"الشعب يريد إسقاط الفساد" شعار يدل أن الفساد من التحديات التي تشكل المعضلة العويصة و المشكل المشترك بين المغاربة منذ زمن بعيد، وخروج الشباب المغربي عام 2011 للشارع مطالبين بإصلاحات جوهرية لمحاربة الفساد برهان على أن المغاربة اختاروا طريق الإصلاح مع الاستقرار، وأن المواطنون الشرفاء غير غافلون عما يفعل المفسدون ولا بد من يوم المساءلة،وأن السياسة للجميع،وخيرات وثروات هذا الوطن للجميع ، والمغاربة كلهم وطنيون بدون استثناء. ترى فما مفهوم الفساد؟وما أنواعه وأشكاله؟ وما علاقة الفساد السياسي بالديمقراطية؟ وما الحلول المقترحة لمواجهته؟ تتخبط مدينتنا وباقي مدن المملكة في تدبير الشأن العام،حيث تعم العشوائية مختلف المجالات المتعلقة بحياة المواطنين،وذلك من خلال اعتماد أسلوب الحزبية ونهج الطرق المشبوهة في التعامل مع مصالح المواطنين،دون الاهتمام بالبحث عن مشاريع اقتصادية وتنموية تعمل على إدماج وتشغيل الشباب المعطلين ومواكبة المشاريع التنموية الملكية. منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الأخير الصادر سنة 2014 عرفت الفساد بأنه "استغلال السلطة من أجل المصلحة الشخصية"،والفساد في تدبير الشأن العام قائم على أركان أولها الرشوة،ثم المحسوبية واختلاس المال العام واستغلال النفوذ ،وهناك 6 دول عربية في ذيل القائمة منها:الصومال،سوريا،العراق،السودان،ليبيا،بينما احتلت الجزائر الرتبة100 ومصر الرتبة 94،بينما جاءت الإمارات وقطروالمغرب في مراتب متوسطة. المغرب قضى أزيد من 50 سنة بعد الاستقلال فاسخا المجال أمام الفساد واستفحال أمره، وحاليا أزيد من 30 مليون مغربي يضعون آمالهم في التغيير، وحالة اليأس والظلام وتردي الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها بعض المغاربة المنسيون لا تعني أنهم لا يبصرون،أو غافلون عما يفعل المفسدون أيا كان وضعهم اليوم، ولا تزال عندنا إمكانية الخروج من هذا النفق المظلم في المستقبل القريب. وانتشار الفساد أو ما يعرف ب"ثقافة الفساد وعبادة المال" في المجتمع المغربي جعل بعض الناس يعتقدون أن الممارسات الفاسدة هي معطى واقعي وطبيعي، لا يمكن رفعه بل يجب قبوله والتعامل معه. إن الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية البشرية، فهو على الصعيد السياسي يعكر الجو في وجه الديمقراطية ويعرقل الحكامة الجيدة ، و يغير مسار المشاريع المنجزة. أما الفساد في الانتخابات والمؤسسات التشريعية فيقلل من المساءلة ويشوه التمثيل البرلماني ويؤثر سلبا في عملية صنع القرار السياسي،والفساد القضائي يعرض سيادة القانون للخطر، والفساد في الإدارة العامة والمرافق العمومية ينجم عنه التوزيع الغير العادل للخدمات. والفساد السياسي من أخطر أشكال الفساد ونعني به استخدام السلطة العامة لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية. كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب ،والفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار في المخذرات والدعارة . إن الدعوة لمحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة تتحملها الدولة وجميع الفرقاء الاجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني إضافة إلى الأفراد والجماعات ، فالرشوة إمتد أخطبوطها إلى مختلف مناحي الحياةالعامة وتداخل أمرها مع أشكال وصور أخرى للفساد،كالتملص من الضرائب،وخرق القوانين. وحسب آخر استطلاع فإن أقل 10 دول فساداً في العالم هي:أستراليا، النمسا، الدنمارك، فنلندا، آيسلندا، نيوزلندا، النرويج، سنغافورة، السويد وسويسرا ،وأكثر 9 دول فساداً في العالم هي: بنغلاديش، تركمانستان، تشاد، ساحل العاج، غينيا الاستوائية، نيجيريا، هايتي. ومن خلال التصنيف السابق لمنظمة الشفافية الدولية تتضح العلاقة الجدلية بين الفساد والديمقراطية فالدول الديمقراطية كالسويدوسنغافورة أقل فسادا،أما الدول التي تغيب أو تنعدم بها الديمقراطية وحقوق الإنسان كتشادونيجيريا فهي الأكثر فسادا في العالم،ومن ثم فمحاربة الفساد في المغرب تستوجب قيام حركة مجتمعية لمقاومة الفساد كحركة الدفاع على حقوق الإنسان،إضافة إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية ،واحترام حقوق الإنسان والصرامة في تطبيق القانون، مع ضرورة توفر إرادة جماعية لمحاربة الفساد والتشبع بالقيم الإسلامية السمحة التي تحرم عبادة المال،هذه المقترحات مفتاح نجاح التنمية البشرية للوصول بالمغرب إلى مراتب الدول الصاعدة. وختاما لا يسعنا إلا أن نقول للمفسدين في الشأن العام الوطني والمحلي إياكم أن تظنوا أن المغاربة الشرفاء غافلون عما تفعلون،فلا بد من يوم المساءلة مهما كان الغطاء طبقا لدستور المملكة الجديد.