الدمناتي: مسيرة FDT بطنجة ناجحة والاتحاد الاشتراكي سيظل دائما في صفوف النضال مدافعا عن حقوق الشغيلة    تيزنيت: الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ينظم تظاهرته بمناسبة فاتح ماي 2025 ( صور )    عندما يهاجم بنكيران الشعب.. هل زلّ لسانه أم كشف ما في داخله؟    وزراء خارجية "البريكس" وشركاؤهم يجتمعون في ريو دي جانيرو    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة.. المنتخب المغربي يدشن مشاركته بفوز صعب على كينيا    في عيد الشغل.. أمين عام حزب سياسي يتهم نقابات بالبيع والشراء مع الحكومة    صادرات الفوسفاط بقيمة 20,3 مليار درهم عند متم مارس 2025    تنفيذ قانون المالية لسنة 2025.. فائض خزينة بقيمة 5,9 مليار درهم عند متم مارس    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينتصر على كينيا ويشارك الصدارة مع نيجيريا قبل المباراة المرتقبة بينهما    أمطار طوفانية تغمر زاكورة.. وسيول كادت تودي بأرواح لولا تدخل المواطنين    الشرطة الإسبانية تعتقل زوجين بسبب احتجاز أطفالهما في المنزل ومنعهم من الدراسة    كلية الناظور تحتضن ندوة وطنية حول موضوع الصحة النفسية لدى الشباب    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    فرنسا.. ضبط 9 أطنان من الحشيش بعد سطو مسلح على شاحنة مغربية قرب ليون (فيديو)    فوائد القهوة لكبار السن.. دراسة تكشف علاقتها بصحة العضلات والوقاية من السقوط    نشرة إنذارية: زخات رعدية وهبات رياح قوية مرتقبة بعدد من أقاليم المملكة    كرة القدم.. برشلونة يعلن غياب مدافعه كوندي بسبب الإصابة    توقيف لص من ذوي السوابق لانتشاله القبعات بشوارع طنجة    لماذا أصبحت BYD حديث كل المغاربة؟    عمر هلال يبرز بمانيلا المبادرات الملكية الاستراتيجية لفائدة البلدان النامية    موخاريق: الحكومة مسؤولة عن غلاء الأسعار .. ونرفض "قانون الإضراب"    رحيل أكبر معمرة في العالم.. الراهبة البرازيلية إينا كانابارو لوكاس توفيت عن 116 عاما    المركزيات النقابية تحتفي بعيد الشغل    "تكريم لامرأة شجاعة".. ماحي بينبين يروي المسار الاستثنائي لوالدته في روايته الأخيرة    باحثة إسرائيلية تكتب: لايجب أن نلوم الألمان على صمتهم على الهلوكوست.. نحن أيضا نقف متفرجين على الإبادة في غزة    اتحاد إنجلترا يبعد "التحول الجنسي" عن كرة القدم النسائية    المغرب يجذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 9.16 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تقرير: المغرب بين ثلاثي الصدارة الإفريقية في مكافحة التهريب.. ورتبته 53 عالميا    الحكومة تطلق خطة وطنية لمحاربة تلف الخضر والفواكه بعد الجني    تراجع طفيف تشهده أسعار المحروقات بالمغرب    أمل تيزنيت يرد على اتهامات الرشاد البرنوصي: "بلاغات مشبوهة وسيناريوهات خيالية"    المملكة المتحدة.. الإشادة بالتزام المغرب لفائدة الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل خلال نقاش بتشاتام هاوس    معرض باريس.. تدشين جناح المغرب، ضيف شرف دورة 2025    عادل سايح: روح الفريق هل التي حسمت النتيجة في النهاية    العثور على جثة مهاجر جزائري قضى غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة    تسارع نمو القروض البنكية ب3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب    الإسباني لوبيتيغي يدرب منتخب قطر    السكوري بمناسبة فاتح ماي: الحكومة ملتزمة بصرف الشطر الثاني من الزيادة في الأجور    أغاثا كريستي تعود للحياة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي    دول ترسل طائرات إطفاء إلى إسرائيل    الإعلان في "ميتا" يحقق نتائج أرباح ربعية فوق التوقعات    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدعو الحكومة إلى تحسين الأجور بما يتناسب والارتفاع المضطرد للأسعار    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    أكاديمية المملكة تشيد بريادة الملك محمد السادس في الدفاع عن القدس    الدار البيضاء ترحب بشعراء 4 قارات    محمد وهبي: كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة (مصر – 2025).. "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    طنجة .. كرنفال مدرسي يضفي على الشوارع جمالية بديعة وألوانا بهيجة    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الما‮ والشطابة‮
نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2011

لم‮ يحدث‮ أن‮ كان‮ المحيط‮ الملكي‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ واسعة‮ مثلما‮ هو‮ بحاجة‮ إليها‮ اليوم‮.‬
لقد‮ أظهرت‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة‮ أن‮ بعض‮ أصدقاء‮ دراسة‮ الملك،‮ الذين‮ أحاطهم‮ ببلاطه‮ ومنحهم‮ ثقته،‮ انتهوا‮ إلى‮ إظهار‮ الولاء‮ لامتيازاتهم‮ ومصالحهم‮ الخاصة‮ أكثر‮ من‮ ولائهم‮ للملك‮ والصالح‮ العام‮.‬
وعوض‮ أن‮ يتفرغ‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ هؤلاء‮ إلى‮ مصاحبة‮ النظرة‮ البعيدة‮ للملك‮ ويساعدوه‮ على‮ تدبير‮ الإرث‮ الثقيل‮ الذي‮ خلفه‮ له‮ والده‮ ونظامه‮ السابق،‮ تفرغوا‮ لمصالحهم‮ ومشاريعهم‮ الشخصية‮ ووفروا‮ كل‮ قواهم‮ وذكائهم‮ وطاقتهم‮ لتحويل‮ البلاط‮ الملكي‮ إلى‮ حصن‮ منيع‮ يحتمون‮ به‮ ويصفون‮ في‮ حدائقه‮ الخلفية‮ حساباتهم‮ الشخصية‮ العالقة‮ بينهم‮ منذ‮ فترة‮ الدراسة‮ فوق‮ مقاعد‮ المدرسة‮ المولوية‮.‬
ولذلك،‮ فليس‮ غريبا‮ أن‮ يكون‮ أول‮ من‮ يتصدون‮ لثورة‮ الملك‮ الإصلاحية‮ هم‮ بعض‮ هؤلاء‮ الأصدقاء‮ القدامى‮.‬
ولعل‮ ما‮ تتعرض‮ له‮ ثورة‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ اليوم‮ على‮ أيدي‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ يشبه،‮ إلى‮ حد‮ كبير،‮ ما‮ تعرض‮ له‮ السلطان‮ العلوي‮ المولى‮ سليمان‮ عندما‮ تصدى‮ شيوخ‮ الزوايا‮ لمسلسل‮ الإصلاح‮ الديني‮ الذي‮ أطلقه‮ والذي‮ كان‮ يرمي‮ إلى‮ توحيد‮ ومركزة‮ المنظومة‮ الدينية‮ ومحاربة‮ البدع‮ والتقيد‮ بالسنة،‮ مما‮ يعد‮ إصلاحا‮ دستوريا‮ بلغة‮ اليوم‮.‬
وعوض‮ أن‮ يخصص‮ الملك‮ المولى‮ سليمان‮ جهده‮ لتطبيق‮ مخططه‮ الإصلاحي،‮ ضيع‮ الوقت‮ في‮ محاربة‮ الزوايا‮ وجيوب‮ المقاومة‮ التي‮ اتحدت‮ ضده‮ والتي‮ كانت‮ لديها‮ آذان‮ داخل‮ البلاط‮ وامتدادات‮ من‮ المتعاونين‮ الذين‮ كانوا‮ يخبرونهم‮ بمخططات‮ الملك‮ وببرامج‮ جولاته‮ وحركاته‮.‬
فكتب‮ المؤرخ‮ عبد‮ الحفيظ‮ الفاسي‮ يقول‮: «‬ولولا‮ مقاومة‮ مشايخ‮ الزوايا‮ من‮ أهل‮ عصره‮ له،‮ وبَثهم‮ الفتنة‮ في‮ كافة‮ المغرب‮ وتعضيد‮ من‮ خرج‮ عليه‮ من‮ قرابته‮ وغيرهم،‮ واشتغاله‮ بمقاتلتهم‮ وإنكاره‮ أمامهم،‮ لولا‮ كل‮ ذلك‮ لعمت‮ دعوته‮ الإصلاحية‮ كافة‮ المغرب‮. ولكن‮ بوجودهم‮ ذهبت‮ مساعيه‮ أدراج‮ الرياح،‮ فذهبت‮ فكرة‮ الإصلاح‮ ونصرة‮ مذهب‮ السلف‮ بموته‮».‬
لذلك،‮ فالملك‮ اليوم‮ محتاج‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يساندون‮ ثورته‮ الإصلاحية‮ ويفتحون‮ أمامها‮ الطريق،‮ لا‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يطبقون‮ البيت‮ الشعري‮ الشعبي‮ القائل‮: «‬السن‮ يضحك‮ للسن‮ والخديعة‮ فالقلب‮».
لحسن‮ الحظ‮ أن‮ بعض‮ هؤلاء‮ الرجال‮ المقربين‮ الذين‮ انكشفت‮ حقيقتهم،‮ غادروا‮ البلاط‮ مؤخرا،‮ لكن‮ يبقى‮ الأمر‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ شاملة‮ لردهات‮ وأروقة‮ القصر‮ لكي‮ يتحقق‮ الإصلاح‮ المنتظر‮ للمؤسسة‮ الملكية‮.
عندما‮ كتب‮ الناطق‮ السابق‮ باسم‮ القصر‮ الملكي‮ والوالي‮ ومؤرخ‮ المملكة‮ السابق،‮ حسن‮ أوريد،‮ رده‮ المتلفع‮ ببلاغة‮ الحشو‮ واللمز‮ والغمز‮ على‮ اتهامنا‮ إياه‮ باستغلال‮ نفوذه‮ كوال‮ للاغتناء‮ في‮ مكناس،‮ ألمح‮ إلى‮ وجود‮ أطراف‮ في‮ المحيط‮ الملكي‮ دفعتنا‮ إلى‮ «‬استهدافه‮» عقابا‮ له‮ على‮ بصقه‮ في‮ قصعة‮ الطعام‮ المخزني‮ الذي‮ تشحم‮ كتفاه‮ بفضله‮.
ومن‮ حق‮ حسن‮ أوريد،‮ «‬الملاك‮» المطرود‮ من‮ جنة‮ البلاط،‮ أن‮ يتهم‮ أطرافا‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي،‮ دون‮ أن‮ يسميهم،‮ بإبعاده‮ من‮ المربع‮ الذهبي‮. فالعارفون‮ بخبايا‮ المسار‮ الذي‮ عاشه‮ الرجل‮ يعرفون‮ أن‮ «‬صاحب‮ دعوته‮»‬،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة،‮ كان‮ خصمه‮ العنيد‮ منذ‮ أيام‮ الدراسة‮ إلى‮ جانب‮ ولي‮ العهد‮.‬
ويبدو‮ أن‮ الطفل‮ حسن‮ أوريد،‮ القادم‮ من‮ هوامش‮ الراشيدية،‮ لم‮ ينس‮ لزميله‮ القديم‮ في‮ فصول‮ المدرسة‮ المولوية،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ القادم‮ بدوره‮ من‮ الرحامنة،‮ لحظات‮ الخصام‮ والصد‮ والجذب‮ التي‮ عاشا‮ فصولها‮ معا‮ طيلة‮ سنوات‮ داخل‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮».
فمنذ‮ ذلك‮ التاريخ،‮ تكون‮ لدى‮ حسن‮ أوريد‮ ما‮ يشبه‮ العقدة‮ النفسية‮ من‮ بقية‮ زملائه‮ أصدقاء‮ الملك،‮ وعلى‮ رأسهم‮ الهمة‮. فقد‮ كان‮ أوريد‮ يعتبر‮ نفسه‮ «‬القاري‮» أحسن‮ من‮ زملائه‮ جميعا،‮ والمثقف‮ متعدد‮ الألسن،‮ والأديب‮ المفوه‮ والشاعر‮ الذي‮ لا‮ يشق‮ له‮ غبار‮.
ولذلك،‮ فبعد‮ طرده‮ من‮ سفارة‮ المغرب‮ في‮ واشنطن،‮ بسبب‮ «‬الفهامة‮» الزائدة‮ عن‮ اللزوم،‮ سيلجأ‮ إلى‮ الكتابة‮ في‮ «‬لوجورنال‮» لإخافة‮ زملائه‮ السابقين‮ في‮ «‬الكوليج‮» الملكي،‮ بحثا‮ عن‮ طريقة‮ يعود‮ بها‮ إلى‮ جنة‮ البلاط‮.
وهو‮ ما‮ تم‮ له،‮ بالفعل،‮ عندما‮ صدر‮ قرار‮ تعيينه‮ ناطقا‮ رسميا‮ باسم‮ القصر‮ الملكي،‮ وهكذا‮ عاد‮ «‬الابن‮ الضال‮» إلى‮ العش‮. غير‮ أن‮ عودته‮ لم‮ تكن‮ محط‮ إجماع‮ بعض‮ زملائه‮ القدامى‮ في‮ فصول‮ الدراسة‮. فبدأت‮ الحرب،‮ خصوصا‮ الضربات‮ تحت‮ الحزام‮ التي‮ يجيدها‮ أوريد‮ بفضل‮ توفره‮ على‮ أصدقاء‮ صحافيين‮ ظل‮ يمرر‮ إليهم‮ الأخبار‮ الطرية‮ المتعلقة‮ بكواليس‮ البلاط‮. ففهم‮ الهمة‮ أن‮ استمرار‮ وجود‮ هذا‮ الزميل‮ القديم‮ معه‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ سيخلق‮ له‮ متاعب‮ كثيرة،‮ فكان‮ ضروريا‮ أن‮ يغادر‮ «‬البلبل‮» العش‮ من‮ جديد،‮ لكي‮ يحط‮ واليا‮ على‮ مكناس‮ تافيلالت‮.
بعد‮ خمس‮ سنوات‮ من‮ تمثيله‮ لوزارة‮ الداخلية‮ والملك‮ في‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وإشرافه‮ على‮ أجهزة‮ المخابرات‮ والأمن‮ في‮ هذه‮ المنطقة،‮ سيعود‮ حسن‮ أوريد‮ إلى‮ فيلته‮ بالهرهورة‮ في‮ ضاحية‮ الرباط‮ بعد‮ أن‮ أصبح‮ بدون‮ عمل‮.‬
لكن‮ بطالته‮ لم‮ تدم‮ طويلا،‮ خصوصا‮ وأن‮ الرجل‮ تفرغ‮ لإعادة‮ الحياة‮ إلى‮ معهده،‮ طارق‮ بن‮ زياد،‮ وبدأ‮ يستضيف‮ محاضرات‮ مزعجة‮ بالنسبة‮ إلى‮ النظام،‮ ففهم‮ أصدقاؤه‮ القدامى‮ رسالته‮ وتمت‮ المناداة‮ عليه‮ للعودة‮ مجددا‮ إلى‮ العش‮ وشغل‮ منصب‮ مؤرخ‮ المملكة‮.
غير‮ أن‮ لسان‮ أوريد‮ الطويل‮ سيجلب‮ له‮ المتاعب‮ مجددا،‮ وسيجد‮ أصحاب‮ الحسنات‮ في‮ الهمة‮ الشخص‮ الوحيد‮ القادر‮ على‮ التأثير‮ على‮ سلطة‮ القرار‮ وإزاحة‮ أوريد‮ من‮ منصبه‮ وإحالته‮ على‮ التقاعد‮ المبكر‮.‬
إن‮ ما‮ يزعج‮ في‮ تصفية‮ أوريد‮ من‮ تركة‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮» هو‮ أن‮ هذه‮ التصفية‮ لم‮ تكن‮ بسبب‮ التجاوزات‮ التي‮ اقترفها‮ هذا‮ الأخير‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ مكناس،‮ وإنما‮ كانت‮ بسبب‮ حسابات‮ شخصية‮ بينه‮ وبين‮ خصومه‮ في‮ المربع‮ الذهبي‮.
ولو‮ كان‮ «‬أصحاب‮ دعوة‮» أوريد‮ قد‮ عجلوا‮ بإقصائه‮ من‮ دائرة‮ رجال‮ البلاط‮ حرصا‮ على‮ الصالح‮ العام،‮ لكانوا‮ قدموه‮ إلى‮ المحاكمة‮ بسبب‮ فداحة‮ المخالفات‮ التي‮ اقترفها‮ بوصفه‮ واليا‮ سابقا،‮ وعدم‮ الاكتفاء‮ بطرده‮ خارج‮ أسوار‮ البلاط‮.
ولائحة‮ هذه‮ المخالفات‮ طويلة‮ وعريضة،‮ سبق‮ أن‮ ذكرنا‮ بعضها،‮ فيما‮ تركنا‮ بعضها‮ الآخر‮ في‮ الاحتياط،‮ في‮ انتظار‮ أن‮ يصدر‮ تكذيب‮ عن‮ المعني‮ بالأمر،‮ وهو‮ الشيء‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ القيام‮ به،‮ فلجأ‮ إلى‮ بحور‮ الشعر‮ والاستعارة‮ والمجاز‮ لإخفاء‮ «‬عجزه‮» المزمن‮ عن‮ نفي‮ الوقائع‮ المثبتة‮ بالدليل‮ والبرهان‮.‬
وإذا‮ أراد‮ أوريد،‮ فعلا،‮ أن‮ يتنازل‮ لي‮ عن‮ ضيعة،‮ فهل‮ سيتنازل‮ لي‮ عن‮ الضيعة‮ الموجودة‮ بآيت‮ يعزم‮ البالغة‮ مساحتها‮ 11‮ هكتارا،‮ والتي‮ كانت‮ في‮ ملكية‮ صوجيطا‮ وتتعهدها‮ صوديا،‮ وكانت‮ مخصصة‮ كسكن‮ ثان‮ لوالي‮ الجهة،‮ فحولها‮ أوريد‮ من‮ دار‮ للضيافة‮ وجند‮ رئيس‮ المنطقة‮ الحضرية‮ لصوديا‮ لإصلاح‮ الضيعة‮ وتشبيب‮ مغروساتها‮ وبناء‮ الإسطبل‮ وحفر‮ البئر،‮ ليتوج‮ كل‮ ذلك‮ بتفويتها‮ إلى‮ شخصه‮ بمساعدة‮ صديقه‮ البوحديدي‮. والقيمة‮ الحالية‮ للضيعة‮ هي‮ مليار‮ و200‮ مليون‮ سنتم،‮ وهي‮ الضيعة‮ التي‮ فوتت‮ إليه‮ ببضعة‮ ملايين‮ لم‮ تصل‮ إلى‮ الثلاثين،‮ أي‮ دون‮ الكلفة‮ التي‮ صرفتها‮ صوديا‮ على‮ الضيعة‮ لإعادة‮ تأهيلها‮.‬
‮«‬هرفات‮» حسن‮ أوريد‮ لم‮ تتوقف‮ فقط‮ على‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ وإنما‮ تجاوزتها‮ إلى‮ المآثر‮ التاريخية،‮ وأشهرها‮ مدرسة‮ الشريف‮ الإدريسي‮ ذات‮ المعمار‮ التقليدي‮ الرائع،‮ استعملت‮ أول‮ الأمر‮ كأول‮ محكمة‮ بمكناس‮ في‮ فترة‮ الاستعمار،‮ قبل‮ أن‮ تتحول‮ إلى‮ مدرسة‮. لكن‮ السيد‮ الوالي‮ أوريد‮ ارتأى‮ نظره‮ السديد‮ أن‮ تتحول‮ المدرسة‮ إلى‮ متحف‮ سماه‮ «‬متحف‮ مكناس‮» بعد‮ أن‮ تكفل‮ بالإصلاحات‮ باهظة‮ الثمن‮ المكتب‮ الجهوي‮ للاستثمار‮. بعد‮ ذلك،‮ سيقوم‮ الوالي‮ أوريد‮ بتفويت‮ المدرسة‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ طارق‮ بن‮ زياد‮ الذي‮ يسيره‮. ولم‮ تمض‮ إلا‮ أسابيع‮ على‮ هذه‮ «‬الهرفة‮»‬،‮ حتى‮ بادرت‮ إدارة‮ المعهد‮ إلى‮ كراء‮ نصف‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ «‬سيرفانتيس‮» واستخلاص‮ واجب‮ الكراء‮ لصالحه‮.‬
تعود‮ حسن‮ أوريد،‮ طيلة‮ وجوده‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ للملك،‮ على‮ لعب‮ لعبة‮ القط‮ والفأر‮ مع‮ النظام،‮ فهو‮ تارة‮ يتقرب‮ من‮ الإسلاميين،‮ وتارة‮ يستخدم‮ معهده‮ لمغازلة‮ الأمازيغيين،‮ وتارة‮ يتقرب‮ من‮ اليساريين‮ وقدماء‮ الانقلابيين،‮ معطيا‮ المثال‮ على‮ الصديق‮ متقلب‮ الوجوه‮ والأقنعة‮ حسب‮ المصلحة‮. وقد‮ وصلت‮ به‮ الجرأة‮ حدا‮ جعله‮ لا‮ يتورع‮ عن‮ ترشيح‮ أحمد‮ الطاهري،‮ المحكوم‮ بتزوير‮ الانتخابات،‮ لنيل‮ وسام‮ العرش،‮ وهو‮ ما‮ تحقق‮ عندما‮ طلب‮ الوالي‮ أوريد‮ من‮ رئيس‮ الاستعلامات‮ العامة،‮ الذي‮ مكنه‮ من‮ 20‮ بقعة‮ أرضية‮ هو‮ وزملاؤه‮ ليشيدوا‮ فوقها‮ فيلاتهم‮ الفاخرة‮ بعدما‮ كانت‮ مخصصة‮ لشقق‮ اقتصادية‮ لعمال‮ ومستخدمي‮ الجماعة‮ من‮ ذوي‮ الدخل‮ المحدود،‮ تسجيل‮ اسم‮ الطاهري‮ في‮ لائحة‮ الموشحين‮ بوسام‮ العرش‮. هكذا،‮ حصل‮ الطاهري‮ على‮ الوسام‮ ورد‮ إليه‮ الوالي‮ اعتباره،‮ على‮ ظهر‮ القصر،‮ بعد‮ أن‮ فشل‮ في‮ استعمال‮ نفوذه‮ في‮ المحكمة‮ لتبرئته‮ من‮ تهمة‮ الغش‮ الانتخابي‮.
ومن‮ بين‮ الأقنعة‮ الكثيرة‮ التي‮ ظل‮ يلبسها‮ أوريد‮ حسب‮ الظروف‮ والمصالح،‮ قناع‮ العابد‮ المتصوف‮ الذي‮ يحرص‮ على‮ أداء‮ صلاة‮ الفجر‮ في‮ المسجد‮ لتغليط‮ إسلاميي‮ العدالة‮ والتنمية‮ في‮ مكناس،‮ وقناع‮ الأمازيغي‮ الذي‮ يعاشر‮ نشطاء‮ الحركة‮ ويعطي‮ القصرَ‮ فكرة‮ مغلوطة‮ عن‮ نفوذه‮ وتأثيره‮ عليهم،‮ وقناع‮ المعارض‮ الذي‮ يجالس‮ في‮ أمسياته‮ الساهرة‮ أبناء‮ الانقلابيين‮ حيث‮ يكيل‮ النقد‮ للنظام‮ الذي‮ أطعمه‮ من‮ جوع‮ وكساه‮ بعد‮ عري‮ وأغناه‮ بعد‮ فقر‮.‬
الفرق‮ بين‮ الأمس‮ واليوم‮ هو‮ أن‮ الوضع‮ لم‮ يعد‮ يتحمل‮ وجود‮ أمثال‮ هؤلاء‮ الانتهازيين‮ والوصوليين‮ داخل‮ أو‮ حول‮ أسوار‮ البلاط‮. اليوم،‮ أصبح‮ مطلوبا‮ إنجاز‮ عملية‮ تطهير toilettage جذرية‮ تذهب‮ بالعناصر‮ المؤذية‮ الملتصقة‮ ب‮«‬جلايل‮» الملك،‮ وتبقي‮ على‮ البطانة‮ الصالحة‮ التي‮ تسدي‮ النصح‮ وتكشف‮ الأخطاء‮ وتسند‮ العثرات،‮ بدون‮ خوف‮ من‮ ضياع‮ مصلحة‮ أو‮ جاه‮ أو‮ نفوذ‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.