تستقبل مدينة طنجة، على غرار باقي المدن المغربية، عيد الأضحى هذه السنة بأجواء مختلفة، بعد دعوة ملكية إلى عدم القيام بشعيرة الذبح، في خطوة استثنائية تأخذ بعين الاعتبار التحديات المناخية والاقتصادية وتأثيرها على وفرة الماشية وظروف المواطنين، لاسيما الفئات ذات الدخل المحدود. ففي كل سنة، يشكل عيد الأضحى متنفسا اقتصاديا مؤقتا لمئات الشباب، خاصة من لا يتوفرون على عمل قار، حيث ينشطون في بيع الفحم، الأدوات المنزلية الخاصة بالأضحية، سن السكاكين، تسويق الأعلاف، إضافة إلى خدمات التخلص من بقايا الأضاحي أو شي الرؤوس فيما يعرف محليا ب"التشواط" أو "الفراوة". هذه المهن، رغم طابعها الموسمي والمؤقت، كانت تمثل مورد رزق أساسيا للعديد من الشباب، خصوصا في الأحياء الشعبية ومناطق الهامش، حيث تعود العاملون بها على استغلال المناسبة لتحقيق مدخول يغطي تكاليف المعيشة أو يستثمر لاحقا في مشاريع صغيرة. ففي طنجة، كما في باقي المدن، كانت الأرصفة والأسواق تستقبل كل عام موجة من النشاط الاقتصادي غير الرسمي، تبدأ ببيع الفحم والسكاكين وتنتهي بخدمات ما بعد الذبح، وكان الإقبال كبيرا على المحلات التقليدية لسن الأدوات، بينما تشهد الأحياء الشعبية حركة نشطة لباعة الأعلاف الذين يعيدون تعبئة الرزم الكبيرة إلى كميات صغيرة تباع للزبناء بأسعار مناسبة. ومن أبرز المهن التي تضررت من غياب عيد الأضحى لهذا العام، تلك المرتبطة بيوم النحر نفسه، مثل خدمة "التشواط"، التي تتولى حرق رؤوس وأطراف الأضاحي والتخلص من الشعر، هذه الخدمة، التي توفر مدخولا فوريا يراوح بين 50 و60 درهما لكل أضحية، تعتبر مصدر رزق لفئة تعتمد على هذا اليوم فقط لكسب المال. ورغم ما تسببه هذه الأنشطة من ازدحام وأحيانا من روائح غير مستحبة في الأزقة، فإنها كانت تلقى ترحيبا من الأسر التي تفضل الاستعانة بالشباب لتفادي عناء ومخاطر هذه العمليات داخل منازلها. لكن هذا التوقف لا يعني نهاية تلك الدينامية، بل يشكل فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، والتفكير في بدائل اقتصادية مرنة، خصوصا مع ما أظهرته هذه الفئات من قدرة على التكيف والابتكار في مختلف السياقات، فالمبادرات الفردية، التي ميزت هذه الأنشطة الموسمية، قد تجد لنفسها آفاقا جديدة في مجالات أخرى خارج الإطار الموسمي. وتبقى خصوصية هذا العام محطة استثنائية في الذاكرة الجماعية، لا تلغي روح العيد وقيم التضامن التي تميز المجتمع المغربي، بل تفتح المجال لنمط جديد من الاحتفال يقوم على التكيف والتفهم، في انسجام تام مع ما تقتضيه المصلحة العامة.