لطالما شكلت طنجة نقطة محورية في شبكات تهريب وترويج السلع المقلدة عالية الجودة، المعروفة تجاريا باسم "ماستر كوبي"، بفضل موقعها الاستراتيجي على ضفاف مضيق جبل طارق وما توفره من بنية لوجستية متقدمة جعلتها منصة مثالية للتجارة الدولية الشرعية وغير الشرعية في آن واحد. ووفق معطيات رسمية صادرة عن المديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة، فقد حجزت مصالح الجمارك خلال سنة واحدة ما مجموعه 2 021 886 وحدة من السلع المقلدة، بلغت قيمتها الاجمالية حوالي 19,9 مليون درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 11 في المائة مقارنة مع السنة السابقة. - إعلان - وتشير هذه المعطيات إلى أن جهة طنجة-تطوان-الحسيمة تستحوذ على حصة مهمة من هذه الضبطيات، بفعل حجم الواردات التي تمر عبر ميناء طنجة المتوسط والارتباط المتزايد بشبكات توريد عالمية معقدة. مستودعات سرية وشبكات منظمة وتؤكد تحريات ميدانية أن عددا من المستودعات غير المرخصة تتوزع على مناطق صناعية وهامشية في طنجة وضواحيها، حيث تخزن بضائع مقلدة من علامات تجارية عالمية فاخرة، غالبا في ظروف احترافية تجعل من الصعب تمييزها عن المنتجات الاصلية. ويتم توزيع جزء من هذه السلع في السوق المحلي، بينما يعاد توجيه الجزء الاكبر نحو اسواق وطنية كبرى كالدار البيضاء ومراكش وفاس، عبر شبكات توزيع متشعبة يجري تشغيلها بواسطة وسطاء محليين وشركات غير مصرح بها. وتكشف المعطيات ذاتها أن معظم هذه السلع مصدرها آسيا، خصوصا الصين، حيث تحمل في حاويات تمر عبر مسارات لوجستية متعددة قبل وصولها إلى طنجة. وتستغل بعض الشبكات المشتبه فيها الحجم الكبير لحركة ميناء طنجة المتوسط لتجزئة الشحنات واستخدام تصاريح جمركية مضللة لتفادي المراقبة، رغم التشديد المستمر لاجراءات التفتيش في الموانئ والمعابر الرئيسية. تحقيقات مالية وقضائية موسعة ويزداد الضغط على السوق الطنجاوية خلال الموسم السياحي الصيفي، حيث تتحول المدينة إلى نقطة جذب لمصطافين وزوار اجانب، ما يضاعف الطلب على منتجات "ماستر كوبي" من حقائب جلدية وساعات فاخرة واحذية رياضية ومنتجات الكترونية، باسعار تقل بكثير عن نظيراتها الاصلية. ويستغل المروجون هذا الاقبال الموسمي لتوسيع شبكاتهم وتوجيه كميات اكبر نحو السوق المحلي، مع الاعتماد بشكل كبير على تداول السيولة النقدية بعيدا عن القنوات البنكية النظامية. وقد دفعت هذه الانشطة المتنامية الهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية إلى تكثيف التنسيق مع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لتعقب معاملات مالية مشبوهة يشتبه في ارتباطها بترويج هذه السلع، خاصة ان بعض الملفات المفتوحة تشير إلى تقاطعات بين نشاط التجارة الموازية وآليات غسل الاموال. وتؤكد المعطيات ان كميات كبيرة من السيولة يتم تداولها خارج النظام المصرفي، ما يعزز فرضية وجود عمليات تمويلية معقدة تتطلب متابعة مالية دقيقة تشمل مسارات التحويلات غير المصرح بها والروابط بين الوسطاء المحليين وموردين خارجيين. وتعمل الهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية، في اطار تفويضها القانوني وفق احكام القانون 43-05 المتعلق بمكافحة غسل الاموال، على تحليل المعاملات البنكية ذات المخاطر العالية واحالتها إلى النيابة العامة عندما تبرز مؤشرات جدية على وجود انشطة غير مشروعة. وفي هذا السياق، تم فتح مساطر تحقيق اولية بشأن بعض الشركات المشتبه في تورطها ضمن شبكات ترويج سلع "ماستر كوبي"، مع تتبع مسارات السيولة النقدية المرتبطة بها، سواء داخل التراب الوطني او عبر حسابات بنكية خارجية. إطار قانوني صارم وحماية مؤسساتية ويعزز هذا التوجه القانون رقم 12-18 المتعلق بمكافحة تمويل الارهاب وتجريم غسل الاموال، الذي يمنح السلطات القضائية والمالية صلاحيات موسعة لتجميد الاصول المشتبه في ارتباطها بعمليات مالية غير مشروعة. وتشير مصادر مؤسساتية إلى ان التعاون الدولي بات حاضرا في عدد من الملفات المعقدة، خصوصا تلك التي تتقاطع مع تحويلات مالية مشبوهة مرتبطة بموردين آسيويين عبر ملاذات ضريبية او شركات وساطة تعمل خارج النظام البنكي التقليدي. القانون المغربي بدوره يؤطر هذا المجال بصرامة، اذ ينص القانون رقم 17-97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، المعدل بموجب القانون 31-05، على ان استيراد او تسويق او حيازة سلع مقلدة يعد خرقا جسيما لحقوق الملكية الصناعية، ويعاقب عليه بغرامات تصل إلى 500 الف درهم وبعقوبات حبسية قد تصل إلى سنتين في حالة العود، مع مصادرة السلع المقلدة واتلافها على نفقة المخالفين. كما يخول القانون للنيابة العامة فتح تحقيقات موسعة تشمل مسارات التوريد والتوزيع والتمويل، بالتنسيق مع الاجهزة الامنية والجمركية. وتسعى السلطات العمومية إلى تعزيز التعاون المؤسساتي بين الجمارك والشرطة القضائية والنيابة العامة والهيئة الوطنية لمعالجة المعلومات المالية، عبر آليات رصد رقمية جديدة لتتبع مسارات الشحنات المشبوهة منذ مغادرتها الموانئ وحتى وصولها إلى السوق. ويرى مختصون ان طنجة اصبحت اليوم نقطة اختبار حقيقية لقدرة المغرب على مواجهة شبكات عابرة للحدود دون التأثير على جاذبيتها الاقتصادية كمنصة تجارية عالمية.