الدار البيضاء… توقيف إفريقي بمطار محمد الخامس بحوزته أكثر من 5 كيلوغرامات من الكوكايين    إفران تحتضن الدورة السابعة لمهرجانها الدولي من 23 إلى 26 يوليوز    قيوح : المغرب يجعل من الربط القاري أداة استراتيجية لتحقيق السيادة الإفريقية    الدفاع المدني في غزة يعلن مقتل 23 فلسطينيا في غارات إسرائيلية    تدنيس القرآن في قمة الناتو يغضب الجاليات المسلمة بهولندا    "الكاف" تسوق تذاكر "كان السيدات"    اعتقال طالبة " 21 سنة" بالرباط خططت لعملية إرهابية باسم "داعش"    تفاصيل تجريب "تقنية جديدة" لمواجهة الغش في الدورة الاستدراكية للباكالوريا    سقوط سور إعدادية يودي بحياة راعي غنم وقطيعه    غضب واستفهامات بعد وفاة "راعي الغنم" القاصر.. أين الحقيقة؟    انعقاد الجمعية العامة العادية لغرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة    اجماع وبوعادي في معرض تشكيلي مشترك بمشرع بلقصيري    بودشار يمتع الرباط بكورال جماهيري    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    ترامب: وقف إطلاق النار في غزة ممكن خلال أسبوع    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    توقيف شخصين لإهانة الشرطة وتخريب مرفق عمومي بابن جرير    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    مونديال الأندية: مواجهة مرتقبة بين سان جرمان وميسي.. وبايرن يصطدم بفلامنغو    المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يدين هجوما مسلحا قرب ثكنة للمينورسو ويحمّل البوليساريو المسؤولية    اعتصام لقوات تابعة لمرتزقة البوليساريو احتجاجًا على التهميش والإهمال الصحي العلم الإلكترونية – متابعة    جمال سلامي    أخنوش يدعو النقابات إلى اجتماع لجنة إصلاح التقاعد في يوليوز المقبل    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    وزارة العدل الأمريكية تضغط لإقالة رئيس جامعة    مصادر طبية تنعى 66 من أطفال غزة    عملية توقف "داعشية" بمدينة الرباط    جريمة قتل أم تستنفر الشرطة بمكناس    نقاش في جنيف يدين انتهاكات تندوف    برلماني جزائري يؤكد التلفيق للمغرب    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    مراكش تحتضن المنتدى الدولي للشباب بمشاركة واسعة من دول العالم الإسلامي    2419 ملعب قرب مبرمج لتعزيز البنية الرياضية بالمغرب    المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة    زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب قبالة سواحل جنوب الفلبين    مونديال الأندية: جماهير غفيرة وأهداف غزيرة في دور المجموعات    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    رحيل الإعلامية والممثلة المغربية كوثر بودراجة بعد صراع مرير مع المرض    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    المغرب يرفع وتيرة الاستثمار في قطاعات استراتيجية ذات جاذبية عالمية    بالفيديو.. كاظم الساهر يسحر جمهور موازين في ليلة طربية خالدة    الذهب يتراجع مع صعود الدولار    ارتفاع مبيعات الإسمنت بنسبة 9,5%        ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    أكاديمية المملكة و"غاليمار" يسدلان ستار احتفالية كبرى بآداب إفريقيا    حفل كاظم الساهر في "موازين" .. فوضى تنظيمية تسيء للفن والجماهير    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون كابح لتطور الملكية

كي ينهي النقاش حول ما يعتبره مساع «من أجل الإمعان في إحداث الوقيعة مع المؤسسة الملكية»، يقذفك القيادي الإسلامي المثير للجدل والجلبة بهذه الفكرة أو الموقف اللذين يعتبرهما حجة دامغة على نضج موقفه السياسي من قضية لا تقبل البوليميك والمزايدة السياسية: «إن المجتمع المغربي يتطور والملكية أيضا مدعوة للتطور معه، وقد أثبت الملك محمد السادس في العديد من المحطات قابلية نظامنا الملكي للتطور ومسايرة العصر».
هذه الفقرة تثير الكثير من الالتباس وسط ثنائية الحداثة والمحافظة، التقليد والتحديث، وتزيد التباسات أكثر في تحديد معنى «الانتقال الديمقراطي» كما يتصوره عبد العالي حامي الدين، الذي هو في نفس الوقت برلماني ورئيس لجنة بمجلس المستشارين.
في ثنائية المحافظة والتقليد، يحاول عبد العالي حامي الدين أن يعطي الانطباع بأن المجتمع، وضمنه الإسلاميون المغاربة، تطور ويتطور نحو التحديث، وفي المقابل ماتزال الملكية لم تساير ذلك، في باطن النص فكرة تفيد أن الملكية ماتزال تقليدية وينبغي لها أن تتطور لتساير إيقاع بيئتها الاجتماعية.
وفي مقياس «الانتقال الديمقراطي»، الذي يستعمله حامي الدين عقيدة ومنهجية في التحليل السياسي، نفهم من النص أن الانتقال الديمقراطي لم يكتمل،
واكتماله لن يتحقق إلا بتطوير الملكية لنفسها سياسيا وديمقراطيا.
أنا هنا لست بصدد استنتاجات، لكني أفكك بناء النص، وأنا دائما مع تلك الفكرة التي تقول: إن المهم في النص ليس ما قاله كاتبه، بل ما اجتهد كي لا يقوله، وكي يجعله رسائل مضمرة ومشفرة.
كان كارل ماركس في نقده لهيجل يقول عنه إنه كان «يمشي على رأسه فقلبته ليمشي على قدميه»، والظاهر أن حامي الدين يمشي مرة أخرى على رأسه ويحتاج لمن يقلبه كي يمشي على قدميه، تماما كما فعل ماركس مع هيجل. وإن شئنا أن نقلب حامي الدين سنجعل فكرته تقول: إن الملكية تتطور تجاوبا مع مجتمعها، والإسلاميون المغاربة مدعوون لأن يتطوروا معها.
لنبدأ من الحقل الاقتصادي، وإن كنت لست خبيرا في المجال، لم يكن انسحاب الملك كمستثمر خاص من بعض القطاعات عبثا، هو فعل ذو دلالة تعبر عن التطوير الذاتي الذي يعبر عنه أيضا التوجه نحو لعب دور القاطرة في قطاعات يقوم عليها مستقبل المغرب. في العشرين سنة الماضية تجددت الملكية بشكل غير مسبوق من زواية نظر اقتصادية، وها نحن نسير تدريجيا نحو التحرر من أطروحة «الفلاح المغربي حامي العرش» لصاحبها ريمي لوفو، وننتقل إلى التصنيع والخدمات والطاقات الجديدة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك ثورة الملك في القطاع البنكي، وفي الحرب على الريع... إننا في المجمل أمام ملكية ترعى نظاما اقتصاديا منخرطا في عصره وانشغالات مجتمعه.
ولا أدري كيف يمكن للمرء أن يدعو الملكية إلى التطور وهي التي حققت ثورة في الفصل بين الدين والسياسة في تدبير شؤون الدولة، كثيرون يتعاملون اليوم مع الفصل 19 في دستور 1996 وكأنه لم يكن موجودا يوما، والحال أن تفكيكه في دستور 2011 إلى فصلين ينظم أحدهما الصلاحيات السياسية الدنيوية للملك بينما ينظم الآخر بشكل حصري سلطه الدينية، هو قطيعة مع الفكر الدستوري والنظام السياسي التقليداني، الذي نظر له وبناه الراحل الحسن الثاني والتقط ملامحه الدكتور محمد المعتصم في أطروحته حول التقليدانية في النظام السياسي المغربي.
وسنحتاج لأن نذكر إلى جانب ذلك بأنه لأول مرة في دساتير المملكة لا يمكن للملك أن يقيل رئيس حكومته، ولا يمكنه أن يمارس وظيفة التشريع التي صارت اختصاصا مغلقا يمارسه البرلمان، ينبغي للسياسي أن يعود إلى تعداد وحساب القيود الدستورية، التي صارت تقيد السلطات الملكية، كي يحدد ما إن كانت هذه الملكية قد تطورت أم لا.
وما تثبته الوقائع هو أن الإسلاميين المغاربة الذين قادوا مرحلة تفعيل الدستور هم من أفرغوه من محتواه، لقد توافقت الملكية مع شعبها حول دستور بروح ديمقراطية تضعه على خط التماس مع النظام الملكي البرلماني، لكن إسلاميي البرلمان فضلوا مقايضته بالثقة السياسية، فمن أجل الانتخابات والحكومة تنازلوا عن الدستور بعبارة تنطوي كلها على التضليل وكتمان العجز المزمن، من قبيل ما قاله حامي الدين عن «مدرسة فكرية وفلسفية ذات خط سياسي معتدل يؤمن بالمكانة المركزية للمؤسسة الملكية في الإصلاح، ولا يؤمن بالتصادم معها أو منازعتها في صلاحياتها».
لا أحد طلب من البيجيدي أن ينازع الملكية أو يتصادم معها، والشعوب لا تضع الدساتير وتصوت عليها في الاستفتاءات الشعبية إلا لكي لا تتصادم حول السلطة والاختصاصات، إن مثل هذه العبارة التي استقاها حامي الدين من القاموس المتداول عند الأستاذ عبد الإله بن كيران هي قمة التضليل السياسي، والنصب على الديمقراطية بورقة الملكية، التي طالبت باستمرار رئيس الحكومة السابق بأن يطبق الدستور ولو جاءته التعليمات من المحيط الملكي.
وسيلاحظ المراقب، أنه ومنذ ثلاث سنوات، هناك كثافة في التدبير الملكي للملفات الشائكة وتوغله في تفاصيلها التنفيذية، كما في حالة إصلاح قطاع التكوين المهني على سبيل المثال، إن ذلك لم يكن ليحدث لولا أننا أمام حكومة عاجزة، وقيادة حكومية مترهلة، لقد كان خطاب العرش لسنة 2017 قاسيا في وضوحه بهذا الخصوص، لكن الطبيعة لا تسمح للفراغ بأن يعبث بها، وذلك كان ضروريا أن يتحمل الملك مسؤولياته كما قال نفسه في نص الخطاب.
وأكاد أجزم بل إني أجزم أنه لولا تنظيمات الإسلام السياسي في المغرب، لكانت الملكية قد ذهبت أبعد مما وصلت إليه من تحديث. الإسلاميون من هذه الزواية قوة كبح لانفتاح الملكية على عصرها، لكنها مضطرة لأن تساير إيقاع الفاعلين المحافظين في مجتمعها، ولولا المحافظة الدينية للإسلام السياسي لكنا أمام دستور ينص على حرية المعتقد، وعلى سمو القوانين والمواثيق الدولية على التشريعات الكونية، ولكانت لدينا مدونة أسرة أخرى غير المدونة التي حولتها اعتراضات المحافظين كما حولت ديباجة الدستور إلى نصوص هجينة، لا هي بالمحافظة ولا هي بالحداثية....
هذه الفكرة مهمة وينبغي إعادة التأكيد عليها: الإسلاميون المغاربة كابح لتطور الملكية، ولو تطور هؤلاء لكانوا قد حرروا قدرة الملكية ورغبتها في أن تساير إيقاع تطور مجتمعها.
مشكلة دعاة أن «المجتمع المغربي يتطور والملكية أيضا مدعوة للتطور معه» هو أنهم يختزلون تطور الملكية ويقيسونه ويحددونه بمدى هيمنتهم على الحقل السياسي، ويختزلون الديمقراطية في فوزهم بالانتخابات، ويقتصرون في شرح الانتقال الديمقراطي على تحرير الانتخابات وأحقيتهم بتشكيل الحكومات... فالانتقال الديمقراطي حين لا يخدم مشروعهم السياسي يصبح استبدادا وتحكما وتماسيح وعفاريت.
والحال أننا لا نتقاسم مع عبد العالي حامي الدين نفس الفكرة حول الانتقال الديمقراطي، الذي هو بالمناسبة ليس مجرد انتقال من «ملكية تنفيذية» إلى «ملكية برلمانية»، بل هو أعقد وأشمل من ذلك بكثير، وطبيعة نظامنا السياسي ما هي إلا جزء صغير ضمن مساحة أوسع لمفهوم هذا الانتقال.
لا يفيد مفهوم الانتقال الديمقراطي سوى في تحديد الوسيلة كما يشرح ذلك بعمق فكري وفلسفي كبير الدكتور مصطفى بوعزيز، فهو يعني أن الانتقال سلمي، هادئ، وغير انقلابي أو عبر الانتفاضة... لكن العبارة لا تجيب عن سؤال جوهري: انتقال من ماذا إلى ماذا؟ بالنسبة لك هو انتقال من أن تكون كحزب في هامش الحقل السياسي إلى مركزه، لكنه بالنسبة للديمقراطيين، هو انتقال من مجتمع محافظ إلى مجتمع حداثي.
عند هذا المستوى نختلف في فهمنا للانتقال الديمقراطي وللديمقراطية، وبالنتيجة وبشكل حتمي أستسمح في القول: إن الملكية تطورت في الحدود التي يسمح بها انتشار المد السياسي الإسلامي المحافظ، ولولا الإسلاميين لكانت الملكية أكثر تطورا، والخدمة التي سيسديها هؤلاء لبلدهم وملكيتهم هي أن يتطوروا كي تنزاح من أمام الملكية كوابح انفتاح أكبر، وانتقال أوسع من المحافظة إلى التحديث، وليس انتقال البيجيدي من المعارضة إلى الحكومة.
لا يمكن بتاتا ونهائيا وإطلاقا، أن تكون عائقا أمام التطوير وتطالب به في نفس الوقت، تلك سكيزوفرينيا سياسية مزمنة، ومضحكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.