تزداد حدة الازمة السياسية بمجلس جماعة اصيلة مع توالي الاستقالات من مواقع المسؤولية داخل اللجان الدائمة، في سياق يعكس تصدعا متسارعا في التحالف الذي تشكل بعد وفاة محمد بن عيسى، ويضع المكتب المسير امام حالة من الارتباك الداخلي في ظل غياب مبادرات لتجاوز التوترات المتراكمة. فبعد استقالة الياس ازعار من رئاسة لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة، سجل المجلس استقالتين جديدتين داخل نفس صفوف الاغلبية، قدمهما كل من محمد عتيق كرامة، رئيس لجنة التعمير واعداد التراب الجماعي، وبشرى اليافي، رئيسة لجنة التنمية الاقتصادية والثقافية والسياحية والرياضية والشؤون الاجتماعية. وتبرز هذه الاستقالات المتقاربة زمنيا كاقوى مؤشر حتى الان على اهتزاز التفاهمات التي قامت عليها تركيبة ما بعد بن عيسى، لا سيما بعد ان تحول التوتر الداخلي الى مواقف موثقة، دون ان تتفاعل رئاسة الجماعة باي توضيح رسمي او مسعى لاحتواء التصدع. وفي استقالته المؤرخة ب8 يوليوز، لم يتردد الياس ازعار في تحميل المكتب مسؤولية ما وصفه ب"هدر المال العام وتغييب آليات التشاور"، مشيرا الى ان لجنة الميزانية لم تعد سوى واجهة شكلية، في ظل هيمنة عدد محدود من الاعضاء على القرار المالي، وغياب اي تفاعل مع الرأي المخالف داخل الاغلبية. وتظهر مؤشرات الازمة ان الخلافات لم تعد مقتصرة على تفاصيل تدبيرية او مواقف ظرفية، بل تتعلق ببنية التحالف ذاته، الذي تأسس دون ارضية سياسية واضحة او برنامج جماعي موحد، ما جعله هشا امام اول امتحان داخلي، خصوصا في ما يتعلق بتوزيع التفويضات وتحديد المسؤوليات. ومنذ الدورة العادية لشهر ماي، بدأت ملامح الانقسام تخرج الى العلن، سواء من خلال تباين الاراء بشأن ترتيب الاولويات المالية، او عبر الاعتراضات المتكررة داخل اللجان، التي اشتغلت في ظروف وصفت بغير المستقرة، في غياب التنسيق بين مكوناتها او دعم الرئاسة في تفعيل توصياتها. ويذهب فاعلون محليون الى ان هذا الوضع مرشح لمزيد من التعقيد، في ظل ما يعتبرونه "غياب رؤية اصلاحية" لدى المكتب، وانعدام اي خطوات ملموسة لتجاوز الازمة، سواء عبر اعادة هيكلة اللجان او مراجعة منهجية التسيير، ما يجعل كل تأخير في المعالجة بمثابة تكريس اضافي للاحتقان. ولا تزال الانظار متجهة الى الدورة المقبلة للمجلس، وسط تساؤلات متزايدة حول قدرة المكتب على الصمود في وجه هذه الموجة من الانسحابات، واحتمال اعادة خلط الاوراق داخل مكونات الاغلبية، في لحظة دقيقة تعيد الى الواجهة سؤال الشرعية السياسية والمشروعية الاخلاقية لتدبير الشأن المحلي في مرحلة ما بعد بن عيسى.