أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    ساكنة فاس تعاقب بنكيران وتمنح أصواتها لحزب الأحرار في الانتخابات الجزئية    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    إساءات عنصرية ضد نجم المنتخب المغربي    ظهور حيوان "الوشق" المفترس بغابة السلوقية يثير استنفار سلطات طنجة    توقيف 5 أشخاص بأكادير يشتبه تورطهم في الاتجار في المخدرات    طنجة .. ضبط مشتبه به بتهمة قرصنة المكالمات الهاتفية والتلاعب بالبيانات الرقمية    الموت يفجع الفنانة شيماء عبد العزيز    النفط يرتفع بعد انخفاض غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية    أساتذة جامعة ابن زهر يرفضون إجراءات وزارة التعليم العالي في حق طلبة الطب    المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب ( 2024 ) : انفتاح سوق الاتحاد الأوروبي على استوراد العسل المغربي    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    للمرة الثانية فيومين.. الخارجية الروسية استقبلات سفير الدزاير وهدرو على نزاع الصحرا    هل تحول الاتحاد المغاربي إلى اتحاد جزائري؟    شركة Foundever تفتتح منشأة جديدة في الرباط    طقس الأربعاء... أجواء حارة نسبيا في عدد من الجهات    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    تفكيك عصابة فمراكش متخصصة فكريساج الموطورات    بنموسى…جميع الأقسام الدراسية سيتم تجهيزها مستقبلا بركن للمطالعة    نوفلار تطلق رسميا خطها الجديد الدار البيضاء – تونس    تنامي الغضب الطلابي داخل أمريكا ضد "حرب الإبادة" في فلسطين ودعوات لإستدعاء الحرس الوطني للتصدي للمتظاهرين    "إل إسبانيول": أجهزة الأمن البلجيكية غادي تعين ضابط اتصال استخباراتي ف المغرب وها علاش    جمعية أصدقاء محمد الجم للمسرح تكشف عن تفاصيل الدورة الثالثة للمهرجان الوطني لمسرح الشباب    تخفيضات استثنائية.. العربية للطيران تعلن عن تذاكر تبدأ من 259 درهما على 150 ألف مقعد    إسرائيل تكثف ضرباتها في غزة وتأمر بعمليات إخلاء جديدة بشمال القطاع    ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟    الكونغرس يقر مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك ب "الملياردير المتغطرس"    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    نانسي بيلوسي وصفات نتنياهو بالعقبة للي واقفة قدام السلام.. وطلبات منو الاستقالة    الصين تدرس مراجعة قانون مكافحة غسيل الأموال    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    الولايات المتحدة.. مصرع شخصين إثر تحطم طائرة شحن في ألاسكا    إيلا كذب عليك عرفي راكي خايبة.. دراسة: الدراري مكيكذبوش مللي كي كونو يهضرو مع بنت زوينة        لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الساديزم السياسي" وتكريس "المازوشيزم" لدى ساكنة الجبال
نشر في أخبار الجنوب يوم 02 - 04 - 2012

img src=" ../img/728_8.jpg" alt=" "الساديزم السياسي" وتكريس "المازوشيزم" لدى ساكنة الجبال" width="350" /
قد تبدو لك من الوهلة الأولى٬ وأنت تشق طريقك تحت نسمات الجو العليل إلى المناطق الجبلية٬ القصة تحاكي نفسها سواء تعلق الأمر بمناطق الأطلس ﴿صاغرو٬ انفكو٬ أزيغمت٬ إملشيل٬ أيت هاني٬إمغران٬ أيت عبدي٬ تونفيت٬ وسلسات٬ إزناكن،بوتغرار...﴾، مناطق سوس ﴿أيت باعمران، أقا...﴾٬ مناطق الريف ﴿جبل عوام٬ جبال الريف...﴾٬ وكل المناطق الأخرى الكثيرة والتي لا يسعنا ذكرها جميعا٬ تمن النفس بجولة تريحك ولو قليلا من أعباء الحياة التي لا تنتهي٬ ساعيا وراء الطمأنينة بكل هدوء٬ ستكتشف وأنت تواري أنظارك في الأرجاء٬ أن السحر ما سكن غير تلك البلاد٬ فالمناظر تؤسر القلب وتفتن العين٬ إنها وبكل بساطة جنة من زمان الجمال العذري الأزلي٬ فالهدوء أحكم قبضته على كل شيء٬ وهنا قد تهيم طائرا حالما في سماء الحرية التي تؤثث وتزين جنبات الطبيعة في تناسق تام.
لكن مع استمرارك في التوغل داخل المناظر الآسرة للقلوب والتي لا مثيل لها٬ تجد نفسك وبعد هنيهات في مواجهة تاريخية بين موقفين حضاريين متصارعين ومختلفين في زمانهما الحضاري والثقافي٬ إنها الحياة الطبيعية بدون زخرفة٬ والغريب أنك بدأت تدخل في نطاق العزلة الإضطرارية من غير إشعار مسبق، هنا ستتشكل لديك مفارقة "العدو−النموذج" كما تشكلت لدى الصخور التي سبقتك في مبارحة المكان٬ فجوهر المعاناة هنا هو نفسه جوهر العقلانية الحديثة المملحة٬ هنا ستصافحك المشاريع الإصلاحية الواهمة والخطابات التنموية المكبوتة وهنا أيضا ويا لها من مصادفة ستراقصك كل رقصات التمزق والتخلف والقهر السياسي الممنهج٬ مرحبا بكم في بلاط الطغيان الداخلي ومرحبا بكم في بلاد الغير الموجدين إلا في سجلات الإنتخابات.
للذين يقولون أن الراحة مزروعة في قلب الكائن فقط يجب علينا أن نشعر بها في صميم كياننا بالذات فلتسمحوا للفيلسوف غاستون باشلار الذي لا تملأ البشاشة وجهه بالقول "سيكون من واجبكم أن تواجهوا تحررا أخر من الأوهام" فهنا على أرصفة الصخور الصماء وفي حضرة الجنون المطبق لخزانات صناديق الإقتراع٬ يقبع الجانب اللاشخصي من الشخص ومعه الرغبة الطائشة في عدم الإقدام على أي شيء٬ قد تستغربون ومعكم كل الحق في ذلك٬ وتتسألون كيف لإنسان أن يرغب في عدم فعل أي شيء؟ وكيف له أن يحيي في داخله كل القوى النافية للروح؟
لكن جريان الأشياء وهروب الزمان من حولك٬ حتما سوف يحيلك ليس فقط لجواب واحد٬ بل لأجوبة متعددة لإستفحال الوجود وهيمنة ديمومات العدمية٬ المختلقة من طرف كل تلاوين "السادزم السياسي٬ الاقتصادي والثقافي" الذين أنتجوا وخلفوا وضعا شاذا انهارت معه كل الروابط الإجتماعية٬ النفسية٬ الثقافية والاقتصادية٬ لنفهم أكثر الوضع دعنا نعيش جزءا قليلا منه٬ ها أنت الآن تعيش وعائلتك المتعددة أفرادها في منزل صغير على قمة من القمم الشاهقة لأحد جبال الأطلس٬ يمر الليل في سكون تام مستنيرين بلهيب نار منكسرة٬ وببعض الحديث الغير المكتمل٬ تحس كالغريب وسط عائلتك وفي كثير من الأحيان تلهمك مخيلتك أنك أتيت من فراغ إلى هذه الحياة٬ فالعقل عجز عن تحمل العبث الثقيل للظروف٬ يبدأ الديك المتعجرف بالصياح مبكرا إنه وقت الإستيقاظ٬ الساعة تشير إلى لا أحد يعلم فقط إنه الصباح٬ تكون الأم الحنون أول المستيقظين امرأة طمس جمال ريعان شبابها في تباشير القسوة وملأت وجهها أخاديد الألم٬ لقد حضرت قليلا من الماء الساخن تسمونه الشاي ومعه كسرة من الخبز الحافي٬ الأخ الصغير الملتحم جسده بقطعة قماش من الصوف، يستعد ليبدأ رحلته إلى المدرسة البعيدة ببعض الكيلومترات ولكم واسع النظر في حساب المسافة، و التي ليست سوى قسم واحد٬ أستاذ واحد٬ مع دمج جميع المستويات٬ قد يخيل لك من الوهلة الأولى أنه مأوى نظرا للإختلاف البين في أعمار التلاميذ٬ و مع أن الأخ الصغير لا يعجبه الأمر ولا يستسيغه البتة٬ إلا أن كلمة الأب لا تناقش فقد قيل لهذا الأخير أنه سيحصل على بعض الدراهم عن كل رأس من أبنائه يدخله المدرسة٬ لا مشكلة لديه إذا، فالأعمال التي كان يقوم بها الابن الصغير سترجع إلى ما بعد دوام المدرسة، على شرط أنه لن ينتقص منها شيء، فالعمل هو العمل٬ يودع الأخ الصغير نفسه ويذهب في مشواره الشاق فالقبل هنا "حشومة" ولو كانت للعصافير البريئة٬ على الأقل هكذا علمتهم الأحجار الصماء٬ فاتحا الباب على مصراعيه على مستقبل من الغيوم وعلى الكثير من الأزمات النفسية العميقة والذي سيلقى نفسه في مواجهتها وحده دون مساعدة من أحد٬ لتلعب الطبيعة دورها في إعادة إنتاج "نموذج الأب/الظروف"٬ لأنه كما قال فرويد "عجز في طفولته أن يرى الفضيلة بمنظورها الحقيقي٬ فعجزأن يرى رسالة الحياة على حقيقتها٬ فالحياة في نظره هي الصورة المشوشة التي رسمتها" الظروف ورسمتها الخريطة السياسة للمغرب النافع/الغير النافع.
وهنا ستتبادر إلى ذهنك مجموعة من المفارقات، كيف لمنطقة لا طريق، لا مستوصف، لا كهرباء، ولا شبكة التزود بالماء الصالح للشرب، بالمختصر لا تتوفر على أي شيء يمكن ذكره، أن تتوفر على مدرسة/قسم، لكن بالرجوع إلى كتابات مجموعة من الكتاب ذوي الإيديولوجيات العابرة للقارات كالمرحومين "محمد عابد الجابري" و"علال الفاسي" سيتبدد لديك الغموض، فالأول دعا إلى إماتة اللهجات حين يقولِِ" وهذا من الأهمية بمكان العمل على إماتة اللهجات المحلية البربرية» (الجابري,محمد عابد,أضواء على مشكلة التعليم في المغرب,دار النشر المغربية/الدار البيضاء, 1985,ص:146.)"، و أردف قائلا:" ولن يتأتى ذلك إلا "بتركيز"التعليم و"تعميمه" إلى أقصى حد في المناطق الجبلية والقروية و"تحريم"استعمال أية لغة أو"لهجة" في المدرسة والإذاعة والتلفزة غير اللغة العربية الفصحى"﴿الجابري،مواقف،2003﴾ ". والثاني أي علال الفاسي قال:" إن المشكل إذن هو عدم تعريب المغرب من طرف العرب القدامى (أجداد علال) مما أبقى على وجود "البربرية".(احمد عصيد،الأسس الإيديولوجيا للتعريب المطلق). في مقال منشور لعلال الفاسي بمجلة "اللسان العربي" كما أورده احمد عصيد في مقاله المذكور " ﴾. من هنا يتضح أن الذي أوصل تلك الأقسام المهثرئة من جراء السنين إلى تلك المناطق في ذلك الوقت، إنما هو جعلها كمطابخ ومختبرات للإيديولوجيات العابرة للقارات، إيديولوجيات مهدت للنسق الإستبدادي الذي يسعى إلى بناء مغرب بخصوصية مستوردة، ما يجعل منه غير وفي لذاته وينفي ركائزه وحقيقته التاريخية المتمثلة في التعددية والإختلاف.
يخرج الأب رفقة ابنيه اللذان تجاوزا السن القانوني لكل شيء٬ فهما منذ ولادتهما لم يعرفا غير مجاورة الأغنام ومعانقة كل الأعمال الشاقة٬ لقد صارت حياتهما تعيش وتتعايش في تناغم قسري تام مع الإنطواء والتقوقع على الذات٬ فالقلوب المفتوحة هي التي رحلت إلى السماء وودعت هذه الأجساد الهزيلة من غير رجعة٬ والعيون التي ملأتها الدموع هي نفسها العيون التي اكتسحها العمى وصارت تترجل متكئة على عصا٬ واقع يحاولان ألا يهمسا لنفسيهما بذلك٬ فما الفائدة من مواجهة الحقيقة ومصارعة الواقع مادام الذئب قد أحكم قبضته على الخرفان٬ إنهما مازالا صغيرين ساذجين تملأ البراءة اطلع الجفاء فيهما٬ على الأقل هذا ما أباحوا به لفراشة حين كانا يستمتعان بمطاردتها٬ دون أن يستمع لهم الأب طبعا٬ وها هو يشير إليهما أن يسرعا فقد تأخروا ويخشى ألا يدركهم شروق الشمس وهم في العمل٬ في ممر صغير مليء بالأشواك وبالأحجار الكبيرة والحادة تسمع صوت الأقدام الحافية تصارع المسالك الوعرة والخطرة المحاذية للجبل٬ الأجسام النحيلة والهامدة أعلنت حربا هوجاء على الصقيع، يستمر المسير ولا أحد يجب أن يتعب فلم نقم بشيء بعد لكي نتعب من أجله يقول الأب٬ لقد اقتربنا إلى مرادنا فهاهي الحقول أمامنا مباشرة على ذلك السفح الجبلي يقول أحد الأبناء٬ بدون مقدمات يبدأ الثلاثة العمل في الحقل الذي ليس سوى بضع مترات من التربة ملفوفة بالأحجار من كل جانب، تزرع فيها بعض الخضر التي كتب عليها أن تكون حليفة البرد القارص كالبطاطس والجزر...كم هو صعب أن يحس الإنسان بعدمية الإنسانية فيه٬ وكم هو أصعب أن تحس بالكرامة تنتزع رغم الكبرياء من أحشائك٬ وتحس أنك أخر من يفكر فيه في هذه البلاد "السعيدة".
نعود إلى الضفة الأخرى أي الأم و ابنتها فهذه الأخيرة حزمت معها بعض الأمتعة مكونة أساسا من بعض الخبز وقنينة ماء٬ زاد تأمل أن يؤنس وحدتها هي و كلبها مع الأغنام٬ لن نتحدث عن الخوف أو التردد أو أي من الصفات الملازمة للمدنية الأفلاطونية الفاضلة التي تطل على رعاياها من برج عالي٬ فهؤلاء أي الذين يسمون أنفسهم بالمدنيين أو المتمدنين أوجدوا هذه الكلمة لغاية تمييز أنفسهم عن الرعاة٬ المتوحشين غير المتحضرين مثلهم٬ على حد تعبير "نيتشه"٬ تخرج البنت ومعها صلوات أمها بالتوفيق٬ تشق طريقها نحو المجهول دون أن تلتفت إلى الوراء فأمها بها ما يكفيها من المآسي ولا حاجة إلى زيادة حمل ثقيل أخر يؤدي بأطلال الحنان المتبقية فيها إلى المشنقة٬ بعد أن ودع الجميع أنفسهم تنكب الأم وفي آن واحد في إعداد ما توفر من الطعام٬ غسل الأواني٬ كنس المنزل... تؤنس وحدتها والآماها بعض الأهازيج التي حفظتها من أمها ومن التجمعات النسائية التي كانت تكون قبل مغيب الشمس في الأيام القلائل التي لايكون فيها الكثير من العمل٬ الغذاء جاهز لكن عمل الأم لم ينتهي بعد ومازال عليها القيام بالكثير فهي "أول من يستيقظ وأخر من ينام"٬ هذه هي القاعدة وهكذا شاء القدر أن يكون٬ أو سير ليكون كما هو عليه٬ الأم في طريقها لإيصال الغذاء إلى الحقل٬ وعليها ألا تتأخر حتى لا يعاتبها زوجها٬ يتناول الأربعة طعامهم يسود الجو المعهود فقد ورثوا عن أجدادهم حكمة تقول "لا أحد يتكلم والناس يأكلون٬ لا أحد يتكلم والناس يعملون٬ لا أحد يتكلم حين لايكون هناك شيء لعمله أو لفعله٬ وأخيرا وليس أخيرا لا أحد يتكلم ولو كان عنده ما يقوله" إنها إستراتيجية تهدف وتسعى من أجل إسكات و إخراس الجميع٬ فما الحاجة لكلام لن يسمع قائله غير صداه يرتد إلى أذنيه مطرقة قد تذهب بسمعه٬ تقوم الأسرة لإنهاء عمل لا ينتهي٬ تتقدمهم الأم التي تعمل بكل ما أتيت من قوة٬ فالرجل والمرأة يتساويان هنا حسب الأجندة الرجولية طبعا في شيء واحد ووحيد إنه العمل٬ تقترب الشمس من الغروب يتأهب الأربعة في العودة فترى الأب يسبق الجميع ووراءه الأم التي تبعد عنه مسافة ليست باليسيرة ومن بعدها الأبناء٬ طقوس لابد أن تحترم وألا تنتهك حرمتها فقد نصت عليها مدونة الأحوال للكوابيس الإجتماعية وصادقت عليها الغرفة الثانية "للمازوشيزم"، وقدم المشروع الفريق البرلماني للعصارة والدكاكة ونوقش من طرف الهيأة العليا للأشباح و طبخ من طرف المجلس الوطني "لحقوق من لاحقوق لهم"٬ بعد هذا السرد الطويل لآليات تشريع الكوابيس الإجتماعية٬ تصل "العائلة" إلى المنزل وقد حضرت البنت بعد رجوعها من الرعي مع أخيها الصغير بعض من الحساء٬ مع حلول الليل يرتكن كل فرد إلى زاوية تأويه حتى الصباح٬ واقع أفرزته السياسات التفقيرية التجويعية الممنهجة٬ فغدت "العائلة" المشتتة عاجزة عن إيجاد وقت تشعر فيه بشيء من الحب أو الحنان حتى ولو كان الأمر يتعلق بفلذات أكبادها.
وغدا يوم جديد لنا مع "العائلة السعيدة و الهنيئة" كما يحلو "للساديزم السياسي" أن يتحفوا به أذان أقرانهم الذين يستمتعون ويشعرون بلذة لا يضاهيها مثيل وهم يستمعون إلى شيخهم وهو يلقي بين أيديهم ما تحقق وما سيتحقق على أكتاف "غير المتعلمين والأميين"٬ يبثون على أثير أبواقهم كل يوم حلقة من مسلسل مغازلة "الغير الموجودين إلا في سجلات الإنتخابات" مع سيل من الوعود والإلتزامات٬ إنها الأسطوانة المشروخة والمعهودة التي تعرفون تتمتها٬ فالساديزم السياسي من خلال Marketing " " السياسوي لمعاناة سكان الجبال المقهورين الذين لا حول ولا قوة لهم٬ يمنوا أنفسهم بعمر مديد للكراسي التي يجلسون عليها٬ وبعمر أطول للقرابين البشرية في صناديق الإقتراع٬ يستمر الشيخ في سرد تقريره لمريديه فيقول: "فما حاجة هؤلاء الريفيين الغير المتحضرين إلى الطرقات٬ المستشفيات و إلى المشاريع التنموية٬ إن تلك الظروف خلقت من أجلهم وهم خلقوا من أجل التصويت علينا فقط و إن كانوا يحتاجون إلى الطرقات من أجل أن يزحفوا إلى صناديق الإقتراع من أجل التصويت علينا طبعا٬ فنحن لن نجعلهم يتكفلون العناء و سنرسل إليهم الحوامات " Hélicoptère" حاملة معها رئيس مكتب التصويت و نائبه ومعهم الصندوق الشفاف من أجل أن يملؤه بأصوات تضمن حكمنا وسيادتنا نحن".
إن مثل هذه الأنظمة الإستبدادية المتعاقبة المتمركزة على تمجيد الذات واستغفال العامة الذين لم يبلغ الكثير منهم بعد سن "الرشد السياسي" مآلها الزوال لا محالة وإن غدا لناظره قريب٬ فالسادزم السياسي الذي نشأ في بيئة طابعها الغموض فنهج استراتيجيات "الإلهاء٬ خلق المشاكل تم تقديم الحلول لها٬ إستراتيجية التقهقر من أجل تقبل إجراء غير مقبول٬ إستراتيجية المؤجل كشر لابد منه٬ مخاطبة الرأي العام كأطفال صغار٬ استخدام المخزون العاطفي لسد التفكير والتغطية عليه٬ الإبقاء على العامة في الجهل و الخطيئة كأسلحة كاتمة من أجل حروب هادئة٬ تشجيع العامة على استساغة البلادة "الإستراتيجية القذافية"٬ تعويض الإنتفاضة بالشعور بالذنب مما يجعل الفرد يحط من تقديره الذاتي فيثبط الفعل الإنتفاضي لديه٬ معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم باستغلال التقدم العلمي في بعض المجالات كالبيولوجيا العصبية وعلم النفس التطبيقي" ﴿"الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير أو لإخضاع الشعوب"٬"لنعوم تشومسكي"﴾.
هذه الإستراتيجيات تم تكييفها حسب الخصوصية والمنظور المغربي فقامت النخب الحاكمة بتخدير "العامة/القطيع" في بعض الأحيان وفي كثير من الأحيان انتهجت سياسات القسوة وغلاطة الأساليب من أجل تبديد الغموض الذي يحوم حولها وقطع الشك يقينا٬ فتم تعذيب "العامة/الذئاب" –حسب منظورهم طبعا– وإذاقتهم المرارة ما أفرز عقليات و ذهنيات "مازوشيزيمية" تتلذذ بتعذيب "الذات الذاتية" مع تمجيد "الذات الساذزمية" فتمت عمليات غرس ثقافة الخنوع دون مساءلة في الأذهان، لتعيد حبك أساطير الإنسان البدائي الذي يلجأ كلما شعر بالخوف وأنه مغلوب على أمره إلى أخد الذي تمكن من التغلب عليه كإله يجب عبادته وتقديم القرابين له من أجل أن يشملهم بعطفه، لأنه في نظرهم"الإله/السادزم السياسي" كائن خارق ليس ببشري استلهم قوته من "ما وراء الطبيعة"، مما أدى إلى إفراز ذوات مجتمعية مشتتة ومستأصلة العنصر الجامع لها أمام تفاقم المشاكل/الخنوع السلبي، فغادت "العامة/القطيع" المضطهدة مثبطة العزيمة و الإرادة وغير قادرة –بشكل مؤقت– على المقاومة ومواجهة طغيان واستبداد الآلة القمعية "للسادزم للسياسي".
أمام هذا المنظور الإطلاقي الأحادي سيكون لزاما بعثرة الأوراق مهما بلغت قوة أخطبوط "السادزم السياسي" المتحكم بكل المجالات وبكل شرايين الحياة، وذلك بالإعتماد أولا على النفس بإعادة إحياء الآليات الدفاعية/المقاومة المضمرة في الذات، خلق و تعزيز وتقوية "جماعات النضال الداخلي" "جين شارب" ﴿من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، إطار تصوري للتحرر ص:15﴾، وذلك بإستخدام النضال اللاعنيف لأنه كما قال جين شارب في نفس المرجع أعلاه ص:12 "إن اللجوء في وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائما بالتفوق فيه"، إن الرهان يكمن بالأساس في "التحدي السياسي" للسادزم السياسي و بالتالي التضييق على المصادر الضرورية للسلطة السياسية لديه، ما يدفعه أي السادزم السياسي إلى استخدام إستراتيجيتين اثنتين وكلاهما تحمل موته، الأولى ترتكز على الخدع بدل المبادئ الأخلاقية، وفي ذلك دماره و إندثاره لأن مفعول الخدع ينتهي بمجرد كشف الناس لها، الثانية و هي آخر الحلول لديه وهي القوة، وهنا تجد مقولة أساسها "تكون القوة الإستبدادية قوية فقط في حالة عدم الحاجة إلى إستخدام تلك القوة بكثرة، أما إذا كانت بحاجة إلى إستخدام قوتها ضد جميع المواطنين بكثرة فإن إمكانية إستمرار تلك القوة تصبح ضعيفة "﴿Karl w. Deutsch « cracks in Monolith," in Carl J. Friedrich »﴾ ولعل أكبر الدلائل و الحجج إفرازات ثورات الربيع الديمقراطي للشعوب الثائرة ضد الإستبداد و الفساد، المطالبة بالحرية، الكرامة، العدالة الإجتماعية و التوزيع العادل للثروات، وأختم هذه الكلمات بمقولة جميلة "لفريدريش نيتشه" حينما قال " نسيان غاية المرء هو أكثر أشكال الغباء انتشاراً ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.