في واحدة من أغرب المشاهد، بالمنطقة الصناعية بمدينة تطوان، والتي كان من المفروض فيها، أن تكون قطبا صناعيا بامتياز، على إعتبار تاريخ مدينة تطوان ، حيث كانت المدينة مطلع الإستقلال ثاني مركز صناعي بالمغرب بعد مدينة الدارالبيضاء. غير أن سنوات التهميش والنسيان الذي عانته المنطقة الشمالية، جعل المدينة تتراجع سنوات ضوئية إلى الوراء في السلم الإقتصادي والصناعي. بالمقابل وفي عهد جلالة الملك محمد السادس، وما عرفته المدينة من إقلاع تنموي وإجتماعي وتأهيل في البنيات التحتية، عبر إحداث منصات خدماتية وصناعية، من قبيل تطوان شور وتطوان بارك، بقيت المنطقة الصناعية بتطوان تراوح مكانها وتتلمس تاريخ المدينة التليد. كان بإمكان المنطقة الصناعية لتطوان أن تلعب دورها الحقيقي في التنمية الإقتصادية، لو توفرت الضروف والنوايا لدي المسؤولين، وفي مقدمتهم مسؤولو مندوبية التجارة والصناعة. فمسؤولو مندوبية الصناعة والتجارة بتطوان بعيدون كل البعد عن تحمل مسؤولياتهم في البحث عن التنمية وتشجيع المقاولات بتطوان، وخير مثال عن تقاعس المندوبية في إعمال القانون وتشجيع الإستثمار بالمدينة، وما يحدث بمشتل المقاولات بالمنطقة الصناعية بتطوان من تواطؤ تقاعس في إعمال القانون، خاصة وان كناش تحملات هذا المرفق بالمنطقة الصناعية خول لها صلاحيات أساسية ومهمة قصد السهر على إنجاح فلسفة المشروع. فمشروع مشتل المقاولات بالمنطقة الصناعية كان يروم خلق فضاء صناعي وخدماتي للمقاولين الشباب والمقاولات الصغيرة الفتية، بهدف تشجيعهم ومواكبتهم على خلق مقاولاتهم، عبر منحهم محلات تجارية بأثمنة رمزية وتحفيزية، محدودة في الزمان، في أفق نقل مشروعهم إلى فضاءات أخرى سواء وسط المدينة أو داخل المنطقة الصناعية، ومنح فرصة مماثلة للمقاولات الأخرى. وقد تم إحداث 55 محلا بهذا المشتل، تم تخصيص منذ بداية المشروع ل55 وحدة صناعية وخدماتية، وفق دفتر تحملات، ينص على تخصيص المحل للصاحب الشركة مدة 6 سنوات، تجدد مرة واحدة، وبسومة كرائية رمزية، كما أسند دفتر التحملات لمندوبية وزارة التجارة والصناعة بتطوان مسؤولية رئاسة اللجنة الرباعية المكلفة بتتبع مشتل المقاولات، والتي تظم كل من جماعة تطوان و ولاية تطوان ووكالة تنمية الأقاليم الشمال والمندوبية ذاتها. ومن مهام ومسؤوليات اللجنة التي يرأسها المندوب الإقليمي لوزارة التجارة والصناعية السهر على فلسفة وروح المشروع، هذا إلى قضايا التخصيص والسحب في حالة عدم إحترام كناش التحملات. غير أن المتتبع لمشروع المشتل يلاحظ أن جميع المستفيدين سابقا أو حاليا من هذه المحلات هم في وضعية تنافي مع بنود دفتر التحملات. فمن بين 55 محلا تجاريا بالمشتل لا يتم إستغلال سوى 29 محلا تجاريا فقط، في حين تبقى باقي المحلات مغلقة منذ عشرات السنين. كما أن كل المستفيدين من هذه المحلات لا تربطهم بجماعة تطوان أية علاقة إدارية، حيث أن كناش التحملات يشترط على المستفيد، بعد قرار اللجنة الرباعية بتخصيص الحل التجاري له، إبرام عقد كراء مع صاحب المشروع” جماعة تطوان” وهو الشيء الذي لم يتم مع جميع المستفيدين، مما يعني أن كل المستغلين للمشتل في وضعية غير قانونية. كما أن مجموعة من المستفيدين من هذا المشتل قاموا إما بإبرام عقود التنازل عن المحل لفائدة مقالات أخرى لقاء عمولات مهمة، أو بكرائه، وهو ما يتنافى مع بنود دفتر التحملات، الذي يمنع التنازل والكراء لفائدة الأغيار. ورغم المحاولات التي قامت بها جماعة تطوان قصد تصحيح الوضع بهذا المرفق الجماعي، المنفلت من قبضتها بحكم الصلاحيات التي منحها دفتر التحملات لمندوبية وزارة التجارة والصناعة، وإعادة الروح لهذا المشتل، قصد المساهمة في التنشيط الإقتصادي والتجاري بالمدينة، فإنه التعقيدات المسطرية والإدارية حالت دون تحقيق فلسفة وروح المشروع، خاصة في ظل عدم إنعقاد إجتماعات اللجنة الرباعية. فمندوبية التجارة والصناعة، وعلى رأسها السيد المندوب، تتحمل كامل المسؤولية في تفعيل بنود كناش تحملات المشتل بالمنطقة الصناعي، لأنه هي الجهة المترئسة للجنة الرباعية المشلولة، والتي تعطلت أشغالها منذ عشر سنوات، وهي الجهة الوحيدة التي لها الحق في تصحيح الإختلالات والإنزلاقات التي يعرفها المشتل، والبت في قضايا السحب والتخصيص، على الرغم أن جماعة تطوان لا تملك سلطة القرار، بل أوكل لها كناش التحملات فقط سلطة تنفيذ قرار اللجنة الرباعية. فالإجتماع الأخير الذي شهد مقر مندوبية التجارة والصناعة، الذي غاب عنه المسؤول الأول للمندوبية، والذي ينم عن إستهتار بهذا المشروع والرغبة في إقبار المشتل، لم يستطع الخروج بأي قرار يستهدف تصحيح الوضع وإعادة الروح للمشتل، على إعتبار أنه لم يكتب له الوصول إلى محطة النهاية، في ظل إنعدام النوايا في الخروج بقرارات تصب في صالح المشروع و إعادة الروح له. فقد بات ضروريا على أعضاء اللجنة الرباعية وعلى رأسها مندوبية التجارة والصناعة، إعمال القانون وتنزيل بنود كناش التحملات، قصد القطع مع ثقافة الريع، الذي أصبح عليه المشتل، والعودة إلى روح وفلسفة المشروع الهادف إلى مساعدة المقاولات الناشئة والمقاولين الشباب.