المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يستأنف تداريبه استعدادا لسدس عشر كأس العالم    توقيع اتفاقية شراكة في مجال التكوين بين اتحاد طنجة وأولمبيك ليون    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    الدون "كريستيانو رونالدو" يعلن عن موعد اعتزاله    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    كريم زيدان يعلن عن تفاصيل وشروط استفادة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة من دعم المشاريع    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    تقرير: التغيرات المناخية والاستغلال المفرط يفاقمان أزمة الماء والجفاف عرى هشاشة بعض منظومات التزوّد    المغرب يطلق تكوين 15 ألف متطوع استعدادا ل"كان 2025″    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الحكم الذاتي في الصحراء.. هل يكون مدخلاً لإطلاق مشروع ديمقراطي يواكب التنمية الاقتصادية والتحديات التي يخوضها المغرب؟    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    الصين تدعم التعاون الأمني مع المغرب    الجزائر ‬تجرب ‬جميع ‬أوراقها ‬في ‬مواجهة ‬الانتكاسات ‬الدبلوماسية ‬    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    التامك يغيب لأول مرة عن مناقشة ميزانية السجون في مجلس النواب.. ما علاقة ذلك ب"إهانته" قبل عام؟    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الما‮ والشطابة‮
نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2011

لم‮ يحدث‮ أن‮ كان‮ المحيط‮ الملكي‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ واسعة‮ مثلما‮ هو‮ بحاجة‮ إليها‮ اليوم‮.‬
لقد‮ أظهرت‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة‮ أن‮ بعض‮ أصدقاء‮ دراسة‮ الملك،‮ الذين‮ أحاطهم‮ ببلاطه‮ ومنحهم‮ ثقته،‮ انتهوا‮ إلى‮ إظهار‮ الولاء‮ لامتيازاتهم‮ ومصالحهم‮ الخاصة‮ أكثر‮ من‮ ولائهم‮ للملك‮ والصالح‮ العام‮.‬
وعوض‮ أن‮ يتفرغ‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ هؤلاء‮ إلى‮ مصاحبة‮ النظرة‮ البعيدة‮ للملك‮ ويساعدوه‮ على‮ تدبير‮ الإرث‮ الثقيل‮ الذي‮ خلفه‮ له‮ والده‮ ونظامه‮ السابق،‮ تفرغوا‮ لمصالحهم‮ ومشاريعهم‮ الشخصية‮ ووفروا‮ كل‮ قواهم‮ وذكائهم‮ وطاقتهم‮ لتحويل‮ البلاط‮ الملكي‮ إلى‮ حصن‮ منيع‮ يحتمون‮ به‮ ويصفون‮ في‮ حدائقه‮ الخلفية‮ حساباتهم‮ الشخصية‮ العالقة‮ بينهم‮ منذ‮ فترة‮ الدراسة‮ فوق‮ مقاعد‮ المدرسة‮ المولوية‮.‬
ولذلك،‮ فليس‮ غريبا‮ أن‮ يكون‮ أول‮ من‮ يتصدون‮ لثورة‮ الملك‮ الإصلاحية‮ هم‮ بعض‮ هؤلاء‮ الأصدقاء‮ القدامى‮.‬
ولعل‮ ما‮ تتعرض‮ له‮ ثورة‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ اليوم‮ على‮ أيدي‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ يشبه،‮ إلى‮ حد‮ كبير،‮ ما‮ تعرض‮ له‮ السلطان‮ العلوي‮ المولى‮ سليمان‮ عندما‮ تصدى‮ شيوخ‮ الزوايا‮ لمسلسل‮ الإصلاح‮ الديني‮ الذي‮ أطلقه‮ والذي‮ كان‮ يرمي‮ إلى‮ توحيد‮ ومركزة‮ المنظومة‮ الدينية‮ ومحاربة‮ البدع‮ والتقيد‮ بالسنة،‮ مما‮ يعد‮ إصلاحا‮ دستوريا‮ بلغة‮ اليوم‮.‬
وعوض‮ أن‮ يخصص‮ الملك‮ المولى‮ سليمان‮ جهده‮ لتطبيق‮ مخططه‮ الإصلاحي،‮ ضيع‮ الوقت‮ في‮ محاربة‮ الزوايا‮ وجيوب‮ المقاومة‮ التي‮ اتحدت‮ ضده‮ والتي‮ كانت‮ لديها‮ آذان‮ داخل‮ البلاط‮ وامتدادات‮ من‮ المتعاونين‮ الذين‮ كانوا‮ يخبرونهم‮ بمخططات‮ الملك‮ وببرامج‮ جولاته‮ وحركاته‮.‬
فكتب‮ المؤرخ‮ عبد‮ الحفيظ‮ الفاسي‮ يقول‮: «‬ولولا‮ مقاومة‮ مشايخ‮ الزوايا‮ من‮ أهل‮ عصره‮ له،‮ وبَثهم‮ الفتنة‮ في‮ كافة‮ المغرب‮ وتعضيد‮ من‮ خرج‮ عليه‮ من‮ قرابته‮ وغيرهم،‮ واشتغاله‮ بمقاتلتهم‮ وإنكاره‮ أمامهم،‮ لولا‮ كل‮ ذلك‮ لعمت‮ دعوته‮ الإصلاحية‮ كافة‮ المغرب‮. ولكن‮ بوجودهم‮ ذهبت‮ مساعيه‮ أدراج‮ الرياح،‮ فذهبت‮ فكرة‮ الإصلاح‮ ونصرة‮ مذهب‮ السلف‮ بموته‮».‬
لذلك،‮ فالملك‮ اليوم‮ محتاج‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يساندون‮ ثورته‮ الإصلاحية‮ ويفتحون‮ أمامها‮ الطريق،‮ لا‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يطبقون‮ البيت‮ الشعري‮ الشعبي‮ القائل‮: «‬السن‮ يضحك‮ للسن‮ والخديعة‮ فالقلب‮».
لحسن‮ الحظ‮ أن‮ بعض‮ هؤلاء‮ الرجال‮ المقربين‮ الذين‮ انكشفت‮ حقيقتهم،‮ غادروا‮ البلاط‮ مؤخرا،‮ لكن‮ يبقى‮ الأمر‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ شاملة‮ لردهات‮ وأروقة‮ القصر‮ لكي‮ يتحقق‮ الإصلاح‮ المنتظر‮ للمؤسسة‮ الملكية‮.
عندما‮ كتب‮ الناطق‮ السابق‮ باسم‮ القصر‮ الملكي‮ والوالي‮ ومؤرخ‮ المملكة‮ السابق،‮ حسن‮ أوريد،‮ رده‮ المتلفع‮ ببلاغة‮ الحشو‮ واللمز‮ والغمز‮ على‮ اتهامنا‮ إياه‮ باستغلال‮ نفوذه‮ كوال‮ للاغتناء‮ في‮ مكناس،‮ ألمح‮ إلى‮ وجود‮ أطراف‮ في‮ المحيط‮ الملكي‮ دفعتنا‮ إلى‮ «‬استهدافه‮» عقابا‮ له‮ على‮ بصقه‮ في‮ قصعة‮ الطعام‮ المخزني‮ الذي‮ تشحم‮ كتفاه‮ بفضله‮.
ومن‮ حق‮ حسن‮ أوريد،‮ «‬الملاك‮» المطرود‮ من‮ جنة‮ البلاط،‮ أن‮ يتهم‮ أطرافا‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي،‮ دون‮ أن‮ يسميهم،‮ بإبعاده‮ من‮ المربع‮ الذهبي‮. فالعارفون‮ بخبايا‮ المسار‮ الذي‮ عاشه‮ الرجل‮ يعرفون‮ أن‮ «‬صاحب‮ دعوته‮»‬،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة،‮ كان‮ خصمه‮ العنيد‮ منذ‮ أيام‮ الدراسة‮ إلى‮ جانب‮ ولي‮ العهد‮.‬
ويبدو‮ أن‮ الطفل‮ حسن‮ أوريد،‮ القادم‮ من‮ هوامش‮ الراشيدية،‮ لم‮ ينس‮ لزميله‮ القديم‮ في‮ فصول‮ المدرسة‮ المولوية،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ القادم‮ بدوره‮ من‮ الرحامنة،‮ لحظات‮ الخصام‮ والصد‮ والجذب‮ التي‮ عاشا‮ فصولها‮ معا‮ طيلة‮ سنوات‮ داخل‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮».
فمنذ‮ ذلك‮ التاريخ،‮ تكون‮ لدى‮ حسن‮ أوريد‮ ما‮ يشبه‮ العقدة‮ النفسية‮ من‮ بقية‮ زملائه‮ أصدقاء‮ الملك،‮ وعلى‮ رأسهم‮ الهمة‮. فقد‮ كان‮ أوريد‮ يعتبر‮ نفسه‮ «‬القاري‮» أحسن‮ من‮ زملائه‮ جميعا،‮ والمثقف‮ متعدد‮ الألسن،‮ والأديب‮ المفوه‮ والشاعر‮ الذي‮ لا‮ يشق‮ له‮ غبار‮.
ولذلك،‮ فبعد‮ طرده‮ من‮ سفارة‮ المغرب‮ في‮ واشنطن،‮ بسبب‮ «‬الفهامة‮» الزائدة‮ عن‮ اللزوم،‮ سيلجأ‮ إلى‮ الكتابة‮ في‮ «‬لوجورنال‮» لإخافة‮ زملائه‮ السابقين‮ في‮ «‬الكوليج‮» الملكي،‮ بحثا‮ عن‮ طريقة‮ يعود‮ بها‮ إلى‮ جنة‮ البلاط‮.
وهو‮ ما‮ تم‮ له،‮ بالفعل،‮ عندما‮ صدر‮ قرار‮ تعيينه‮ ناطقا‮ رسميا‮ باسم‮ القصر‮ الملكي،‮ وهكذا‮ عاد‮ «‬الابن‮ الضال‮» إلى‮ العش‮. غير‮ أن‮ عودته‮ لم‮ تكن‮ محط‮ إجماع‮ بعض‮ زملائه‮ القدامى‮ في‮ فصول‮ الدراسة‮. فبدأت‮ الحرب،‮ خصوصا‮ الضربات‮ تحت‮ الحزام‮ التي‮ يجيدها‮ أوريد‮ بفضل‮ توفره‮ على‮ أصدقاء‮ صحافيين‮ ظل‮ يمرر‮ إليهم‮ الأخبار‮ الطرية‮ المتعلقة‮ بكواليس‮ البلاط‮. ففهم‮ الهمة‮ أن‮ استمرار‮ وجود‮ هذا‮ الزميل‮ القديم‮ معه‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ سيخلق‮ له‮ متاعب‮ كثيرة،‮ فكان‮ ضروريا‮ أن‮ يغادر‮ «‬البلبل‮» العش‮ من‮ جديد،‮ لكي‮ يحط‮ واليا‮ على‮ مكناس‮ تافيلالت‮.
بعد‮ خمس‮ سنوات‮ من‮ تمثيله‮ لوزارة‮ الداخلية‮ والملك‮ في‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وإشرافه‮ على‮ أجهزة‮ المخابرات‮ والأمن‮ في‮ هذه‮ المنطقة،‮ سيعود‮ حسن‮ أوريد‮ إلى‮ فيلته‮ بالهرهورة‮ في‮ ضاحية‮ الرباط‮ بعد‮ أن‮ أصبح‮ بدون‮ عمل‮.‬
لكن‮ بطالته‮ لم‮ تدم‮ طويلا،‮ خصوصا‮ وأن‮ الرجل‮ تفرغ‮ لإعادة‮ الحياة‮ إلى‮ معهده،‮ طارق‮ بن‮ زياد،‮ وبدأ‮ يستضيف‮ محاضرات‮ مزعجة‮ بالنسبة‮ إلى‮ النظام،‮ ففهم‮ أصدقاؤه‮ القدامى‮ رسالته‮ وتمت‮ المناداة‮ عليه‮ للعودة‮ مجددا‮ إلى‮ العش‮ وشغل‮ منصب‮ مؤرخ‮ المملكة‮.
غير‮ أن‮ لسان‮ أوريد‮ الطويل‮ سيجلب‮ له‮ المتاعب‮ مجددا،‮ وسيجد‮ أصحاب‮ الحسنات‮ في‮ الهمة‮ الشخص‮ الوحيد‮ القادر‮ على‮ التأثير‮ على‮ سلطة‮ القرار‮ وإزاحة‮ أوريد‮ من‮ منصبه‮ وإحالته‮ على‮ التقاعد‮ المبكر‮.‬
إن‮ ما‮ يزعج‮ في‮ تصفية‮ أوريد‮ من‮ تركة‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮» هو‮ أن‮ هذه‮ التصفية‮ لم‮ تكن‮ بسبب‮ التجاوزات‮ التي‮ اقترفها‮ هذا‮ الأخير‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ مكناس،‮ وإنما‮ كانت‮ بسبب‮ حسابات‮ شخصية‮ بينه‮ وبين‮ خصومه‮ في‮ المربع‮ الذهبي‮.
ولو‮ كان‮ «‬أصحاب‮ دعوة‮» أوريد‮ قد‮ عجلوا‮ بإقصائه‮ من‮ دائرة‮ رجال‮ البلاط‮ حرصا‮ على‮ الصالح‮ العام،‮ لكانوا‮ قدموه‮ إلى‮ المحاكمة‮ بسبب‮ فداحة‮ المخالفات‮ التي‮ اقترفها‮ بوصفه‮ واليا‮ سابقا،‮ وعدم‮ الاكتفاء‮ بطرده‮ خارج‮ أسوار‮ البلاط‮.
ولائحة‮ هذه‮ المخالفات‮ طويلة‮ وعريضة،‮ سبق‮ أن‮ ذكرنا‮ بعضها،‮ فيما‮ تركنا‮ بعضها‮ الآخر‮ في‮ الاحتياط،‮ في‮ انتظار‮ أن‮ يصدر‮ تكذيب‮ عن‮ المعني‮ بالأمر،‮ وهو‮ الشيء‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ القيام‮ به،‮ فلجأ‮ إلى‮ بحور‮ الشعر‮ والاستعارة‮ والمجاز‮ لإخفاء‮ «‬عجزه‮» المزمن‮ عن‮ نفي‮ الوقائع‮ المثبتة‮ بالدليل‮ والبرهان‮.‬
وإذا‮ أراد‮ أوريد،‮ فعلا،‮ أن‮ يتنازل‮ لي‮ عن‮ ضيعة،‮ فهل‮ سيتنازل‮ لي‮ عن‮ الضيعة‮ الموجودة‮ بآيت‮ يعزم‮ البالغة‮ مساحتها‮ 11‮ هكتارا،‮ والتي‮ كانت‮ في‮ ملكية‮ صوجيطا‮ وتتعهدها‮ صوديا،‮ وكانت‮ مخصصة‮ كسكن‮ ثان‮ لوالي‮ الجهة،‮ فحولها‮ أوريد‮ من‮ دار‮ للضيافة‮ وجند‮ رئيس‮ المنطقة‮ الحضرية‮ لصوديا‮ لإصلاح‮ الضيعة‮ وتشبيب‮ مغروساتها‮ وبناء‮ الإسطبل‮ وحفر‮ البئر،‮ ليتوج‮ كل‮ ذلك‮ بتفويتها‮ إلى‮ شخصه‮ بمساعدة‮ صديقه‮ البوحديدي‮. والقيمة‮ الحالية‮ للضيعة‮ هي‮ مليار‮ و200‮ مليون‮ سنتم،‮ وهي‮ الضيعة‮ التي‮ فوتت‮ إليه‮ ببضعة‮ ملايين‮ لم‮ تصل‮ إلى‮ الثلاثين،‮ أي‮ دون‮ الكلفة‮ التي‮ صرفتها‮ صوديا‮ على‮ الضيعة‮ لإعادة‮ تأهيلها‮.‬
‮«‬هرفات‮» حسن‮ أوريد‮ لم‮ تتوقف‮ فقط‮ على‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ وإنما‮ تجاوزتها‮ إلى‮ المآثر‮ التاريخية،‮ وأشهرها‮ مدرسة‮ الشريف‮ الإدريسي‮ ذات‮ المعمار‮ التقليدي‮ الرائع،‮ استعملت‮ أول‮ الأمر‮ كأول‮ محكمة‮ بمكناس‮ في‮ فترة‮ الاستعمار،‮ قبل‮ أن‮ تتحول‮ إلى‮ مدرسة‮. لكن‮ السيد‮ الوالي‮ أوريد‮ ارتأى‮ نظره‮ السديد‮ أن‮ تتحول‮ المدرسة‮ إلى‮ متحف‮ سماه‮ «‬متحف‮ مكناس‮» بعد‮ أن‮ تكفل‮ بالإصلاحات‮ باهظة‮ الثمن‮ المكتب‮ الجهوي‮ للاستثمار‮. بعد‮ ذلك،‮ سيقوم‮ الوالي‮ أوريد‮ بتفويت‮ المدرسة‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ طارق‮ بن‮ زياد‮ الذي‮ يسيره‮. ولم‮ تمض‮ إلا‮ أسابيع‮ على‮ هذه‮ «‬الهرفة‮»‬،‮ حتى‮ بادرت‮ إدارة‮ المعهد‮ إلى‮ كراء‮ نصف‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ «‬سيرفانتيس‮» واستخلاص‮ واجب‮ الكراء‮ لصالحه‮.‬
تعود‮ حسن‮ أوريد،‮ طيلة‮ وجوده‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ للملك،‮ على‮ لعب‮ لعبة‮ القط‮ والفأر‮ مع‮ النظام،‮ فهو‮ تارة‮ يتقرب‮ من‮ الإسلاميين،‮ وتارة‮ يستخدم‮ معهده‮ لمغازلة‮ الأمازيغيين،‮ وتارة‮ يتقرب‮ من‮ اليساريين‮ وقدماء‮ الانقلابيين،‮ معطيا‮ المثال‮ على‮ الصديق‮ متقلب‮ الوجوه‮ والأقنعة‮ حسب‮ المصلحة‮. وقد‮ وصلت‮ به‮ الجرأة‮ حدا‮ جعله‮ لا‮ يتورع‮ عن‮ ترشيح‮ أحمد‮ الطاهري،‮ المحكوم‮ بتزوير‮ الانتخابات،‮ لنيل‮ وسام‮ العرش،‮ وهو‮ ما‮ تحقق‮ عندما‮ طلب‮ الوالي‮ أوريد‮ من‮ رئيس‮ الاستعلامات‮ العامة،‮ الذي‮ مكنه‮ من‮ 20‮ بقعة‮ أرضية‮ هو‮ وزملاؤه‮ ليشيدوا‮ فوقها‮ فيلاتهم‮ الفاخرة‮ بعدما‮ كانت‮ مخصصة‮ لشقق‮ اقتصادية‮ لعمال‮ ومستخدمي‮ الجماعة‮ من‮ ذوي‮ الدخل‮ المحدود،‮ تسجيل‮ اسم‮ الطاهري‮ في‮ لائحة‮ الموشحين‮ بوسام‮ العرش‮. هكذا،‮ حصل‮ الطاهري‮ على‮ الوسام‮ ورد‮ إليه‮ الوالي‮ اعتباره،‮ على‮ ظهر‮ القصر،‮ بعد‮ أن‮ فشل‮ في‮ استعمال‮ نفوذه‮ في‮ المحكمة‮ لتبرئته‮ من‮ تهمة‮ الغش‮ الانتخابي‮.
ومن‮ بين‮ الأقنعة‮ الكثيرة‮ التي‮ ظل‮ يلبسها‮ أوريد‮ حسب‮ الظروف‮ والمصالح،‮ قناع‮ العابد‮ المتصوف‮ الذي‮ يحرص‮ على‮ أداء‮ صلاة‮ الفجر‮ في‮ المسجد‮ لتغليط‮ إسلاميي‮ العدالة‮ والتنمية‮ في‮ مكناس،‮ وقناع‮ الأمازيغي‮ الذي‮ يعاشر‮ نشطاء‮ الحركة‮ ويعطي‮ القصرَ‮ فكرة‮ مغلوطة‮ عن‮ نفوذه‮ وتأثيره‮ عليهم،‮ وقناع‮ المعارض‮ الذي‮ يجالس‮ في‮ أمسياته‮ الساهرة‮ أبناء‮ الانقلابيين‮ حيث‮ يكيل‮ النقد‮ للنظام‮ الذي‮ أطعمه‮ من‮ جوع‮ وكساه‮ بعد‮ عري‮ وأغناه‮ بعد‮ فقر‮.‬
الفرق‮ بين‮ الأمس‮ واليوم‮ هو‮ أن‮ الوضع‮ لم‮ يعد‮ يتحمل‮ وجود‮ أمثال‮ هؤلاء‮ الانتهازيين‮ والوصوليين‮ داخل‮ أو‮ حول‮ أسوار‮ البلاط‮. اليوم،‮ أصبح‮ مطلوبا‮ إنجاز‮ عملية‮ تطهير toilettage جذرية‮ تذهب‮ بالعناصر‮ المؤذية‮ الملتصقة‮ ب‮«‬جلايل‮» الملك،‮ وتبقي‮ على‮ البطانة‮ الصالحة‮ التي‮ تسدي‮ النصح‮ وتكشف‮ الأخطاء‮ وتسند‮ العثرات،‮ بدون‮ خوف‮ من‮ ضياع‮ مصلحة‮ أو‮ جاه‮ أو‮ نفوذ‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.