لم يأت التحذير الذي أطلقته وزارة الداخلية في سورية بمقاضاة “كل من يحاول انتهاك حرمة المباني الدبلوماسية أو يحاول الدخول أو إحداث ضرر بهذه البعثات” من فراغ، فالسلطات السورية متورطة بسبب تصاعد ظاهرة مهاجمة البعثات الدبلوماسية على أراضيها رغم الاعتذار الرسمي الذي تقدم به وزير الخارجية وليد المعلم منذ أيام. الاعتداءات شملت بعثات الولاياتالمتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والمغرب، وليس من المستبعد أن تنضم بعثات دول أخرى إلى القائمة. هذه الممارسات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بصورة سورية، وذلك لأن الدولة منوط بها، حسب المواثيق الدولية، حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية التي على أراضيها وضمان سلامة ما ومن فيها. فشل قوات الأمن في توفير مثل هذه الحماية بشكل متكرر ربما يعكس أحد أمور ثلاثة: انقسام بين المؤسستين الأمنية والسياسية، بداية انفلات أمني حقيقي، أو عدم رغبة قوات الأمن في استخدام قبضتها الحديدية المعروفة ضد أنصار النظام. الحديث عن انقسام بين المؤسستين السياسية والأمنية ليس جديدا. ففي خطابه الأول بعد اندلاع الاضطرابات في بلاده، شدد الرئيس السوري أنه أعطى تعليمات بعدم إطلاق النار على المتظاهرين. لكن إطلاق النار تصاعد وأصبح أكثر عنفا وقسوة. منذ ذلك الحين شهدت الساحة السورية عدة تطورات يمكن تفسيرها بوجود انقسام، أو على الأقل انعدام تنسيق، بين المؤسستين السياسية والأمنية. الاحتمال الثاني؛ أن تكون الأمور وصلت إلى درجة من الانفلات الأمني حتى في حلب ودمشق، مسرح الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية، بحيث صار من الصعب السيطرة على الشارع. هذا الاحتمال، إن كان صحيحا، يعكس تطورا خطيرا لأن النظام يعتمد بشكل أساسي على استقرار هاتين المدينتين اللتين تعدان مركز الثقل السكاني والاقتصادي والسياسي الأكبر في البلاد، وانفلات الأمور فيهما يعني فقدان السيطرة تماما على ما يجري في سورية. أما الاحتمال الثالث فهو أن قوات الأمن لم تقرأ أبعاد التساهل مع أنصار النظام جيدا، وآثرت عدم استخدام قبضتها الحديدية المعهودة في هذه الحالة ربما لتجنب ردة فعل سلبية منهم. في جميع الأحوال، لم يخدم مشهد الاعتداء على البعثات الدبلوماسية النظام في سورية مطلقا. ولكن، في هذه الحالة فقط، تصرفت القيادة السياسية بإيجابية من خلال اعتذار وزير الخارجية وتحذير وزارة الداخلية. وحدها الأيام ستكشف إذا كانت الأقوال ستتحول إلى أفعال، والحديث هنا ليس عن قضية الاعتداء على السفارات فقط!