عدوان إسرائيلي على وحدة الصومال    زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية مرتقبة بعدد من مناطق المغرب حتى الاثنين    "نسور" نيجيريا تنقض على تونس    تعادل مثير بين السنغال والكونغو الديموقراطية يبقي الصراع مفتوحًا في المجموعة الرابعة    الجمهور يطالب الركراكي ب"التصحيح"    كُرةٌ تَدُورُ.. وقُلُوبٌ تلهثُ مَعَها    العرض الرقمي الأول لفيلم عباسي    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    تعبئة استباقية وتدخلات ميدانية ناجعة بالجديدة لمواجهة التقلبات المناخية    اللجنة المحلية ل"كان 2025″ بأكادير تؤكد إلزامية التذاكر القانونية وتنبه إلى احترام القواعد التنظيمية        كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم.. المنتخبان التنزاني والأوغندي يقتسمان نقاط المباراة (1-1)    لجنة الإشراف تراجع خطة العمل الوطنية للحكومة المنفتحة    أرض الصومال تعيش "حلم الاعتراف الإسرائيلي".. ودول إسلامية غاضبة    النيجر يعلن "التعبئة" ضد الجهاديين    "الجمعية الوطنية للمحامين بالمغرب" تطلب تدخّلًا أمميًا لحماية "استقلال المهنة وحصانة الدفاع"    القصر الكبير .. تنظيم ندوة فكرية هامة في موضوع "المدرسة المغربية وبناء القيم: الواقع والانتظارات"    ورزازات في الواجهة : العلامة الترابية "زوروا ورزازات" visit OUARZAZATE تتصدر مؤلَّفًا دوليًا مرجعيًا في إدارة العلامات التجارية بين الشركات        الخدمة العسكرية.. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة في ختام تكوينه الأساسي    التذكرة شرط لولوج ملعب أكادير    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    بنين تحقق انتصاراً ثميناً على بوتسوانا بهدف نظيف    رئيس مقاطعة بفاس يقدم استقالته بسبب تضرر تجارته    أمطار رعدية وثلوج مرتقبة بعدد من مناطق المغرب    مطالب برلمانية لترميم قصبة مهدية وحماية سلامة المواطنين بالقنيطرة    المسيحيون المغاربة يقيمون صلوات لدوام الاستقرار وتألق "أسود الأطلس"    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    للمرة السادسة.. الناشطة سعيدة العلمي تدخل في إضراب مفتوح عن الطعام    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    تارودانت .. تعليق الدراسة اليوم السبت بسبب سوء الأحوال الجوية    أوامر بمغادرة الاتحاد الأوروبي تطال 6670 مغربياً خلال الربع الثالث من السنة    فيضانات آسفي تكشف وضعية الهشاشة التي تعيشها النساء وسط مطالب بإدماج مقاربة النوع في تدبير الكوارث    نسبة الملء 83% بسد وادي المخازن    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    مقتل إسرائيليين في هجوم شمال إسرائيل والجيش يستعد لعملية في الضفة الغربية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    كيوسك السبت | المغرب الأفضل عربيا وإفريقيا في تصنيف البلدان الأكثر جاذبية    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    إخلاء عشرات المنازل في بلدة هولندية بعد العثور على متفجرات داخل منزل    جبهة دعم فلسطين تطالب شركة "ميرسك" بوقف استخدام موانئ المغرب في نقل مواد عسكرية لإسرائيل    الأمطار تعزز مخزون السدود ومنشآت صغرى تصل إلى الامتلاء الكامل    التهمة تعاطي الكوكايين.. إطلاق سراح رئيس فنربخشة    انعقاد مجلس إدارة مؤسسة دار الصانع: قطاع الصناعة التقليدية يواصل ديناميته الإيجابية    الشاعر «محمد عنيبة الحمري»: ظل وقبس    تريليون يوان..حصاد الابتكار الصناعي في الصين    «كتابة المحو» عند محمد بنيس ميتافيزيقيا النص وتجربة المحو: من السؤال إلى الشظيّة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    إلى ساكنة الحوز في هذا الصقيع القاسي .. إلى ذلك الربع المنسي المكلوم من مغربنا    أسعار الفضة تتجاوز 75 دولاراً للمرة الأولى    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جمعية تكافل للاطفال مرضى الصرع والإعاقة تقدم البرنامج التحسيسي الخاص بمرض الصرع    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الما‮ والشطابة‮
نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2011

لم‮ يحدث‮ أن‮ كان‮ المحيط‮ الملكي‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ واسعة‮ مثلما‮ هو‮ بحاجة‮ إليها‮ اليوم‮.‬
لقد‮ أظهرت‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة‮ أن‮ بعض‮ أصدقاء‮ دراسة‮ الملك،‮ الذين‮ أحاطهم‮ ببلاطه‮ ومنحهم‮ ثقته،‮ انتهوا‮ إلى‮ إظهار‮ الولاء‮ لامتيازاتهم‮ ومصالحهم‮ الخاصة‮ أكثر‮ من‮ ولائهم‮ للملك‮ والصالح‮ العام‮.‬
وعوض‮ أن‮ يتفرغ‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ هؤلاء‮ إلى‮ مصاحبة‮ النظرة‮ البعيدة‮ للملك‮ ويساعدوه‮ على‮ تدبير‮ الإرث‮ الثقيل‮ الذي‮ خلفه‮ له‮ والده‮ ونظامه‮ السابق،‮ تفرغوا‮ لمصالحهم‮ ومشاريعهم‮ الشخصية‮ ووفروا‮ كل‮ قواهم‮ وذكائهم‮ وطاقتهم‮ لتحويل‮ البلاط‮ الملكي‮ إلى‮ حصن‮ منيع‮ يحتمون‮ به‮ ويصفون‮ في‮ حدائقه‮ الخلفية‮ حساباتهم‮ الشخصية‮ العالقة‮ بينهم‮ منذ‮ فترة‮ الدراسة‮ فوق‮ مقاعد‮ المدرسة‮ المولوية‮.‬
ولذلك،‮ فليس‮ غريبا‮ أن‮ يكون‮ أول‮ من‮ يتصدون‮ لثورة‮ الملك‮ الإصلاحية‮ هم‮ بعض‮ هؤلاء‮ الأصدقاء‮ القدامى‮.‬
ولعل‮ ما‮ تتعرض‮ له‮ ثورة‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ اليوم‮ على‮ أيدي‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ يشبه،‮ إلى‮ حد‮ كبير،‮ ما‮ تعرض‮ له‮ السلطان‮ العلوي‮ المولى‮ سليمان‮ عندما‮ تصدى‮ شيوخ‮ الزوايا‮ لمسلسل‮ الإصلاح‮ الديني‮ الذي‮ أطلقه‮ والذي‮ كان‮ يرمي‮ إلى‮ توحيد‮ ومركزة‮ المنظومة‮ الدينية‮ ومحاربة‮ البدع‮ والتقيد‮ بالسنة،‮ مما‮ يعد‮ إصلاحا‮ دستوريا‮ بلغة‮ اليوم‮.‬
وعوض‮ أن‮ يخصص‮ الملك‮ المولى‮ سليمان‮ جهده‮ لتطبيق‮ مخططه‮ الإصلاحي،‮ ضيع‮ الوقت‮ في‮ محاربة‮ الزوايا‮ وجيوب‮ المقاومة‮ التي‮ اتحدت‮ ضده‮ والتي‮ كانت‮ لديها‮ آذان‮ داخل‮ البلاط‮ وامتدادات‮ من‮ المتعاونين‮ الذين‮ كانوا‮ يخبرونهم‮ بمخططات‮ الملك‮ وببرامج‮ جولاته‮ وحركاته‮.‬
فكتب‮ المؤرخ‮ عبد‮ الحفيظ‮ الفاسي‮ يقول‮: «‬ولولا‮ مقاومة‮ مشايخ‮ الزوايا‮ من‮ أهل‮ عصره‮ له،‮ وبَثهم‮ الفتنة‮ في‮ كافة‮ المغرب‮ وتعضيد‮ من‮ خرج‮ عليه‮ من‮ قرابته‮ وغيرهم،‮ واشتغاله‮ بمقاتلتهم‮ وإنكاره‮ أمامهم،‮ لولا‮ كل‮ ذلك‮ لعمت‮ دعوته‮ الإصلاحية‮ كافة‮ المغرب‮. ولكن‮ بوجودهم‮ ذهبت‮ مساعيه‮ أدراج‮ الرياح،‮ فذهبت‮ فكرة‮ الإصلاح‮ ونصرة‮ مذهب‮ السلف‮ بموته‮».‬
لذلك،‮ فالملك‮ اليوم‮ محتاج‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يساندون‮ ثورته‮ الإصلاحية‮ ويفتحون‮ أمامها‮ الطريق،‮ لا‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يطبقون‮ البيت‮ الشعري‮ الشعبي‮ القائل‮: «‬السن‮ يضحك‮ للسن‮ والخديعة‮ فالقلب‮».
لحسن‮ الحظ‮ أن‮ بعض‮ هؤلاء‮ الرجال‮ المقربين‮ الذين‮ انكشفت‮ حقيقتهم،‮ غادروا‮ البلاط‮ مؤخرا،‮ لكن‮ يبقى‮ الأمر‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ شاملة‮ لردهات‮ وأروقة‮ القصر‮ لكي‮ يتحقق‮ الإصلاح‮ المنتظر‮ للمؤسسة‮ الملكية‮.
عندما‮ كتب‮ الناطق‮ السابق‮ باسم‮ القصر‮ الملكي‮ والوالي‮ ومؤرخ‮ المملكة‮ السابق،‮ حسن‮ أوريد،‮ رده‮ المتلفع‮ ببلاغة‮ الحشو‮ واللمز‮ والغمز‮ على‮ اتهامنا‮ إياه‮ باستغلال‮ نفوذه‮ كوال‮ للاغتناء‮ في‮ مكناس،‮ ألمح‮ إلى‮ وجود‮ أطراف‮ في‮ المحيط‮ الملكي‮ دفعتنا‮ إلى‮ «‬استهدافه‮» عقابا‮ له‮ على‮ بصقه‮ في‮ قصعة‮ الطعام‮ المخزني‮ الذي‮ تشحم‮ كتفاه‮ بفضله‮.
ومن‮ حق‮ حسن‮ أوريد،‮ «‬الملاك‮» المطرود‮ من‮ جنة‮ البلاط،‮ أن‮ يتهم‮ أطرافا‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي،‮ دون‮ أن‮ يسميهم،‮ بإبعاده‮ من‮ المربع‮ الذهبي‮. فالعارفون‮ بخبايا‮ المسار‮ الذي‮ عاشه‮ الرجل‮ يعرفون‮ أن‮ «‬صاحب‮ دعوته‮»‬،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة،‮ كان‮ خصمه‮ العنيد‮ منذ‮ أيام‮ الدراسة‮ إلى‮ جانب‮ ولي‮ العهد‮.‬
ويبدو‮ أن‮ الطفل‮ حسن‮ أوريد،‮ القادم‮ من‮ هوامش‮ الراشيدية،‮ لم‮ ينس‮ لزميله‮ القديم‮ في‮ فصول‮ المدرسة‮ المولوية،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ القادم‮ بدوره‮ من‮ الرحامنة،‮ لحظات‮ الخصام‮ والصد‮ والجذب‮ التي‮ عاشا‮ فصولها‮ معا‮ طيلة‮ سنوات‮ داخل‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮».
فمنذ‮ ذلك‮ التاريخ،‮ تكون‮ لدى‮ حسن‮ أوريد‮ ما‮ يشبه‮ العقدة‮ النفسية‮ من‮ بقية‮ زملائه‮ أصدقاء‮ الملك،‮ وعلى‮ رأسهم‮ الهمة‮. فقد‮ كان‮ أوريد‮ يعتبر‮ نفسه‮ «‬القاري‮» أحسن‮ من‮ زملائه‮ جميعا،‮ والمثقف‮ متعدد‮ الألسن،‮ والأديب‮ المفوه‮ والشاعر‮ الذي‮ لا‮ يشق‮ له‮ غبار‮.
ولذلك،‮ فبعد‮ طرده‮ من‮ سفارة‮ المغرب‮ في‮ واشنطن،‮ بسبب‮ «‬الفهامة‮» الزائدة‮ عن‮ اللزوم،‮ سيلجأ‮ إلى‮ الكتابة‮ في‮ «‬لوجورنال‮» لإخافة‮ زملائه‮ السابقين‮ في‮ «‬الكوليج‮» الملكي،‮ بحثا‮ عن‮ طريقة‮ يعود‮ بها‮ إلى‮ جنة‮ البلاط‮.
وهو‮ ما‮ تم‮ له،‮ بالفعل،‮ عندما‮ صدر‮ قرار‮ تعيينه‮ ناطقا‮ رسميا‮ باسم‮ القصر‮ الملكي،‮ وهكذا‮ عاد‮ «‬الابن‮ الضال‮» إلى‮ العش‮. غير‮ أن‮ عودته‮ لم‮ تكن‮ محط‮ إجماع‮ بعض‮ زملائه‮ القدامى‮ في‮ فصول‮ الدراسة‮. فبدأت‮ الحرب،‮ خصوصا‮ الضربات‮ تحت‮ الحزام‮ التي‮ يجيدها‮ أوريد‮ بفضل‮ توفره‮ على‮ أصدقاء‮ صحافيين‮ ظل‮ يمرر‮ إليهم‮ الأخبار‮ الطرية‮ المتعلقة‮ بكواليس‮ البلاط‮. ففهم‮ الهمة‮ أن‮ استمرار‮ وجود‮ هذا‮ الزميل‮ القديم‮ معه‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ سيخلق‮ له‮ متاعب‮ كثيرة،‮ فكان‮ ضروريا‮ أن‮ يغادر‮ «‬البلبل‮» العش‮ من‮ جديد،‮ لكي‮ يحط‮ واليا‮ على‮ مكناس‮ تافيلالت‮.
بعد‮ خمس‮ سنوات‮ من‮ تمثيله‮ لوزارة‮ الداخلية‮ والملك‮ في‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وإشرافه‮ على‮ أجهزة‮ المخابرات‮ والأمن‮ في‮ هذه‮ المنطقة،‮ سيعود‮ حسن‮ أوريد‮ إلى‮ فيلته‮ بالهرهورة‮ في‮ ضاحية‮ الرباط‮ بعد‮ أن‮ أصبح‮ بدون‮ عمل‮.‬
لكن‮ بطالته‮ لم‮ تدم‮ طويلا،‮ خصوصا‮ وأن‮ الرجل‮ تفرغ‮ لإعادة‮ الحياة‮ إلى‮ معهده،‮ طارق‮ بن‮ زياد،‮ وبدأ‮ يستضيف‮ محاضرات‮ مزعجة‮ بالنسبة‮ إلى‮ النظام،‮ ففهم‮ أصدقاؤه‮ القدامى‮ رسالته‮ وتمت‮ المناداة‮ عليه‮ للعودة‮ مجددا‮ إلى‮ العش‮ وشغل‮ منصب‮ مؤرخ‮ المملكة‮.
غير‮ أن‮ لسان‮ أوريد‮ الطويل‮ سيجلب‮ له‮ المتاعب‮ مجددا،‮ وسيجد‮ أصحاب‮ الحسنات‮ في‮ الهمة‮ الشخص‮ الوحيد‮ القادر‮ على‮ التأثير‮ على‮ سلطة‮ القرار‮ وإزاحة‮ أوريد‮ من‮ منصبه‮ وإحالته‮ على‮ التقاعد‮ المبكر‮.‬
إن‮ ما‮ يزعج‮ في‮ تصفية‮ أوريد‮ من‮ تركة‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮» هو‮ أن‮ هذه‮ التصفية‮ لم‮ تكن‮ بسبب‮ التجاوزات‮ التي‮ اقترفها‮ هذا‮ الأخير‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ مكناس،‮ وإنما‮ كانت‮ بسبب‮ حسابات‮ شخصية‮ بينه‮ وبين‮ خصومه‮ في‮ المربع‮ الذهبي‮.
ولو‮ كان‮ «‬أصحاب‮ دعوة‮» أوريد‮ قد‮ عجلوا‮ بإقصائه‮ من‮ دائرة‮ رجال‮ البلاط‮ حرصا‮ على‮ الصالح‮ العام،‮ لكانوا‮ قدموه‮ إلى‮ المحاكمة‮ بسبب‮ فداحة‮ المخالفات‮ التي‮ اقترفها‮ بوصفه‮ واليا‮ سابقا،‮ وعدم‮ الاكتفاء‮ بطرده‮ خارج‮ أسوار‮ البلاط‮.
ولائحة‮ هذه‮ المخالفات‮ طويلة‮ وعريضة،‮ سبق‮ أن‮ ذكرنا‮ بعضها،‮ فيما‮ تركنا‮ بعضها‮ الآخر‮ في‮ الاحتياط،‮ في‮ انتظار‮ أن‮ يصدر‮ تكذيب‮ عن‮ المعني‮ بالأمر،‮ وهو‮ الشيء‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ القيام‮ به،‮ فلجأ‮ إلى‮ بحور‮ الشعر‮ والاستعارة‮ والمجاز‮ لإخفاء‮ «‬عجزه‮» المزمن‮ عن‮ نفي‮ الوقائع‮ المثبتة‮ بالدليل‮ والبرهان‮.‬
وإذا‮ أراد‮ أوريد،‮ فعلا،‮ أن‮ يتنازل‮ لي‮ عن‮ ضيعة،‮ فهل‮ سيتنازل‮ لي‮ عن‮ الضيعة‮ الموجودة‮ بآيت‮ يعزم‮ البالغة‮ مساحتها‮ 11‮ هكتارا،‮ والتي‮ كانت‮ في‮ ملكية‮ صوجيطا‮ وتتعهدها‮ صوديا،‮ وكانت‮ مخصصة‮ كسكن‮ ثان‮ لوالي‮ الجهة،‮ فحولها‮ أوريد‮ من‮ دار‮ للضيافة‮ وجند‮ رئيس‮ المنطقة‮ الحضرية‮ لصوديا‮ لإصلاح‮ الضيعة‮ وتشبيب‮ مغروساتها‮ وبناء‮ الإسطبل‮ وحفر‮ البئر،‮ ليتوج‮ كل‮ ذلك‮ بتفويتها‮ إلى‮ شخصه‮ بمساعدة‮ صديقه‮ البوحديدي‮. والقيمة‮ الحالية‮ للضيعة‮ هي‮ مليار‮ و200‮ مليون‮ سنتم،‮ وهي‮ الضيعة‮ التي‮ فوتت‮ إليه‮ ببضعة‮ ملايين‮ لم‮ تصل‮ إلى‮ الثلاثين،‮ أي‮ دون‮ الكلفة‮ التي‮ صرفتها‮ صوديا‮ على‮ الضيعة‮ لإعادة‮ تأهيلها‮.‬
‮«‬هرفات‮» حسن‮ أوريد‮ لم‮ تتوقف‮ فقط‮ على‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ وإنما‮ تجاوزتها‮ إلى‮ المآثر‮ التاريخية،‮ وأشهرها‮ مدرسة‮ الشريف‮ الإدريسي‮ ذات‮ المعمار‮ التقليدي‮ الرائع،‮ استعملت‮ أول‮ الأمر‮ كأول‮ محكمة‮ بمكناس‮ في‮ فترة‮ الاستعمار،‮ قبل‮ أن‮ تتحول‮ إلى‮ مدرسة‮. لكن‮ السيد‮ الوالي‮ أوريد‮ ارتأى‮ نظره‮ السديد‮ أن‮ تتحول‮ المدرسة‮ إلى‮ متحف‮ سماه‮ «‬متحف‮ مكناس‮» بعد‮ أن‮ تكفل‮ بالإصلاحات‮ باهظة‮ الثمن‮ المكتب‮ الجهوي‮ للاستثمار‮. بعد‮ ذلك،‮ سيقوم‮ الوالي‮ أوريد‮ بتفويت‮ المدرسة‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ طارق‮ بن‮ زياد‮ الذي‮ يسيره‮. ولم‮ تمض‮ إلا‮ أسابيع‮ على‮ هذه‮ «‬الهرفة‮»‬،‮ حتى‮ بادرت‮ إدارة‮ المعهد‮ إلى‮ كراء‮ نصف‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ «‬سيرفانتيس‮» واستخلاص‮ واجب‮ الكراء‮ لصالحه‮.‬
تعود‮ حسن‮ أوريد،‮ طيلة‮ وجوده‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ للملك،‮ على‮ لعب‮ لعبة‮ القط‮ والفأر‮ مع‮ النظام،‮ فهو‮ تارة‮ يتقرب‮ من‮ الإسلاميين،‮ وتارة‮ يستخدم‮ معهده‮ لمغازلة‮ الأمازيغيين،‮ وتارة‮ يتقرب‮ من‮ اليساريين‮ وقدماء‮ الانقلابيين،‮ معطيا‮ المثال‮ على‮ الصديق‮ متقلب‮ الوجوه‮ والأقنعة‮ حسب‮ المصلحة‮. وقد‮ وصلت‮ به‮ الجرأة‮ حدا‮ جعله‮ لا‮ يتورع‮ عن‮ ترشيح‮ أحمد‮ الطاهري،‮ المحكوم‮ بتزوير‮ الانتخابات،‮ لنيل‮ وسام‮ العرش،‮ وهو‮ ما‮ تحقق‮ عندما‮ طلب‮ الوالي‮ أوريد‮ من‮ رئيس‮ الاستعلامات‮ العامة،‮ الذي‮ مكنه‮ من‮ 20‮ بقعة‮ أرضية‮ هو‮ وزملاؤه‮ ليشيدوا‮ فوقها‮ فيلاتهم‮ الفاخرة‮ بعدما‮ كانت‮ مخصصة‮ لشقق‮ اقتصادية‮ لعمال‮ ومستخدمي‮ الجماعة‮ من‮ ذوي‮ الدخل‮ المحدود،‮ تسجيل‮ اسم‮ الطاهري‮ في‮ لائحة‮ الموشحين‮ بوسام‮ العرش‮. هكذا،‮ حصل‮ الطاهري‮ على‮ الوسام‮ ورد‮ إليه‮ الوالي‮ اعتباره،‮ على‮ ظهر‮ القصر،‮ بعد‮ أن‮ فشل‮ في‮ استعمال‮ نفوذه‮ في‮ المحكمة‮ لتبرئته‮ من‮ تهمة‮ الغش‮ الانتخابي‮.
ومن‮ بين‮ الأقنعة‮ الكثيرة‮ التي‮ ظل‮ يلبسها‮ أوريد‮ حسب‮ الظروف‮ والمصالح،‮ قناع‮ العابد‮ المتصوف‮ الذي‮ يحرص‮ على‮ أداء‮ صلاة‮ الفجر‮ في‮ المسجد‮ لتغليط‮ إسلاميي‮ العدالة‮ والتنمية‮ في‮ مكناس،‮ وقناع‮ الأمازيغي‮ الذي‮ يعاشر‮ نشطاء‮ الحركة‮ ويعطي‮ القصرَ‮ فكرة‮ مغلوطة‮ عن‮ نفوذه‮ وتأثيره‮ عليهم،‮ وقناع‮ المعارض‮ الذي‮ يجالس‮ في‮ أمسياته‮ الساهرة‮ أبناء‮ الانقلابيين‮ حيث‮ يكيل‮ النقد‮ للنظام‮ الذي‮ أطعمه‮ من‮ جوع‮ وكساه‮ بعد‮ عري‮ وأغناه‮ بعد‮ فقر‮.‬
الفرق‮ بين‮ الأمس‮ واليوم‮ هو‮ أن‮ الوضع‮ لم‮ يعد‮ يتحمل‮ وجود‮ أمثال‮ هؤلاء‮ الانتهازيين‮ والوصوليين‮ داخل‮ أو‮ حول‮ أسوار‮ البلاط‮. اليوم،‮ أصبح‮ مطلوبا‮ إنجاز‮ عملية‮ تطهير toilettage جذرية‮ تذهب‮ بالعناصر‮ المؤذية‮ الملتصقة‮ ب‮«‬جلايل‮» الملك،‮ وتبقي‮ على‮ البطانة‮ الصالحة‮ التي‮ تسدي‮ النصح‮ وتكشف‮ الأخطاء‮ وتسند‮ العثرات،‮ بدون‮ خوف‮ من‮ ضياع‮ مصلحة‮ أو‮ جاه‮ أو‮ نفوذ‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.