بين الفينة والأخرى تكتشف ساكنة مدينة طنجة، من خلال المنابر الإعلامية المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي أو من خلال معاينتها الميدانية، أن جزء من غابات المدينة قد تم هضمه. وسنة بعد سنة تتقلص مساحة المجال الغابوي الحضري وشبه الحضري للمدينة. 1- طنجة مدينة غابوية بامتياز: للتذكير فلقد سبق لي أن خصصت فصلا كاملا للمجال الغابوي لطنجة في كتابي "التراث الطبيعي لطنجة، تراث متنوع ومتميز" الذي صدر في عام 2023. فمدينة طنجة تعتبر مدينة غابوية بامتياز، إذ تتجاوز مساحة الغطاء الغابوي 5300 هكتار، موزعة على سبع غابات حضرية وشبه حضرية تحيط بالمدينة من ثلاث جهات: من الشرق غابة السانية وغابة فدان الشابو-المنار-مالاباطا، ومن الغرب غابة الرهراه وغابة رأس سبارطيل-مديونة-الدونابو ومنتزه برديكاريس، ومن الجنوب الغابة الدبلوماسية وغابة شراقة. هذا بالإضافة إلى وجود فضاءات غابوية صغيرة متفرقة بالمدينة. وللعلم فلقد فقدت مدينة طنجة مساحات غابوية كبيرة في العقود الأخيرة، أهمها: غابة الشرف التي كانت تمتد الى حدود مسجد السوريين والتي كانت بمثابة حزام أخضر يحمي المدينة من رياح الشرقي القوية خصوصا في فصل الصيف، وغابة الفرنساوي، وغابة بوبانة، وغابة سيدي قاسم التي بني مكانها القطب الحضري ابن بطوطة… وللغابات عموما أدوار بيئية ومناخية وسوسيو-اقتصادية، لكن الغابات الحضرية وشبه الحضرية لها أدوار إضافية، تتمثل في: الحد من التوسع العمراني، وتحسين المشهد الحضري، والمساهمة في تنقية الهواء، والمساهمة في خفض درجة الحرارة، وتوفير مناطق الاسترخاء والتنزه، وتوفير فضاءات لممارسة الرياضة في الهواء الطلق… غابات طنجة التي تحتضن المدينة من كل جانب 2- عوامل تقلص المجال الغابوي بطنجة: تتعرض الغابات عموما للتقلص بسبب عوامل طبيعية وعوامل بشرية، تتمثل العوامل الطبيعية أساسا في الجفاف الطويل ومع التغيرات المناخية ستزداد هذه العوامل الطبيعية، بينما العوامل البشرية فهي متعددة وهي المسؤولة بنسبة كبيرة عن اختفاء الغابات وتتمثل أساسا في: التوسع العمراني ومشاريع البنيات التحتية، والرعي الجائر، وتوسع الأراضي الزراعية، والاستغلال المنجمي، وإنتاج الأخشاب بكثرة… وحسب أغلب الدراسات فإن قطع الأشجار واجتثاث الغابات يرجع أساسا إلى عامل التوسع الفلاحي بنسبة 73 بالمائة والتوسع العمراني بنسبة 10 بالمائة ومشاريع البنيات التحتية بنسبة 10 بالمائة ثم الاستغلال المنجمي بنسبة 7 بالمائة. وبالنسبة لمدينة طنجة، لا توجد دراسات حول نسبة كل عامل من عوامل تراجع الغطاء الغابوي فيها، لكن ما هو معروف وملاحظ هو أن العامل الرئيسي هو التوسع العمراني بنوعيه القانوني والعشوائي، حيث تنتشر التجمعات السكنية كالفطر داخل وحول غابات المدينة. وهناك عامل الحرائق المتتالية التي تكون في الغالب بفعل فاعل كما تؤكد ذلك نتائج التحقيقات التي تجرى بعد كل حريق. وهناك عامل أصبح له دور كذلك وهو رمي الردمة ومخلفات البناء، ولقد انتشرت الظاهرة أكثر بعد إغلاق المطرح العمومي بمغوغة وفتح مركز الطمر والتثمين بسكدلة، حيث كانت ترمى هذه النفايات الهامدة في هذا المطرح العشوائي، ولما لم تقم الجماعة بتخصيص مكان لجمع هذه النفايات وتثمينها لم يكن للساكنة من خيار سوى التخلص من هذه النفايات في الغابات، خصوصا في غابة السانية التي تكاد أن تصبح مكبا رئيسيا للردمة، ولقد نبهت لخطورة هذا الأمر في عدة مقالات لكن التفاعل من قبل الجهات المعنية لم يكن في المستوى المطلوب. وإذا رجعنا إلى صور الأقمار الصناعية خصوصا صور غوغل مابس، ابتداء من العام الذي أصبحت فيه هذه الخدمة متاحة للجميع أي عام 2005، سنتعرف على التدهور الذي لحق غابات طنجة يوما بيوم، سواء من حيث كثافة الأشجار بمعنى تناقص عدد الأشجار في مساحة أرضية معينة، أو من حيث الامتداد المجالي أي تناقص المجال الغابوي، بل يمكننا أن نتعرف على نوع العوامل التدميرية للغابات، هل هي طبيعية أم بشرية، هل هي عبارة عن مشاريع البنية التحتية مثل شق الطرق والمسالك أو عبارة عن بناء قانوني أو عشوائي، أو مشاريع فلاحية… لذلك أدعو كل من له انخراط في هذه الخدمة ألا يبخل على ساكنة مدينة طنجة بتقديم هذه المعلومات، ولقد سبق منذ 9 أعوام أن قام أحد الشخصيات السياسية في طنجة بتقديم عرض حول توسع البناء العشوائي في المدينة يوما بيوم بالاستعانة بهذه التقنية. 3- ما هي النتائج المنتظرة إذا اختفت غابات طنجة الحضرية: تؤدي إزالة الغابات إلى نتائج كارثية على البيئة والإنسان، منها: اختلال المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتعرية، والتصحر، وزيادة مخاطر الفيضانات، وتدهور الصحة النفسية… وفي حالة ما إذا اختفت الغابات الحضرية لمدينة طنجة، فمن المنتظر أن تعرف المدينة عدة مشاكل أبرزها: – ارتفاع معدل الحرارة في المدينة – تقلص الفضاءات الخضراء، فكما هو معلوم أن المناطق الخضراء في المدينة محدودة جدا، وفي عام 2021 وصل المعدل الفردي من المناطق الخضراء إلى 5 أمتار مربعة بفضل تهيئة مناطق خضراء جديدة، لكن بالأساس من خلال تحويل مساحات غابوية مهمة إلى منتزهات حضرية، أساسا منتزه بيرديكاريس (69 هكتارا) ومنتزه الرهراه (150 هكتارا)، وإلى حدائق عمومية خصوصا في منطقة الرهراه (حوالي 30 هكتارا). ولو قمنا بخصم هذه المساحات الغابوية (حوالي 250 هكتارا) من مجموع المناطق الخضراء حاليا (460 هكتارا) ستصبح المساحة الحقيقية للمناطق الخضراء التي تمت تهيئتها في الأراضي العارية غير المشجرة هي 210 هكتارا، وبذلك يكون المعدل الفردي من المناطق الخضراء (اعتمادا على تقديرات عدد السكان في عام 2025 الذي يتجاوز مليون و320 ألف نسمة) هو 1.6 مترا مربعا لكل فرد وهو معدل بعيد جدا عن المعدل المطلوب وهو 10 أمتارا مربعة للفرد. – تشوه المنظر العمراني العام للمدينة، حيث ستسود صورة الكتل الإسمنتية – التوقف النهائي لمسار هجرة الطيور بين أوروبا وإفريقيا، خصوصا على مستوى غابة رأس سبارطيل-مديونة-الدونابو التي تعتبر أحد أهم المعابر الرئيسية للطيور المهاجرة عالميا، إذ تتنقل الطيور بين القارتين الإفريقية والأوروبية، لهذا تم تصنيفها في عام 1996 كموقع ذي أهمية بيولوجية وإيكولوجية. مسارات هجرة الطيور من وإلى إفريقيا 4- مقترحات لإنقاذ الغابات الحضرية لطنجة: إن المحافظة على الغابات الحضرية وشبه الحضرية بطنجة أصبح مطلبا ضروريا ومستعجلا، خصوصا وأنها مدينة غابوية بامتياز، فهي المدينة المغربية الكبيرة الوحيدة التي بها غابات في النسيج الحضري بنسبة كبيرة وتحيطها من جميع الاتجاهات تقريبًا. وللحفاظ على هذا التراث الطبيعي الهام يلزم القيام بالإجراءات والأنشطة التالية: – وضع سياسة محلية للمحافظة على غابات المدينة – القيام بحملات تحسيسية وتوعوية مستمرة لفائدة سكان المدينة وزوارها وبمختلف الوسائل، للتعريف أولا بالمؤهلات التي تزخر بها غابات المدينة وبالأدوار الهامة التي تقوم بها، وثانيا لتمكين الجميع من الممارسات الجيدة لاستغلال المجال الغابوي – تشجيع المبادرات والمشاريع التي تستهدف الحفاظ على غابات المدينة وتثمينها – تطوير وسائل الإنذار والكشف المبكر عن تدهور المجال الغابوي – تشديد الحراسة والمراقبة وتطوير وتحسين وسائلها – إشراك المجتمع المدني والسكان القريبين من الغابات والمؤسسات التعليمية والإعلامية في مختلف عمليات حماية وتثمين المجال الغابوي وكنت دائما ولا أزال أوصي بتحويل الغابات الحضرية المشجرة إلى منتزهات حضرية والغابات الطبيعية المحافظة عليها كمحميات طبيعية، واليوم توجد في طنجة ثلاثة منتزهات حضرية: منتزه بيرديكاريس (69 هكتارا) ومنتزه الرهراه (150 هكتارا) ومنتزه الغابة الدبلوماسية (الشطر الأول على مساحة 256 هكتارا). كما أقترح وبشكل استعجالي تحويل غابة السانية (400 هكتارا) إلى منتزه حضري، وتحويل ما تبقى من غابات مديونة والرهراه والدونابو التي تم الترخيص فيها لعدد من المشاريع العقارية إلى منتزه حضري أيضا، ونفس الأمر بالنسبة لغابة فدان الشابو-المنار-مالاباطا (430 هكتارا) وغابة الشراقة (670 هكتارا) التي يغزوها البناء العشوائي وما تبقى من الغابة الدبلوماسية (1398 هكتارا). *خبير في البيئة والتنمية غابات طنجة التي تحتضن المدينة من كل جانب مسارات هجرة الطيور من وإلى إفريقيا