهم بينه وبين اللاعبين، 2- تحريض بعض اللاعبين لصغر سنهم واستمالتهم للنهج المخطط له 3- إشعار بعض الفرق بان لدى المدرب لاعبين مزورين، ليمارس عليهم التحفظ، وبالتالي الهزيمة مثلما حدث ل "امحمد المراكشي". مثل هذه التصرفات، كانت توحي للرأي العام، بأن المكتب المسير لا يستفيد من صعود الفريق إلى القسم الأول، بالإضافة إلى أن الفريق بالقسم الشرفي، سيفرض على المكتب معاملة خاصة مع اللاعبين. وبمجرد ما انطلقت دورة الإياب، اتخذ قرار توقيف المدرب "محمد البقالي"، وتعويضه بمدرب إسباني لم يعمر طويلا، انتهت مهمته بانتهاء البطولة، لنتائجه السلبية حيث اعترف بأن صعود الفريق إلى القسم الوطني الأول ثم بفضل النقط التي حصل عليها في الدورة الأولى، والتي كان بطلها المدرب "محمد البقالي". كان قرارا قاسيا في حق المدرب، وساكنة تطوان، لأنه كان يعتقد أن المكتب يمكن أن يفعل أي شيء إلا تنحيته، لكن من يجرؤ على التنديد أوالكلام، وصاحب الحل والعقد في هذه القضية رجل سلطة. غير أن التنديد جاء من طنجة على لسان جريدة « الموقف الأسبوعي » التي كان يصدرها الصحفي المتميز وصاحب المقال الأستاذ "خالد مشبال"، والذي دعا للتصدي لهذا القرار التعسفي الذي لن يجني من ورائه الفريق إلا تدمير معنوياته. وانسحب المكتب قبل انطلاق البطولة، وحل محله مكتب آخر غير مهيا، وبدون برنامج، مما أدى إلى نزول الفريق في نفس السنة، ليستمر دون أن يذوق طعم الاستقرار إلى اليوم. تعليق على هذه الشهادة 1- بتوقيف المدرب "محمد البقالي" حجبت عنا نهاية مدرب ناجح، دون أن نعرف أين كان يصل بالفريق لو ظل على رأسه. 2- ألم يكن ما حققه، وما برهن عنه من حنكة خلال مسيرته الكروية مؤشرا على تحقيق شيء يتعدى البطولة. 3- ألم تعرف فترة "البقالي" بالذهبية، حسب استطلاع رأي الجمهور. 4- ألم يكن صائبا أستاذ الفلسفة السيد "أحمد حجي" حين قال: « إن المدرب "محمد البقالي" كان سابقا لعصره ». 5- ألم يقل اللاعب "مصطفى البقالي": « إن السيد "محمد اليقالي" أسس مدرسة في كرة القدم، قبل أن يصبح هذا المصطلح متداولا في المجتمع التطواني، وفي عدة مدن مغربية أخرى ». 6- ألا يستحق هذا الرجل تكريما في حياته، يليق بماضيه الكروي، وأن تأتي المبادرة ممن عاشروه منذ صباهم، والذين بفضله حققوا ما حققوه. بقلم الاستاد الطبيب البقالي عنوان الكتاب: المغرب أتلتيك تطوان مسيرة المد والجزر للمؤلف: الأستاذ الطيب البقالي منشورات جمعية تطاون أسمير (بريس تطوان) يتبع...