في كل سنة، وقبل كل عيد أضحى، يتحول المغاربة من شعب يئنّ تحت وطأة الغلاء ويكتب في القدرة الشرائية قصائد رثاء، إلى أبطال خارقين في فنون التمويل والتموين ومدراء ماليين معتمدين، لا يعترفون بالعجز ولا بالمستحيل، قادرين على توفير ثمن الأضحية ولو بدَيْن، أو "على حساب مول الكرا"، دون الحديث عن أساليب أخرى منها ما لها علاقة بالجمعيات التي تنبت كالفطريات!، ومنها ما بات يعرف بالتسول الرقمي، فنّ الشحذ الإلكتروني. منشور لرب أسرة مهموم وكلام منظوم، وبارطاجي يا مواطن. وتلك ظاهرة ما خفي منها أعظم مما ظهر. يشكو المغاربة من غلاء الأسعار، يسبون الساسة ليل نهار، ويصرخون من آلام الجيوب التي فقدت القدرة على ملء البطون بالخبز والزيتون. ثم في لحظة تجلٍّ اقتصادي عظيم، تنبعث هذه القدرة من تحت الرماد كطائر الفينق، وكأن لم يصبها سوء. إنه موسم المعجزات المالية. أينما وليت وجهك تجد مضاربين ووسطاء، وأسعار تحلق في السماء، ومواطنون في صراع لضمان الشواء. فهل نلوم التقاليد؟ أم نحاسب "العقل الجماعي الفريد"؟ أم نُقر بأن للشواية سلطة أعلى من أي مؤسسة؟. في مغرب المفارقات، لا دخل كافٍ، لا دعم يغني عن خبز حافٍ... لكن لا تنازل عن كبش وافٍ. تلتهب الأسعار، وتنهك الأسر، وتبقى الشواية شامخة أقوى من أي نصيحة، وأصلب من أي ظرف اقتصادي، وأكثر تأثيراً من أي خطاب ملكي! هكذا نحن، نبكي في المواقع بمرارة، ونتسابق في الواقع على الدّوارة. نلعن الدهر والبلد والساسة ..، ونتباهى بصور موائدنا المكدسة. نلتقط السلفيات بالمخاوير والعبايات، ننشر السطوريات بماذ لذ من الشهيوات، ثم ندعو لأهل غزة بالنصر والثبات. فلا عزاء اليوم للقدرة الشرائية التي خرجت من الخدمة مقصية، إلى إشعار غير بعيد، لنتباكى من جديد. عيدكم مبارك سعيد