نادي سبتة يصنع التاريخ ويعود إلى الدرجة الثانية الإسبانية بعد غياب دام 45 عامًا    أميركا والصين تتوصلان لاتفاق بشأن النزاع حول الرسوم الجمركية    (ملخص).. برشلونة يقترب من لقب الدوري الإسباني بتغلبه على ريال مدريد في الكلاسيكو    بهذا السيناريو ودعت المغرب التطواني البطولة الاحترافية بعد هزيمة قاسية أمام شباب السوالم … !    أسبوع القفطان يحتفي بالصحراء المغربية ويكرس المملكة كمرجع عالمي للقفطان    الدعوة من العيون لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    رسمياً.. المغرب التطواني إلى القسم الوطني الثاني    لكوس القصر الكبير يتوج بلقب البطولة الوطنية لكرة القدم داخل القاعة    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    حركة حماس تعلن أنها ستفرج عن الرهينة الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر    لتخفيف الضغط.. برلماني يطالب ببناء مجمع سكني للعاملين بميناء طنجة المتوسط    إيغامان يساهم في فوز عريض لرينجرز    جريمة "قتل سيسيه" تنبه الفرنسيين إلى ارتفاع منسوب الكراهية ضد المسلمين    موانئ المغرب تحظى بإشادة إسبانية    الدرك يُطيح بمروجَين للمخدرات الصلبة بضواحي العرائش    بوصوف: رؤية الملك محمد السادس للسياسة الإفريقية تنشد التكامل والتنمية    "منتخب U20" يجهز للقاء سيراليون    عيدي يوثق الحضور المغربي بأمريكا    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬تلاعبا ‬في ‬أسعار ‬السردين ‬الصناعي ‬    شبهات في صناعة قوارب الصيد التقليدي بمدينة العرائش: زيادات في المقاسات وتجاوزات قانونية تحت غطاء "باك صاحبي"!    الحكومة الفرنسية: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" وقد نجري عقوبات جديدة    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنكيران ولوعة الخسران
نشر في أخبارنا يوم 23 - 09 - 2017

كان لحدث إقالة بنكيران الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" من مهمة تشكيل حكومة ما بعد تشريعيات السابع أكتوبر 2016، إثر تعثر مشاوراته مع أمناء أحزاب الائتلاف الحكومي السابق، خاصة رئيس "التجمع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش، وتعيين رئيس المجلس الوطني سعد الدين العثماني خلفا له، وقع سيء على نفسيته وانهيار معنوياته، وامتد أثر ذلك إلى داخل الحزب، ليحدث به رجة قوية وانقسامات واسعة بين هياكله ومناصريه.

وسواء تعلق أمر الإقالة بشخص بنكيران نفسه، الذي بالغ في تعنته أثناء المفاوضات من خلال تشبثه بحزبي التقدم والاشتراكية والاستقلال، ومحاولة فرض إرادته على حلفائه المفترضين، أم بمؤامرة خفية حيكت ضده مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، وخلقت ما سمي بالبلوكاج" الذي أرخى بظلاله على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... وساهم في تعطيل سير المؤسسات الوطنية وتأخير المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2017 لما يناهز نصف سنة، مما اضطر معه الملك محمد السادس في إطار صلاحياته واحتراما لمقتضيات الوثيقة الدستورية إلى إصدار بلاغ إعفائه. فإن الرجل الذي كان يعتد كثيرا بنفسه ويسخرمن معارضيه وخصومه السياسيين، تحول من شدة الغيظ والشعور بالخذلان إلى كائن مسعور ضد الدولة وزعماء التحالف الحكومي.

ولأن رحلته لأداء مناسك العمرة لم تسعفه في تخطي أثر الصدمة العنيفة، عقد العزم على مواصلة "النضال" من موقعه كأمين عام إلى حين انعقاد المؤتمر الوطني الثامن في دجنبر 2017، مستعينا بكل ما يملك من دهاء ومناورات وتجييش أتباعه في اتجاه تعديل النظام الداخلي والقانون الأساسي للحزب، قصد الظفر بولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة، يمني النفس باسترجاع رئاسة الحكومة في محطة 2021، مبديا استعداده حتى للاعتقال من أجل أفكاره ومبادئه! والحال أن مايظهره من"شجاعة" ليس سوى هلوسة طالما لازمته، وما تقديم استقالته من مجلس النواب عدا احتجاج خجول عن "طرده" المهين، رغم ما أسداه للدولة من خدمات غير مسبوقة على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة: تحرير المحروقات و"إصلاح" صندوق المقاصة ونظام المعاشات المدنية والاقتطاع من رواتب المضربين عن العمل... كما أنه لا يرضى لنفسه التقهقر من مرتبة رئيس حكومة إلى مجرد برلماني عادي.

فعلى مستوى ما جاء به خطاب العرش بمناسبة الذكرى 18، من انتقادات قاسية للإدارة المغربية والأحزاب السياسية، باعتبارها المسؤولة المباشرة عن تردي أوضاع المواطنين وفشل عديد المخططات التنموية، وتخليها عن وظائفها، واختفاء البعض وراء المؤسسة الملكية للتنصل من مسؤولياته. كان رد فعل بنكيران وهو أبرز المعنيين، مخالفا لما دأب عليه من مسكنة وتملق، إذ نسب في لقاء بشبيبة الحزب، ما آلت إليه أحوال الأحزاب من بؤس وضعف وتفكك إلى رجال القصر النافذين، الذين يتدخلون في الشاذة والفاذة ويتحكمون في هياكل الأحزاب وقراراتها، داعيا إلى رفع اليد عنها وضمان استقلاليتها، بل ذهب إلى حد المطالبة بتعديل الدستور.

وفضلا عن ذلك كله لم يفته التذكير بأن تعذر أمر تشكيل حكومته الثانية، يعود بالأساس إلى ما رافق المشاورات من عراقيل للحيلولة دون توليه قيادة السفينة ثانية، وطالب بإجراء تحقيقات مماثلة لتلك التي عرفها تأخر تنفيذ البرنامج التنموي الضخم بمنطقة الريف "الحسيمة منارة المتوسط"، لمعرفة المسؤولين الحقيقيين عن البلوكاج الحكومي وتداعياته الوخيمة، وعمن كان وراء تنظيم مسيرة الدار البيضاء التي أطلق عليها "مسيرة ولد زروال" نسبة إلى أحد قياديي حزب "الأصالة والمعاصرة" الخصم اللدود.

فبنكيران لم يعد يتورع عن إثارة البلبلة داخل وخارج حزبه، ومحاولة إرباك العمل الحكومي وإحراج رفيق دربه رئيس الحكومة، حتى لا يكون قادرا على الإتيان بما لم يستطع تحقيقه في ولايته المشؤومة، فهو يصر على عدم حضور اجتماعات قادة الائتلاف الحكومي أو التنسيق معهم، مكتفيا بإرسال نائبه سليمان العمراني، علما أن العثماني هو من دعا إلى حضور اجتماع التأشير السياسي على "حصيلة" حكومته خلال 120 يوما، والمصادقة على وثيقة ميثاق الأغلبية، الهادف إلى تحديد عمل مجلس الرئاسة، وكيفية اتخاذ القرار داخل هيئات التحالف ولجان التنسيق بين الأغلبية البرلمانية وأعضاء الحكومة.

وهو بذلك يريد الثأر لنفسه بزعزعة أركان الحكومة، مستغلا هشاشتها وعدم تناغم مكوناتها المتناقضة سياسيا وإيديولوجيا، وافتقارها إلى برنامج سياسي واضح ورؤية استشرافية لآفاق المستقبل. ناسيا أنه لم يخسر منصب رئاسة الحكومة وحسب، بل خسر مصداقيته حتى لدى المقربين إليه. والأهم من ذلك، خسران حب الجماهير التي توسمت فيه وحزبه الخير لتخليص البلاد من الفساد وإسعاد العباد، لإخلاله بوعوده الانتخابية وعفوه العام عن الفاسدين وناهبي المال العام. وخسر تعاطف المعطلين حاملي الشهادات العليا وخاصة أصحاب محضر 20 يوليوز وأسرهم، وخسر نساء ورجال التعليم باستهدافهم، وخسر عموم المواطنين بضرب قدرتهم الشرائية، وخسر المطالبين بتخفيض تعويضات الوزراء والبرلمانيين وإسقاط معاشاتهم، وخسر الطبقة الشغيلة بتجميد أجورها وحرمانها من حق الإضراب، وخسر النقابات بإغلاق قنوات الحوار الاجتماعي....

إن المغاربة بحاجة إلى قادة أحزاب في مستوى تحمل المسؤولية، يكون بمقدورهم إعادة الثقة للمواطنين في العمل السياسي وللسياسة نبلها، وترجمة أقوالهم ووعودهم إلى أفعال وحقائق ملموسة، وليس إلى دمى متحركة وظواهر صوتية. فبنكيران أضاع فرصة ثمينة، عندما استسلم لسحر المنصب وحطم آمال وأحلام شعب بكامله... ويصح فيه ما قالته يوما عائشة الحرة لابنها "أبو عبد الله الصغير" آخر ملوك غرناطة:

ابك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.