أثارت تصريحات وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الأخيرة بشأن الإثراء غير المشروع، موجة من الانتقادات داخل الأوساط القانونية والسياسية، بعدما اعتُبرت تصريحاته تحريفًا لمضامين مشروع قانون سابق و"تبسيطًا مضللاً" لمنطوقه ومقاصده. وجاء الرد الأقوى من الأستاذة آمنة ماء العينين، البرلمانية السابقة والحقوقية البارزة، التي نشرت تدوينة مطولة تفنّد فيها ما وصفته ب"الأكاذيب القانونية" التي وردت على لسان وزير العدل. في تدوينتها، تؤكد ماء العينين أن الوزير عارض مشروع القانون 10.16 منذ كان في المعارضة، وهو حق مشروع في السياق السياسي، إلا أن محاولة الوزير اليوم تقديم مبررات مخالفة للنصوص القانونية الصريحة تعتبر، في رأيها، "مغالطة صريحة للرأي العام". — نص قانوني واضح… ومحاولة تشويش مشروع القانون الذي عارضه وهبي لا يجرّم كل المواطنين كما يدّعي، بل يقتصر صراحة على فئة محددة، وهي الأشخاص الملزمون بالتصريح الإجباري بالممتلكات. وتنص المادة المثيرة للجدل على معاقبة كل من ثبتت لديه زيادة غير مبررة في ذمته المالية مقارنة مع مصادر دخله المشروع، مع إتاحة الفرصة للمعني بالأمر لإثبات مشروعية تلك الزيادة، وهو ما يحفظ مبدأ قرينة البراءة، كما تؤكد ماء العينين. تصريح بلا جزاء… قانون معطل المفارقة، كما توضحها النائبة السابقة، أن الإطار القانوني الحالي يُلزم المسؤولين بالتصريح بالممتلكات دون أن يقرّ أي جزاء قانوني في حالة ثبوت زيادات غير مبررة، ما يجعل من التصريح مجرد إجراء شكلي يفتقر لأي قوة ردعية، وهو ما حاول مشروع القانون إصلاحه. غير أن وهبي، حسب ماء العينين، "عمل على قبره سياسيا وقانونيا، رغم اعتراف شخصيات وازنة مثل إدريس جطو بعجز المنظومة الحالية عن التتبع والمحاسبة". ازدواجية المعايير في التعامل مع القضاة والمسؤولين في نقطة لافتة، تشير ماء العينين إلى أن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يتضمن مقتضى مشابهًا لما ورد في مشروع قانون الإثراء غير المشروع، حيث يُخوَّل للرئيس المنتدب تتبع ثروة القضاة، ومساءلتهم عن أي زيادة غير مبررة. وتساءلت: "إذا كان هذا المنطق مقبولا في حق القضاة، فلماذا يُستنكر في حق باقي المسؤولين؟ وهل فقد القضاة قرينة البراءة أيضا؟". منطق الإفلات من العقاب… مغالطة قانونية خطيرة انتقدت ماء العينين بشدة ما وصفته ب"المنطق الخطير" الذي تبناه وهبي، حين اعتبر أن توجيه الاتهام لا يكون إلا بعد اكتمال الإثباتات. وردّت عليه بالقول إن التشريع الجنائي مبني على منطق توجيه الاتهام بناء على قرائن ومعطيات أولية، وليس على انتظار الحكم النهائي، مبرزة أن "الافتراضات" جزء من كل المسار القضائي، بدءًا من الشكاية إلى غاية الأحكام الابتدائية والاستئنافية. ووصفت قول الوزير ب"من قدر يتخبى بصحتو" بأنه تشجيع ضمني على الإفلات من العقاب، ومساس بعمق فلسفة التصريح بالممتلكات، التي ترتكز على الشفافية والوضوح لا على التستر والتخفي. النية التشريعية لا تبرر التخويف وتختم ماء العينين تدوينتها بالتأكيد على أن معارضة القوانين حق مشروع، لكن محاولة "شيطنة" النصوص وتخويف الناس من مقتضياتها عبر تحوير الحقائق أمر غير مقبول. وتوضح أن المشروع كان يروم محاربة الفساد وتعزيز النزاهة، لا التضييق على الحريات أو التشكيك في الملكيات الفردية. خلاصة: الإثراء غير المشروع… قانون ينتظر من ينصفه تبرز قراءة ماء العينين أن معركة "تجريم الإثراء غير المشروع" ليست قانونية فقط بل سياسية وأخلاقية بالدرجة الأولى، وأن الفشل في إقرار هذا القانون يُعد، في نظر كثيرين، إشارة مقلقة على غياب الإرادة الحقيقية لمحاربة الفساد ومحاسبة من أثروا دون وجه حق.