رغم مرور أربع سنوات على تعيين يونس السكوري وزيرا للإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، لا تزال وضعية المقاولات الصغرى في المغرب تراوح مكانها، بل تزداد تأزما في ظل غياب رؤية واضحة وإجراءات ملموسة تعكس حجم التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي. الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ورغم أنها ليست ممثلة في البرلمان، ترى نفسها مضطرة لتوجيه أربعة أسئلة كتابية مباشرة إلى الوزير السكوري، في وقت كان من المفترض أن يضطلع بهذا الدور ممثلو القطاع الخاص داخل مجلس المستشارين، الذين اختاروا بدورهم التركيز على مصالح المقاولات الكبرى، متجاهلين معاناة آلاف المقاولات الصغيرة التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني. الأسئلة الموجهة للوزير السكوري تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها تعكس عمق أزمة مستفحلة: 1. بعد أربع سنوات من التشخيص، أين هي الحلول الملموسة؟ 2. هل تقتصر مهمتكم كوزير على استعراض الأرقام والمعطيات التي تؤكد بدورها الوضع المأساوي؟ 3. هل دور الوزارة ينحصر فقط في تشخيص المشاكل دون تقديم أجوبة سياسية وميدانية؟ 4. ماذا أنجزتم خلال هذه السنوات لتحسين وضعية هذه الفئة، رغم توفر ميزانيات وهياكل إدارية؟ أشارت الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، أنه منذ تعيين الوزير في حكومة عزيز أخنوش، عقدت الكونفدرالية اجتماعا رسميا واحدا معه، بحضور مستشارته السابقة والمديرة العامة الحالية للوكالة الوطنية للنهوض بالمقاولة الصغرى والمتوسطة، إيمان بلمعطي. ومنذ ذلك اللقاء، تقرر وقف أي تعاون مؤسساتي مع الوزير، بعد أن تبين للكونفدرالية ضعف إلمامه بالواقع الحقيقي للمقاولات الصغرى، وغياب أي برنامج إصلاحي جاد. واليوم بعد أربع سنوات لم يتجاوز السكوري مرحلة التشخيص، فيما تستمر المؤشرات في الانحدار. وفي هذا الإطار أجاب الوزير على سؤال كتابي وجه إليه من طرف نائبة برلمانية حول وضعية المقاولات، مستندا إلى معطيات صادرة عن البنك الإفريقي للتنمية، دون أن يتطرق للمعاناة الحقيقية للمقاولات التي تواجه الإفلاس الجماعي، والتي لم تجد طريقا إلى التمويل ولا إلى الصفقات العمومية، رغم وجود قانون منذ 2013 يخصص لها نسبة 20 بالمائة من تلك الصفقات. فالأرقام الرسمية نفسها تؤكد الكارثة: في عام 2019 تم تسجيل 10 آلاف حالة إفلاس، لترتفع إلى 25 ألف حالة في 2022، و33 ألفا في 2023، ومن المتوقع أن تتجاوز 50 ألف حالة بنهاية 2025. كلها أرقام مرعبة تشير إلى انهيار صامت يطال آلاف المقاولات الصغرى في غياب سياسة مواكبة فعالة. وأوضحت الكونفدرالية أنها في كل مناسبة وطنية أو دولية، تنشر بلاغات وتقارير مدعومة بالأرقام والحلول، بما فيها توصيات بمناسبة اليوم العالمي للمقاولة الصغرى في 27 يونيو. إلا أن الوزير لم يكلف نفسه مرة بالاطلاع أو التفاعل معها، مفضلا الاستشهاد بتقارير بنوك ومكاتب دراسات دولية بدل الإصغاء إلى نبض الميدان. وفي جوابه الأخير، أقر الوزير بوجود صعوبات حادة أمام المقاولات، تشمل التمويل، وتعقيد القوانين، وتأثيرات كوفيد-19 والأزمات الجيوسياسية والتضخم. لكنه اكتفى بوصف الظرفية دون تقديم رؤية تنفيذية قابلة للتطبيق. وقال إن أكثر من 70% من الأنشطة المقاولاتية في المغرب غير مهيكلة، وأن النساء يشكلن فقط 22 بالمائة من أصحاب المقاولات القائمة، رغم أنهن يمثلن 44 بالمائة من الراغبين في دخول هذا المجال. أما من حيث الأرقام، فأشار السكوري إلى أنه تم إحداث 95 ألف مقاولة جديدة سنة 2024، وأن عدد المقاولات المنخرطة في صندوق الضمان الاجتماعي ارتفع من 255 ألفا سنة 2019 إلى 332 ألفا سنة 2023. إلا أن هذه المعطيات لا تعكس واقع الإفلاس الواسع ولا حجم المعاناة اليومية التي ترزح تحتها المقاولات الصغرى، خاصة في ظل استمرار التأخر في الأداء، وارتفاع الاقتطاعات الضريبية والاجتماعية وتوقف برنامجي "انطلاقة" و"فرصة". الأخطر أن الوزير يعترف بأن نسبة استدامة المقاولات بعد خمس سنوات لا تتجاوز 53 بالمائة، وأن المقاولات الصغيرة التي تشكل 97 بالمائة من النسيج الاقتصادي لا تتجاوز نسبة نموها 2 بالمائة فقط، ما يطرح إشكالية حقيقية في قدرتها على التطور بل حتى على الاستمرار. إن الأرقام لا تكذب، والواقع الميداني لا يحتاج إلى دراسات خارجية لتوثيقه. المطلوب اليوم ليس خطابا وصفيا، بل إرادة سياسية حقيقية تضع المقاولات الصغرى في صلب أولويات السياسات العمومية وتتعامل معها كرافعة اقتصادية واجتماعية، لا كعبء أو رقم هامشي في تقارير رسمية.