إنه الثامن من مارس. إنه اليوم العالمي للمرأة. إنه يوم احتفال بصيغة المؤنث. في العالم كله تحتفل النسوة في هذا اليوم، يفرحن ويمرحن ويتبادلن التهاني والتبريكات. يتباهين بما حققن من انجازات، ويتذكرن ما ينتظرهن من مجهودات لتحقيق الذات، ويؤكن عل المضي في الطريق حتى بلوغ المساواة في الحقوق و( الواجبات). إنه يوم للمرأة، لكن فقط في الإذاعات، و التلفزات، و الجرائد، والمقاهي، والمطاعم، وحتى المساجد. فخطيب الجمعة حدثنا بالأمس عن حقوق المرأة والفتيات، ولم يقل هذا يوم من اختراع النصارى كما في " الفالانتاين ". الورود تملأ المحلات التجارية والأبناك وإدارات الشركات. و حفلات العشاء في الفنادق وكذا السهرات. والتهاني على الفايسبوك والإمايلات. وكل ذلك لأجل عيونكن يا بنات حواء، من نساء دون نساء! في يَوْمِكُن العالمي. خرجت أبحث عن المرأة في عيدها العالمي، فوجدتها واقفة منذ الفجر تنتظر حافلة تقلها إلى المعمل، والبرد والشتاء يفعلان فيها ما يشاءان. وجدتها تقطع أميالا من مناطق نائية إلى حيث تمر الحافلات، و هي تضرب أخماسا في أسداس، تفكر في توزيع دراهم أجرها الشهري بين الكراء، والماء، والكهرباء، ومصاريف علاج الزوج المريض، و كناش ديون البقال، ولوازم مدرسة العيال. أثقلتها الهموم، فهجرتها الابتسامة، حتى نسيت أنها أنثى، أو أنها امرأة في يومها العالمي. وجدتها باكرا والنساء الأخريات نائمات في طريقها إلى السوق، وهي تحمل على ظهرها رزمات من القزبر والبقدونس والبقل. تفترش الأرض بحثا عن قوة عيالها من عرقها درهما بدرهم، ومن أجله تتحمل قساوة القائد والمقدم والمخزني، ينهرونها أحيانا، و يتلفون سلعتها، بل ويسلبونها إياها أحيانا أخرى. لا يبالون بدموعها، ولا يأبهون لمعاناتها. لا تغطية صحية لديها ولا تقاعد، ولا تعرف لعيد المرأة طعما، ولا لونا، ورائحة، ولو كان يومها العالمي. وجدتها واقفة في الطريق بين بين الفجاج، تحمل بين يديها جبنا وخبزا و بيضا و لبنا. تلوح به للمارين من أمامها. تستعطفهم للتوقف والتبضع مما جاد به حقلها، ودجاجاتها، وبقرتها. المطر لا يرحمها، ولا البرد، ولا حر الشمس، ولا حتى مساومة المشترين من أصحاب وصاحبات السيارات الفخمة. يكاد المرء لا يحسبها من الجنس الناعم، لكنها حقا من الجنس اللطيف جدا، والقنوع جدا، والصبور جدا. لا تغيب عنها الابتسامة، ولا يغادر الكرم طبعها، و لا موعد لديها مع الفرح، و لو كان في يومها العالمي. وجدتها بباب المستشفى تنتظر، وكم يطول الانتظار بالمستشفى. ابنها على ظهرها يعاني، كما هي أيضا تعاني، ولا أحد يرحمها في يومها العالمي. في قاعة الولادة، صراخ، وأنين، وآهات من نساء يضعن مواليدهن في ظروف لا تحتمل. وسب و شتم وقساوة من نساء ممرضاء، لنساء مريضات، في كل يوم، و حتى في يومهن العالمي. وجدتها خادمة في الفيلات والشقق الفخمة، تكنس، وتطبخ، وتنظف، وتحرس الأطفال، فيما تزينت مشغلتها، وتجندت بشعارات الدفاع عن الحقوق والمكتسبات في مسيرة المساوات والمناصفة في شوارع الرباط. و جدتها أمام باب السجن تنتظر، والطابور طويل وعريض، تحمل قفة يعلم الله وحده كم عانت من أجل توفيرها، والألم والحزن يمزقان قلبها على زوجٍ، أو إبنٍ، أو أخٍ، دفعت به الأقدار لأن يزيد في معاناتها، و يحرمها من لحظة هناء، ولو في يومها العالمي. و جدتها هنا وهناك وحيدة، أتعبتها السنين، وهجرها الأولاد والأهل والأحباب، وتنكر لها ماضيها، وصارت وحيدة في زمن غلب على طباع أهله الطمع والجشع، فاتخذت من جنبات الشوارع مأوى لها، وملاجئ المشردين، و دور العجزة إن وُجدت. لا من يواسيها، ولا من يمسح دموعها، ولا من يفرحها بابتسامة في يومها العالمي. بحثت عن المرأة في عيد المرأة، فوجدت امرأة بلا عيد، و عيدا بلا امرأة، بل وجدت عيدا لنساء دون نساء. وجدت ورودا، وهدايا، وحفلات، وسهرات، وبرامج، وخطابات، وشعارات، صور، و ذكريات، و أناس يتحدثون. و وجدت المرأة لا تزال غارقة في المعاناة. فبأي حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد.