ساهمت جائحة كورونا بشكل كبير في زعزعة قراءتنا للعالم، و أضحى تقييمنا لعلاقات القوة بين الدول، ومستقبل التحالفات بل الأحرى مستقبل الغرب كمكان مثالي للتنمية و التحضر في حاجة إلى وقفة تأمل. في وقت قياسي غيرت هذه الأزمة الصحية طريقة حياتنا اليومية، وحرمتنا من أبسط حقوقنا الأساسية مثل الخروج، حضور مباراة كرة قدم، الذهاب إلى العمل والسفر. لقد تسببت في حجر قسري لأكثر من نصف البشرية، و أدت إلى تعطيل الاقتصاد العالمي وخلق الملايين من العاطلين عن العمل، و حرمان العديد من الأفراد من مورد رزقهم اليومي. إن تشديد القيود المفروضة على التنقل رافقها إعادة إحياء للحدود بين الدول، بين الأفراد، بين السلطة والفرد. لكن الحدود بين الغني و الفقير ازدادت اتساعا . في خضم ذلك كيف نتصور التزام شخص بدون مأوى بالحجر المنزلي؟ وضعية المتشردين و الأشخاص بدون مأوى في مواجهة كورونا يلخصها هذا السؤال. كيف يمكن لمن لا مأوى له و لا يستطيع الولوج لشبكة ماء نظيف غسل يديه بانتظام ؟ كيف يمكن تصور العمل عن بعد لمن يمتهن التسول كنشاط في فضاء عام خال من المارة ؟ كيف يمكن معالجة مشاكل أناس يعيشون في الفضاء العام إذا كان هذا الأخير قد أفرغ و أغلق؟ منذ قرون مضت اعتبر التشرد تجسيدا للعيش في الهامش المظلم و مظهرا عميقا للإبعاد الاجتماعي. القانون الجنائي ينظر للتشرد كجرم يستحق الردع و العقاب، في حين أن القانون الاجتماعي الذي وجد لحماية المتشردين لا يكترث ولا ينتبه لحالهم. فهم أشخاص مرئيون بنظر القانون الجنائي، و غير مرئيون بنظر القانون الاجتماعي. ما هو المنزل بالنسبة للمتشرد في فترة الحجر المنزلي؟ هل يمكن اعتبار غياب مأوى خاص كتبرير للخروج في فترة الحجر المنزلي؟ و هل يمكن تطبيق العقوبات عليه؟ منذ 1994 لم يعد التشرد جرما بفرنسا، لكن للأسف القانون الجنائي المغربي مازال يعتبر المتشرد مجرما وعاقبه بالحبس لا لشيء إلا لأنه ليس له محل إقامة معروف ولا وسائل للتعيش ولا يزاول أية حرفة أو مهنة. احتلال الفضاء العام من طرف المتشرد ممنوع قانونا، لكن بعض الاجتهادات القضائية في فرنسا مثلا اعتبرت أن الخيام المنصوبة في الفضاء العام من طرف المتشردين لعدة أيام هي بمثابة مسكن يقتضي احتراما لحقوق ساكنه وصونا لخصوصياته. المتشرد أو الشخص بدون مأوى في زمن كورونا ينظر إليه كضحية هشاشة مهيكلة و فريسة سهلة للفيروس، وكذا كناقل خطير و سريع للعدوى. إن الموضوع يتأسس على انشغالات إنسانية و اقتصادية و اعتبارات أخلاقية ذات علاقة بحق من حقوق الإنسان الأساسية، و هو الحق في السكن. فالإجراءات الاحترازية بالنسبة لهذه الفئة المنسية بعيدة المنال. لقد أتاحت الموجة الوبائية التي ضربت العالم منذ فبراير 2020 الفرصة لالتقاط الديناميات التي تضبط إيقاعات الفضاء العام، خاصة ممن يعيشون في الهامش. فعندما يعرض روبورتاج متلفز عن الفقر ، فإن صور المتشردين هي التي تؤثثه، في إشارة إلى أن التشرد تجسيد للوجه القبيح للفقر. لا أحد ينبغي أن يسكن الشارع خاصة في أحلك الظروف الوبائية كالتي يعيشها العالم حاليا. لا أحد ينبغي أن يستثنى من تطبيق إجراءات الحجر المنزلي الصارمة. مادامت هذه الإجراءات من النظام العام. لا أحد ينبغي أن يعيش هذا التناقض : الحجر المنزلي في غياب مأوى.
قد يبدو وضع تقييم جيوستراتيجي لأزمة لم تنته بعد ، والتي بدأت قبل بضعة أشهر فقط أمرا غير واقعي. هل ستغير هذه الأزمة الصحية وجه العالم ؟ نسمع بانتظام أن "لا شيء سيكون مثل ما كان قبل الجائحة" ،و أننا سوف ندخل ل"عالم بعد كوفيد 19". دعونا نمسح كل هذه الأسئلة من مخيلتنا و نعيد طرحها من جديد. هل سنعود إلى عالم ما قبل العولمة ؟ هل سنعيش في عالم ما بعد العولمة ؟ من سيحدد معالم النظام العالمي الجديد ؟ ما هو معلوم حاليا أن "لحظة Covid-19"التي مازلنا نعاني تحت وطأتها، ستكون نقطة تحول رئيسية في زعزعة استقرارنا الاجتماعي و النفسي. هناك بالفعل "لحظة Covid-19" على المستوى الجيوسياسي، فآثارها الحالية والمستقبلية لا تبدو بالضرورة مطمئنة.