وجود 76 حافلة للنقل المدرسي بقرى طنجة أصيلة غير كافٍ بحسب الحميدي    وزارة النقل: محاضر المخالفات تتعلق بعدم مطابقة صفائح تسجيل مركبات السير الدولي للخصائص المشار إليها في مدونة السير    الأحزاب المغربية تطالب بالتصويت بالبطاقة الوطنية بدل بطاقة الناخب    لوحات ترقيم مزدوجة اللغة تربك المواطنين وتثير الجدل بالمغرب    إجراءات إسبانية لوقف الإبادة بغزة    برلمان فرنسا يحجب الثقة عن الحكومة    ملاحظات "UMT" على مجلس الصحافة    عقوبة العمل للمنفعة العامة .. تفاصيل استعدادات قطاعات وزارية للتنزيل    ابتزاز ورشوة يطيحان بضابط شرطة    الائتلاف المدني من أجل الجبل: أكثر من 7 ملايين نسمة يعيشون على هامش العدالة المجالية (فيديو)    "Baleària" تطلق أول خط بحري نظيف    زخات رعدية منتظرة يوم غد الثلاثاء بالجهة الشرقية    وفاة المعلم الكناوي مصطفى باقبو أحد رموز الموسيقى الكناوية        بفوز سابع على زامبيا.. المغرب يواصل مساره المثالي في تصفيات مونديال 2026    عجز السيولة البنكية يتراجع بنسبة 7,48 في المائة من 28 غشت إلى 3 شتنبر    المنتخب الوطني ينتصر على نظيره الزامبي    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض        ترامب في مرآة كتاب جديد.. الصحفي سمير شوقي يكشف تناقضات الولاية الثانية للرئيس الأمريكي    بسبب محاكمته.. تأسيس لجنة للتضامن مع الغلوسي    نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    الاتحاد الأوروبي يحذر من مخاطر إرسال أساطيل المساعدات الإنسانية إلى غزة    جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد استقلال بلادها    مقتل شاب من مليلية في هجوم مسلح نفذه فلسطينيان بالقدس    «لا بار في شيكاغو» لمحمود الرحبي خرائط سردية تعيد أحياء تائهة إلى مدنها    مصرع شخصين في حريق بدوار مولاي عزوز الملك بمراكش    "نور الرياض" يعلن مواقع الاحتفال والقيّمين الفنيّين للنسخة القادمة    الوطنية الاحترافية للقسم الأول برسم الموسم الرياضي 2025-2024: النادي الرياضي المكناسي يشحذ أسلحته بطموحات قارية    "كناش الحشمة".. أسطورة الرحل فوق خشبة المسرح الكبير بنمسيك    ربيع القاطي يطرق باب العالمية مجددًا عبر سلسلة "Atomic"    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    ميناء طنجة المتوسط يربك مدريد.. وحزب "فوكس" يرفع منسوب التصعيد ضد المغرب    زخات رعدية وهبات رياح مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من المناطق    الركراكي: نحترم جميع الخصوم وهدفنا الفوز أمام زامبيا    فضيحة الخطأ المطبعي.. شركة تعدين تخفض مردودية ذهب كلميم من 300 إلى 30 غراما فقط    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..    قرية لمهيريز... صيادون منسيون في قلب الصحراء يطالبون بالكرامة والإنصاف    القدس الشرقية.. هجوم مسلح يوقع خمسة قتلى إسرائيليين    بنما تعلن حجز 39 طردا مشبوها على متن سفينة قادمة من المغرب    ألكاراز يتوج بلقب أمريكا المفتوحة للتنس للمرة الثانية    المنتخب المغربي يواجه زامبيا وعينه على مواصلة سلسلة انتصاراته        الموقف الأمريكي يعزز المبادرة المغربية كخيار وحيد لتسوية نزاع الصحراء    مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يحذّر من انهيار قواعد الحرب حول العالم    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي                البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    نقد مقال الريسوني    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الما‮ ‬والشطابة‮
نشر في أخبارنا يوم 25 - 03 - 2011

لم‮ ‬يحدث‮ ‬أن‮ ‬كان‮ ‬المحيط‮ ‬الملكي‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬عملية‮ ‬تطهير‮ ‬واسعة‮ ‬مثلما‮ ‬هو‮ ‬بحاجة‮ ‬إليها‮ ‬اليوم‮.‬
لقد‮ ‬أظهرت‮ ‬العشر‮ ‬سنوات‮ ‬الأخيرة‮ ‬أن‮ ‬بعض‮ ‬أصدقاء‮ ‬دراسة‮ ‬الملك،‮ ‬الذين‮ ‬أحاطهم‮ ‬ببلاطه‮ ‬ومنحهم‮ ‬ثقته،‮ ‬انتهوا‮ ‬إلى‮ ‬إظهار‮ ‬الولاء‮ ‬لامتيازاتهم‮ ‬ومصالحهم‮ ‬الخاصة‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬ولائهم‮ ‬للملك‮ ‬والصالح‮ ‬العام‮.‬
وعوض‮ ‬أن‮ ‬يتفرغ‮ ‬بعض‮ ‬رجال‮ ‬البلاط‮ ‬هؤلاء‮ ‬إلى‮ ‬مصاحبة‮ ‬النظرة‮ ‬البعيدة‮ ‬للملك‮ ‬ويساعدوه‮ ‬على‮ ‬تدبير‮ ‬الإرث‮ ‬الثقيل‮ ‬الذي‮ ‬خلفه‮ ‬له‮ ‬والده‮ ‬ونظامه‮ ‬السابق،‮ ‬تفرغوا‮ ‬لمصالحهم‮ ‬ومشاريعهم‮ ‬الشخصية‮ ‬ووفروا‮ ‬كل‮ ‬قواهم‮ ‬وذكائهم‮ ‬وطاقتهم‮ ‬لتحويل‮ ‬البلاط‮ ‬الملكي‮ ‬إلى‮ ‬حصن‮ ‬منيع‮ ‬يحتمون‮ ‬به‮ ‬ويصفون‮ ‬في‮ ‬حدائقه‮ ‬الخلفية‮ ‬حساباتهم‮ ‬الشخصية‮ ‬العالقة‮ ‬بينهم‮ ‬منذ‮ ‬فترة‮ ‬الدراسة‮ ‬فوق‮ ‬مقاعد‮ ‬المدرسة‮ ‬المولوية‮.‬
ولذلك،‮ ‬فليس‮ ‬غريبا‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬أول‮ ‬من‮ ‬يتصدون‮ ‬لثورة‮ ‬الملك‮ ‬الإصلاحية‮ ‬هم‮ ‬بعض‮ ‬هؤلاء‮ ‬الأصدقاء‮ ‬القدامى‮.‬
ولعل‮ ‬ما‮ ‬تتعرض‮ ‬له‮ ‬ثورة‮ ‬الملك‮ ‬محمد‮ ‬السادس‮ ‬اليوم‮ ‬على‮ ‬أيدي‮ ‬بعض‮ ‬رجال‮ ‬البلاط‮ ‬يشبه،‮ ‬إلى‮ ‬حد‮ ‬كبير،‮ ‬ما‮ ‬تعرض‮ ‬له‮ ‬السلطان‮ ‬العلوي‮ ‬المولى‮ ‬سليمان‮ ‬عندما‮ ‬تصدى‮ ‬شيوخ‮ ‬الزوايا‮ ‬لمسلسل‮ ‬الإصلاح‮ ‬الديني‮ ‬الذي‮ ‬أطلقه‮ ‬والذي‮ ‬كان‮ ‬يرمي‮ ‬إلى‮ ‬توحيد‮ ‬ومركزة‮ ‬المنظومة‮ ‬الدينية‮ ‬ومحاربة‮ ‬البدع‮ ‬والتقيد‮ ‬بالسنة،‮ ‬مما‮ ‬يعد‮ ‬إصلاحا‮ ‬دستوريا‮ ‬بلغة‮ ‬اليوم‮.‬
وعوض‮ ‬أن‮ ‬يخصص‮ ‬الملك‮ ‬المولى‮ ‬سليمان‮ ‬جهده‮ ‬لتطبيق‮ ‬مخططه‮ ‬الإصلاحي،‮ ‬ضيع‮ ‬الوقت‮ ‬في‮ ‬محاربة‮ ‬الزوايا‮ ‬وجيوب‮ ‬المقاومة‮ ‬التي‮ ‬اتحدت‮ ‬ضده‮ ‬والتي‮ ‬كانت‮ ‬لديها‮ ‬آذان‮ ‬داخل‮ ‬البلاط‮ ‬وامتدادات‮ ‬من‮ ‬المتعاونين‮ ‬الذين‮ ‬كانوا‮ ‬يخبرونهم‮ ‬بمخططات‮ ‬الملك‮ ‬وببرامج‮ ‬جولاته‮ ‬وحركاته‮.‬
فكتب‮ ‬المؤرخ‮ ‬عبد‮ ‬الحفيظ‮ ‬الفاسي‮ ‬يقول‮: «‬ولولا‮ ‬مقاومة‮ ‬مشايخ‮ ‬الزوايا‮ ‬من‮ ‬أهل‮ ‬عصره‮ ‬له،‮ ‬وبَثهم‮ ‬الفتنة‮ ‬في‮ ‬كافة‮ ‬المغرب‮ ‬وتعضيد‮ ‬من‮ ‬خرج‮ ‬عليه‮ ‬من‮ ‬قرابته‮ ‬وغيرهم،‮ ‬واشتغاله‮ ‬بمقاتلتهم‮ ‬وإنكاره‮ ‬أمامهم،‮ ‬لولا‮ ‬كل‮ ‬ذلك‮ ‬لعمت‮ ‬دعوته‮ ‬الإصلاحية‮ ‬كافة‮ ‬المغرب‮. ‬ولكن‮ ‬بوجودهم‮ ‬ذهبت‮ ‬مساعيه‮ ‬أدراج‮ ‬الرياح،‮ ‬فذهبت‮ ‬فكرة‮ ‬الإصلاح‮ ‬ونصرة‮ ‬مذهب‮ ‬السلف‮ ‬بموته‮».‬
لذلك،‮ ‬فالملك‮ ‬اليوم‮ ‬محتاج‮ ‬إلى‮ ‬رجال‮ ‬بلاط‮ ‬يساندون‮ ‬ثورته‮ ‬الإصلاحية‮ ‬ويفتحون‮ ‬أمامها‮ ‬الطريق،‮ ‬لا‮ ‬إلى‮ ‬رجال‮ ‬بلاط‮ ‬يطبقون‮ ‬البيت‮ ‬الشعري‮ ‬الشعبي‮ ‬القائل‮: «‬السن‮ ‬يضحك‮ ‬للسن‮ ‬والخديعة‮ ‬فالقلب‮». ‬
لحسن‮ ‬الحظ‮ ‬أن‮ ‬بعض‮ ‬هؤلاء‮ ‬الرجال‮ ‬المقربين‮ ‬الذين‮ ‬انكشفت‮ ‬حقيقتهم،‮ ‬غادروا‮ ‬البلاط‮ ‬مؤخرا،‮ ‬لكن‮ ‬يبقى‮ ‬الأمر‮ ‬بحاجة‮ ‬إلى‮ ‬عملية‮ ‬تطهير‮ ‬شاملة‮ ‬لردهات‮ ‬وأروقة‮ ‬القصر‮ ‬لكي‮ ‬يتحقق‮ ‬الإصلاح‮ ‬المنتظر‮ ‬للمؤسسة‮ ‬الملكية‮. ‬
عندما‮ ‬كتب‮ ‬الناطق‮ ‬السابق‮ ‬باسم‮ ‬القصر‮ ‬الملكي‮ ‬والوالي‮ ‬ومؤرخ‮ ‬المملكة‮ ‬السابق،‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ ‬رده‮ ‬المتلفع‮ ‬ببلاغة‮ ‬الحشو‮ ‬واللمز‮ ‬والغمز‮ ‬على‮ ‬اتهامنا‮ ‬إياه‮ ‬باستغلال‮ ‬نفوذه‮ ‬كوال‮ ‬للاغتناء‮ ‬في‮ ‬مكناس،‮ ‬ألمح‮ ‬إلى‮ ‬وجود‮ ‬أطراف‮ ‬في‮ ‬المحيط‮ ‬الملكي‮ ‬دفعتنا‮ ‬إلى‮ «‬استهدافه‮» ‬عقابا‮ ‬له‮ ‬على‮ ‬بصقه‮ ‬في‮ ‬قصعة‮ ‬الطعام‮ ‬المخزني‮ ‬الذي‮ ‬تشحم‮ ‬كتفاه‮ ‬بفضله‮. ‬
ومن‮ ‬حق‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ «‬الملاك‮» ‬المطرود‮ ‬من‮ ‬جنة‮ ‬البلاط،‮ ‬أن‮ ‬يتهم‮ ‬أطرافا‮ ‬داخل‮ ‬المحيط‮ ‬الملكي،‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬يسميهم،‮ ‬بإبعاده‮ ‬من‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮. ‬فالعارفون‮ ‬بخبايا‮ ‬المسار‮ ‬الذي‮ ‬عاشه‮ ‬الرجل‮ ‬يعرفون‮ ‬أن‮ «‬صاحب‮ ‬دعوته‮»‬،‮ ‬فؤاد‮ ‬عالي‮ ‬الهمة،‮ ‬كان‮ ‬خصمه‮ ‬العنيد‮ ‬منذ‮ ‬أيام‮ ‬الدراسة‮ ‬إلى‮ ‬جانب‮ ‬ولي‮ ‬العهد‮.‬
ويبدو‮ ‬أن‮ ‬الطفل‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ ‬القادم‮ ‬من‮ ‬هوامش‮ ‬الراشيدية،‮ ‬لم‮ ‬ينس‮ ‬لزميله‮ ‬القديم‮ ‬في‮ ‬فصول‮ ‬المدرسة‮ ‬المولوية،‮ ‬فؤاد‮ ‬عالي‮ ‬الهمة‮ ‬القادم‮ ‬بدوره‮ ‬من‮ ‬الرحامنة،‮ ‬لحظات‮ ‬الخصام‮ ‬والصد‮ ‬والجذب‮ ‬التي‮ ‬عاشا‮ ‬فصولها‮ ‬معا‮ ‬طيلة‮ ‬سنوات‮ ‬داخل‮ «‬الكوليج‮ ‬الملكي‮». ‬
فمنذ‮ ‬ذلك‮ ‬التاريخ،‮ ‬تكون‮ ‬لدى‮ ‬حسن‮ ‬أوريد‮ ‬ما‮ ‬يشبه‮ ‬العقدة‮ ‬النفسية‮ ‬من‮ ‬بقية‮ ‬زملائه‮ ‬أصدقاء‮ ‬الملك،‮ ‬وعلى‮ ‬رأسهم‮ ‬الهمة‮. ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬أوريد‮ ‬يعتبر‮ ‬نفسه‮ «‬القاري‮» ‬أحسن‮ ‬من‮ ‬زملائه‮ ‬جميعا،‮ ‬والمثقف‮ ‬متعدد‮ ‬الألسن،‮ ‬والأديب‮ ‬المفوه‮ ‬والشاعر‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يشق‮ ‬له‮ ‬غبار‮. ‬
ولذلك،‮ ‬فبعد‮ ‬طرده‮ ‬من‮ ‬سفارة‮ ‬المغرب‮ ‬في‮ ‬واشنطن،‮ ‬بسبب‮ «‬الفهامة‮» ‬الزائدة‮ ‬عن‮ ‬اللزوم،‮ ‬سيلجأ‮ ‬إلى‮ ‬الكتابة‮ ‬في‮ «‬لوجورنال‮» ‬لإخافة‮ ‬زملائه‮ ‬السابقين‮ ‬في‮ «‬الكوليج‮» ‬الملكي،‮ ‬بحثا‮ ‬عن‮ ‬طريقة‮ ‬يعود‮ ‬بها‮ ‬إلى‮ ‬جنة‮ ‬البلاط‮. ‬
وهو‮ ‬ما‮ ‬تم‮ ‬له،‮ ‬بالفعل،‮ ‬عندما‮ ‬صدر‮ ‬قرار‮ ‬تعيينه‮ ‬ناطقا‮ ‬رسميا‮ ‬باسم‮ ‬القصر‮ ‬الملكي،‮ ‬وهكذا‮ ‬عاد‮ «‬الابن‮ ‬الضال‮» ‬إلى‮ ‬العش‮. ‬غير‮ ‬أن‮ ‬عودته‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬محط‮ ‬إجماع‮ ‬بعض‮ ‬زملائه‮ ‬القدامى‮ ‬في‮ ‬فصول‮ ‬الدراسة‮. ‬فبدأت‮ ‬الحرب،‮ ‬خصوصا‮ ‬الضربات‮ ‬تحت‮ ‬الحزام‮ ‬التي‮ ‬يجيدها‮ ‬أوريد‮ ‬بفضل‮ ‬توفره‮ ‬على‮ ‬أصدقاء‮ ‬صحافيين‮ ‬ظل‮ ‬يمرر‮ ‬إليهم‮ ‬الأخبار‮ ‬الطرية‮ ‬المتعلقة‮ ‬بكواليس‮ ‬البلاط‮. ‬ففهم‮ ‬الهمة‮ ‬أن‮ ‬استمرار‮ ‬وجود‮ ‬هذا‮ ‬الزميل‮ ‬القديم‮ ‬معه‮ ‬داخل‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮ ‬سيخلق‮ ‬له‮ ‬متاعب‮ ‬كثيرة،‮ ‬فكان‮ ‬ضروريا‮ ‬أن‮ ‬يغادر‮ «‬البلبل‮» ‬العش‮ ‬من‮ ‬جديد،‮ ‬لكي‮ ‬يحط‮ ‬واليا‮ ‬على‮ ‬مكناس‮ ‬تافيلالت‮. ‬
بعد‮ ‬خمس‮ ‬سنوات‮ ‬من‮ ‬تمثيله‮ ‬لوزارة‮ ‬الداخلية‮ ‬والملك‮ ‬في‮ ‬مكناس‮ ‬تافيلالت،‮ ‬وإشرافه‮ ‬على‮ ‬أجهزة‮ ‬المخابرات‮ ‬والأمن‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬المنطقة،‮ ‬سيعود‮ ‬حسن‮ ‬أوريد‮ ‬إلى‮ ‬فيلته‮ ‬بالهرهورة‮ ‬في‮ ‬ضاحية‮ ‬الرباط‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬أصبح‮ ‬بدون‮ ‬عمل‮.‬
لكن‮ ‬بطالته‮ ‬لم‮ ‬تدم‮ ‬طويلا،‮ ‬خصوصا‮ ‬وأن‮ ‬الرجل‮ ‬تفرغ‮ ‬لإعادة‮ ‬الحياة‮ ‬إلى‮ ‬معهده،‮ ‬طارق‮ ‬بن‮ ‬زياد،‮ ‬وبدأ‮ ‬يستضيف‮ ‬محاضرات‮ ‬مزعجة‮ ‬بالنسبة‮ ‬إلى‮ ‬النظام،‮ ‬ففهم‮ ‬أصدقاؤه‮ ‬القدامى‮ ‬رسالته‮ ‬وتمت‮ ‬المناداة‮ ‬عليه‮ ‬للعودة‮ ‬مجددا‮ ‬إلى‮ ‬العش‮ ‬وشغل‮ ‬منصب‮ ‬مؤرخ‮ ‬المملكة‮. ‬
غير‮ ‬أن‮ ‬لسان‮ ‬أوريد‮ ‬الطويل‮ ‬سيجلب‮ ‬له‮ ‬المتاعب‮ ‬مجددا،‮ ‬وسيجد‮ ‬أصحاب‮ ‬الحسنات‮ ‬في‮ ‬الهمة‮ ‬الشخص‮ ‬الوحيد‮ ‬القادر‮ ‬على‮ ‬التأثير‮ ‬على‮ ‬سلطة‮ ‬القرار‮ ‬وإزاحة‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬منصبه‮ ‬وإحالته‮ ‬على‮ ‬التقاعد‮ ‬المبكر‮.‬
إن‮ ‬ما‮ ‬يزعج‮ ‬في‮ ‬تصفية‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬تركة‮ «‬الكوليج‮ ‬الملكي‮» ‬هو‮ ‬أن‮ ‬هذه‮ ‬التصفية‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬بسبب‮ ‬التجاوزات‮ ‬التي‮ ‬اقترفها‮ ‬هذا‮ ‬الأخير‮ ‬عندما‮ ‬كان‮ ‬واليا‮ ‬على‮ ‬مكناس،‮ ‬وإنما‮ ‬كانت‮ ‬بسبب‮ ‬حسابات‮ ‬شخصية‮ ‬بينه‮ ‬وبين‮ ‬خصومه‮ ‬في‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮. ‬
ولو‮ ‬كان‮ «‬أصحاب‮ ‬دعوة‮» ‬أوريد‮ ‬قد‮ ‬عجلوا‮ ‬بإقصائه‮ ‬من‮ ‬دائرة‮ ‬رجال‮ ‬البلاط‮ ‬حرصا‮ ‬على‮ ‬الصالح‮ ‬العام،‮ ‬لكانوا‮ ‬قدموه‮ ‬إلى‮ ‬المحاكمة‮ ‬بسبب‮ ‬فداحة‮ ‬المخالفات‮ ‬التي‮ ‬اقترفها‮ ‬بوصفه‮ ‬واليا‮ ‬سابقا،‮ ‬وعدم‮ ‬الاكتفاء‮ ‬بطرده‮ ‬خارج‮ ‬أسوار‮ ‬البلاط‮. ‬
ولائحة‮ ‬هذه‮ ‬المخالفات‮ ‬طويلة‮ ‬وعريضة،‮ ‬سبق‮ ‬أن‮ ‬ذكرنا‮ ‬بعضها،‮ ‬فيما‮ ‬تركنا‮ ‬بعضها‮ ‬الآخر‮ ‬في‮ ‬الاحتياط،‮ ‬في‮ ‬انتظار‮ ‬أن‮ ‬يصدر‮ ‬تكذيب‮ ‬عن‮ ‬المعني‮ ‬بالأمر،‮ ‬وهو‮ ‬الشيء‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يستطع‮ ‬القيام‮ ‬به،‮ ‬فلجأ‮ ‬إلى‮ ‬بحور‮ ‬الشعر‮ ‬والاستعارة‮ ‬والمجاز‮ ‬لإخفاء‮ «‬عجزه‮» ‬المزمن‮ ‬عن‮ ‬نفي‮ ‬الوقائع‮ ‬المثبتة‮ ‬بالدليل‮ ‬والبرهان‮.‬
وإذا‮ ‬أراد‮ ‬أوريد،‮ ‬فعلا،‮ ‬أن‮ ‬يتنازل‮ ‬لي‮ ‬عن‮ ‬ضيعة،‮ ‬فهل‮ ‬سيتنازل‮ ‬لي‮ ‬عن‮ ‬الضيعة‮ ‬الموجودة‮ ‬بآيت‮ ‬يعزم‮ ‬البالغة‮ ‬مساحتها‮ ‬11‮ ‬هكتارا،‮ ‬والتي‮ ‬كانت‮ ‬في‮ ‬ملكية‮ ‬صوجيطا‮ ‬وتتعهدها‮ ‬صوديا،‮ ‬وكانت‮ ‬مخصصة‮ ‬كسكن‮ ‬ثان‮ ‬لوالي‮ ‬الجهة،‮ ‬فحولها‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬دار‮ ‬للضيافة‮ ‬وجند‮ ‬رئيس‮ ‬المنطقة‮ ‬الحضرية‮ ‬لصوديا‮ ‬لإصلاح‮ ‬الضيعة‮ ‬وتشبيب‮ ‬مغروساتها‮ ‬وبناء‮ ‬الإسطبل‮ ‬وحفر‮ ‬البئر،‮ ‬ليتوج‮ ‬كل‮ ‬ذلك‮ ‬بتفويتها‮ ‬إلى‮ ‬شخصه‮ ‬بمساعدة‮ ‬صديقه‮ ‬البوحديدي‮. ‬والقيمة‮ ‬الحالية‮ ‬للضيعة‮ ‬هي‮ ‬مليار‮ ‬و200‮ ‬مليون‮ ‬سنتم،‮ ‬وهي‮ ‬الضيعة‮ ‬التي‮ ‬فوتت‮ ‬إليه‮ ‬ببضعة‮ ‬ملايين‮ ‬لم‮ ‬تصل‮ ‬إلى‮ ‬الثلاثين،‮ ‬أي‮ ‬دون‮ ‬الكلفة‮ ‬التي‮ ‬صرفتها‮ ‬صوديا‮ ‬على‮ ‬الضيعة‮ ‬لإعادة‮ ‬تأهيلها‮.‬
تعود‮ ‬حسن‮ ‬أوريد،‮ ‬طيلة‮ ‬وجوده‮ ‬داخل‮ ‬المربع‮ ‬الذهبي‮ ‬للملك،‮ ‬على‮ ‬لعب‮ ‬لعبة‮ ‬القط‮ ‬والفأر‮ ‬مع‮ ‬النظام،‮ ‬فهو‮ ‬تارة‮ ‬يتقرب‮ ‬من‮ ‬الإسلاميين،‮ ‬وتارة‮ ‬يستخدم‮ ‬معهده‮ ‬لمغازلة‮ ‬الأمازيغيين،‮ ‬وتارة‮ ‬يتقرب‮ ‬من‮ ‬اليساريين‮ ‬وقدماء‮ ‬الانقلابيين،‮ ‬معطيا‮ ‬المثال‮ ‬على‮ ‬الصديق‮ ‬متقلب‮ ‬الوجوه‮ ‬والأقنعة‮ ‬حسب‮ ‬المصلحة‮. ‬وقد‮ ‬وصلت‮ ‬به‮ ‬الجرأة‮ ‬حدا‮ ‬جعله‮ ‬لا‮ ‬يتورع‮ ‬عن‮ ‬ترشيح‮ ‬أحمد‮ ‬الطاهري،‮ ‬المحكوم‮ ‬بتزوير‮ ‬الانتخابات،‮ ‬لنيل‮ ‬وسام‮ ‬العرش،‮ ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬تحقق‮ ‬عندما‮ ‬طلب‮ ‬الوالي‮ ‬أوريد‮ ‬من‮ ‬رئيس‮ ‬الاستعلامات‮ ‬العامة،‮ ‬الذي‮ ‬مكنه‮ ‬من‮ ‬20‮ ‬بقعة‮ ‬أرضية‮ ‬هو‮ ‬وزملاؤه‮ ‬ليشيدوا‮ ‬فوقها‮ ‬فيلاتهم‮ ‬الفاخرة‮ ‬بعدما‮ ‬كانت‮ ‬مخصصة‮ ‬لشقق‮ ‬اقتصادية‮ ‬لعمال‮ ‬ومستخدمي‮ ‬الجماعة‮ ‬من‮ ‬ذوي‮ ‬الدخل‮ ‬المحدود،‮ ‬تسجيل‮ ‬اسم‮ ‬الطاهري‮ ‬في‮ ‬لائحة‮ ‬الموشحين‮ ‬بوسام‮ ‬العرش‮. ‬هكذا،‮ ‬حصل‮ ‬الطاهري‮ ‬على‮ ‬الوسام‮ ‬ورد‮ ‬إليه‮ ‬الوالي‮ ‬اعتباره،‮ ‬على‮ ‬ظهر‮ ‬القصر،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬فشل‮ ‬في‮ ‬استعمال‮ ‬نفوذه‮ ‬في‮ ‬المحكمة‮ ‬لتبرئته‮ ‬من‮ ‬تهمة‮ ‬الغش‮ ‬الانتخابي‮. ‬
ومن‮ ‬بين‮ ‬الأقنعة‮ ‬الكثيرة‮ ‬التي‮ ‬ظل‮ ‬يلبسها‮ ‬أوريد‮ ‬حسب‮ ‬الظروف‮ ‬والمصالح،‮ ‬قناع‮ ‬العابد‮ ‬المتصوف‮ ‬الذي‮ ‬يحرص‮ ‬على‮ ‬أداء‮ ‬صلاة‮ ‬الفجر‮ ‬في‮ ‬المسجد‮ ‬لتغليط‮ ‬إسلاميي‮ ‬العدالة‮ ‬والتنمية‮ ‬في‮ ‬مكناس،‮ ‬وقناع‮ ‬الأمازيغي‮ ‬الذي‮ ‬يعاشر‮ ‬نشطاء‮ ‬الحركة‮ ‬ويعطي‮ ‬القصرَ‮ ‬فكرة‮ ‬مغلوطة‮ ‬عن‮ ‬نفوذه‮ ‬وتأثيره‮ ‬عليهم،‮ ‬وقناع‮ ‬المعارض‮ ‬الذي‮ ‬يجالس‮ ‬في‮ ‬أمسياته‮ ‬الساهرة‮ ‬أبناء‮ ‬الانقلابيين‮ ‬حيث‮ ‬يكيل‮ ‬النقد‮ ‬للنظام‮ ‬الذي‮ ‬أطعمه‮ ‬من‮ ‬جوع‮ ‬وكساه‮ ‬بعد‮ ‬عري‮ ‬وأغناه‮ ‬بعد‮ ‬فقر‮.‬
الفرق‮ ‬بين‮ ‬الأمس‮ ‬واليوم‮ ‬هو‮ ‬أن‮ ‬الوضع‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬يتحمل‮ ‬وجود‮ ‬أمثال‮ ‬هؤلاء‮ ‬الانتهازيين‮ ‬والوصوليين‮ ‬داخل‮ ‬أو‮ ‬حول‮ ‬أسوار‮ ‬البلاط‮. ‬اليوم،‮ ‬أصبح‮ ‬مطلوبا‮ ‬إنجاز‮ ‬عملية‮ ‬تطهير‭ ‬toilettage‭ ‬جذرية‮ ‬تذهب‮ ‬بالعناصر‮ ‬المؤذية‮ ‬الملتصقة‮ ‬ب‮«‬جلايل‮» ‬الملك،‮ ‬وتبقي‮ ‬على‮ ‬البطانة‮ ‬الصالحة‮ ‬التي‮ ‬تسدي‮ ‬النصح‮ ‬وتكشف‮ ‬الأخطاء‮ ‬وتسند‮ ‬العثرات،‮ ‬بدون‮ ‬خوف‮ ‬من‮ ‬ضياع‮ ‬مصلحة‮ ‬أو‮ ‬جاه‮ ‬أو‮ ‬نفوذ‮. ‬
‮«‬هرفات‮» ‬حسن‮ ‬أوريد‮ ‬لم‮ ‬تتوقف‮ ‬فقط‮ ‬على‮ ‬الأراضي‮ ‬والضيعات،‮ ‬وإنما‮ ‬تجاوزتها‮ ‬إلى‮ ‬المآثر‮ ‬التاريخية،‮ ‬وأشهرها‮ ‬مدرسة‮ ‬الشريف‮ ‬الإدريسي‮ ‬ذات‮ ‬المعمار‮ ‬التقليدي‮ ‬الرائع،‮ ‬استعملت‮ ‬أول‮ ‬الأمر‮ ‬كأول‮ ‬محكمة‮ ‬بمكناس‮ ‬في‮ ‬فترة‮ ‬الاستعمار،‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬تتحول‮ ‬إلى‮ ‬مدرسة‮. ‬لكن‮ ‬السيد‮ ‬الوالي‮ ‬أوريد‮ ‬ارتأى‮ ‬نظره‮ ‬السديد‮ ‬أن‮ ‬تتحول‮ ‬المدرسة‮ ‬إلى‮ ‬متحف‮ ‬سماه‮ «‬متحف‮ ‬مكناس‮» ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬تكفل‮ ‬بالإصلاحات‮ ‬باهظة‮ ‬الثمن‮ ‬المكتب‮ ‬الجهوي‮ ‬للاستثمار‮. ‬بعد‮ ‬ذلك،‮ ‬سيقوم‮ ‬الوالي‮ ‬أوريد‮ ‬بتفويت‮ ‬المدرسة‮ ‬المتحف‮ ‬إلى‮ ‬معهد‮ ‬طارق‮ ‬بن‮ ‬زياد‮ ‬الذي‮ ‬يسيره‮. ‬ولم‮ ‬تمض‮ ‬إلا‮ ‬أسابيع‮ ‬على‮ ‬هذه‮ «‬الهرفة‮»‬،‮ ‬حتى‮ ‬بادرت‮ ‬إدارة‮ ‬المعهد‮ ‬إلى‮ ‬كراء‮ ‬نصف‮ ‬المتحف‮ ‬إلى‮ ‬معهد‮ «‬سيرفانتيس‮» ‬واستخلاص‮ ‬واجب‮ ‬الكراء‮ ‬لصالحه‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.