أثار تغيير معالم المقر التاريخي للقنصلية البريطانية القديمة في مدينة طنجة موجة استياء واسعة في الأوساط الثقافية والمدنية، بعدما كشفت صور حديثة عن أشغال طالت أجزاء من المبنى المصنف تراثًا وطنيًا منذ عام 2007، من دون أي إعلان رسمي يوضح طبيعتها أو الجهة المشرفة عليها. البناية، التي يعود تاريخها إلى سنة 1892، كانت من أبرز شواهد الحقبة الدبلوماسية الدولية في طنجة، وشهدت لاحقًا تحوّلها إلى أول متحف للفن المعاصر في المغرب سنة 1990 تحت اسم معرض محمد الدريسي. وتشكل اليوم جزءًا من وحدة ثقافية تضم أيضًا مقر المديرية الجهوية للثقافة. وحسب وثائق أرشيفية بريطانية، فإن مبنى المفوضية شُيد على قطعة أرض اقتناها ممثل التاج البريطاني من الدبلوماسي الأمريكي-اليوناني إيون بيرديكاريس بمبلغ 600 جنيه إسترليني، وصممه المهندس روبرت بويس من جبل طارق، بكلفة إجمالية بلغت نحو 12 ألف جنيه آنذاك، بما في ذلك الأثاث والأعمال الجصية المستوردة من بريطانيا. ويضم المبنى اليوم حديقة صغيرة تحتوي على نصب تذكاري للسير ريجنالد ليستر، أحد أبرز المبعوثين البريطانيين إلى طنجة، ويعدّ من المباني القليلة المتبقية التي تعكس الطابع المعماري القنصلي الذي ميّز المدينة في أواخر القرن التاسع عشر. مصادر محلية أفادت ل"طنجة 24″ بأن الأشغال الجارية داخل البناية تشمل إزالة بعض الجدران الثانوية وإعادة طلاء الواجهات الداخلية، دون صدور بلاغ رسمي من المديرية الجهوية للثقافة لتوضيح ما إذا كانت هذه العمليات تدخل ضمن مشروع ترميم مصادق عليه. ويرى فاعلون ثقافيون أن هذه الحالة "تكشف عن هشاشة منظومة حماية التراث العمراني في طنجة"، داعين إلى إشراك الهيئات الأكاديمية وجمعيات الحفاظ على الذاكرة الحضرية في أي عملية ترميم تخص المعالم التاريخية. ويخشى هؤلاء أن تؤدي هذه الأشغال، في غياب الشفافية والتتبع التقني، إلى طمس معالم أحد أهم رموز الوجود الدبلوماسي البريطاني في شمال إفريقيا، وواحد من أبرز شواهد الذاكرة الكولونيالية التي شكّلت هوية طنجة الدولية خلال القرن الماضي.