إعادة إنتخاب ادريس شحتان رئيسا للجمعية الوطنية للإعلام والناشرين لولاية ثانية    "حركة ضمير": أخنوش استغل التلفزيون لتغليط المغاربة في مختلف القضايا    حاجيات تمويل الخزينة تقفز إلى 75.6 مليار درهم    إقصاء العداءة المغربية آسية الرزيقي في دور النصف من مسابقة 800 متر ببطولة العالم لألعاب القوى    برادة: تعميم تدريس الإنجليزية في الإعدادي والأمازيغية في أكثر من نصف الابتدائيات        ترسيخا لمكانتها كقطب اقتصادي ومالي رائد على المستوى القاري والدولي .. جلالة الملك يدشن مشاريع كبرى لتطوير المركب المينائي للدار البيضاء        الأندية المغربية في دوري أبطال إفريقيا وكأس الكونفدرالية: تحديات وطموحات التتويج بالألقاب القارية    منتخب الفوتسال يشارك في دوري دولي بالأرجنتين ضمن أجندة «فيفا»    إنفانتينو يدشّن أول اجتماعاته بمقر "الفيفا" الجديد في الرباط    أخبار الساحة    مشروع قانون يسمح بطلب الدعم المالي العمومي لإنقاذ الأبناك من الإفلاس    الصين تشيد بالرؤية السديدة للملك محمد السادس الهادفة إلى نهضة أفريقيا    وقفة تضامنية حاشدة بمراكش مع الغلوسي    بعد طنجة.. حملة أمنية واسعة تستهدف مقاهي الشيشة بالحسيمة    البكوري يعرض حصيلة عمله في أكتوبر المقبل    حجز أزيد من 100 ألف قرص مهلوس بميناء سبتة المحتلة    مساء اليوم فى برنامج "مدارات" : صورة حاضرة فاس في الذاكرة الشعرية    المغرب والصين يوقعان على مذكرة تفاهم لإرساء آلية للحوار الاستراتيجي بين الخارجيتين    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ثقة المغاربة في المؤسسات تنهار: 87% غير راضين عن الحكومة و89% عن البرلمان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    ثماني تنظيمات نسائية حزبية تتحد لإصلاح النظام الانتخابي وتعزيز مشاركة النساء    ملف الصحراء.. دي ميستورا يجري مباحثات مع روسيا حول تطورات القضية    المغرب والصين يطلقان شراكة استراتيجية لإنشاء أكبر مجمع صناعي للألمنيوم الأخضر في إفريقيا    شكاية أمام القضاء للتحقيق في عبور عتاد عسكري إلى إسرائيل عبر موانئ مغربية    شركة عالمية أخرى تعتزم إلغاء 680 منصب شغل بجنوب إفريقيا    غرفة جرائم الأموال بفاس تفصل في ملف "البرنامج الاستعجالي" الذي كلّف الدولة 44 مليار درهم    ظهور جزيرة جديدة بفعل ذوبان نهر جليدي في ألاسكا    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        السجن المؤبد لزوج قتل زوجته بالزيت المغلي بطنجة    فرنسا تجمد التعاون مع مالي في مجال مكافحة الإرهاب وتطرد دبلوماسيين        إشهار الفيتو الأمريكي للمرة السادسة خلال عامين ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة يزيد عزلة واشنطن وإسرائيل دوليًا    "لا موسيقى للإبادة".. 400 فنان عالمي يقاطعون إسرائيل ثقافيا    زلزال بقوة 7.8 درجات يضرب شبه جزيرة كامتشاتكا شرقي روسيا    أسعار النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب    الدّوخة في قمة الدّوحة !    سطاد المغربي يعين الصحافي الرياضي جلول التويجر ناطقا رسميا    الجزائر تهتز بهروب "ناصر الجن" وحلقة جديدة في صراع الأجنحة داخل الجيش و المخابرات.    الحضري يتوقع نهائي المغرب ومصر    المغرب في المهرجانات العالمية    شيرين وحسام حبيب يقضيان عطلة في "ماربيا"    الفنان مولود موملال: جمالية الغناء الأمازيغي وفاعليته التوعوية    إسرائيل تجمد تمويل مكافآتها السينمائية الرئيسية بسبب فيلم «مؤيد للفلسطينيين»    فيلم «مورا يشكاد» لخالد الزايري يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان وزان    تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    ألمانيا تقلق من فيروس "شيكونغونيا" في إيطاليا    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    "المجلس العلمي" يثمن التوجيه الملكي    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الما‮ والشطابة‮
نشر في المساء يوم 25 - 03 - 2011

لم‮ يحدث‮ أن‮ كان‮ المحيط‮ الملكي‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ واسعة‮ مثلما‮ هو‮ بحاجة‮ إليها‮ اليوم‮.‬
لقد‮ أظهرت‮ العشر‮ سنوات‮ الأخيرة‮ أن‮ بعض‮ أصدقاء‮ دراسة‮ الملك،‮ الذين‮ أحاطهم‮ ببلاطه‮ ومنحهم‮ ثقته،‮ انتهوا‮ إلى‮ إظهار‮ الولاء‮ لامتيازاتهم‮ ومصالحهم‮ الخاصة‮ أكثر‮ من‮ ولائهم‮ للملك‮ والصالح‮ العام‮.‬
وعوض‮ أن‮ يتفرغ‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ هؤلاء‮ إلى‮ مصاحبة‮ النظرة‮ البعيدة‮ للملك‮ ويساعدوه‮ على‮ تدبير‮ الإرث‮ الثقيل‮ الذي‮ خلفه‮ له‮ والده‮ ونظامه‮ السابق،‮ تفرغوا‮ لمصالحهم‮ ومشاريعهم‮ الشخصية‮ ووفروا‮ كل‮ قواهم‮ وذكائهم‮ وطاقتهم‮ لتحويل‮ البلاط‮ الملكي‮ إلى‮ حصن‮ منيع‮ يحتمون‮ به‮ ويصفون‮ في‮ حدائقه‮ الخلفية‮ حساباتهم‮ الشخصية‮ العالقة‮ بينهم‮ منذ‮ فترة‮ الدراسة‮ فوق‮ مقاعد‮ المدرسة‮ المولوية‮.‬
ولذلك،‮ فليس‮ غريبا‮ أن‮ يكون‮ أول‮ من‮ يتصدون‮ لثورة‮ الملك‮ الإصلاحية‮ هم‮ بعض‮ هؤلاء‮ الأصدقاء‮ القدامى‮.‬
ولعل‮ ما‮ تتعرض‮ له‮ ثورة‮ الملك‮ محمد‮ السادس‮ اليوم‮ على‮ أيدي‮ بعض‮ رجال‮ البلاط‮ يشبه،‮ إلى‮ حد‮ كبير،‮ ما‮ تعرض‮ له‮ السلطان‮ العلوي‮ المولى‮ سليمان‮ عندما‮ تصدى‮ شيوخ‮ الزوايا‮ لمسلسل‮ الإصلاح‮ الديني‮ الذي‮ أطلقه‮ والذي‮ كان‮ يرمي‮ إلى‮ توحيد‮ ومركزة‮ المنظومة‮ الدينية‮ ومحاربة‮ البدع‮ والتقيد‮ بالسنة،‮ مما‮ يعد‮ إصلاحا‮ دستوريا‮ بلغة‮ اليوم‮.‬
وعوض‮ أن‮ يخصص‮ الملك‮ المولى‮ سليمان‮ جهده‮ لتطبيق‮ مخططه‮ الإصلاحي،‮ ضيع‮ الوقت‮ في‮ محاربة‮ الزوايا‮ وجيوب‮ المقاومة‮ التي‮ اتحدت‮ ضده‮ والتي‮ كانت‮ لديها‮ آذان‮ داخل‮ البلاط‮ وامتدادات‮ من‮ المتعاونين‮ الذين‮ كانوا‮ يخبرونهم‮ بمخططات‮ الملك‮ وببرامج‮ جولاته‮ وحركاته‮.‬
فكتب‮ المؤرخ‮ عبد‮ الحفيظ‮ الفاسي‮ يقول‮: «‬ولولا‮ مقاومة‮ مشايخ‮ الزوايا‮ من‮ أهل‮ عصره‮ له،‮ وبَثهم‮ الفتنة‮ في‮ كافة‮ المغرب‮ وتعضيد‮ من‮ خرج‮ عليه‮ من‮ قرابته‮ وغيرهم،‮ واشتغاله‮ بمقاتلتهم‮ وإنكاره‮ أمامهم،‮ لولا‮ كل‮ ذلك‮ لعمت‮ دعوته‮ الإصلاحية‮ كافة‮ المغرب‮. ولكن‮ بوجودهم‮ ذهبت‮ مساعيه‮ أدراج‮ الرياح،‮ فذهبت‮ فكرة‮ الإصلاح‮ ونصرة‮ مذهب‮ السلف‮ بموته‮».‬
لذلك،‮ فالملك‮ اليوم‮ محتاج‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يساندون‮ ثورته‮ الإصلاحية‮ ويفتحون‮ أمامها‮ الطريق،‮ لا‮ إلى‮ رجال‮ بلاط‮ يطبقون‮ البيت‮ الشعري‮ الشعبي‮ القائل‮: «‬السن‮ يضحك‮ للسن‮ والخديعة‮ فالقلب‮».
لحسن‮ الحظ‮ أن‮ بعض‮ هؤلاء‮ الرجال‮ المقربين‮ الذين‮ انكشفت‮ حقيقتهم،‮ غادروا‮ البلاط‮ مؤخرا،‮ لكن‮ يبقى‮ الأمر‮ بحاجة‮ إلى‮ عملية‮ تطهير‮ شاملة‮ لردهات‮ وأروقة‮ القصر‮ لكي‮ يتحقق‮ الإصلاح‮ المنتظر‮ للمؤسسة‮ الملكية‮.
عندما‮ كتب‮ الناطق‮ السابق‮ باسم‮ القصر‮ الملكي‮ والوالي‮ ومؤرخ‮ المملكة‮ السابق،‮ حسن‮ أوريد،‮ رده‮ المتلفع‮ ببلاغة‮ الحشو‮ واللمز‮ والغمز‮ على‮ اتهامنا‮ إياه‮ باستغلال‮ نفوذه‮ كوال‮ للاغتناء‮ في‮ مكناس،‮ ألمح‮ إلى‮ وجود‮ أطراف‮ في‮ المحيط‮ الملكي‮ دفعتنا‮ إلى‮ «‬استهدافه‮» عقابا‮ له‮ على‮ بصقه‮ في‮ قصعة‮ الطعام‮ المخزني‮ الذي‮ تشحم‮ كتفاه‮ بفضله‮.
ومن‮ حق‮ حسن‮ أوريد،‮ «‬الملاك‮» المطرود‮ من‮ جنة‮ البلاط،‮ أن‮ يتهم‮ أطرافا‮ داخل‮ المحيط‮ الملكي،‮ دون‮ أن‮ يسميهم،‮ بإبعاده‮ من‮ المربع‮ الذهبي‮. فالعارفون‮ بخبايا‮ المسار‮ الذي‮ عاشه‮ الرجل‮ يعرفون‮ أن‮ «‬صاحب‮ دعوته‮»‬،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة،‮ كان‮ خصمه‮ العنيد‮ منذ‮ أيام‮ الدراسة‮ إلى‮ جانب‮ ولي‮ العهد‮.‬
ويبدو‮ أن‮ الطفل‮ حسن‮ أوريد،‮ القادم‮ من‮ هوامش‮ الراشيدية،‮ لم‮ ينس‮ لزميله‮ القديم‮ في‮ فصول‮ المدرسة‮ المولوية،‮ فؤاد‮ عالي‮ الهمة‮ القادم‮ بدوره‮ من‮ الرحامنة،‮ لحظات‮ الخصام‮ والصد‮ والجذب‮ التي‮ عاشا‮ فصولها‮ معا‮ طيلة‮ سنوات‮ داخل‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮».
فمنذ‮ ذلك‮ التاريخ،‮ تكون‮ لدى‮ حسن‮ أوريد‮ ما‮ يشبه‮ العقدة‮ النفسية‮ من‮ بقية‮ زملائه‮ أصدقاء‮ الملك،‮ وعلى‮ رأسهم‮ الهمة‮. فقد‮ كان‮ أوريد‮ يعتبر‮ نفسه‮ «‬القاري‮» أحسن‮ من‮ زملائه‮ جميعا،‮ والمثقف‮ متعدد‮ الألسن،‮ والأديب‮ المفوه‮ والشاعر‮ الذي‮ لا‮ يشق‮ له‮ غبار‮.
ولذلك،‮ فبعد‮ طرده‮ من‮ سفارة‮ المغرب‮ في‮ واشنطن،‮ بسبب‮ «‬الفهامة‮» الزائدة‮ عن‮ اللزوم،‮ سيلجأ‮ إلى‮ الكتابة‮ في‮ «‬لوجورنال‮» لإخافة‮ زملائه‮ السابقين‮ في‮ «‬الكوليج‮» الملكي،‮ بحثا‮ عن‮ طريقة‮ يعود‮ بها‮ إلى‮ جنة‮ البلاط‮.
وهو‮ ما‮ تم‮ له،‮ بالفعل،‮ عندما‮ صدر‮ قرار‮ تعيينه‮ ناطقا‮ رسميا‮ باسم‮ القصر‮ الملكي،‮ وهكذا‮ عاد‮ «‬الابن‮ الضال‮» إلى‮ العش‮. غير‮ أن‮ عودته‮ لم‮ تكن‮ محط‮ إجماع‮ بعض‮ زملائه‮ القدامى‮ في‮ فصول‮ الدراسة‮. فبدأت‮ الحرب،‮ خصوصا‮ الضربات‮ تحت‮ الحزام‮ التي‮ يجيدها‮ أوريد‮ بفضل‮ توفره‮ على‮ أصدقاء‮ صحافيين‮ ظل‮ يمرر‮ إليهم‮ الأخبار‮ الطرية‮ المتعلقة‮ بكواليس‮ البلاط‮. ففهم‮ الهمة‮ أن‮ استمرار‮ وجود‮ هذا‮ الزميل‮ القديم‮ معه‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ سيخلق‮ له‮ متاعب‮ كثيرة،‮ فكان‮ ضروريا‮ أن‮ يغادر‮ «‬البلبل‮» العش‮ من‮ جديد،‮ لكي‮ يحط‮ واليا‮ على‮ مكناس‮ تافيلالت‮.
بعد‮ خمس‮ سنوات‮ من‮ تمثيله‮ لوزارة‮ الداخلية‮ والملك‮ في‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وإشرافه‮ على‮ أجهزة‮ المخابرات‮ والأمن‮ في‮ هذه‮ المنطقة،‮ سيعود‮ حسن‮ أوريد‮ إلى‮ فيلته‮ بالهرهورة‮ في‮ ضاحية‮ الرباط‮ بعد‮ أن‮ أصبح‮ بدون‮ عمل‮.‬
لكن‮ بطالته‮ لم‮ تدم‮ طويلا،‮ خصوصا‮ وأن‮ الرجل‮ تفرغ‮ لإعادة‮ الحياة‮ إلى‮ معهده،‮ طارق‮ بن‮ زياد،‮ وبدأ‮ يستضيف‮ محاضرات‮ مزعجة‮ بالنسبة‮ إلى‮ النظام،‮ ففهم‮ أصدقاؤه‮ القدامى‮ رسالته‮ وتمت‮ المناداة‮ عليه‮ للعودة‮ مجددا‮ إلى‮ العش‮ وشغل‮ منصب‮ مؤرخ‮ المملكة‮.
غير‮ أن‮ لسان‮ أوريد‮ الطويل‮ سيجلب‮ له‮ المتاعب‮ مجددا،‮ وسيجد‮ أصحاب‮ الحسنات‮ في‮ الهمة‮ الشخص‮ الوحيد‮ القادر‮ على‮ التأثير‮ على‮ سلطة‮ القرار‮ وإزاحة‮ أوريد‮ من‮ منصبه‮ وإحالته‮ على‮ التقاعد‮ المبكر‮.‬
إن‮ ما‮ يزعج‮ في‮ تصفية‮ أوريد‮ من‮ تركة‮ «‬الكوليج‮ الملكي‮» هو‮ أن‮ هذه‮ التصفية‮ لم‮ تكن‮ بسبب‮ التجاوزات‮ التي‮ اقترفها‮ هذا‮ الأخير‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ مكناس،‮ وإنما‮ كانت‮ بسبب‮ حسابات‮ شخصية‮ بينه‮ وبين‮ خصومه‮ في‮ المربع‮ الذهبي‮.
ولو‮ كان‮ «‬أصحاب‮ دعوة‮» أوريد‮ قد‮ عجلوا‮ بإقصائه‮ من‮ دائرة‮ رجال‮ البلاط‮ حرصا‮ على‮ الصالح‮ العام،‮ لكانوا‮ قدموه‮ إلى‮ المحاكمة‮ بسبب‮ فداحة‮ المخالفات‮ التي‮ اقترفها‮ بوصفه‮ واليا‮ سابقا،‮ وعدم‮ الاكتفاء‮ بطرده‮ خارج‮ أسوار‮ البلاط‮.
ولائحة‮ هذه‮ المخالفات‮ طويلة‮ وعريضة،‮ سبق‮ أن‮ ذكرنا‮ بعضها،‮ فيما‮ تركنا‮ بعضها‮ الآخر‮ في‮ الاحتياط،‮ في‮ انتظار‮ أن‮ يصدر‮ تكذيب‮ عن‮ المعني‮ بالأمر،‮ وهو‮ الشيء‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ القيام‮ به،‮ فلجأ‮ إلى‮ بحور‮ الشعر‮ والاستعارة‮ والمجاز‮ لإخفاء‮ «‬عجزه‮» المزمن‮ عن‮ نفي‮ الوقائع‮ المثبتة‮ بالدليل‮ والبرهان‮.‬
وإذا‮ أراد‮ أوريد،‮ فعلا،‮ أن‮ يتنازل‮ لي‮ عن‮ ضيعة،‮ فهل‮ سيتنازل‮ لي‮ عن‮ الضيعة‮ الموجودة‮ بآيت‮ يعزم‮ البالغة‮ مساحتها‮ 11‮ هكتارا،‮ والتي‮ كانت‮ في‮ ملكية‮ صوجيطا‮ وتتعهدها‮ صوديا،‮ وكانت‮ مخصصة‮ كسكن‮ ثان‮ لوالي‮ الجهة،‮ فحولها‮ أوريد‮ من‮ دار‮ للضيافة‮ وجند‮ رئيس‮ المنطقة‮ الحضرية‮ لصوديا‮ لإصلاح‮ الضيعة‮ وتشبيب‮ مغروساتها‮ وبناء‮ الإسطبل‮ وحفر‮ البئر،‮ ليتوج‮ كل‮ ذلك‮ بتفويتها‮ إلى‮ شخصه‮ بمساعدة‮ صديقه‮ البوحديدي‮. والقيمة‮ الحالية‮ للضيعة‮ هي‮ مليار‮ و200‮ مليون‮ سنتم،‮ وهي‮ الضيعة‮ التي‮ فوتت‮ إليه‮ ببضعة‮ ملايين‮ لم‮ تصل‮ إلى‮ الثلاثين،‮ أي‮ دون‮ الكلفة‮ التي‮ صرفتها‮ صوديا‮ على‮ الضيعة‮ لإعادة‮ تأهيلها‮.‬
‮«‬هرفات‮» حسن‮ أوريد‮ لم‮ تتوقف‮ فقط‮ على‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ وإنما‮ تجاوزتها‮ إلى‮ المآثر‮ التاريخية،‮ وأشهرها‮ مدرسة‮ الشريف‮ الإدريسي‮ ذات‮ المعمار‮ التقليدي‮ الرائع،‮ استعملت‮ أول‮ الأمر‮ كأول‮ محكمة‮ بمكناس‮ في‮ فترة‮ الاستعمار،‮ قبل‮ أن‮ تتحول‮ إلى‮ مدرسة‮. لكن‮ السيد‮ الوالي‮ أوريد‮ ارتأى‮ نظره‮ السديد‮ أن‮ تتحول‮ المدرسة‮ إلى‮ متحف‮ سماه‮ «‬متحف‮ مكناس‮» بعد‮ أن‮ تكفل‮ بالإصلاحات‮ باهظة‮ الثمن‮ المكتب‮ الجهوي‮ للاستثمار‮. بعد‮ ذلك،‮ سيقوم‮ الوالي‮ أوريد‮ بتفويت‮ المدرسة‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ طارق‮ بن‮ زياد‮ الذي‮ يسيره‮. ولم‮ تمض‮ إلا‮ أسابيع‮ على‮ هذه‮ «‬الهرفة‮»‬،‮ حتى‮ بادرت‮ إدارة‮ المعهد‮ إلى‮ كراء‮ نصف‮ المتحف‮ إلى‮ معهد‮ «‬سيرفانتيس‮» واستخلاص‮ واجب‮ الكراء‮ لصالحه‮.‬
تعود‮ حسن‮ أوريد،‮ طيلة‮ وجوده‮ داخل‮ المربع‮ الذهبي‮ للملك،‮ على‮ لعب‮ لعبة‮ القط‮ والفأر‮ مع‮ النظام،‮ فهو‮ تارة‮ يتقرب‮ من‮ الإسلاميين،‮ وتارة‮ يستخدم‮ معهده‮ لمغازلة‮ الأمازيغيين،‮ وتارة‮ يتقرب‮ من‮ اليساريين‮ وقدماء‮ الانقلابيين،‮ معطيا‮ المثال‮ على‮ الصديق‮ متقلب‮ الوجوه‮ والأقنعة‮ حسب‮ المصلحة‮. وقد‮ وصلت‮ به‮ الجرأة‮ حدا‮ جعله‮ لا‮ يتورع‮ عن‮ ترشيح‮ أحمد‮ الطاهري،‮ المحكوم‮ بتزوير‮ الانتخابات،‮ لنيل‮ وسام‮ العرش،‮ وهو‮ ما‮ تحقق‮ عندما‮ طلب‮ الوالي‮ أوريد‮ من‮ رئيس‮ الاستعلامات‮ العامة،‮ الذي‮ مكنه‮ من‮ 20‮ بقعة‮ أرضية‮ هو‮ وزملاؤه‮ ليشيدوا‮ فوقها‮ فيلاتهم‮ الفاخرة‮ بعدما‮ كانت‮ مخصصة‮ لشقق‮ اقتصادية‮ لعمال‮ ومستخدمي‮ الجماعة‮ من‮ ذوي‮ الدخل‮ المحدود،‮ تسجيل‮ اسم‮ الطاهري‮ في‮ لائحة‮ الموشحين‮ بوسام‮ العرش‮. هكذا،‮ حصل‮ الطاهري‮ على‮ الوسام‮ ورد‮ إليه‮ الوالي‮ اعتباره،‮ على‮ ظهر‮ القصر،‮ بعد‮ أن‮ فشل‮ في‮ استعمال‮ نفوذه‮ في‮ المحكمة‮ لتبرئته‮ من‮ تهمة‮ الغش‮ الانتخابي‮.
ومن‮ بين‮ الأقنعة‮ الكثيرة‮ التي‮ ظل‮ يلبسها‮ أوريد‮ حسب‮ الظروف‮ والمصالح،‮ قناع‮ العابد‮ المتصوف‮ الذي‮ يحرص‮ على‮ أداء‮ صلاة‮ الفجر‮ في‮ المسجد‮ لتغليط‮ إسلاميي‮ العدالة‮ والتنمية‮ في‮ مكناس،‮ وقناع‮ الأمازيغي‮ الذي‮ يعاشر‮ نشطاء‮ الحركة‮ ويعطي‮ القصرَ‮ فكرة‮ مغلوطة‮ عن‮ نفوذه‮ وتأثيره‮ عليهم،‮ وقناع‮ المعارض‮ الذي‮ يجالس‮ في‮ أمسياته‮ الساهرة‮ أبناء‮ الانقلابيين‮ حيث‮ يكيل‮ النقد‮ للنظام‮ الذي‮ أطعمه‮ من‮ جوع‮ وكساه‮ بعد‮ عري‮ وأغناه‮ بعد‮ فقر‮.‬
الفرق‮ بين‮ الأمس‮ واليوم‮ هو‮ أن‮ الوضع‮ لم‮ يعد‮ يتحمل‮ وجود‮ أمثال‮ هؤلاء‮ الانتهازيين‮ والوصوليين‮ داخل‮ أو‮ حول‮ أسوار‮ البلاط‮. اليوم،‮ أصبح‮ مطلوبا‮ إنجاز‮ عملية‮ تطهير toilettage جذرية‮ تذهب‮ بالعناصر‮ المؤذية‮ الملتصقة‮ ب‮«‬جلايل‮» الملك،‮ وتبقي‮ على‮ البطانة‮ الصالحة‮ التي‮ تسدي‮ النصح‮ وتكشف‮ الأخطاء‮ وتسند‮ العثرات،‮ بدون‮ خوف‮ من‮ ضياع‮ مصلحة‮ أو‮ جاه‮ أو‮ نفوذ‮.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.