طنجة.. توقيف المتورط الرئيسي في سرقة قبعة "كوتشي" بحي بئر الشعيري    "كان فوتسال السيدات" يفرح السايح    عادل الفقير    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    حكومة أخنوش تُطلق أكبر مراجعة للأجور والحماية الاجتماعية    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة للسيدات بمناسبة فوزه بكأس إفريقيا للأمم 2025    نواب بريطانيون عن الصحراء المغربية: مخطط الحكم الذاتي محفّز حقيقي للتنمية والاستقرار في المنطقة بأكملها    سيدات القاعة يفلتن من فخ تنزانيا في ليلة التتويج بلقب كأس إفريقيا    افتتاح فندق فاخر يعزز العرض السياحي بمدينة طنجة    ترامب يستقبل رئيس الوزراء الكندي    انطلاقة أشغال المركز الفيدرالي لتكوين لاعبي كرة القدم بالقصر الكبير    منتخب المغرب لأقل من 20 سنة يدخل غمار كاس افريقيا للأمم غدا بمصر    بهدف قاتل.. منتخب السيدات للفوتسال يتوج بلقب الكان في أول نسخة    زخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تتصدر تعيينات الأطباء المتخصصين لسنة 2025 ب97 منصباً جديداً    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    عبد النباوي: العقوبات البديلة علامة فارقة في مسار السياسة الجنائية بالمغرب    الاستيلاء على سيارة شرطي وسرقة سلاحه الوظيفي على يد مخمورين يستنفر الأجهزة الأمنية    خبير صيني يحذر: مساعي الولايات المتحدة لإعادة الصناعات التحويلية إلى أراضيها قد تُفضي إلى نتائج عكسية    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    إدريس لشكر …لا ندين بالولاء إلا للمغرب    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    دراسة.. الأوروبيون مستعدون للتخلي عن المنتجات الأميركية    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإطار القانوني للرقابة القضائية في ميدان التأديب المالي المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
نشر في طنجة 24 يوم 23 - 12 - 2014

لا شك أن المال العام هو الوسيلة الأساسية التي تديرها الدولة من اجل سد الحاجيات اليومية لمختلف مؤسسات الدولة ومن خلالها حاجيات مختلف الفئات الاجتماعية لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية التي باتت مطلب الاحتجاجات الأخيرة بالمغرب بشكل عام، وطنجة بشكل خاص، وقد تجسد الاهتمام الدولي بالمال العام في شخص عدة هيئات دولية وإقليمية كما هو الحال بالنسبة لانتوساي والافروساي والاربوساي، والتي تبنت مبادئ عامة للاهتداء إليها في مختلف الدول الأعضاء لأجل إقرار أنظمة وهيئات فاعلة لحماية المال العام .
من تم كانت الحاجة ملحة في المغرب، شأنه في ذلك شأن مختلف الدول، لإيجاد آليات الرقابة العليا على المال العام التي بواسطتها يتم ضبط مراقبة التوجهات المرسومة من طرف ممثلي الشعب بمقتضى قوانين المالية ومالية الجماعات المحلية، والرامية إلى تحصيل الموارد وصرف النفقات في الأوجه المحددة بمقتضى القانون من اجل سد حاجيات المواطنين عبر المرافق العامة سواء على المستوى الوطني أو المحلي .
هكذا فبعدما يمر قانون المالية من المراحل اللازمة لإصدار الأمر بتنفيذه ويصبح ساري المفعول فانه يوكل مهام تنفيذه الى فئة معينة من الموظفين العموميين هم الآمرون بالصرف و المحاسبون العموميون .
وتخضع هذه الفئة لعدة أنواع من الرقابة تتمثل في الرقابة الإدارية التي يمارسها الجهاز الإداري المنتمون إليه ثم الرقابة التي تمارسها المحاكم المالية .
وتتجسد الرقابة على المال العام في الرقابة على أعمال هؤلاء الأشخاص الساهرين على إدارة هذا المال من خلال الرقابة على أعمال تحصيل المداخيل وإدارتها وصرف النفقات، طبقا لقانون المحاسبة العمومية القديم الصادر بتاريخ 14 ابريل 1967، وقانون 99-61 المتعلق بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين، ومرسوم 3يناير 2010 المتعلق بالمحاسبة العمومية.
وقد اختار المغرب نهج الأنظمة اللاتينية بإيجاد مؤسسات قضائية معنية بذلك تتمثل في المجلس الأعلى للحسابات المحدث بمقتضى قانون 79-12، والذي تم الارتقاء به الى مؤسسة دستورية تعنى بممارسة الرقابة العليا على تنفيذ قوانين المالية بمقتضى دستور 1992 طبقا لمقتضيات الفصلين96 و 97 من الدستور القديم، والذي تم التنصيص عليه في الدستور الجديد كذلك، ثم المجالس الجهوية للحسابات المحدثة بمقتضى قانون 99-62.
الا أننا سنقتصر في دراستنا على رقابة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية دون الرقابة غير قضائية المتمثلة في رقابة التسيير ومراقبة استعمال الأموال العمومية، والتي لا تنطوي دراستها على أهمية بالغة اعتبارا لبساطة مساطر هذه الرقابة والتي تبقى محدودة الأثر ما دام أنها تنتهي بتقارير غير ملزمة لكن لاباس ان نعرج عليها كاختصاص.
كما تتمثل الأهمية العملية لدراسة الموضوع في محدودية الدراسات التي تعنى بالموضوع من الجانب العملي على اعتبار ان المسطرة أمام المحاكم المالية تختلف عن نظيرتها أمام باقي المحاكم بالتنظيم القضائي، واعتبارا الى حداثة نظام المحاكم المالية بصيغته الحالية والتي لا تتجاوز العشر سنوات, وتتجلى أهمية دراسة الموضوع المتعلق بمسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أمام المحاكم المالية باعتبار ان ضبط المساطر هي مناط حماية الحق وباعتبار المال العام هو من أهم ما ترتبط به مختلف حقوق المواطن والتزاماته اتجاه الدولة باعتباره ملزما اتجاه الدولة بالواجبات المالية المفروضة عليه بموجب القانون، وباعتباره مستفيدا من المال العام من خلال التزام الدولة على الصعيد الوطني بسد حاجياته الأساسية وبالتزام الجماعات المحلية على الصعيد المحلي.
و كإطار تاريخي للرقابة المالية وطبيعة المحاكم المالية فيها فقد اجمع علماء الاقتصاد والمالية ثم تبعهم علماء الإدارة على ان أي نظام إداري او مالي لا تتوفر فيه رقابة صحيحة ومنظمة هو نظام مبتور وناقص يفتقر الى المقومات المتكاملة"
ويرى كثير من هؤلاء ان الرقابة بمختلف أنواعها تشكل أمرا طبيعيا في أي مجتمع إنساني لأنها تحدد الضوابط لكل تصرف يتعدى إثره الى الغير وتحيط عمل الإدارة وقدراتها بكل الضمانات القانونية لتحصينها و تمنعيها ضد كل الانحرافات والإنزلاقات التي قد تشوب الأداء الإداري في إطار فصل واضح لسلط تكون غايته تحقيق التكامل والعدالة للمجتمع لذلك تشكل وظيفة الرقابة ابرز واهم وظائف الإدارة الى جانب الوظائف الأخرى المعروفة في العملية الإدارية كالتخطيط والتوجيه والتنفيذ.
وقد اعتبر جانب من الفقه ان وظيفة الرقابة تشمل الأنشطة التي تعمل على تحقيق الخطط الموضوعة وعلى ذلك فهي تضمن قياس وتصحيح إعمال الأفراد القائمين بالتنفيذ الفعلي لتأكيد انجاز الخطط كما اعتبر فريقثان ان الرقابة تتمثل في مجموعة من الإجراءات التي ترتكز على جميع بيانات تحليلية عن الخطة بغرض متابعتها والتحقق من قيام الوحدة بمستوياتها الإدارية المختلفة بتنفيذ أهدافها بأحسن وسائل الأداء التي تكفل كفاية اقتصادية وهي أيضا مجموعة من الإجراءات التي توضع للتأكد من مطابقة التنفيذ الفعلي للخطط الموضوعة ودراسة أسباب الانحراف في التنفيذ حتى يمكن علاج نواحي الضعف ومنع تكرار الخطأ "
إن لكل نظام وقانون ولكل مسطرة مرحلة تاريخية سابقة على وجوده الذي يكون قبلها حتى يتسنى لتأسيس قاعدة الانطلاق السليمة سواء تجلت في مناقشات البرلمان لإصدار القوانين أو عند نقاش اللجان البرلمانية والتصويت عليه مع العلم ان معظم التشريعات لا تقوم بإعطاء تعارف لقوانينها تاركة المجال مفتوح للكتاب والمنظرين وحتى ان وجد تراه يتعارض مع قوانين أخرى مما يدل على حدة التناقض داخل البنية القانونية للمشرع المغربي حتى وان كان هذا الأخير قد أناط مهمة ممارسة الرقابة العليا على المالية المحلية فتبني مبدأ لامركزية الرقابة المالية يعتبر أهم المبادئ في التنظيم الرقابي للتشريعات المقارنة سواء في التشريع الأنجلوسكسوني ونموذجه فيالولايات المتحدة او اللاتيني كالتشريع الفرنسي قصد العمل على الحد من التبذير وتحسين الخدمات المقدمة من طرف المرافق العمومية.
وكمفاهيم أولية للرقابة للمالية تجلت في :
- المفهوم اللغوي من الناحية يقترن مفهوم المراقبة بالمحافظة والانتظار والحراسة فنجد كلمة رقابة في معاجم اللغة بعدة معاني منها رقب الرقيب وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء و رقبه يرقبه وترقبه بمعنى انتظره وترصده والترقب هو الانتظار و رقب الشيء يرقبه و راقبة مراقبة ورقابة أي حرسه
- المفهوم العلمي وردت عبارة رقابة ومراقبة في كثير من البحوث العلمية وكتب العلوم الادارية والمالية العامة بنفس المعنى وقد اختلفت التعاريف بشأنها وتشعبت بما يدل على ان مفهومها ونطاق حدودها لا يزال في طور البحث والتشكل ويمكن القول إجمالا ان مفهوم الرقابة تطور بدوره ضمن عدد من المفاهيم الإدارية الأخرى واكتسب مفهوما واسعا يتجاوز حدود المعاملات المالية ومستنداتها وبهذا المدلول أصبح مصطلح رقابة يشمل مختلف مقومات الإدارة وأساليب تسييرها المختلفة واتسعت أبعاده لتتجاوز النطاق المالي للرقابة وأصبح بمثابة منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم القانونية والاقتصادية والإدارية والمحاسبية .
وهكذا فمعظم التعاريف العلمية التي أعطيت لمفهوم الرقابة في الفقه المعاصر انبنت بشكل عام على ثلاث اتجاهات :
يهتم الأول منها بالجانب الوظيفي بحيث يركز على الأهداف التي تسعى الرقابة الى تحقيقها.
ويعتمد الاتجاه الثاني على الجانب الإجرائي ويرتكز من جهته على الخطوات التي يتعين إتباعها للقيام بعملية الرقابة.
اما الاتجاه الثالث فيهتم بالأجهزة التي تضطلع بمهمة الرقابة وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة وجمع المعلومات وتحليل النتائج.
اما من حيث التطبيقات العملية للرقابة المالية في الإسلام فنجد مثلا ان أبو بكر استعان بابي عبيدة في ضبط أموال المسلمين وقد كان يحاسب عماله أيضا على المستخير والمتصرف كما أنشا عمر بن الخطاب ديوان بيت المال لضبط إيرادات الدولة وحماية مصاريفها مما يبين مدى حرص الخلفاء على أموال المسلمين.
وفي الأنظمة الحديثة فالمجتمعات الأوربية عرفت بدورها فكرة الرقابة المالية منذ نشوئها وقد انبثقت من صراع السلطات التنفيذية والتشريعية وتنازع سلطاتها إذ كانت بريطانيا من الدول السباقة في هذا المجال عندما استطاع مجلس العموم البريطاني البرلمان في عام 1628 ان يحصل على ضرورة موافقة ممثلي الشعب قبل فرض أية ضريبة او صرف أي نفقة تلى هذه المرحلة إنشاء هيئة عليا للمراقبة سميت بديوان المحاسبة بتاريخ 1686 تملك حق الرقابة قبل الصرف والمحاسبة بعده وتتمتع بسلطات أخرى هامة فضلا عن استقلالية تامة عن السلطة التنفيذية فالملك هو الذي يعين رئيس هذه الهيئة المراقب المحاسب التام ولا يسال هذا الأخير الا أمام مجلس العموم الذي له الحق وحده في عزله بناء على خطاب اتهام.
وفي فرنسا فقد تجسدت الرقابة المالية في غرفة محاسبة باريس التي أنشاها الملك سانت لويس ابتداء من 1256 كإدارة متخصصة تتولى فحص حسابات الدولة وإصدار أحكام بشأنها والتي اتخذت في بعض الحالات صبغة جزائية ثم تطور هذا النوع من الرقابة مع مطلع الثورة الفرنسية عام 1879 ليفرز حقا مكتسبا لممثلي الشعب في مناقشة النفقات المجلس الأعلى للحسابات الذي يعود تاريخ إنشائه إلى سنة1807.
وفي الولايات المتحدة فان الرقابة بها تبلورت ملامحها منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في سنة 1929 التي تبلورت معها معالم وأسس رقابة مالية بمفاهيم ووظائف متطورة واكبها تطور في الأساليب والتقنيات الفنية جعلت من التجربة الأمريكية تجربة رائدة ونموذجا متطورا استلهمت منه كثير من دول أمريكا اللاتينية وشرق آسيا نماذجها وتقنياتها الرقابية على عكس دول العالم الثالث تماما فنظام رقابتها متأرجح بين طبيعة الأنظمة السياسية والضغوطات الخارجية وحتى إن كان لديها نظام رقابي فانه يفتقد الى الاستقلالية اللازمة لحماية المال العام رغم وصف مؤسساته بالعليا والدستورية والتي تتأثر في عملها وفعاليتها بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أما بخصوص التطور التاريخي للرقابة المالية فقد تميزت هذه المرحلة على العموم بكونها كانت فترة تقليدية تميزت تنظيماتها المالية بالكثير من البساطة فالحسابات البنكية بسيطة جدا وتقيد المصاريف و المداخيل بصفة متتابعة في حوالات ولم تكن للدولة ميزانية ترتب بلك العمليات المالية حسب نظام عصري بل كان تسيير هذه الميزانية موكول لامين المال والأعوان الثلاثة الذين يساعدونه في مهامه وهم أمناء الدخل وأمين الشكارة وأمين الحساب فمنذ ما يزيد على ثلاثة قرون وجدت بالمغرب أجهزة بشرية تمثلت بصفة خاصة في مؤسسة الأمناء التي كان لها دورا هاما ومؤثرا في المجال المالي إذ شكلت تنظيما إداريا وماليا فريدا يختص أساسا بجمع الأموال اللازمة لسير مرافق الدولة وصرفها تحت إشراف آمين الأمناء الأمين الكبير وكان جهاز الأمانة يتركب على المستوى المحلي من ثلاث أصناف أمناء القبائل أمناء المستفاد أمناء المراسي وعلى الصعيد المركزي من آمين الدخل آمين الصائر آمين الحسابات.
وقد حظيت مؤسسة الأمناء بعناية واهتمام خاصين من سلاطين الإيالة الشريفة بحيث كانوا يعتمدون عليها في استمرار تدفق أموال الضرائب على بيوت المال التي كانت منتشرة في قصورهم,هذه الأموال التي كان يتولى أمين الصائر مول الشكارة صرفها تنفيذا لقرارات السلطان والصدر الأعظم بعد تأشير أمين الأمناء الذي كان يعد آنذاك من أهم وزراء التشكيلة المخزنية وكان يصرف من هذه الأموال على الأداءات والأجور الخاصة بالموظفين والوزراء والجيش و المخازنية.
وعلى عهد السلطانين سيدي محمد بنعبد الرحمان ومولاي الحسن الاول سيصبح جهاز الأمناء أكثر تنظيما في خضم الإصلاحات الجبائية والإدارية الهامة التي طالت المجال المالي والإداري خصوصا في عهد الأخير.
غير انه رغم أهمية جهاز الأمناء كتنظيم مالي متطور داخل نظام مخزني تقليدي فان مصاريف البذخ وشراء السلاح للجيش ستحد من فعالية هذا الجهاز وستحيله الى دور رمزي خصوصا مع اللجوء المفرط للاقتراض من الخارج مما أدى الى تفاقم الوضع المالي للايالة الشريفة وسهل خضوع المغرب للتدخل الأجنبي.
اما اثناء فترة الحماية وإذا كانتا لفترة السابقة قد تميزت بوجود نظام مالي ذو طابع تقليدي تميز في جانب كبير منه بالتقادم وسوء التنظيم وضعف التحري والضبط المالي رغم أهمية تجربة مؤسسة الأمناء فان هذا النظام سيخضع لتغييرات جذرية مباشرة بعد فرض الحماية الفرنسية على المغرب وخضوع ماليته للوصاية الأجنبية.
إذ عملت سلطات الحماية في إطار تغييرات شاملة للنظام الاداري المغربي على إلغاء مؤسسة الأمناء وإدخال بدلا منها تقنيات المراقبة المالية العصرية بشكلها المعروف آنذاك في فرنسا و ذلك من خلال تبني فكرة الميزانية العامة وإحداث خزينة عمومية فقد تم تكليف مفتش المالية Gallut ابتداء منسنة 1912 بإحداث المديرية العامة للمالية ضمت مصالح متعددة كما تم إحداث مراقبة الالتزامات بنفقات الدولة كمراقبة سابقة لمواجهة بعض الخروقات المالية التي بدأت في الظهور وعمدت السلطات الفرنسية الى ربط هذه الآليات بمركز القرار في فرنسا عندما أخضعت جميع المعاملات والحسابات المالية المغربية لرقابة غرف الحسابات الفرنسي.
وهكذا ستشكل فترة الحماية حديثا تاريخيا له أهمية جد خاصة بالنسبة للجانب المالي لاعتبارين اثنين أولهما ان هذا الحديث شكل مناسبة لتحديث و عصرنة النظام المالي المغربي على المستويين العمومي والمحلي ووضع اللبنات الأولية للرقابة على المال العمومي وثانيهما ان ارث الحماية في هذا الجانب سيكون له في مرحلة لاحقة تأثير عميق في تأسيس تنظيمات مالية مستنسخة أبرزها اللجنة الوطنية للحسابات وجهاز المجلس الاعلى للحسابات على عهد الاستقلال.
ولقد خلف رحيل الاستعمار فراغا قانونيا وتنظيميا على مستويات مختلفة يهمنا منها هنا المجال المالي ذلك ان السلطات المغربية وأمام استحالة استمرار خضوع مالية البلاد لرقابة الهيئات العليا الفرنسية لما في ذلك من مس بالسيادة الوطنية وسعيا من المغرب الى تكريس استقلاله الاقتصادي والمالي فقد بادر الى تأسيس وزارة للاقتصاد الوطني والمالية بمقتضى ظهير يناير1956 على أنقاض المديرية العامة للمالية المؤسسة على عهد الحماية ثم أنشا في مرحلة ثانية جهازا مركزيا للمراقبة تجسد في اللجنة الوطنية للحسابات المحدثة بظهير 14ابريل 1960 والتي أناط بها المشرع مهمة إجراء المراقبة على حسابات المحاسبين العموميين فيما يتعلق بالنفقات العمومية غير ان تجربة هذه اللجنة لم تلبث ان فشلت لاعتبارات متعددة أهمها محدودية إطارها القانوني وضعف وسائلها البشرية والمادية فضلا عن تبعيتها المباشرة لوزارة المالية مما حد من دورها وفعاليتها في القيام بالمهام التي حددت لها وأمام هذا الوضع كان لابد من التفكير في خلق جهاز مركز يأكثر استقلالية وفاعلية يتوفر على الصفة والوسائل اللازمة التي تجعل منه جهاز أعلى للرقابة القضائية على المالية العمومية وهو ما سيتم فعلا بإحداث المجلس الأعلى للحسابات سنة 1979 ليكون الوريث الشرعي لمهام واختصاصات اللجنة المذكورة.
(*) تم إنجاز هذه المادة بشكل مشترك مع الباحث عزيز بقيوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.