من طنجة إلى الكويرة.. بوريطة: المغرب يفتح بوابة الأطلسي لأشقائه في دول الساحل    الأمن الوطني يفتتح قاعة رياضية جديدة متعددة التخصصات بمدينة الحسيمة    اضطراب النوم يضاعف خطر الانتكاسات لدى مرضى قصور القلب (دراسة)    قبل انطلاق البطولة.. اتحاد طنجة يراهن على باركولا وماغي لتغيير وجه الموسم    الإعلان عن مشاركة سفينتين مغربيتين في مبادرة جديدة عالمية لكسر الحصار عن غزة    قرابة 1000 سنويا.. المليونيرات يتزايدون بسرعة في المغرب    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024 (نصف النهائي).. "تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي" (طارق السكتيوي)        صحة غزة: ارتفاع حصيلة وفيات التجويع إلى 313 بينهم 119 طفلا    حادث سير خطير يحول عرسا إلى مأساة بأزيلال    المحكمة تؤجل البت في طلب السراح المؤقت للناشطة ابتسام لشكر لهذا السبب    بجماعات سيدي عابد وأولاد غانم وسيدي إسماعيل.. عامل الجديدة يدشن مشاريع تنموية واجتماعية جديدة    من تندوف إلى سوريا والساحل.. مسار مرتزقة البوليساريو في خدمة إيران والجزائر    العثور على سلاح ناري يثير استنفارا بمنطقة المنار    ذكرياتٌ فى ذكرىَ رحيل الأديب عبد الكريم غلاّب    القطاع النقابي "للعدل والإحسان" يطالب بسحب مشروع قانون التعليم العالي وإعادته لطاولة الحوار    الرجاء يثبت نجمه الشاب يحيى إكِيز    زخم ثقافي وحملات بيئية يميزان صيف العاصمة الاقتصادية    موناكو تستضيف قرعة دوري الأبطال.. 36 فريقا يتنافسون على المجد الأوروبي    مجاهد: "سيني بلاج" قيمة مضافة للمشهد السينمائي المغربي    أداء إيجابي يفتتح بورصة الدار البيضاء    حزب الاستقلال يدين محاولات خصوم المملكة التشويش على النجاحات التي تحققها بلادنا    إدارة الجمارك... محجوزات السجائر المهربة تناهز 254 ألف وحدة في 2024    اختتام فعاليات المهرجان الثقافي والفني والرياضي الأول بالقنيطرة باستقطاب 750 ألف متفرج خلال أربعة أيام    بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب.. الأمريكية كوكو جوف تتأهل إلى الدور الثاني    مدرب مانشستر يونايتد يكشف عن تطورات حالة نصير مزراوي    الدنمارك تستدعي دبلوماسيا أمريكيا    إحصاء رسمي يكشف ارتفاع القطيع الوطني إلى أزيد من 32 مليون رأس    1720 قرصا مخدرا وشواهد طبية مزورة تقود لتوقيف شاب وشقيقته    خطوبة كريستيانو وجورجينا تثير تعليقات متناقضة في السعودية    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    ترامب يرأس اجتماعا في البيت الأبيض بشأن الأوضاع في "غزة ما بعد الحرب"    عائلة وأصدقاء أسيدون أسيدون يعلنون صعوبة وضعه الصحي ويطالبون بتكثيف الجهود للكشف عن حقيقة ما حدث له        مقتل 13 مسلحا في جنوب شرق إيران    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص        توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء            صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    عبد السلام حكار يتولى رئاسة جمعية ''اتحاد مقاولات المنابر الملائمة بالجديدة    سكتة قلبية تنهي حياة سائق سيارة أجرة أمام مستشفى القرب بالسعادة الثالثة بالجديدة    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    جلالة الملك يعزي أسرة الإعلامي الراحل محمد حسن الوالي    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحداثة السياسية... ذلك الوهم اللأبدي - عبد القادر زعري
نشر في طنجة 24 يوم 05 - 08 - 2012

ما موقع الدستور و الأحزاب السياسية و مظاهر العصر، من نظام سياسي قائم على أساس إمارة المؤمنين التي يحتل فيها الملك الدور المركزي، و أي سلطة يمكن الوصول إليها بعد المشاركة السياسية، و الملك هو مركز السلطة و منبعها و ممارسها، و الحكم حكمه قولا و فعلا؟
النظام السياسي المغربي ظاهره دستور و مؤسسات و برلمان و حكومة و مجالس جهوية و محلية و أخرى عليا و صحافة حزبية و أخرى مستقلة، و باطنه نظام تقليدي عتيق لا يسمح لأية مناسبة تمر دون أن يسجل هيمنته و فاعليته و سطوته و قدرته على التكيف مع أي مستجد و إفراغ أي توجه نحو قيم الحضارة الغربية من معناه.
تقليدوية النظام السياسي لها آليات و ميكانزمات تمكن من هيمنة الطابع التقليدي و على حساب مظاهر العصر. لأجل ذلك لم ينجح في المغرب لا تناوب و لاتداول على السلطة، و لم تستطع الأمة في أي يوم من الأيام أن تكون مصدرا للسيادة.
توجد أشكال و هياكل و أسماء تشبه ما هو لدى الديمقراطيات الغريبة، لكن المضامين تسحب من طرف أجهزة لها عراقة و طول مراس في إغلاق كل منافذ السياسة و السلطة و الفاعلية باستثناء منفذ القصر منبع كل السلط و مركز النظام السياسي و محركه.
هذه الخلاصة هي ما عبر عنها قائد التناوب الأول عبد الرحمن اليوسفي غداة نهاية ولا يته بقوله إن ما حصل بعد تعيين وزير أول خلفه بدون انتماء، هو انقلاب على المنهجية الديمقراطية المنهجية التي اعتقد الجميع أنها دشنت لتدوم، و أنها قطيعة مع الماضي و الأعراف و الممارسات العتيقة و المخزن. المخزن الذي اعتقد رفاق اليوسفي أنه ما ت بعد 1998، عاد من جديد، و ظهر بانقلابه و طرده لمنهجية غريبة عنه، تحملها مؤقتا لتجاوز ظروف مؤقتة تم نبذها و عاد إلى أصوله.
إن مظاهر الحداثة السياسية التي وجد المغرب نفسه مجبرا على التعاطي معها كالدستور والأحزاب و المؤسسات بصورتها العصرية لا دور لها في الميدان سوى خدمة الطابع التقليدوي للنسق السياسي المغربي. فالمفاهيم السياسية المعاصرة ظهرت في المغرب ليس للتطبيق، لكن لتأطير المشاركة السياسية و المشاركين في السياسة و احتواء الجميع لخدمة النسق و دعم توازنه و ديمومته.
فالدستور ليس هو الذي ينظم علاقة الحاكمين بالمحكومين فهذه العلاقة تنظمها إمارة المؤمنين و أما الدستور هو ينظم علاقة المحكومين فيما بينهم. فالدستور منحة من الملك و توزيع السلط و الأدوار أمر لا يهم الملك، بل ينطبق على غيره.
و الأحزاب السياسية لم يسمح لها لكي تصل إلى السلطة و تحكم، بل دورها تغذية البرلمان والحكومة ب " أعوان الملك" فالملك هو الذي يحكم و هو السلطة.
و التناوب لم يدشن ليحترم، و لكن دشن لضمان انتقال أحسن للحكم، و لتجاوز ما سماه الملك الراحل " السكتة القلبية "و الإسلاميون لم يسمح لهم بقيادة الحكومة لان إرادة الأمة تريد ذلك، و لكن لأن المخزن احتاج لمن يواصل سياسة السابقين و يطبقها بأسلوب جديد لم يلحقه النفور من طرف الشعب كما لحق السابقين و سابقي السابقين.
البرلمان ليس هو الممثل الأسمى للأمة، فالممثل الأسمى هو الملك، و نواب الأمة أعوان الملك، لا يستقلون باختصاصاتهم بل هم مفوضون للتشريع فيما يريده الملك .
والحكومة لا تعني أنها مؤسسة للحكم، بل هي مؤسسة لأعوان الملك، تعمل تحت رئاسته و إشرافه، وإن لم يكن الملك حاضرا في جلساتها فهو حاضر في أعمالها، لا تفوته صغيرة و لا كبيرة إلا و تمر على يديه.
والمعارضة لا تعني معارضة الحكم ولا معارضة الملك، و لكن معارضة الحكومة و أحزاب الحكومة. ولكن لا تعني معارضة أي شيء. فالغالب الأعم هو التوافق و التراضي على كل ما يمكن التوافق عليه.
مؤسسات العصر و مظاهر الحداثة السياسية بالمغرب لا يعني أن وجودها دليل على توازي نمطين من الأنساق السياسية، نمط تقليدي و آخر عصري، و لكن يعني هيمنة الأول على الثاني، فالتقليدوية استراتيجية ينهجها النظام السياسي عن سبق إصرار، هدفها ابتلاع ما يظهر على الساحة من مستجدات و أشكال و هياكل تشبه ما هو لدى العالم الغربي، كما أن هدفها العمل من داخل تلك المؤسسات العصرية وا حتوائها و إفراغها من مضامينها و الرجوع بالجميع إلى حقل إمارة المؤمنين حيث الملك هو من مصدر كل سلطة ، يسود و يحكم ، فصل السلط لا يسري عليه، و الدستور لا يحد من سلطاته ، و له حق التدخل كلما أراد.
إن تهميش حقل الدولة الحديثة سببه أن جميع مظاهرها لم تأتي نتيجة حركة مطلبية، و إنما جاءت لأن الملك هو من منحها. فالدستور منحة و ضهير الحريات المنظم لحق التعددية الحزبية منحة، و التعديلات الدستورية كلها ب " تنازلاتها" منحة، و التناوب ممنوح و المجتمع المدني مدين للسلطة ، و الإسلاميون مدينون للقصر بسماحه لهم بالعمل السياسي.
معالم النظام السياسي المغربي تشكلت عقب حصول المغرب على الاستقلال. إذ في الوقت الذي اعتقدت فيه الحركة الوطنية أن الأمور تتجه نحو إحداث قطيعة مع الماضي بتقاليده و أعرافه و ممارساته ، خصوصا و أنه صدر منذ 1958 " العهد الملكي " الذي أفرز تعددية حزبية و نقابية و ما يرافقهما من حريات في الرأي و التجمع و التعبير. كما افرز مؤسسات تمثيلية ، في هذا الوقت كان للراحل محمد الخامس رأي مغاير لوجهة هذه المؤسسات و المظاهر، اذ تم ربطها بضرورة أن توافق ركيزتين :
أولهما : الإسلام ، فلا يسمح لكل ما صدر من مرتكزات تقوم عليها الدولة الحديثة أن تخالف إمارة المؤمنين و مقتضيات البيعة ، و ما ينتج عنها بخصوص وحدة السلطة و تجسدها في شخص الملك.
ثانيها : التقاليد الخاصة بالدولة القومية ، و الأعراف و الممارسات الخاصة بالمغرب في أمور الحكم و السلطة و ممارستها. يقول محمد الخامس رحمه الله متحدثا عن الديمقراطية التي يرتضيها للشعب " لا نستوردها من الخارج. - أي الديمقراطية - على علاتها كما تستورد البضائع، بل تستمدها من واقعنا القومي ، من قيمنا الروحية التي لا تفنى و من ديننا الحنيف ( انبعاث أمة .ج 3 ).
هذه التقليدانية أسسها محمد الخامس و سيسير بها الراحل الحسن الثاني إلى أبعد مداها. التقليدانية هي جعل مؤسسات الدولة الحديثة في خدمة التقاليد، و إعلاء حقل إمارة المؤمنين على حقل الدولة العصرية. التقليدانية آلية زاحفة من الماضي، و ظيفتها تحريف و جهة ما يفرضه الحاضر بمفاهيمه و مؤسساته. فهي لا تمنع قيام مؤسسات عصرية بل تمنعها من أن تتوجه نحو ما تخلق لأجله و تمكن من تطويعها لخدمة ذلك الماضي.
كان المجتمع الروماني محكوما بسلطة أصلها السماء، كما كان الحكام يقدمون أنفسهم للشعب، و الى جوار الحاكم كان هناك مؤسسة سياسية تدعى " مجلس الشيوخ" ، كان يضم قدماء السياسيين مهمتهم إضافة إلى تقديم النصائح ذات المدلول و الأثر السياسيين في الحياة السياسية ، خاصة في مجال صناعة القرار السياسي ، كان دورهم عرض جميع القرارات على أنظار المجلس لفحص مدى مطابقته بما كان سائدا من قيم دينية و عادات قومية، و عليه كان مجلس الشعب مؤسسة عصرية في ذلك الزمن، لكنها موضوعة تحت هيمنة الماضي بقيمه و عاداته و أعرافه.
كان البرلمان حينها و الحياة النيابية و ما يتبعها من حقوق في الرأي و التعبير، كل ذلك كان مشروطا بخدمة الماضي، كانت الحداثة السياسية بلسان العصر مجرد واجهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.