ريادة المغرب في تحقيق الأمن العالمي تحصد إشادة " الإنتربول"    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    إسرائيل تقول أمام محكمة العدل الدولية إن الحرب ضد حماس في قطاع غزة "مأساوية" لكن لا تصنّف "إبادة جماعية"    "فيفا" يمنح البرازيل شرف تنظيم كأس العالم للسيدات 2027    الرجاء يكشف عن موعد الجمع العام العادي التكميلي للموسم الرياضي 2022-2023    الصيف في طنجة موسم لحرائق الغابات.. ينبغي على الجميع التعبئة للتصدي لها    وَصَايَا المَلائِكةِ لبَقَايَا البَشَرْ    وجهة خطر.. بين مسلم ورمضان لم تثْبت رؤية هلال الكِتاب!    الميناء العائم في غزة يستقبل أول حمولة من المساعدات    الفيفا تصفع الجزائر وتقر بعدم المصادقة على انتقال أي لاعب من بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    بعد وصوله إلى الجزائر.. مدرب المنتخب المغربي النسوي يحذر "اللبؤات"    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس يهودي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    إسبانيا تعلن منع رسو السفن التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل في موانئها    مباحثات مغربية صينية من أجل تعزيز التعاون في مجال إدارة السجون    اللقاء التواصلي المنعقد لفائدة المؤسسات التعليمية الحرة في موضوع تنزيل مقتضيات عقد تأطير العلاقة بين الأسرة و المؤسسات    المرابط يستقبل وفدا من الجالية المغربية المقيمة بالخارج    وسط اهتمام آرسنال.. ريال بيتيس يتشبث بشادي رياض    ملاعب المغرب تستقبل 9 مباريات ضمن تصفيات المونديال    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    مشورة قانونية لفيفا بشأن طلب فلسطين تجميد عضوية اسرائيل    طقس الجمعة | ارتفاع درجات الحرارة في جنوب شرق وأقصى جنوب المملكة    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    عصيد: الإعلام الأمازيغي يصطدم بتحديات كبرى .. وتفعيل الدستور "معلق"    رد قوية وساحق لعمر هلال على ممثل الجزائر في الأمم المتحدة    الجيش الإسرائيلي يواصل توسيع عملياته العسكرية في رفح المكتظة بالنازحين    عصابة "رجل المُنتصف".. السلطات الإسبانية توقف 30 مغربيا    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    رسالة من عمرو موسى إلى القادة في القمة العربية: "أن نكون أو لا نكون" – صحيفة الشرق الأوسط    اختفاء غامض لشاب من تمسمان على متن باخرة متجهة إلى إسبانيا من الناظور    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    موعد مباراة نهضة بركان ضد الزمالك المصري في إياب نهائي كأس الكاف    بعد مقال "العمق".. إرسال كميات مهمة من أمصال "داء الكلب" لمراكز الصحة بجهة كلميم    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    احذر وضعيات النوم الأكثر ضررا على صحة الجسم    إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية بجهة طنجة    الأمثال العامية بتطوان... (600)    الملك محمد السادس: نتأسف على عدم قيام اتحاد المغرب العربي بدوره الطبيعي    ميناء طنجة : تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    سعر الذهب يتراجع بعد مكاسب الدولار    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    الجزائر.. داؤها في قيادتها    حرب تبحث عن مشروع سياسي    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية، نهاية التاريخ عند فوكوياما؟
نشر في أخبارنا يوم 15 - 12 - 2018

أتقاسم مع القارئ الكريم هذه التدوينة العميقة جدا للمفكر المغربي إدريس هاني، التي طرح فيه تصورا عميقا ، يحيلنا على إحدى أكبر التصورات، وأكثرها تأثيرا خلال العقود الأخيرة في الكوسموبوليتيكا، وتعود لكبار الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين، خصوصا المفكرين المؤثرين في العلاقات الدولية، وأخص بالذكر هنا فوكوياما وصامويل هونتنغتون.

لقد دافع هؤلاء في هذه الحقبة، وأخص بالذكر فوكوياما في كتابه: "نهاية التاريخ" على أن البدائل التاريخية لم تعد ممكنة من خارج النظام الرأسمالي، بمعنى أن الشكل الوحيد الذي يمكنه أن ينجح في تنظيم المجتمعات على الصعيد العالمي هو استنساخ هذه الرأسمالية الأمريكية وتعميمها، لأنها البديل الوحيد الممكن. وهو ما شرعن لأمريكا التدخل في كل بقاع العالم، ساعية لتنميط العالم بنموذجها في الحكم والإدارة والتنظيم، موظفة كل القوانين والمؤسسات الدولية في ذلك، مدعومة في نفس الوقت بالآلة الإعلامية العالمية التي شيدت في الأذهان أنه انتهى زمن التناقض، وكأن التاريخ الهيغيلي حقق مطلقه وتجلى.

لكن بعد أحداث الربيع العربي وخاصة الإنفجار التاريخي للتناقض في قلب سوريا والعراق واليمن بين تناقضات التاريخ، إستعادت الفلسفة والسياسة من جديد مفهوم الواقع الذي سلب منها تحت الهيمنة الأمريكية، هكذا بدأت تلوح في الأفق ملامح نظام عالمي جديد. لقد ظهر أن القوانين التي صيغت بعد الحرب العالمية الثانية لم تعد قادرة على تدبير تناقضات العالم الجديدة، وهو ما يعني أن البدائل صارت مطروحة فيكفي أن الروس اليوم يفكرون بشكل جدي في إنشاء منقطة تبادل جديدة للعملة والبضائع مع إيران والصين مشكلين حلفا آخر لم يعد ممكنا تجاوزه في العالم.

في هذا الصدد تكمن قيمة هذه الأطروحة التي يقدمها المفكر المغربي إدريس هاني فهي تضرب في الصميم تصور فوكوياما، وتدعونا جميعا للتفكير في: "نهاية لنهاية التاريخ"، كما تصوره فوكوياما باحثين على بديل جديد يمكنه أن يدفع بالتاريخ نحو أطروحة جديدة، يحركها منطق الرغبة، وهو ما بينته الأستاذ إدريس هاني موظفا مفهوم الرغبة بالمعنى الهيجيلي باعتبارها قوة محركة في التاريخ، وقد استعان بلاكان ليبين أن هذه الرغبة لا موضوع لها في الأشياء، بل موضوعها هو الذات. وهذا هو نص الأستاذ إدريس هاني:

"يصعب مقاربة الأفكار خارج سياقاتها وتفاعل أصحابها مع الضغط الآني للوقائع، هل ترى أنّ الفكر هو حصيلة جمود أم تفاعل بين الذات وانطباعاتها حيال الظّاهرات..لأنّ العبارة الأخيرة تختزل معنى أوسع من مجرد التفاعل مع الظاهرات..فثمة ذات هي التي تتحكم في حدود وكيفية التّلقّي وهناك الصورة التي تكونها الفاهمة لهذا المعطى..لا الظاهرات على تمامها على مستوى نفس الأمر ولا حتى الأنا مستوفية لشروط تحققها الكامل..فالأنا نتيجة الآخر والآخر نتيجة الأنا..وداخل دوامة هذا الدياليكتيك يبدو المعنى في حالة انفلات.

"ليس فوكوياما في هذا مختلف عن هنتنغتون فكلاهما منتج لهذا الحدث الكبير الناتج عن انهيار الاتحاد السوفياتي، كلاهما كان يبحث عن باراديم كفيل بتحرير المستقبل من هاجس الحرب الباردة..وإذا كان هنتنغتون اعتبر أن النموذج الحضاراتي بديل فهو لن يكون كذلك إلى الأبد، في محاولة للتأكيد على أنّ الأمر يتعلّق بتطوير مناهج المقاربة في السياسة الدولية، الأمر الذي لم يقله فوكوياما وربما أوحت فكرة نهاية التاريخ بأنه كان بصدد وضع نهاية المعنى. والحقيقة بناء على التحول الذي طرأ على فكر فوكوياما أخيرا معتبرا عودة الأفكار والنظم الاجتماعية بدل الليبرالية التي فشلت إنما يعيدنا إلى أصل المنظور الذي حاول فوكوياما تحريفه من الرؤية الأصلية لكوجيف دارسا هيغل من أنّ الشمولية هي ما هو حقيق بنهاية التاريخ..بل إن نهاية التاريخ قامت بتعبير كوجيف..لقد كان فوكوياما الابن البار لهذا التأثير الذي يضارع ما بعد الحداثة في أوربا أي أنّه حصيلة تأثير كوجيف وليوشتراوس، وبالتّالي إن ما يقرره كوجيف هو أنّ القضية لها علاقة بتاريخ الاعتراف، هذا التاريخ قد يستمر عشرات القرون ، فالأنا هي في حاجة للاعتراف، وهذا يفتح طريقا للمقاومة..إن فوكوياما خان مصادره في بداية الأمر، ففي صلب هذه الحقيقة الطبيعية التي تجعل كوجيف يراها كالتيموس الموجود في طبيعة الكائن لا فكاك عنه تعطي المعنى التاريخي للمقاومة..

أريد هنا أن أتطرّق إلى القضية الأساسية عند كوجيف، وهنا أيضا أريد أن أحفر في عمق التحليل النفسي اللاّكاني، ذلك لأنّ قصة الاعتراف تكمن هنا بشكل أوضح فيما تجلى في نظرية جاك لاكان حول المرحلة المرآوية..هناك إذن تداخل بين منظور كوجيف ورؤية لاكان للأنا باعتبارها تعمل وفق جدلية مزدوجة، أي حين توجد فهي تحتاج للآخر..الوجود والاعتراف بالوجود..الرغبة في الهيمنة والمقاومة من أجل الاعتراف..بالنسبة إلى لاكان فالأنا هي نتاج للآخر بتلخيص كريستيان جامبيت..الأنا تستقبل هويتها من الخارج..لا توجد أنا حقيقية..نحن إذن أمام مفارقة يضعنا فيها هذا التقريب: أنا مستعارة مرآويا برسم اللاّكانية وهي تتطلب اعترافا برسم الكوجيفية..مرة أخرى أرى أنّ هناك ما ليس مكتملا في بناء المرحلة المرآوية..ثغرة..منها تهرب الأنا من نفسها ومن الآخر لتصبح لغزا محيّرا..أعتقد أنّ للأنا وسائل الانفلات والخداع..هذا الخداع انطلى في نظري أيضا على

جاك لاكان، لا أستبعد أنه وقع ضحية خداع ذُهاني..الذُهانيون شكلوا مختبرا لقياس الأفكار عند لاكان..وجد فيهم عيّنة لأوسع مدارك الخيال والمُلاوغة..وسأوضح ذلك باختصاروسأبيّن أنّ الأنا هي من يحبك كلّ هذه المرحلة وبأنّ الآخر هو في النهاية منتج للأنا..إنّ الأنا هو الناظر في المرآت، هو الذي يستحضر الآخر، هو من يستدرج نفسه لهذا الشكل من التّلقي..وتلك الصورة هي ليست صورة الآخر بل صورة الأنا كما يراها الأنا..العملية خداع..حتى المرآت لا تري الأنا إلاّ ما أراد الأنا نفسه..العملية من الأنا إلى الأنا، والآخر هنا وسيلة للأنا..لا شيء مزيّف هنا، بقدر ما أنّ الآخر هو موضوع الإلتباس هنا..حتى في المرحلة المرآوية يكتشف الأنا نفسه من خلال استدخال الآخر، لكن الآخر المستدخل هنا هو رهين رؤية الأنا..حين تقول الأنا هناك شيئ خارج هو ملهم أول لهويتي فذلك هو مونولوغ داخل الذات يصبح العالم فيه مسرحا لتجلّي ملكاتها..إنني أرى أنّ للأنا الدور التنسيقي الأساسي في خدعة المرحلة المرآوية نفسها..


نعود إلى فوكوياما، فإنّ الرغبة في الاعتراف وهي محرك التاريخ الحقيقي في منظور كوجيف تخطئ هنا في المصداق لا في المفهوم، فحينما انهار الاتحاد السوفياتي ظنّ فوكوياما بأن الليبرالية هي نهاية التاريخ والمحطة التي يتحقق بها الاعتراف، غير أنه سقط ضحية مقولات مذهبية أيديولوجية ونسي الواقع الذي يموج بضحايا الليبرالية المتوحشة التي تنتج في الواقع مجتمعا للسادة والعبيد، وحينئذ ستبدأ مسيرة جديدة من البحث عن الاعتراف..واليوم حيث تهتزّ الأرض من تحت أوربا اجتماعيا فإنّ فكرة نهاية التاريخ عند فوكوياما هي في نظري مشكلة مصداق لا مفهوم، وبأنّ لحظة إعلانه عن نهاية التاريخ إنما كان في الحقيقة يعلن عن بداية تاريخ جديد سيشهد صراعا أقوى تقدحه الرغبة في الاعتراف، فالتاريخ بهذا المعنى الذي سار عليه هيغل وكوجيف لا يتحدث عن نهايات بل عن تحولات مستمرة وفق جدل الهيمنة والاعتراف..التحول الذي بدا على فكر فوكوياما ليس جديدا ، قبل عشر سنوات أظهر في لقاء أجريته معه كيف أنّه عبّر عن تراجع وقلّة تمسّك بمقولاته بل بانتهاك البنية الصلبة لفكرة النهاية حيث اختزلها في تصور عن كيفية تطور التاريخ والمجتمعات في اتجاه نمط يسود فيه السلم والاعتراف، بل نجد المفارقة هنا تكمن في أنّ فوكوياما ينتظر أنّ هذا التحول سيجري من داخل شروط هيمنة السوق والليبرالية..لا أعتقد أن فوكوياما في نهاية المطاف تخلّة عن كوجيف بل أراه عاد إليه بشكل أقل تشويشا مما فعل غداة سقوط الاتحاد السوفياتي...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.