تتكرر مشاهد التسول الاعتيادي خلال شهر رمضان، حيث يستغل متسولون كرم الصائمين وروح الإحسان التي تميز هذا الشهر لجمع مبالغ مالية قد تصل إلى آلاف الدراهم يوميًا، في مشهد بات أشبه ب"تجارة موسمية" تستفيد من حسن نية المواطنين. على عتبات مسجد محمد الخامس، يصطف عدد من ممتهني التسول الاعتيادي قبيل كل صلاة، بعضهم يحمل أطفالا رضعا كأدوات استدرار للعاطفة، وآخرون يعرضون وصفات طبية باهتة ربما تم تمريرها من يد إلى أخرى، فيما يتنقل آخرون بين المصلين بعبارات حفظوها عن ظهر قلب. يقول أحمد، أحد مرتادي المسجد، مستاءً: "الوجوه نفسها كل يوم، القصص نفسها، وحتى أساليب التوسل تكاد تكون متطابقة، وكأنهم جزء من سيناريو محكم." عند إشارات المرور في شارع باستور، يتكرر المشهد بلمسة أكثر إلحاحا، حيث يسرع أشخاص بين السيارات، يطرقون النوافذ بإلحاح مثير للضجر، يحملون أوراقا يزعمون أنها تقارير طبية أو فواتير علاج. ويحكي يوسف، أحد السائقين، عن موقف تعرض له قبل أيام: "اقتربت مني سيدة تحمل وصفة طبية، طلبت مساعدة عاجلة لعلاج طفلها. بعد دقائق رأيتها تعرض الورقة نفسها على سائق آخر بنفس الأسطوانة المعتادة." ولا يقتصر التسول على الشوارع والمساجد، بل يمتد إلى الأسواق والمناطق الحيوية حيث يكثر المتسوقون بعد العصر، ليجدوا أنفسهم محاصرين بمطالب لا تنتهي. في أزقة المدينة العتيقة المؤدية إلى ساحة 9 أبريل، يروي خالد، صاحب محل للمواد الغذائية: "يأتون مع اقتراب المغرب، يتنقلون بين المحلات بنفس الأسلوب، بنفس الوجوه، وبنفس الروايات المستهلكة. وكأن المدينة تحولت إلى خشبة مسرح كبيرة تُعاد عليها الفصول ذاتها كل يوم." والمثير للسخرية أن آفة التسول لم تعد تقتصر على الأشخاص الكبار في السن أو النساء اللواتي قد يبدين في وضعية هشاشة، بل أصبح الكثير من الشباب، الذين يبدون في صحة جيدة، يمارسون هذا النشاط، دون خجل أو تردد، متذرعين بمبررات واهية، ما بين الحاجة إلى المال للعودة إلى مدنهم الأصلية أو البحث عن عمل، أو حتى ادعاء العجز المؤقت بأمراض غير مرئية. شاب في العشرينيات يقف عند أحد مداخل السوق، ينادي بصوت مرتجف لكنه متقن: "الله يجازيكم بالخير، غير شي دراهم باش نرجع للبلاد"، مشهد يتكرر يوميا، لكن المثير أن البعض منهم يُضبط لاحقًا وهو ينفق بسخاء في أماكن أخرى. وتؤكد بعض المصادر، أن الكثير من هؤلاء المتسولين يحققون مداخيل يومية مريحة، تتيح لهم استئجار غرف منخفضة التكلفة في "البانسيونات" داخل المدينة العتيقة، فيما يتنقل آخرون بين طنجة ومدنهم الأصلية على متن القطار، في دورة مستمرة تتجدد مع كل موسم رمضاني، كأنها وظيفة غير رسمية تدر أرباحا دون ضرائب. ورغم الحملات الأمنية المتكررة، تبقى الظاهرة عصية على الاحتواء، وكأن القانون لا حول له ولا قوة أمام هذه "المهنة". وما بين الحاجة الحقيقية واستغلال الإحسان، تبقى شوارع طنجة مسرحًا لمشهد يبدو أنه لن يتغير قريبا، فيما يواصل المواطنون تجرع المرارة بين الرغبة في الإحسان والخوف من الوقوع في شرك خدعة جديدة.