ما مصير الأساتذة الموقوفين بعد إحالة ملفاتهم على وزارة بنموسى؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية ليوم الثلاثاء    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الحسن الأول بالعيون    المغرب: إحداث 16 ألف و171 مقاولة عند متم شهر فبراير 2024    وزارة الصحة في غزة: 34789 فلسطينيا قتلوا في الهجوم الإسرائيلي على القطاع منذ 7 أكتوبر    إعلام فرنسي: المغرب يستعد لدخول الدائرة المغلقة لمصنعي الطائرات المسيرة    ارتفاع عدد ضحايا حوادث السير من مستعملي الدراجات النارية بنسبة 31 في المائة    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    الجيش الإسرائيلي علن سيطارتو على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. ورفع الراية ديال بلادو    المبعوث الصيني الخاص لتغير المناخ يزور الولايات المتحدة    مؤتمر عربي بالقاهرة يبحث آلية لجمع ورصد مؤشرات النزاهة في في القطاع العام في الدول العربية    مسؤولين فالزمالك المصري سبقو فريقهم لبركان    بايرن يخطف نجم الميلان ويربك حسابات ريال مدريد    انطلاق الدورات التكوينية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية بجهة طنجة تطوان الحسيمة    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    طعنة سكين تصيب عميد شرطة بتزنيت    نزار بركة: لأول مرة يتم إدراج ميزانية خاصة لصيانة الطرق القروية    ارتفاع أسعار النفط بعد الضربات الإسرائيلية على رفح    الطيران الأميركي يعلن التحقيق مع "بوينغ"    أمازون: سنستثمر 9 مليارات دولار فسنغافورة    بطولة ألمانيا: الفرنسي كومان يعود لتدريبات بايرن ميونيخ    بطولة انجلترا: وست هام يعلن رحيل مدربه مويس نهاية الموسم    تقرير الخارجية الامريكية: المثليين المغاربة كيعانيو.. كاين عنف واعتداءات واعتقالات وتهديدات بالقتل    قاضية صبليونية انتاقدات التعاون بين المغرب وبلادها في مجال تهريب المخدرات    مخاوف في سبتة من انهيار جدار حدودي مائي وتسلل المهاجرين    المنتخب الوطني "للفوتسال"يحتل المرتبة السادسة عالميا    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    صعود أسعار الذهب من جديد    ريان أير تُطلق خطًا جويًا جديدًا داخل المغرب    بأكثر من 15 مليون دولار.. نجل الصفريوي يشتري منزلاً في ميامي وهذه صوره    منير المحمدي يكشف.. هذا هو قدوتي وهذا ما كنت لأفعله لو لم أكن لاعب كرة قدم!    "فريق نجم طرفاية: قصة نجاح وتألق في عالم كرة القدم"    حدث في أمستردام.. تميز النساء المغربيات يُبرز في لقاء جمع نساء من مختلف الثقافات    إبراز فرص الاستثمار بالمغرب خلال مائدة مستديرة بالولايات المتحدة    برقية تعزية ومواساة من جلالة الملك إلى خادم الحرمين الشريفين    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش        "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    هتك عرض تلميذات من طرف مدير ثانوية فمولاي يعقوب.. المشتبه فيه للجدارمية: الكاميرا اللي عندي فالمكتب كتخدم غير فوقت الامتحانات وصافي والبورطابل ديالي ضاع مني    زيلينسكي يستعجل استلام أسلحة غربية    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    مرصد يثمن مأسسة الحكومة للحوار الاجتماعي    الأمثال العامية بتطوان... (591)    بسبب تصرفات مشينة وعنيفة.. تأجيل محاكمة محمد زيان في قضية اختلاس أموال الحزب الليبرالي    وفاة المقدّم التلفزيوني الفرنسي الشهير برنار بيفو    تطويق أمني بالعاصمة يحول "مسيرة الصمود" لأطباء الغد إلى "وقفة الحشود"    بلقصيري: أجواء افتتاح مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الأولى    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    رأي حداثي في تيار الحداثة    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوم السادس واليوم السابع


اليوم السادس
الساعة تشير الى السابعة مساءا. أتواجد رفقة فؤاد في الطابق العلوي لمقهى مقابلة لسينما أوبرا. لا أعرف اسمها بعد. مقهى صغيرة معروفة بمقهى 'التيرسي'. صغيرة و جميلة، أو كما غنى الشاب حسني: شابة و صغيرة الزين و العقل، ما بياش الطاية بيا فصالتها. أجمل ما فيها هده الجلسة هنا في الأعلى، بعيدا عن الأعين مئة في المئة. روادها من الجمهور الدي ألفته: شخصان يلعبان النرد، مجموعة من 3 أشخاص يتفرجون في مباراة للكرة القدم و مجموعة أكثر عددا يلعبون الورق. فؤاد بجانبي يقرأ جريدة الأمس سلمتها له. لقد انتهيت من توي من تدخين لفافة الحشيش. الدماغ على ما يرام و الأفكار 'بالعرام'. فؤاد من النوع الدي يتبوق فيتجمد، يغيب عن الأبعاد الأربعة بما فيها الزمن. أغلب ملابسه مستوردة مثلي. أنا مستور من طرف زوج أختي و هو بفضل أبيه، أطال الله في عمره. ياسين ثالث الشلة لم يأت. لا أعرف السبب و لا يهمني. أمنيتي الآن هي أن تمر هده الليلة في سلام، أن تمضي كما مضت آلاف قبلها. لا أحبد أن أستفيق غدا و في وعيي دكريات عنها. انها مجرد ليلة أخرى ترحل فيها الشمس لتدفئة جنس آخر من بني آدم شاءت الظروف أن يعيشوا في النصف الآخر من هدا العالم البيضوي. أحب الليل و أكره النهار. أحب السكون و الوحدة و الظلام. كم من ليلة بت ساهرا حتى طلوع الشمس. لو كان الأمر بيدي لما عشت نهارا في حياتي. لو كان حقا بيدي لما عشت اطلاقا.
لكم اشتقت الى دلك الأسبوع الدي تلا طردي من العمل بالدارالبيضاء، الأسبوع الأول بعد رمضان. أستفيق في العصر لأبدأ رحلة جديدة في ليلة جديدة و تاريخية، ليلة أمضيها في حك و تقشير أوراق القمار و في ايجاد عدد الأرقام التي يمكن أن تغنيني. أبدا يومي عادة بالدهاب الى حي افريقيا لملاقاة خالد، واحد من القلائل الدين لاقني بهم فؤاد. نشتري الحشيش بنقودي ثم نكمل السهرة في قاعة الألعاب. عند العودة حوالي التاسعة أو الحادية عشر ليلا أشتري ما تشتهيه علي نفسي: العشاء، التبغ، الخمر، البسكويت، الحليب، ياغورت، آيس كريم، بطاطس مقلية، بيتزا، أي شيء أشتهيه و يقع تحت نظري. المال لا يهم، فقد كنت من الأغنياء دلك الأسبوع. أمر بعد دلك الى المكتبة. أقتني ما يكفيني من جرائد و مجلات لأبدأ في عملية شراء أوراق القمار. العملية تدوم لما يقارب الساعة. ربما هدا دليل على قيمة المبلغ الدي أصرفه كل يوم، ما بين الألفان و الثلاثة آلاف درهم. عشرة أو عشرون ورقة من كل نوع من أوراق اللعب التي تحك بالقطعة النقدية. هناك الورقة التي تباع ب3دراهم و هناك أخرى ب5 أو 10 دراهم. يلزم البائع الكثير من الوقت لكي يجمعها و يتأكد من الحساب. بعدها أعطيه هو و البائع الآخر-الدي يناديني بالأستاد- أوراق القمار الأخرى ليمرروها في الآلة. انها لعبة أخرى حيث الأرقام هي اللغة و هي كل شيء. أشتري ما يكفيني لربح أكثر من مليار سنتيم. بالطبع لم يأتي دوري لكن على أي حال فتلك الأيام كانت أسطورية. لكم أحببت و أردت امتلاك مسكن خاص بي وحدي فقط، لكن العقل في جهة و العضلات في جهة أخرى، لا يلتقيان كما لو أن بينهما برزخ. ما أحلى حرية تلك الليالي و ما أحلى دكرياتي فيها!
دخنت جوانا آخر فتخه فؤاد. لا أعرف كيف لكن السرور و السعادة يسريان في عروقي. أهي كريات بلون آخر ترافق كريات الدم أم هي جزيئات الحشيش تعمل بجد و اخلاص؟ الجواب حتما لن يكتشف و لن يخترع لأنه جواب غير مادي، و هو في نفس الوقت غير معنوي.
تدكرت مشواري في هده الحياة و مشواري مع الادمان. تا الله ما أحلاها تلك الأيام، الأيام التي عشتها قبل الادمان. أيام جلها صفاء و براءة و سعادة بالمقارنة مع ما تلاها من سنوات عجاف. يا للفرق الشاسع بين 'و' اليوم و 'و' الأمس! كما لو أنني تعرضت لغسل دماغ!
اليوم السابع
موعد جديد في مقهى السعديين، لقد أدمنت الجلوس هنا. أول مكان يمدني بالالهام و الخيال لأكتب. رغم خلو الرأس من أفكار فانني على الأقل ماسك لقلمي. هدا هو الابداع الحقيقي، أن يكون خليلك دلك الدي بيدك. فليكتب ما شاء الله، الغاية في البداية و الاستمرار. لساني أكبر خائن لي، لم أعد أثق بحكمته. الكتابة هي متنفسي الوحيد، هي رئتي و هي أداتي. فلتكن يا قلم رفيق دربي بامتياز.
الزمن قرابة الثالثة بعد الزوال من أول جمعة في أبريل 2009. لم يأتي فؤاد و ربما لن يأتي. انه انسان بلا مواعيد. لن يأتي أحد أعرفه ان شاء الله ولا أريد لرؤية أحد. ضيفي اليوم هو عقلي، هو فقط المدعو لهده الصفحات. سيكون حرا في التعبير عن مكنوناته. لا وجود لرقابة أو نقد. أنا الحكم، ادن فهو حر طليق. حقيقة شتان بين العقل الواعي و العقل الممخدر. هدا الأخير هو الفنان بعينه، لكن الآخر رغم دلك له رأيه في الموضوع. رغم قلة الأفكار فهو المختار. يجب التعايش معه لكي يرتاح و يستريح. عندها كلا الآدان صاغية للكلام المباح.
ليس بالمقهى سواي. الدباب فقط من يقاسمني أوكسجين القاعة. على الأقل لا يعاكسني، فهو مشغول بالتحليق أو الزواج فوق الطاولات. كأس القهوة مشقوق لكنه غير نافد. قلما حبر فوق طاولتي. لم يحن بعد وقت استعمالهما. صاحب المقهى المريض نفسيا يطئطئ رأسه جوار علب السجائر. لا زبون غيري، فلينعم بقيلولته. يمر رجل بالخارج جالسا على كرسي الاعاقة. يحرك عربته بدواسة اليدين، مثل الدراجة الهوائية. أتدكر يوما أنني أحببت الاعاقة فقط لتكون لي عربة مماثلة أقودها بنفس الطريقة. مر صابر بائع الحشيش برفقة شخصان آخران. هل كانوا يسخرون مني؟ و هل أشار الى رفيقيه اشارة معناها أنني مختل؟ لم يرفع عني القلم بعد يا مشاميت، لم يرفع ما دام لي صبر أيوب. حافلات مهترئة تمر بالخارج. أتدكر أيام ركوبي فيها للدهاب الى الكلية. عندا تسقط الأمطار يمنع الجلوس بالكراسي المجاورة للنوافد. يجب تغليفها بالكرتون أو غيره لكي تستعمل. و ما خفي أعظم! على الرغم من دلك لا يستحيوون في شن الاضراب ضد تفويت القطاع لشركة أجنبية. نحن معكم ضد الاستعمار الجديد، لكنكم تمثلون اقطاعيي البلاد. تبا لكم و للكثير الكثير من غيركم. هل كتب على كل نفس وطنية قحة أن تهجر بدون رجعة لكي تبقوا وحدكم تحلبون البقرة؟ ألا تعلمون أن جيل شباب اليوم راديكالي حتى النخاع؟ كلا ثم كلا، لن تستمروا في سياسة الافلات. شمس الغد قريب طلوعها، و حينها لن تنفعكم أنفسكم اللوامة.
قرأت في جريدة أمس أن شركة أجنبية تنقب على الثروات الطبيعية قد اكتشفت بئرا للغاز الطبيعي في منطقة بحرية بين طنجة و العائش. أهي كدبة أبريل هده السنة، أم مجرد سحابة عابرة كسحابة تانسيفت؟ أهناك حقا ما يوجب نشر مثل هده الاشاعات أم هي الظرفية العالمية الصعبة؟ لا يهم، فحتى لو صدق الخبر فداك أمر لا يهم الشعب. حتى لو اكتشفوا الماس و النفط و اليورانيوم. فقط الدولة التي ستغتني، هي صاحبة الحق في الملكية و الاستغلال. بالنسبة للآخرين فعليهم فقط التغني برتبنا على الصعيد الدولي. الفوسفاط و الصيد البحري ملَ الناس و يأسوا من خيراتهم. حبدا لو نفد مخزوننا منهم.
أتأمل ما كتبت. امتلأت الصفحة الأولى. لا أدري قيمة ما تحتويه. أحانا أخال نفسي معتوها باضاعة وقتي في هدا اللغو. لا أظنني سأحترف الكتابة ادا ما استمريت على نفس المنوال. أتدكر بعض كتابات نجيب محفوظ و محمد شكري، لا كلمة كتبت سدى. حتى النقطة و علامات التعجب تحمل في جعبها دلالات. كتاباتي تفتقر الى المضمون. الأفكار طويلة المدى. يجب الاختصار فقارئ اليوم فاقد للصبر. لا شيء أحب الى نفسه من اختصار الكتاب في جملة أو اثنتين. انه عصر السرعة المفرطة. كل شيء يتم بسرعة، حتى النوم. لكم أهلكتنا الحضارة و المدنية! لو بيدي لكنت مزارعا مند زمن. لهدا لم أحب الدارالبيضاء و لم أحب عملي هناك. أتوق الى العيش في طبيعة بكر: حقل، حيوانات أليفة، زوجة حبيبة و كوخ بلا كهرباء. لا تلفاز، لا حاسوب و لا آلة بانيني. الاستيقاظ فجرا و النوم بعد صلاة العشاء. الأبناء في حياة بين المدرسة و الأرض، و أم أولادي وحيدتي في الفراش. حينها ستكون السعادة هي الباحثة عني.
حدثني أبي اليوم أثناء وجبة الغداء عن مشروعه الجديد. سيفتح محل بقالة عوض مكتب السمسرة. الرجل لا يستحيي. يريد البدأ في 'الصنعة' الثالثة و الثلاثين في مشواره العملي. لو أراد رأيي لا استراح و أراحني من ضوضاءه. سنه لا تنايب هده المشاريع. عليه أن ينضم الى معاصريه من أبطال الضامة و الكارطة. ربما مسجد الحي أفضل له لقضاء ما تبقى له من عمره. أه لو كان الأمر بيدي! لكنه حقا بيدي، أنا المسؤول. لو كنت دا عقل لأرحته هو و والدتي من العمل. انها غلطتي أنا الدي لم أفعل شيئا بعد في حياتي. 25 عاما و ما زلت أمد يدي اليهم لأشتري السم و أدخنه. ما أقساك يا حياة و ما أقساك يا مغرب! كًتب على ضعفائك أن يتجلدوا بالصبر و كًتب على أقوياءك أن يعيشوا بلا قلب. هدا دليل على أن الله رحيم و أن يوم القيامة حق لا شك فيه. يوم تصفية الحسابات البشرية. لكم أشتاق لدلك اليوم! سأفرح لكل مظلوم و أضحك أخيرا على كل ظالم. اللهم اني أسألك خير دلك اليوم و أعود بك من شره. اللهم ان كنت ظالما لك في هده الحياة فان رحمتك وسعت كل شيء. يا رحيم ارحمني يوم الرحمة.
أمس شاهدت حلقة من سلسلة 'مانك' التحري الخاص. في احدى المشاهد كان البطل واقفا جنب مساعدته في مستودع لغسل السيارات. المجرم يصوب نحوهم مسدسه. أمر 'مانك' بالتمدد على الأرض. قبل الانحناء ركل 'ماكن' برميل نفط كان بجانبه، ركله في اتجاه الضابط المرتشي. للأسف كان البرميل مملوءا فلم يستطع دحرجته الا ببطء. مشهد مضحك بحق ادا علمنا أن شخصية البطل شخصية فكاهية. هيء هيء. أضحك وحدي بسخرية و أنا أسترجع دلك المشهد. وحدي لأني ربما لم أحسن وصف المشهد. لست من المترجمين على كل حال.
آدان صلاة العصر يصل الى مسمعي. حركة المرور في ازدحام. الموظفون في رحلتهم اليومية للعودة الى سكناهم. ما زلت بنفس المكان أكتب. الناس تجني النقود و أنا أجني على نفسي. أحمد الله أنني لم أجن على أحد بعد. نقطة ايجابية تحتسب الى ما جناه علي أبي. لهدا أحسد اليتامى. عندما يرشدون سيكونون أحرارا. لن يجدوا في طريقهم مستقبلا مهموما بأمراض الوالدين و بواجب طاعتهم. سيتربعون بكل خشوع في رأس الشجرة.
الدباب مستمر في تحليقة كالطائرة المروحية. لا يتوقف للتزود بالوقود. يمل التحليق فقط ليرسو مخرجا مصاصته. لأول مرة تقف دبابة فوق جبيني. يا للعجب! هل قرأت أفكاري أم هي حركة تقدير و اعجاب؟! لا أعرف و لا أريد أن أعرف لأنني لن أعرف. فلأغير من مجرى الأفكار قبل أن أصاب بالدوار.
أعود بالزمن الى الوراء محاولا تدكر نقطة الغليان، النقطة التي فصلت بين مرحلتين أساسيتين في حياتي. لا أجد حدثا يستحق الاهتمام. لا حب جيهان و لا بداية ادماني كانتا السبب. انهما من النتائج. ما قالته أختي الكبرى دات يوم يستحق الكثير من التحليل. هي فترة من تلك السنوات التي تلت ولادة أخي الصغير ادريس رحمه الله. شاءت الصدف أن تتزامن مع مرحلة المراهقة. اضطررت أن أنام وحدي في غرفة مستقلة عن أخواتي. الغرفة كانت مخصصة لغسل الملابس و تخزين ما هو غير ضروري للحياة اليومية. فيما بعد أصبحت غرفة دراسة حيث كان مكتبي بها، لكن مع كثرة النسل و صغَر الشقة تقرر أن تصبح غرفتي. الباب احترق عام 1989 لما تسببت في احراق البيت. النافدة الوحيدة صغيرة و عالية قرب السقف. مجرى الماء الخاص 'بالجفنة' تم ردمه مند زمن. المشكلة و ما فيها أن موضع رأسي عند النوم كان قرب مجرى مياه المرحاض الدي يفصله حائط عن الغرفة. أختي قالت أن 'أصحاب المكان' هم السبب. لقد كانوا يسكنون بالقادوس. هكدا مرت سنوات من عمري و أنا أنام فوق –أو قرب- قادوس. لا أعرف كيف أصدق هدا الكلام. أنا مؤمن بوجود الجن، لكن يصعب علي تصديق أن لها أو كان لها دور في حياتي. لم أجد تحليلا علميا لما حدث، المنطق وحده الوسيلة لفهم الأحداث. زد على دلك أن لي علاقة بحمار الليل. الأسرة بكاملها تشهد على أنني أتكلم في منامي، بل أقوم و أتمشى و أنا نائم. لكم يرعبني تخيل دلك! هل صحيح أنني فتحت النافدة دات ليلة؟! أكنت حقا غائبا عن الوجود؟ لا أدري، لكن اليقين جاءني فقط مند أسبوع في فرصتين نادرتين. الأولى حين استفقت دلك اليوم، ما ان فتحت عيني و استعدت وعيي حتى كان فمي يتلفظ بشيء ما بأعلى صوته. لم أعرف مادا قلت، و هل كان خاتمة حلم ما. الأكيد أنها جملة تنتمي لعالمين: عالم الأحلام الغامض و عالم الواقع المريض. الفرصة الثانية كانت هي الأخرى أكثر رعبا و دلالة. كان دلك يوما بعد علمي بخطبة غزلان. أخبرتني أختي الصغيرة أنني ظللت أتكلم. 'و راني خدام'، ' علاش تخطبتي' من بين المواضيع. حقا اني مريض نفسيا. مرض يخرج مكبوتات عقلي الباطني الى الوجود دون علمي. تًرى ما خطورة ما يعرفونه عني؟ لطالما عشت وحيدا و منطويا محصنا ما بداخلي، لكني لم أدري أن لي نقط ضعف في وعيي. اللئيم، حتى هو يخونني. أليس من حقي أن أظل في بئر؟ أتريدون حقا سماع رأيي و صوتي؟ فليكن، لكن أنا من سيختار الوسيلة. القلم، نعم القلم، الناطق الرسمي و الشرعي الوحيد الدي سلمته المفاتيح. هو على الأقل لا يأتمر الا بأمري. سيكون خادمي الوفي و الأمين. سأرد له الجميل جميلين. سنكون معا في السراء و الضراء. فلتزدهر يا مستقبل و لتبتسمي يا حياة!
دخلت المرحاض لأتبول. المجرى مختنق كالعادة. بركة من البول و الغائط تفقدني حاسة البصر. الدباب كثير و منسجم في تحليقه الأبدي. أنظر الى النافدة، أرى عبرها امرأة تعد الرغيف و 'الحرشة' في دكان مجاور. أطيل النظر حتى أقضي حاجتي. تحك مؤخرتها و عينيها تحرسا المكان. لا تعلم أنني أتلصص عليها. أنظر الى دكري باحثا عن تفسير لسبب قصره. لم أهتم يوما بجعله عملاقا. على العموم فرؤيتي له منتصبا في المرآة يًدكرني بفحولتي. 'القصير بسعدو و اللي لبس يجي قدو'، هكدا فكرت و يا له من تفكير. غسلت يدي و خرجت قبل أن أستنشق نفسا ملوثا آخر.
جاء صاحب المقهى الآخر، الرجل الأشيب منكوش الوجه و الملابس. لا زلت مدمنا له بثمن سيجارتين مند أسبوع. سأطلب منه سيجارة أخرى و ليكن ما يكون. لا أستحيي في مثل هاته التفاهات. يغلبني الحياء فقط في الأمور الجدية. السادسة مساءا، حان موعد مغادرتي. سيأتي الضيوف للعشاء الليلة. علي أن أنهي هده السطور بسرعة. أشعلت السيجارة المعلومة. نعم، لقد أمدني بها بدون ضجيج. حقا لم أخطئ الظن بالرجل. لكم أقدره رغم مستواه الطبقي.
المقهى بدأت في الامتلاء. ثلاث زبائن بينهم هشام الأحمق. سأنهي السيجارة و أدهب. لم يعد هناك ما يستحق التدوين. حتى ضجيج السيارات ارتفع و التلفاز بدأ في اتلاف تركيزي. هشام جالس جواري، رائحته تسبقه. هو المسؤول عن فيضانات المرحاض. يوما ما ستندثر منه هده الرائحة لتصاحب مجدوبا آخر. السيجارة انتهت، سأكف عن الثرثرة. سأعود..
[email protected]
http://walidabderrahim.maktoobblog.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.