أخنوش : مليون شخص تفوق أعمارهم 60 سنة استفادوا من دعم اجتماعي شهري    مجلس المستشارين يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية    إشبيلية يهزم الوداد وديا وبونو يحظى بتكريم خاص في الدار البيضاء    د. الحسن عبيابة في ندوة حول " العيون عاصمة المجتمع المدني".. ويتساءل ؟: من أين جاءت البداية … ؟ !    رسمياً.. الخميس أول أيام ذي الحجة بالمملكة وعيد الأضحى يوم السبت 7 يونيو المقبل    حريق يلتهم 30 هكتارا ضواحي طنجة.. الرياح تعقد مهمة فرق الإطفاء    المغرب وسوريا يطويان صفحة الخلاف بإغلاق مكتب "البوليساريو" في دمشق    غيابات وازنة في قائمة الركراكي لوديتي تونس والبينين    بعد شكاية من وزير الداخلية.. إدانة برلماني معروف ب4 سنوات حبسا نافذا    اختراق دبلوماسي مغربي في العمق الإفريقي يُضعف أطروحة الانفصال    نفقات الأحزاب السياسية لسنة 2023 بلغت 91,37 مليون درهم    خريصي: الإنسان المعاصر أداة في يد نظام اقتصادي يوجهه للاستهلاك ويجعل وجوده استعراضيا    كيف تحمون أنفسكم من موجات الحر؟    هل تنتظر المغاربة عقوبات بسبب ذبح الأضاحي؟    نشرة انذارية : زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    بعد أيام من دعوة الفريق الاشتراكي لحضور مديره للمساءلة حول السياسة المالية للمؤسسة ..ONEE يقترض 300 مليون أورو في ظل مديونية جد ثقيلة تفوق 100 مليار درهم    المبارتان الوديتان ضد تونس وبنين فرصة جيدة لتأكيد الخيارات قبل كأس أمم إفريقيا (وليد الركراكي)    السلفادور تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتدرس فتح قنصلية لها في مدينة العيون    العيون: افتتاح مركز لمعالجة طلبات التأشيرة نحو فرنسا    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    السعودية: عيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    "تمويل أخضر" جديد يعزز التزام مجموعة الفوسفاط بالاستدامة والابتكار    مؤسسة محمد السادس تحتفي بتميّز أسرة التعليم في الشعر بعدة لغات    بوعياش تبرز تحديات الذكاء الاصطناعي    "الكاف" يكشف عن الملاعب المستضيفة لمباريات كأس الأمم الأفريقية للسيدات بالمغرب    أخنوش: أكثر من 5,5 مليون طفل ومليون مسن ضمن المستفيدين من الدعم الشهري    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات ": لمحات من سيرة العلامة المحقق المرحوم عبد الله المرابط الترغي.    كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال تستضيف الإعلامية حنان رحاب    حاجيات البنوك من السيولة تتراجع إلى 118,7 مليار درهم خلال أبريل 2025 (مديرية)    الركراكي يعلن ثقته في تتويج المغرب بكأس إفريقيا: "حكيمي سيرفع الكأس"        موجة حر مرتقبة.. طبيب ينبه للمضاعافت الصحية ويدعو لاتخاذ الاحتياطات    الركراكي: تلقينا اتصالات من الأندية من أجل ترك لاعبيهم واخترت فاس لأن المنتخب لم يلعب هناك ل16 سنة    يوعابد ل"برلمان.كوم": موجة حر قياسية وغير مستقرة مرتقبة هذه الأيام بالمملكة    مبيعات "تيسلا" تتراجع إلى النصف في أوروبا    تزامناً مع موجة الحر.. الدكتور حمضي يكشف عن إجراءات مهمّة لتجنب المخاطر الصحية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    تراجع أسعار النفط وسط ترقب احتمال زيادة إنتاج "أوبك+"    36% من مستفيدات برنامج التمكين الاقتصادي للنساء من العالم القروي    الصين تعزز حضورها الاقتصادي في سوريا عبر استثمارات ضخمة بالمناطق الحرة    حقيقة صفع ماكرون من طرف زوجته بريجيت..    دراسة: الموز يساعد على خفض ضغط الدم بشكل طبيعي    معرض الصين الدولي للسياحة 2025: المغرب يستكشف أكبر سوق سياحي في العالم    الصين تكشف عن مخطط عمل لسلاسل الإمداد الرقمية والذكية    التهراوي: تسجيل تراجع بنسبة 80 في المائة في عدد حالات الحصبة بفضل حملة التلقيح    كأس إفريقيا للأمم للسيدات.. المنتخب الوطني النسوي يخوض تجمعا إعداديا بطنجة    الحرب الأوكرانية.. الهوية الدينية مفتاح الحرب والسلام في الدول الأوروبية    منها طنجة.. التلفزيون الأيرلندي يحتفي بالمطبخ المغربي ويجوب عدداً من المدن    حاجة المغرب اليوم إلى رجال دولة صادقين    اختتام فعاليات الدورة الثالثة عشر من المهرجان الدولي لفروسية "ماطا" على وقع النجاح الكبير    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    حكيم شملال: توحيد ألوان الناظور تهديد للروح الجمالية للمدينة    جامعة ما قبل الرأسمالية    عرض مسرحية "توغ" بالناظور    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    









الحب في شريعتنا !
نشر في تطوان بلوس يوم 04 - 12 - 2016

قصص الحب التركية و الهندية ملأت الدنيا و شغلت الناس !
أينما وليت وجهك داهمتك تعبيرات الحب التي شلت اهتمام الناس وإرادتهم، وهان لأجل اتباعها الوقت و الجهد و التفكير في ما هو أبعد بقليل من شجون القلب !
هل ما يحاصرنا اليوم هو الحب حقا أم هامش إلهاء جديد،يخدر العقول كي لا تنشغل بما حولها من أوجاع، و تتعطل حركة الحياة في مجتمعاتنا بفعل اللهاث خلف صراع الديكة في كل عمل درامي ؟
لاشك أن لكل أمة تقاليدها الخاصة بالحب،وتعبيراتها المتفردة و الخاضعة لطقوس ومثُل وقيم دينية وأخلاقية محددة. وما يجري اليوم من استهلاك درامي مفرط لقصص الحب،إنتاجا وإخراجا ومشاهدة،هو تذويب للاختلاف في بوتقة حب معولم،لا يستهدف في حقيقة الأمر سوى تحرير هذا الشعور من نبله وسموه ليُتخذ وسيلة لتفتيت منظومة القيم،وتحييد الإباحية لتصبح مشهدا اعتياديا على الشاشات و فوق الأرصفة. وقد كان حريا بكتاب السيناريو و المخرجين و المنتجين،ممن يزعمون السعي البريء لتحريك المشاعر الإنسانية في عالم المادة الجلف الغليظ ،أن يطلعوا على ما في خزانة الأمة من تقاليد حب امتزجت فيها المشاعر بمثالية خلقية قوامها الطهر و العفاف،واستوعبتها الرسالة المحمدية بمزيد من التهذيب والسمو ،فتشكلت صورة عامة للحب تتسامى فوق الغرائز،وتوازن بحرص بين دفقات الشعور ومتطلبات عالم الحس و المادة !
شهدت البادية العربية قديما قصص حب ملهمة،وجديرة بأن تستعاد اليوم ضمن سياق تهذيبي يحفظ خصوصية المجتمع المسلم.قصص يتجلى فيها الحب الروحي الذي وإن كان يأخذ في الغالب منحى مأساويا حزينا،إلا أنه جسد مثالية بالغة السمو في صون المحبوب عن كل دنيئة أو إثم. طبعا لم يكن الحب العفيف هو التمظهر الوحيد للعلاقة بين رجل وامرأة،لكن بعض القصص التي خلدها التاريخ أسست لنموذج مثير في فضاء جاهلي لم يتوان عن استباحة جسد المرأة و تسليعه. ومن أقدم النماذج التي حفظها ديوان العرب: قصة عروة بن حزام الذي أحب ابنة عمه عفراء، وبذل وسعه لتتويج حبهما الطاهر بالزواج، لكن أسرة الفتاة غالت في المهر،فلم يجد عروة بدا من السعي خلف المال في كل مكان. وفور عودته تم إيهامه بأن عفراء ماتت،إلا أن خبر زواجها من أحد أغنياء الشام تناهى إلى سمعه ،فرحل إليها،واحتال لرؤيتها ثم عاد مجددا إلى قبيلته بني عذرة حرصا على سمعة محبوبته،وإكراما لزوجها الذي أحسن وفادته. وفي أرض الوطن هاجت العاطفة مجددا،ففزع إلى الشعر يبث في قوافيه آلامه و أشجانه قبل أن تسوء حاله،و يسلمه الوجد و الأسى للموت. وما كاد نبأ وفاته يبلغ عفراء حتى أودى بها الجزع للحاق به !
إن أشعار عروة بن حزام جسدت قيما أخلاقية لم تحل العاطفة المتأججة دون الوفاء لها،ولم تفلح المنظومة المترهلة للجاهلية في إفسادها.نحن هنا أمام محب يرضى بالحرمان ويأنف من ارتكاب حماقات تخدش سمعة محبوبته،فلا يحرضها على الهرب وإجبار الأهل على الرضوخ للأمر الواقع،ولا يفسد زواجا فرضته مشيئة الأهل والعوائد والتقاليد. وهي الحماقات التي تشيد بها الدراما المحلية أو المستوردة باسم الحب !
يصف عروة حاله بعد عودته من الشام،وما يضطرم في فؤاده من لواعج الأسى قائلا :
تحملت من عفراء ما ليس لي به ولا للجبال الراسيات يدان
كأن قطاة عُلقت بجناحها على كبدي من شدة الخفقان
جعلت لعراف اليمامة حكمه وعراف نجد إن هما شفياني
فقالا : نعم نشفي من الداء كله وقاما مع العُواد يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها ولا سُلوة إلا وقد سقياني
وما شفيا الداء الذي بي كله ولا ذخرا نصحا ولا ألواني
فقالا : شفاك الله ،والله ما لنا بما ضُمنت منك الضلوع يدان
وعلى منوال عروة وعفراء نسجت البادية العربية قصصا عفيفة نذر أصحابها حيواتهم لصون الرباط المقدس،و بذل ولاء عجيب للمُثل في خضم جاهلي يسترخص كل ما حوله،في سبيل شهوة طاغية أو أنانية لا تفتر !
فكان تمسكهم بالطهر و العفاف يسمو بهذه النماذج فوق مستوى الغرائز،حتى لو خلا أحدهما بمحبوبه ! يقول جميل بثنية :
وكان التفرق عند الصبا ح من مثل رائحة العنبر
خليلان لم يقربا ريبة ولم يستخفا إلى منكر .
ومع ظهور الإسلام استشرفت النفوس آفاقا جديدة للحب. وهيأت لها كلمات القرآن معرفة أعمق بالله و النفس و العالم من حولها، فسلك العربي مسالك الهدى و النور ليتخذ مثالا أعلى يتناسب مع عظمة الرسالة. ولم تعد قصص الحب مدعاة للتيه و الشرود في الأودية و القفار بعد أن اتسع نطاقه، وارتقت به تعاليم الدين نحو السعي خلف حب الله ،ذاك الحب العلوي الذي تصل به النفس غاية الصفاء لتمسك بطرف ملائكي شفاف !
بادر الإسلام إلى تهذيب العاطفة ووصل المشاعر بالقيم. ونهى عن الإسراف في كل شيء لتستعيد النفس توازنها ،و العاطفة حدودها المرسومة.وكان السبيل إلى ذاك التهذيب هو الحث على جعل الدنيا مزرعة للآخرة،ولزوم ما يتطلبه حب الله تعالى من اتباع أمره،واجتناب نهيه،والتأسي برسوله.والتحذير من بذل الأوقات في غير ما يعود على المؤمن بخير العاجل والآجل.وتتابعت الآيات و الأحاديث التي تقرن الحب بمعان إنسانية أخرى يشرف بها كالرحمة و العدل و الصدق،حتى لا يبلغ الحب الفطري بالنفس السوية مرتبة الغلو و الإفراط. يقول الله عز وجل : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة.إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم،الآية 21. وفي الحديث الذي رواه ابن ماجة وصححه الألباني يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ( لم يُر للمتحابين مثل النكاح).وجسدت معاملته لزوجاته أمهات المؤمنين إطارا للحب في شريعتنا.حب يسمو بالنفس،ويوازن بين انجذابها لاهتزازاته،ومقتضيات الحرص على آصرة الزواج المقدسة والنهوض بحقوقها وواجباتها.إنه حب مقرون بالرحمة لا بالشهوة فحسب،لأن شرارة الانجذاب تخفت وتزول،ويبقى لزاما على المحب قيامه بالحقوق !
وأما مظاهر الحب المعاصر فقد أفسدها زخم الجنس ،والاستحضار الوثيق للمصالح المادية و الاجتماعية. فمنذ الثورة الجنسية التي شهدها العالم نهاية القرن الثامن عشر ارتخت قبضة التعاليم و القيم،وأصبح ما يسميه جيل ليبوفيتسكي "الاستثمار الزائد للحب " عنوانا على مرحلة جديدة لا تطمح فيها النفوس لغير سعادة قوامها الحب و الاكتمال الحميمي،حتى وإن تطلب الأمر ثورة على القيم و المُثل،وتفجيرا للنشاط الجنسي خارج مؤسسة الزواج،وقفزة نوعية في أعداد المواليد غير الشرعيين !
إنه الحب الذي يعبر عن أنانية مفرطة في العيش بانفصال عن المجتمع بأسره .
وهو الحب الذي يخلف آلاما وأوجاعا وتبديدا للأواصر الاجتماعية،ثم يختتم دورة استحالته بأبشع المآسي.
وهو الحب الذي يحرر غريزة العنف من إسارها،ويئد على نحو مفجع معاني الرجولة و الشهامة و المروءة، حين يبيح للحبيب أن يشعل الحرائق في البلد سعيا خلف محبوبته .
قديما سُئل رجل من بني عذرة : ممن أنت ؟ فأجاب : أنا من قوم إذا أحبوا ماتوا !
وحالنا اليوم يكشف عن مجتمع إذا أحب فتيانه وفتياته أهلكوا.. وأتعبوا .. وأماتوا !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.