سلطت تصريحات صادرة عن عضو في الحكومة الإسبانية الضوء، من جديد، على التناقضات التي تواجهها السلطات الإسبانية في إدارة الوضع داخل مدينة سبتةالمحتلة، لا سيما حين يتعلق الأمر بالقاصرين المغاربة غير المرافقين الذين يجدون أنفسهم، بين لحظة وأخرى، داخل فضاء قانوني ضبابي لا يوفر لا الحماية ولا الحلول. وقال أنخيل فيكتور توريس، وزير السياسة الإقليمية والذاكرة الديمقراطية، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام إسبانية، إن على سلطات مليلية أن تبدي نفس "الصرامة والانضباط والمسؤولية" التي عبر عنها رئيس سبتة، خوان فيفاس، بخصوص التعامل مع ملف القاصرين، في إشارة إلى دعوة هذا الأخير إلى تعديل تشريعي يسمح بترحيلهم نحو مدن أخرى في ظرف لا يتعدى 15 يوما. لكن ما لم يقله الوزير صراحة، وتظهره الوقائع بجلاء، هو أن هذا التململ السياسي لا يعكس فقط خلافا في وجهات النظر داخل أجهزة الدولة، بل يكشف حدود السيطرة الفعلية على ثغرين لا تملك مدريد فيهما سوى أدوات إدارية محدودة، وقدرة منقوصة على تنزيل أي سياسة عمومية مستدامة. توريس، الذي بدا حريصا على تصويب أداء سلطات مليلية، لم يخف استياءه أيضا من الخطاب المزدوج الصادر عن قيادات في الحزب الشعبي، الذين يرفضون استقبال القاصرين في أقاليمهم، رغم مطالبتهم بتفريغ سبتة ومليلية من الضغط المتزايد. وبين الرغبة في التملص من المسؤولية، والحرص على تجنب أي كلفة سياسية، يتضح أن الإشكال لا يكمن في توزيع القاصرين، بل في غياب مشروع إدماج وطني حقيقي يتجاوز منطق الطوارئ. وفي خلفية هذا التوتر، تلوح مفارقة بنيوية لا يمكن تجاوزها: فإذا كانت الدولة الإسبانية غير قادرة على فرض تصور موحد داخل مدينتين تدعي السيادة عليهما منذ قرون، فكيف يمكنها الادعاء بأنهما جزء لا يتجزأ من ترابها الوطني؟ بل إن واقع التناقضات، وتعدد المرجعيات، وكثافة الخطاب الأمني، يثبت أن سبتة ومليلية ليستا سوى هامشين هشين على تخوم خارطة لم تحسم بعد. ومن زاوية السياسات العمومية، يظهر أن المدينتين لا تتوفران على الأدوات التشريعية ولا المؤسسية الكفيلة بتأطير تدفقات بشرية مستمرة، وأن تحميلهما مسؤولية تدبير ملف معقد كملف القاصرين المهاجرين هو في حد ذاته تعبير عن العجز أكثر منه عن السيادة. وبعيدا عن لغة التصريحات السياسية، فإن واقع الميدان يؤكد أن مدريد لا تنظر إلى سبتة ومليلية كمجالين مدمجين ضمن نسيجها الإداري، بل كحواجز أمنية يتم تشغيلها حسب الحاجة، والتخلي عنها سياسيا حين ترتفع الكلفة الاجتماعية والحقوقية. وبين الاعتراف الضمني بالعجز، واستمرار الترويج لخطاب السيادة، يبقى السؤال المعلق: إلى متى يمكن لاحتلال قانوني فاقد للأدوات أن يصمد أمام واقع جغرافي وتاريخي وديموغرافي يعيد طرح سؤال الشرعية كل يوم؟