سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    هدوء حذر عند الحدود الهندية الباكستانية بعد أعنف تصعيد منذ 1999    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    بوتين يستقبل حفتر في الكرملين    بطاقة المونديال والاقتراب من اللقب.. طموحان كبيران لأشبال الأطلس أمام سيراليون في ربع نهائي    وجدة.. حجز 6918 قرصا مهلوسا وتوقيف زوجين للاشتباه في ترويج المخدرات والتزوير    الحرس المدني الإسباني يوقف صيادين مغربيين بتهمة تهريب مهاجرين    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    عيد الأضحى.. مجازر الدار البيضاء تكشف برنامجها لاستقبال وذبح الأضاحي    طلبة الإجازة في التربية يصعدون ضد الوزارة ويعلنون إضرابا وطنيا    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    ريمي ريو: الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو بالأقاليم الجنوبية المغربية    "كان" الشباب... المنتخب المغربي يختتم تحضيراته استعدادا لمواجهة سيراليون    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    كلاسيكو الأرض.. برشلونة يسعى لحسم الليغا وريال مدريد يبحث عن إحياء الأمل    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    أجواء احتفالية تختتم "أسبوع القفطان"    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    طقس الأحد: زخات رعدية بعدد من المناطق    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الوكالة الفرنسية للتنمية تعلن تمويل استثمارات بقيمة 150 مليار بالصحراء المغربية    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    المغرب – السعودية .. افتتاح النسخة الثانية من معرض "جسور" بمراكش    التعاون الفلاحي يتصدر إعلان نواكشوط    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وادنون: ملاحظات على "فكر" منظر "الثورة" (2)
نشر في صحراء بريس يوم 18 - 03 - 2015

حين كنت أكتب سطور الجزء الأول من هذا المقال لم أكن أتصور أن الانحطاط قد يصل بالبعض ممن نصبوا أنفسهم سيوف الله المسلولة في أرض وادنون لإحقاق الحق وإزهاق الباطل إلى مستوى تجاوز حدود المكتوب وحدود مناقشة الأفكار المثبتة فيه والمرفقة بالاسم والصورة (الگايلة والشمس تحرگ)، بكل جرأة وأمانة علميتين إلى التهجم على شخصي بعد التسلل إلى صفحتي على الفيسبوك أو من خلال كتابة بضع تعليقات على الجزء الأول من المقال بأسماء مستعارة غبية، والانهماك في السب والشتم والتهديد والوعيد، وهو أسلوب يعلمون أنه لا يثني أمثالي عن قول ما يرونه صوابا، وفي الآن نفسه لا يغير من حقيقتهم شيئا كونهم مجرد انتهازيين وجبناء...
ولمساعدة من بذهنه خلل يجعل الأفكار على بساطتها مستعصية على الفهم أشير إلى أن الجانب الشخصي في الشخصية موضوع المقال لا يعنيني، بل إن ما يهمني هو الجانب الموضوعي المرتبط بصفات عدة أصبغتها تلك الشخصية على نفسها، من مثل صفة "الإعلامي" و"الكاتب" و"المحلل السياسي"، أما تاريخه و"جغرافيته" و"تربيته الوطنية" وحالته المدنية فلا تهمني ولا تهم القارئ في شيء، وما أشرت إلى مسألة كونها شخصية مغمورة إلا لأوضح غرابة انبعاثها من الرماد كطائر الفينيق بلا مقدمات لتعلن حربها - اللغوية المهترئة- على الفساد من خلف الشاشات الزرقاء بأرض تقع وراء البحار...
وتأسيسا على ذلك، ومن منطلق محاربة الفساد في شقه الثقافي، ومحاربة أشكال التردي الفكري، والتضليل المتعمد، والانحطاط الأخلاقي المتجسد في مواجهة الكلمة الحرة والمنطق السليم بالسب والشتم من وراء حجاب الأسماء المستعارة التي لا تعبر إلا عن ضعف أصحابها وعدم قدرتهم على المواجهة ، وكيل الاتهامات بنفس المنطق "البوشي" - نسبة إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش- الذي خاطب العالم غداة تفجيرات 11 سبتمبر بالقول: "إما معي أو مع الإرهاب"، أي إما أن يسعى جميع الوادنونيين سعيه، وإما فهم مجرد "أبواق" و"أقلام مأجورة" لرئيس المجلس البلدي عبد الوهاب بلفقيه، والحقيقة أنه إذا كان هذا هو المنطق المتحكم في سلوك جميع معارضيه – أي معارضي بلفقيه- فيشرفني أن يصنفوني في صفه، إذ سأكون حينها متأكد بأني منحاز إلى الفئة الصالحة، أو في أقل القليل، سأكون منحازا إلى الفئة الأقل ضلالا، لكل ذلك فإني أواصل كشف ضحالة "فكر" صاحبنا، وتبيان ضرر أفكاره الضحلة على كل الصالحين من أهل وادنون، سواء كانوا مختلفين مع رئيس المجلس البلدي أو متفقين معه، وله أن يرد كما يرد الرجال، أي "العين ادَّگْ العين" إن استطاع، ولا أخاله يفعل...
وهنا أبدأ من حيث انتهى، أي من آخر مقال له بعنوان: "هل يوم الجمعة جريمة عند البعض من المعارضة" وهو "المقال" الذي يدخل القارئ المسكين في حيص بيص، فيجد نفسه يقرأ ويعيد القراءة، ليس لأنه يريد المزيد من المتعة، بل لأنه يتيه في "امْشَاگَة" تتداخل المصطلحات فيها وتلوى أعناق الجمل والكلمات، ولا يجد علاقة بين العنوان وبين المتن، ولا يستطيع فهم علة تخصيص بعض الأيام لأعياد اليهود أو المسيحيين أو للعمل الإداري أو لبؤس المعطل المغربي أو الغيني، لذلك لا يجد القارئ سبيلا غير التساؤل بصوت مسموع: ما الذي تريد قوله يا سيد محمد؟ فيجيب نفسه قبل أن يكمل السؤال: "مَانَلَّا مَانَكْ گَايَلْ شِي الله يغفر لك"...
وبعد أن خرج هذا "الكاتب" من حالة "البورباج الفكري" التي وجد نفسه فيها، وأدخل معه القارئ إليها، بدأ في الحديث عن الحل الذي يقترحه لمشكلة لم يكتب له التوفيق في طرحها وتوضيحها، ليخبرنا بأنه لا حل لقضية عزوف المغاربة عن السياسة إلا بمحاسبة المفسدين وتخليق السلطة، وهنا يتساءل القارئ البسيط مثلي عن نوعية الإضافة التي جاء بها هذا "المحلل السياسي" فنحن نعلم والدولة تدرك - وبالأرقام- بأن " أن أكثر من نصف الشباب لا يشاركون بالمرة في الانتخابات، 21٪ منهم فقط تعطي ثقة كبيرة للعدالة، و17٪ للصحافة و16٪ للمنظمات غير الحكومية و9٪ للبرلمان و7٪ للجماعات المحلية و 5٪ للأحزاب السياسية" حسب المندوبية السامية للتخطيط.
وبما أنه لم يأت بجديد، وكان خطابه نسخة مشروخة من خطابات السياسويين المغاربة من جميع الاتجاهات –إن كانت هناك اتجاهات- المنادية ببناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتخليق الحياة العامة، وتطبيق المفهوم الجديد للسلطة، وتدعيم الديمقراطية النيابية بتفعيل الديمقراطية التشاركية، وغير ذلك من العبارات المنمقة والكلمات المرصوصة...فإني أجدني مضطرا لطرح تساؤل أراه منطقيا: لم ركب صاحبنا هذه الموجة في هذا التوقيت بالضبط؟ لماذا لم تنطلق هذه الحملة "المقدسة" و"العفيفة" و"الشريفة" إلا قبيل أشهر معدودة من الانتخابات؟ ألا تخلق مسألة ظرفية استفاقة هذا "الكاتب" الألمعي تساؤلات وشكوك مشروعة، أم أنه لا يحق للمواطن البسيط أن يتساءل، عملا بمنطق التكفيريين "لا تناقش ولا تجادل وإلا فأنت كافر"، والكافر هنا سيكون إما مجرد "بوق" أو "قلم مأجور"، وإن كان الأمر كذلك فلكل الوادنونيين الشرف كله إن كفروا بهذا "الدين الجديد"...
ويستطرد "الإعلامي" في كلامه بشكل جعلني أستحضر صورة عنصر شرطة في فيلم هندي كلفه الضابط المشرف بتنظيم سوق شعبي صغير، فحمل عصاه، وبحكم السلطة الممنوحة له بدأ في ضرب الباعة والزبناء وقلب عربات الخضر وإطلاق سراح الديكة والأرانب، محدثا ضجة وصراخا وعويلا...وكذلك فعل صاحبنا، فلم يسلم من عصاه الإسفنجية أحد من مستشاري الملك ولا المشرع المغربي ولا خالد اعليوة ولا عبد الحنين بنعلو ولا محمد صالح التامك ولا بوشعيب الرميل ولا بنكيران ولا ادريس البصري، ولا الشرقي الضريس ومعه وزارة الداخلية بأكملها...
ووزارة الداخلية عنده هي أم البلايا ومصيبة المصائب، وهي السبب المباشر - إلى جانب المؤسسة العسكرية الجزائرية- في ما تعرفه العلاقات المغربية-الجزائرية من أزمات، فقد ردد هذا الكلام مرتين أو أكثر أمام محاوره الجزائري في أحد البرامج التافهة التي تبثها قناة الحوار، فإن فهم مشاهدو القناة بأن المؤسسة العسكرية تستبد بالحكم في الشقيقة الجزائر، ألا يجعلهم ذلك – بالقياس- يفهمون أن الداخلية تستحوذ على السلطة في المغرب؟ ألا يمس ذلك بالمؤسسة الملكية؟ تلك المؤسسة التي يحاول "الكاتب" المحترم التقرب منها باستبعادها عن كل نقيصة، لكن فقط من خلال إلغاء وجودها في الحياة السياسية بالمغرب كما لو كانت ملكية إسمية فحسب يسود فيها الملك ولا يحكم، وذلك أمر غير متحقق في حالة المغرب.
وأصر هذا "المحلل" في نفس البرنامج على عدم الحديث عن الحسن الثاني بحجة أنه قد توفي، متناسيا أن الحسن الثاني شخصية تاريخية لن يتوقف الحديث عنها أو البحث فيها لمجرد أنه يريد تأدية دور المحب الغاضب الذي اضطر محاوره إلى أن يربت على كتفه عدة مرات لتهدئة "غضبه" الهادئ، بل ووصل به "الاحترام" للمؤسسة الملكية – في أحد الأيام- إلى قراءة برقية مرفوعة إلى الملك مباشرة من هاتفه الشخصي كما لو أنه يقرأ "ميساجا" وصله من زميل مقهى ضاربا أبسط أبجديات اللياقة عرض الحائط، بل إنه – في لحظة حماس- في ختام المقال السالف الذكر "ادَّاهْ الجَّهْدْ" ونسي ما حدده لنفسه قبلا من كون الملك خط أحمر لا يمكنه تجاوزه ولا الوصول إليه فقال:" لقد خدع الشعب المغربي بإزاحة ادريس البصري، لم يكن قرار من أجل الإصلاح، ولم يكن قرار من أجل تغيير سياسة وزارة الداخلية، وإنما قرار من أجل تجسيد الفساد..."، ولا يخفى على أحد أن الراحل ادريس البصري تمت إقالته من طرف الملك محمد السادس... ولا يختلف عاقلان في أن تنحية هذا الرجل كانت ضرورية لتجسيد المفهوم الجديد للسلطة، ويذهب الكثير من الملاحظين إلى أن الانتكاسات التي تظهر حاليا هنا وهناك لما سمي ب "الانتقال الديمقراطي" تعود في أحيان كثيرة إلى استمرار وجود مجموعة من المسؤولين المنتمين إلى المدرسة "البصرية" على رأس عدة إدارات، فكيف استطاع هذا "المحلل السياسي" و"الإعلامي" أن يعتبر إزاحة البصري مجرد أنموذج دال على خداع الشعب المغربي، وتبعا لمنطوق كلامه وفحواه، فإن هذه الخدعة هي من أعلى هرم السلطة في المغرب.
ولأنه "مثقف" متواضع فقد نشر على صفحته في الفيسبوك "مداخلته" في "ندوة" نظمتها "المعارضة" ببلجيكا تحت عنوان" جزء من ندوتي في لقاء التنسيقية الصحراوية بأوروبا بمدينة كورتريخك البلجيكية"، وفي "ندوته" تلك أخبر مستمعيه الأفاضل وهو يمهد لإلقاء ما أسماه ب"المحاضرة" بأن"الصحراويين أكثر مغاربة – يقصد أكثر وطنية- من أي مغربي مهما علا شأنه...لأن الصحراويون هم الوحيدون الذين حملوا السلاح ضد أبناء عمومتهم من أجل الوطن الواحد..."، لا تتفاجئوا يا سادة، ولكم أن تصدقوا أعينكم، فالمحلل السياسي يتحدث باسم كل الصحراويين - بلا استثناء-، ويرتكب جريمة باسمهم جميعا حينما يقول بأن أهل الصحراء يتجاوزون الملك (الأعلى شأنا في المغرب) في الوطنية...
وردا على من يلعبون على حبل العنصرية (فهو ليس منهم)، فقد اختار أن يوضح المقصود بمصطلح "صحراوي"، وهنا سيركب حصان اللغة ليقول أن"الصحراوي – في الغالب يقصد هنا المجتمع الصحراوي- هو نسيج يمتد تقريبا من سيدي إفني إلى الداخلة يجمع بين سكان أمازيغ وسكان عرب، نسيج هو الذي نرى فيه تلك اللوحة الصحراوية الرائعة التي نفتخر بها، نفتخر الأمازيغ ونفتخر بالعرب، وتعايشوا منذ الأزل..."، وبتجاوز كل الحيثيات التي من شأنها التشويش على هذا التحديد الجغرافي لمكان استقرار "الصحراويين"، وعدم التعليق على كلمة "تقريبا" التي أوردها في تعريفه، وحتى إن أعلنا القبول بهذا التحديد الذي اجتهد في وضعه لغاية في نفسه لا تخرج عن خشيته من إخراج سيدي إفني من منطقة الصحراء وما قد يترتب عن ذلك من تأويلات، فإن مشكلة أخرى تعترض المستمع لهذا "المحاضر" وهي قوله بأن الأمازيغ والعرب تعايشوا في هذه المنطقة منذ الأزل، والواقع أن بني حسان الذين هم جزء من بني المعقل لم يصلوا إلى وادنون إلى حدود منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، ومعلوم أن بني المعقل لم تدخل إلى صحراء تافيلالت إلا في القرن الحادي عشر قادمة من المشرق العربي ضمن قبائل بني هلال، فكيف يجرأ صاحبنا على القول بمسألة "التعايش منذ الأزل"، وأعلم أنه في هذه النقطة - بالضبط- سيطيب للبعض اعتباري مجرد مقتنص لأخطاء الرجل، وسيكون الأمر كذلك فعلا لو أنه لا يستخدم صفة "الكاتب"، لكن وبما أنه يفعل، فهو يتحمل المسؤولية على كل هنة أو خطأ أو تقصير، فلسنا في "اجْمَاعَةْ اعْزَايَزْ" نتكلم كما اتفق، ونعمم متى شئنا ونخصص حين نريد ونحدد التواريخ جزافا...
ولأنه لا يصح إلا الصحيح وحده، وباعتبار أن الرجل كلما زاد لغطه زاد غلطه، فما كان منه مبتعدا بات منه مدانيا، إذ في معرض حديثه عما يعرفه كليميم والجهة ككل ومختلف مدن المغرب من استشراء للفساد – حسب زعمه- المدعوم من لوبيات مجهولة، أبى إلا أن يسجل استغرابه من اهتمام السلطات المركزية الكبير بسقوط عمارة "أركون" بالدار البيضاء وتجاهلها لفيضانات اكليميم ونواحيه، والمعنى الواضح الذي لا مواربة فيه هو أنه يؤاخذ الملك على عدم زيارته لوادنون إبان الفيضانات، نعم يا سادة لقد انتقل صاحبنا من محاولاته الباهتة لإبعاد بالمؤسسة الملكية عن مرمى نيرانه "اللغوية المهترئة" لكنه لم يستطع أن يواري الحقيقة أكثر فكان منه ما كان...
ولا تنحصر تناقضاته في هذه النقطة فقط، فبعد أن سمعناه مرات عديدة يردد عبارة "من خيرة ولاة المغرب" و"من خيرة محافظي المغرب" في حديثه عن الوالي المخلوع محمد عالي العظمي واصفا إياه بأنه رجل الفعل والعمل والنزاهة، وبأنه حصد حب الساكنة (هكذا بإطلاقية) وهلم جرا مما أسعفته محفظته اللغوية في ذكره، وجدناه يصرح في "ندوته" متحدثا عن مؤسسة الولاية في تعاملها مع الفيضانات التي عرفها إقليم اكليميم: " كانت الإمكانيات (التي وفرتها الولاية) ضعيفة جدا، كانت الإستراتيجية غائبة للتعامل مع الفيضانات..."، أي أن ولاية الجهة وعمالة الإقليم لم توفر اللوجستيك اللازم لتجاوز الكارثة بأقل قدر من الخسائر، فلم توفر طائرات مروحية للإنقاذ ولا سيارات إسعاف كافية ولا حراسة أمنية قرب القناطر - المترامية على هذا الإسم- لمنع السائقين المتهورين وسيئي التقدير من المغامرة بأرواحهم وأرواح من معهم من الركاب...وأتفق معه في هذا جملة وتفصيلا، فقد كنت أيضا شاهد عيان في ليلة وادي تالمعدرت، وأتفق معه كلية في غياب أية استراتيجية - حينئذ- للتعامل مع الفيضانات عند ولاية الجهة...
لكني وإن اتفقت معه في المقدمات إلا أني أختلف معه في النتائج التي توصل إليها حينما قال: "كانت المحاسبة (يقصد على ذلك الإهمال البَيِّنْ) يجب أن تكون بشكل مباشر، في انتظارنا للمحاسبة تلقينا قرارا ظالما وغاشما ومهينا...بتنقيل الوالي العظمي الذي وقف وقفة رجل ضد الفساد وضد المفسدين..."، نعم أختلف معه في النتيجة التي وصل إليها، ولا يمكن لأي منصت يحترم المنطق إلا أن يختلف معه، فما قاله عن عدم تسخير الولاية للإمكانيات اللازمة لتفادي الكارثة التي أودت بما يقارب الأربعين ضحية يجب أن تتجاوز عقوبته الإعفاء أو الإقالة أو التنقيل للمسؤول الأول بالجهة، أما إعفاؤه من أية مسؤولية ومدحه بما لم تأتي به الأوائل فهو مؤشر على خلل فكري كبير، و"تسونامي" فكري لن ينتج غير "أفكار" سقيمة تضمن تأبيد التخلف والإنبطاح للأفراد وتقديسهم وتفاقم فقدان الثقة في المؤسسات... وباعتبار أن الأمور بخواتمها، فقد ختم صاحبنا مداخلته "القيمة" بتهديد واضح وجلي للحكومة والملك حينما قال بالحرف: "التحكيم الملكي هو مرادنا، لا نريد تحكيما دوليا إلى حد الساعة، لكن إذا ما فرض علينا فإنه قدر الله وما شاء فعل..."، ولا يخفى على أي يقظ ما في هذا الكلام من ابتزاز يزكم الأنوف، فصاحبنا يطالب بتحكيم ملكي، ويؤكد ضمنيا بأنه إلم يفعل فإنه، ومن معه سيلعبون بورقة "التحكيم الدولي"، وذلك أسلوب منبوذ ومرفوض...
وبالرجوع إلى قوله: " لا نريد تحكيما دوليا إلى حد الساعة" نتوقف عند صفة أخرى يضيفها صاحبنا إلى رصيده، وهي الكذب البين على أهل وادنون وغيرهم، فقد تم التلويح بهذه الورقة قبل هذه "الندوة"، ونشر موقع بديل قصاصة عن الموضوع تذكره فيها بالاسم، وهي القصاصة التي نشرها على حائطه الفيسبوكي قبل أيام من تصريحه المستبعد للتحكيم الدولي.
كان هذا رصد بسيط لغيض من فيض التناقضات الصارخة والمواقف المتضاربة، والأفكار المُشَوَّشة والمُشَوِّشة ل "الكاتب" و"المحلل السياسي" و"الإعلامي" و"المحاضر" محمد الفنيش الذراع الفكري والإعلامي ل"الثورة الشعبية" في وادنون، وهي الأفكار التي إن بني عليها - لا قدر الله- أي مشروع مجتمعي لتهدم فوق رؤوس البسطاء والكادحين...وعلى سبيل الختم أشير إلى أنه لا يمكن لأي عاقل أن يكون ضد أي فعل ثوري، لكن من اللازم أن يكون فعلا يستند على أسس علمية تقدم تحليلا علميا للواقع، وتقترح حلولا علمية بعيدا عن الأفعال التي تنتصر للهدم وتحمل شعارات من مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهي شعارات أثبتت التجارب العربية الراهنة خطرها على البلاد والعباد، لأنها لا تحقق غير مصالح الإنتهازيين...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.