طنجة، المدينة التي تفتخر برجالاتها في الصمت قبل الضجيج، ودعت خلال الأيام القليلة الماضية أحد أبنائها الأوفياء، الحاج محسن أشوغي، الرجل الذي جمع بين الحضور الهادئ والعطاء الغزير، بين النبل الشخصي والمسؤولية المجتمعية، فغادرنا كما عاش بهدوء الكبار. طنجاوي حتى النخاع ابن الأحياء الشعبية، العارف بتفاصيلها، الملم بهمومها، ظل الحاج محسن لصيقا بقضايا مدينته، غير منعزل عن نبضها، ولا بعيدا عن ناسها. كان حاضرا في كل مبادرة جادة، يمد يده دون أن يمد عينه، يشارك دون أن يطالب، ويصنع الخير كما تصنع القيم العريقة في بيوت طنجة القديمة. من العالم الافتراضي إلى الواقع الحي عرفه الالاف داخل مجموعة "مشاكل وحلول الملكية المشتركة" كأحد مؤسسيها الأوائل، وعرف بصبره في الرد، واتزانه في الرأي، وحرصه على تصحيح المفاهيم القانونية المرتبطة بالملكية المشتركة، دون تشنج أو تعال. لكنه لم يكن ناشطا فقط على المنصات، بل كان رجل ميدان بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فاعل خيري... بصمت في الوقت الذي يتسابق فيه كثيرون إلى الأضواء، اختار الحاج محسن العمل بصمت، دون صور ولا ألقاب. تكفل بأيتام، وساند أرامل، وساهم في تغطية مصاريف علاج مرضى، دون أن يترك اسمه خلف المساعدة. وفي أوقات الكوارث الطبيعية كما حدث في زلزال الحسيمة وزلزال الحوز أو من خلال مبادراته المستمرة في تقديم الأضاحي للفقراء ولكل من طرق بابه.كان يعتبر المحتاج "أمانة"، لا يهمه أصله ولا فصله، بل إنسانيته فقط. هذا هو معدن الرجال الحقيقيين، وذاك هو الإرث الطنجاوي الذي انتمى إليه الفقيد بشرف. وفاء لا ينسى فور إعلان وفاته، كانت مجموعة "مشاكل وحلول الملكية المشتركة" أول من نعاه في بيان مؤثر، جاء فيه: "نودع اليوم أحد أعمدة مجموعتنا وأحد مؤسسيها الأوائل، الحاج محسن أشوغي، بقلب يعتصره الحزن وعيون دامعة، راضية بقضاء الله وقدره." تكريما لذكراه، غيرت المجموعة اسم قناتها الرسمية على واتساب إلى: "مشاكل وحلول الملكية المشتركة – بوابة الحاج أشوغي" وفاء لروحه، واستمرارا لرسالته. كما تم تكليف الأستاذ رشيد بنسعيد بالإشراف المباشر على القناة، مع الاستمرار في نشر مواد توعوية قانونية حصرية، تنفيذا لوصية الحاج محسن نفسه، الذي أوصى باستمرار النشر الجاد والنافع للأعضاء واكد انه يجب ان تبقى المجموعة كما عهدنها مرجعا وطنيا للملاك والوكلاء والطلبة الباحثين في المجال . شهادات من طنجة ومن خارجها التعليقات التي رافقت نعيه على منصات التواصل كانت بليغة، حزينة، صادقة. "ترحّموا على أب اليتامى والأرامل." "رحل الأخ الطيب والجار البشوش، وترك في القلب فراغًا لا يُملأ." المحامية ليلى حميدة، كتبت في تأبينه: "رجل ذو أثر طيب في الدنيا… اجعل اللهم قبره روضة من رياض الجنة." كما نعاه نادي نهضة طنجة لكرة اليد، الذي ترأسه سابقا، مشيرا إلى إسهاماته القيادية التي ساهمت في صعود الفريق إلى القسم الممتاز، مؤكدا أن الرياضة في طنجة فقدت أحد عشاقها الأوفياء. وفي لفتة وفاء غير مسبوقة، أعلنت إدارة المجموعة توقيف جميع المنشورات لمدة ثلاثة أيام، حدادا على روحه واستحضارا لقيمه، وهي سابقة تؤكد حجم الأثر الذي تركه الفقيد. مدرسة في الإيثار الحاج محسن لم يكن مجرد فاعل جمعوي أو عضو نشيط، بل كان مدرسة في الإيثار الطنجاوي. اختار أن يكون في الظل، لكن نوره بلغ كل من حوله. واليوم، وإن غاب جسده، فإن سيرته تبقى، شاهدة على معدن الرجال في هذه المدينة، وعلى أن الخير لا يحتاج إلى ميكروفونات ليسمع. رحل الحاج محسن أشوغي... لكن طنجة لن تنساه.