تصل حاويات الشحن من غرب الصين إلى شمال المغرب في عشرين يوما فقط. طريق جديدة، ومسار مختلف، يربطان مدينة تشنغدو بميناء طنجة المتوسط، في خطوة تعكس التحول المتسارع في خريطة المبادلات الدولية. ويمزج الممر الذي افتتح مطلع يوليوز 2025، بين النقل السككي والبحري، ويمر عبر كازاخستان وبولندا وإسبانيا، قبل أن ينتهي على الضفة الجنوبية لمضيق جبل طارق. ولأول مرة، يدرج ميناء إفريقي في شبكة الحزام والطريق الصينية ضمن خط نشط يربط مباشرة بين العمق الآسيوي والواجهة المتوسطية للمغرب، بعيدا عن الموانئ الأوروبية التقليدية. وبقدر ما تختزل الأرقام المكسب الزمني، يعكس هذا الربط بعدا استراتيجيا يتجاوز الشحن إلى التموضع. فطنجة، التي راكمت خبرة لوجستية وصناعية منذ تدشين منصتها المتوسطية، تدخل اليوم مرحلة جديدة كعقدة وصل بين خطوط الشرق وخريطة الجنوب، في سياق دولي يبحث عن مسارات بديلة لتجاوز عنق الزجاجة في سلاسل الإمداد العالمية. ويأتي هذا المشروع كثمرة تعاون متعدد المستويات، تشارك فيه مجموعة DPD الدولية، إلى جانب فاعلين صينيين وأوروبيين، في ما يوصف بأنه تحول لوجستي يعيد ترتيب التوازنات على ضفتي المتوسط. كما يجسد توجها مغربيا نحو تنويع الشركاء الاقتصاديين، وتوسيع هامش السيادة اللوجستية من خلال ربط متقدم بين البنية التحتية الوطنية والممرات العابرة للقارات. ويرى مهنيون في القطاع أن هذا الربط يمنح المغرب نقطة ارتكاز في منظومة تجارية ضخمة، تتوسع تدريجيا نحو الجنوب، وتعيد الاعتبار للمتوسط كبوابة استراتيجية للأسواق الإفريقية. وتظهر بيانات أولية أن تدفقات الشحن مرشحة للارتفاع خلال الأشهر المقبلة، مع استعداد عدد من المصدرين المغاربة لاختبار المسار الجديد في اتجاه الأسواق الآسيوية. في العمق، لا يمثل هذا المشروع مجرد خط شحن جديد، بل تأكيدا على الرؤية المغربية التي جعلت من طنجة نقطة التقاء للطموحات الصناعية والرهانات الجيو اقتصادية. فعلى مدى عقدين، انتقل الميناء من فكرة إلى نموذج، ثم إلى منصة محورية تعاد حولها صياغة ممرات التجارة بين الشرق والجنوب. وإذا كانت خارطة طريق الحرير قد رسمت في بكين، فإن إعادة توجيهها عبر طنجة تضع المغرب في موقع تفاوضي جديد، يعكس الاستقرار، والكفاءة، والاستباقية، وسط مشهد دولي تتقاطع فيه المصالح والضغوطات.