تراكم امتد لسنوات جعل من المنطقة الصناعية طنجة المتوسط ركيزة نموذج اقتصادي يقوم على التخصص القطاعي والتكامل مع سلاسل الإنتاج الدولية. وتجاوزت التجربة المغربية، التي تبلورت منذ العقد الأول من القرن الحالي، فكرة المناطق الصناعية العامة نحو فضاءات موجهة للتصدير ومبنية على حكامة متقاطعة بين القطاعين العام والخاص. وفي السياق الإفريقي، يتجاوز عدد المناطق الاقتصادية الخاصة 230 وحدة موزعة على 43 دولة. غير أن التجربة المغربية، وعلى رأسها طنجة، تميّزت ببناء تنظيمي متماسك، وميل واضح إلى التوجيه القطاعي، خاصة في مجالات السيارات والطيران والنسيج. وتستقر أكثر من 1200 وحدة صناعية اليوم في منطقة طنجة المتوسط، في فضاء يجمع البنية التحتية المؤهلة، والمساطر المُيسّرة، والحوافز الضريبية، والارتباط المباشر بالمنصة المينائية. نجاح هذا النموذج لا يعود فقط إلى حجم الاستثمارات، بل إلى طريقة بنائها. فالفضاءات ليست تجميعا أفقيا لمصانع، بل منظومات إنتاج متكاملة داخل كل قطاع، حيث يشتغل التجميع، والتوزيع، والخدمات الموازية، ضمن منطق القيمة الواحدة. وقد سهلت هذه التركيبة وصول المنتجات إلى أسواق متقدمة في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، ورسّخت تموقع المغرب كمصدر صناعي لا كمُجمّع بسيط. لكن هذا التحول لم يُلغِ التحديات. فاندماج المقاولات الصغرى والمتوسطة في المنظومة الصناعية يبقى محدودا، كما أن التكامل مع السوق الإفريقية جنوب الصحراء لم يُفعل بالقدر المنتظر. ويُسجّل أيضا بطء في إدماج اليد العاملة النسائية في سلاسل الإنتاج التقنية، رغم تطور بعض مؤشرات التأهيل والتكوين. وتخضع التجربة حاليا لمراجعة توسعية، تشمل تكييف الإطار القانوني وتوجيه الاستثمار نحو الصناعات الخضراء والابتكار. الرهان الحالي لم يعد استقطاب المستثمر، بل تأطير القيمة التي يمكن أن يُضيفها. ومن طنجة إلى جهات أخرى، تتبلور صيغة مغربية لمنطقة اقتصادية خاصة، لا بوصفها واجهة تصديرية فحسب، بل كأداة لإعادة تشكيل الخريطة الصناعية الوطنية.