في هذا الحوار الخاص، ل"رسالة 24″ يتحدث الدكتور عبد الكبير الحسيني، اختصاصي الإنعاش والتخدير وعضو ضمن بعثة طبية إنسانية إلى قطاع غزة، عن المشاهد الصادمة التي عايشها منذ اللحظات الأولى لدخوله القطاع، وعن الوضع الصحي والإنساني المتدهور، والتحديات اليومية التي تواجه الطواقم الطبية. كيف كانت الانطباعات الأولية بعد دخولكم إلى غزة؟ وما أبرز مشاهد الدمار التي لاحظتموها؟ في اللحظات الأولى من دخولنا إلى غزة، كان المشهد صادما بكل المقاييس. بدا واضحا أن الدمار طال كل شيء دون استثناء. فالبنية التحتية مدمرة بالكامل، الطرقات غير صالحة للاستعمال، والمباني منهارة. رغم أننا دخلنا ليلا، إلا أن علامات الخراب كانت جلية، ولم يكن هناك ما يدل على وجود مناطق آمنة أو حياة طبيعية. فقد بدت المدينة وكأنها ساحة مفتوحة للدمار الكامل. لا يمكن وصف ما شاهدناه إلا ب"الهمجية المطلقة"، فقد كانت القسوة والعنف ظاهرة في كل زاوية من زوايا المدينة. كيف تصفون الوضع الإنساني والمعيشي في غزة حاليا في ظل تدهور الخدمات الأساسية ونقص المواد الغذائية؟ إن الوضع الإنساني في غزة كارثي بكل المقاييس. فأغلب المستشفيات الأساسية خرجت عن الخدمة، بما فيها مستشفى الشفاء، الأوروبي، والإندونيسي. لم يتبق إلا مستشفى ناصر وبعض المستشفيات الميدانية ذات الإمكانيات المحدودة. من الناحية المعيشية، لا توجد مياه كافية، والمواد الغذائية الأساسية شبه منعدمة. الدقيق، إن وجد، يباع بأسعار خيالية تتراوح بين 11 و15 دولارا للكيلوغرام. لا خضروات ولا فواكه، ومعظم العائلات تعيش في خيام أو وسط أنقاض منازلها. حتى المنشآت المخصصة لتوزيع المساعدات لم تسلم من القصف. إنها أزمة شاملة. ما هو واقع النظام الصحي في غزة بعد تدمير معظم المستشفيات؟ وكيف يتم التعامل مع الحالات الحرجة؟ حقيقة القطاع الصحي في غزة منهار تقريبا. فمعظم المستشفيات الأساسية لم تعد قادرة على تقديم الخدمات، ولم يتبق سوى مستشفى ناصر كمركز رئيسي. هناك أيضا مستشفيات ميدانية محدودة القدرة مثل المستشفى الأمريكي والبريطاني والأردني، لكنها تفتقر إلى التجهيزات المتقدمة. كما أن مستشفى ناصر يتحمل ضغطا هائلا، ويستقبل أحيانا بين 30 إلى 40 مريضا دفعة واحدة، معظمهم في حالات حرجة تتطلب تدخلا جراحيا أو دخول قسم الإنعاش. رغم توفر بعض الأجهزة الأساسية، إلا أن حجم الكارثة يتجاوز بكثير طاقة المستشفى، مما يؤدي إلى إنهاك شديد في الطواقم الطبية ونقص حاد في الأدوية والمستلزمات. ما التحديات التي تواجه الطواقم الطبية العاملة في غزة؟ وكيف تتعاملون مع الضغط النفسي الناتج عن المشاهد المؤلمة؟ إن أهم التحديات هي كثافة الإصابات وضيق الوقت. كنا ضمن بعثة مكونة من ثمانية أطباء بتخصصات مختلفة، إلى جانب الطواقم الطبية المحلية التي تشتغل ليلا ونهارا بنظام مداومة متواصل. نواجه ضغطا كبيرا لإنقاذ الأرواح وسط نقص المعدات، مع ضرورة التدخل العاجل في حالات معقدة. فالضغط النفسي لا يقل عن الجسدي، فكل يوم نشهد عشرات الشهداء والمصابين، ونعاين معاناة العائلات المكلومة وما يفاقم الإحباط هو غياب الأفق الإنساني، فلا ممرات آمنة ولا هدنة كافية لتأمين الحد الأدنى من الرعاية. رغم ذلك، نحاول بكل ما أوتينا من جهد أن نكون جزءا من الصمود، لا من الانهيار.