في قلب حي للا مربم كولومينا، وعلى بعد أمتار قليلة من الطريق الرئيسي لمدخل المدينة، يوجد ما يُفترض أن تكون "فضاء ألعاب للأطفال"، غير أن الواقع يكشف مأساة حقيقية ومشهداً يدعو إلى الخجل والاستياء، حيث تحولت هذه الحديقة إلى فضاء متسخ تفوح منه الروائح الكريهة، وسط انعدامٍ تام لأبسط شروط النظافة والسلامة الجسدية للاطفال. هذه الحديقة، التي من المفترض أن تكون فضاءً آمناً وترفيهياً لأطفالنا، أصبحت اليوم مرآة واضحة لهدر المال العام، ولتقصير خطير من قبل المسؤولين المنتخبين والسلطات التراببة، كما أنها تُعد دليلاً مؤسفاً على غياب دور المجتمع المدني، الذي من واجبه الدفاع عن جودة الحياة والفضاءات العامة وخاصة كل ما يتعلق بالطفولة وحقوقها لأنها الحلقة الأضعف في المجتمع. الأدهى من ذلك، أن هدا "الفضاء" لا يبعد سوى أمتار معدودة عن ثانوية مولاي عبد الله، حيث يمر مئات التلاميذ والأساتذة والأطر التربوية يومياً، دون أن يثير هذا المشهد المهين أي تحرك فعلي لإصلاح الوضع. فهل هذا هو النموذج التربوي والجمالي الذي نقدمه لأطر ورجال المستقبل؟ ولأن الصورة أبلغ من ألف كلمة، فإن الصور المرفقة لهذا المقال تعبّر عن الواقع كما هو، دون أي مزايدات، ودون حاجة لأي رتوش أو تزيين. هي صورة حقيقية لوضع مُزرٍ، لا يحتاج إلى تحليل معمّق بقدر ما يحتاج إلى ضمير حي واستجابة عاجلة ومواطن حقيقي بضمير انساني قبل أن يكون منتخبا أو مسؤولا. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الاحتفالات الرسمية والمناسبات البروتوكولية بالمدينة، وتحتدم فيه الجدالات وشد لي نقطع ليك بين باشا المدينة وممثلي الساكنة حول من له الحق في البروتوكول ومن لا يملكه، تظل طفولة حي لالة مريم تعاني الإهمال والتهميش والمستقبل المجهول، وكأن لا أحد يُبالي بمصير جيل كامل يُفترض أن يكون أمل الوطن. بل إن حتى لافتة "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" الموضوعة على الحديقة، لم تعد واضحة المعالم، وكأنها تبكي حالها وحال الفضاء الذي أصبحت جزءاً من مأساته بدل أن تكون عنواناً لحلّه. إن ترك هذه المساحة على حالها، مع ما تحتويه من أوتاد حديدية مكشوفة ومخاطر صحية وبيئية محدقة، هو تهديد مباشر لحياة الأطفال وكرامتهم، ويطرح أسئلة صريحة حول ضميرنا الجماعي وأولوياتنا كمجتمع: كيف نسمح لأطفالنا باللعب وسط القمامة؟ كيف نقبل أن يُعرض أبناؤنا للخطر في فضاء من المفترض أن يوفر لهم الأمان والبهجة؟ من هذا المنبر، نُحمّل كامل المسؤولية للجهات المنتخبة والمجالس الجماعية والمصالح المعنية محلياً وإقليمياً، ونطالب بتدخل فوري وعاجل: إما إصلاح شامل للحديقة لتُصبح فضاءً يليق بكرامة الطفل المغربي، أو إغلاقها فوراً إلى حين ضمان شروط السلامة والنظافة. ونختم بالإشارة إلى مشروع آخر بنفس المنطقة: ملعب كرة القدم الشاطئية قرب الميناء، والذي يشكل بدوره نموذجاً آخر لمشاريع تم تنفيذها دون رؤية واضحة، تُهدر فيها الميزانيات دون أن تحقق الحد الأدنى من الأهداف المرجوة. إن الوضع الحالي لم يعد يحتمل السكوت، ويدعونا جميعاً مسؤولين، منتخبين، مواطنين، وجمعيات المجتمع المدني داخل الوطن وخارجه إلى لحظة صدق مع الضمير: إما أن نكون فعلاً في خدمة الوطن، أو أن نصمت ونتحمل نتائج التقاعس بعيدا عن سياسة الالهاء والنقاشات البيزنطية. أنقذوا فضاء الاطفال بحي كولومينا لا لهدر المال العام كرامة الطفل حق وليست صدقة. كلنا مسؤولون…. عمر بنعليات 28 يوليوز 2025