مع بروز ظاهرة التحريض على هجرة القاصرين المغاربة نحو أوروبا خلال السنتين الأخيرتين، بدأت تلوح ملامح مسار مقلق تتداخل فيه العوامل الاجتماعية والرقمية والعائلية، وسط تنبيهات متزايدة بشأن خطورته على الاستقرار الأسري والأمن القانوني للأطفال. وتتمثل أبرز مظاهر الظاهرة في اصطحاب أفراد من أسرة القاصر، غالباً أحد الأبوين أو الأقارب المباشرين، له إلى الخارج، وتوجيهه نحو أحد مراكز الرعاية في الدولة المضيفة، حيث يُفصل عنه لاحقا ويُصنَّف كقاصر غير مرافق، ما يمنحه وضعاً قانونياً مؤقتاً يتيح له البقاء والاستفادة من الحماية الاجتماعية. في موازاة ذلك، تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً "تيك توك" و"يوتيوب"، مقاطع مصوّرة توثّق تجربة قاصرين مغاربة داخل مراكز الإيواء الأوروبية، وتقدّمها كقصص نجاح واستقرار، في غياب شبه تام للتحذير من المخاطر القانونية أو النفسية أو الاجتماعية، ما يعزّز التصورات الخاطئة لدى الأطفال وعائلاتهم. وتشير تقارير ميدانية إلى أن التحريض لا يقتصر فقط على شبكات التهريب، بل يمتد أحياناً إلى نطاق الأسرة نفسها، حيث يُدفع القاصر إلى مغادرة البلاد تحت غطاء السفر العائلي، قبل أن يُوجّه لاحقاً نحو مراكز الإيواء في الدول الأوروبية. ويُخفي هذا المسار، الذي يُصوَّر في عدد من المحتويات الرقمية كفرصة للاندماج والنجاح، في الواقع تعقيدات قانونية واجتماعية ونفسية قد تمتد لسنوات. وتسجّل السلطات المغربية، بحسب مصادر مطلعة، تزايدا في الحالات التي يُقدم فيها أولياء أو أقارب على تهجير قاصرين بشكل طوعي، مستفيدين من ثغرات في نظام التأشيرات والوثائق، مع توفّر نوايا مسبقة لإبقاء الطفل في أوروبا. في هذا السياق، تقدّم الفريق الحركي بمجلس النواب بمقترح قانون لتعديل القانون رقم 02.03 المنظم لدخول وإقامة الأجانب بالمملكة، يهدف إلى معاقبة المغررين بالقاصرين بعقوبة قد تصل إلى عشر سنوات حبسا، وغرامات تتراوح بين 10 ملايين و50 مليون سنتيم، في خطوة اعتُبرت من طرف المشرّعين رداً ضرورياً على ظاهرة آخذة في الاتساع. وجاء في المذكرة التقديمية للمقترح أن "تشجيع القاصرين على الهجرة لم يعد يتم فقط من خلال التهريب، بل بات يُمارَس داخل النسيج العائلي والاجتماعي، ويُعزَّز بمحتويات تحريضية رقمية، ما يفرض ضرورة إحداث قطيعة قانونية واضحة مع هذه الأفعال". وتتزامن هذه الخطوة مع تصاعد الضغوط الأوروبية بشأن ملف القاصرين غير المرافقين، خاصة في إسبانيا وفرنسا، حيث يتطلب إدماج هؤلاء الأطفال موارد كبرى، في وقت تتنامى فيه الأصوات المطالبة بترحيلهم بعد سن الرشد، ما يطرح تحديات إنسانية وأمنية مزدوجة. ويرى متتبعون أن أي سياسة ناجعة لمحاصرة الظاهرة تستوجب التقاء جهود الردع القانوني مع تحسين شروط العيش داخل المغرب، ومواجهة الخطابات المضلِّلة التي تُروَّج للأطفال باعتبارهم أدوات سهلة لعبور الحدود باسم "الأمل"، بينما هم في الواقع ضحايا لانهيار التوازن بين الطفولة والحلم والهروب.