بعد مراكش وفاس .. إمارة المؤمنين تسائل "عامل مليلية" بوزارة الداخلية    تقرير: الدار البيضاء ضمن قائمة 40 أفضل وجهة للمواهب التكنولوجية العالمية    الصين تعفي المنتجات الإفريقية بالكامل من الرسوم الجمركية وتعزز شراكتها مع القارة نحو مستقبل مشترك    قافلة التضامن المزعوم: خريطة المغرب المبتورة تكشف قناع التآمر باسم فلسطين    ربط المسؤولية بالمحاسبة… منهج الدولة لترسيخ سيادة القانون    "محمد طه.. ميلاد النور حين صار ابني"    تعيين الأستاذ محمد مسعودي وكيلا للملك خلفا للأستاذ عبدالرحيم الساوي بإبتدائية الجديدة    تعيين "محمد بلايه" مديرا للمدرسة العليا للأساتذة بتطوان    فاجعة جوية في الهند.. مصرع المئات في تحطم طائرة "دريملاينر" كانت متجهة إلى بريطانيا (فيديو يوثق لحظة السقوط)    لبؤات الأطلس يحافظن على المركز ال60 عالميا والثالث قاريا    الحكومة تصادق على مشروع قانون لإصلاح مراكز الاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط حوالي 5 أطنان من الحشيش بميناء الجزيرة الخضراء قادمة من طنجة    إسبانيا تُعلن إيقاف اثنين من الحرس المدني لتورطهما في قضية "نفق سبتة"    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    كاظم الساهر يحيي حفلا منتظرا بمهرجان "موازين"    فيديو "حمارين داخل مركز صحي" يثير الجدل.. ومندوبية الصحة بالخميسات توضح    إسكوبار الصحراء.. رئيس جهة الشرق بعيوي يمثل أمام القضاء للمرة الأولى    خطرٌ وشيك كان يهدد سواحل الحسيمة... وسلطات الميناء تتدخّل في الوقت الحاسم    مصر ترحّل مغاربة متطوعين للمشاركية في المسيرة العالمية إلى غزة وسفارتها بالرباط ترفض منح التأشيرات للمئات    مطالب بإحالة كل التقارير ذات الصلة بالفساد ونهب المال العام على القضاء ومحاكمة المتورطين فيها    توقيف 9 أشخاص بالناظور وجرسيف بسبب الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر    توزيع 500 سلة غذائية في قطاع غزة بمبادرة من وكالة بيت مال القدس الشريف (صور)    الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني تستنكر الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    الملك محمد السادس يهنئ رئيس فيدرالية روسيا فلاديمير بوتين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    القضاء لا يُقام في الشوارع    تحطم طائرة في الهند على متنها 242 شخصا    "350 فنانا و54 حفلة في الدورة السادسة والعشرين لمهرجان كناوة الصويرة"    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    بنك المغرب فقد 20 مهندسا في سنتين.. والجواهري يطالب الدولة بالتدخل للحد من نهب أطرها (فيديو)    كأس العالم للأندية.. الوداد الرياضي يواصل تحضيراته استعدادا لمواجهة مانشستر سيتي الإنجليزي                الوداد يجري أول حصة تدريبية في أمريكا تأهبا للمشاركة في كأس العالم للأندية 2025    أساتذة مركز التوجيه والتخطيط التربوي يحتجون على "سوء التدبير" ويدعون الوزارة إلى فتح تحقيق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    انقطاع الاتصالات والانترنت في غزة بعد استهداف خط ألياف ضوئية    أسعار النفط ترتفع إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من شهرين    الرباط.. انعقاد الاجتماع السنوي الخامس لتتبع اتفاقية التعاون لمكافحة الفساد في القطاع المالي    كأس العالم للأندية.. فيفا: "كاميرا الحكم" لن تعرض الأحداث المثيرة للجدل    الاتحاد الألماني للاعبي كرة القدم المحترفين يشكو فيفا للمفوضية الأوروبية    الداخلية تطلق خطة لمواجهة الكلاب الضالة وتعزيز الوقاية الصحية    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    المنتخب المغربي يتقدم إلى المركز 11 في تصنيف فيفا متجاوزا ألمانيا لأول مرة    طائرة استخبارات متطورة تعزز قدرات القوات الجوية المغربية: شراكة استراتيجية مع كبرى شركات الدفاع العالمية    المنتخب النسوي يستعد لكأس إفريقيا في تجمع بسلا من 11 إلى 19 يونيو    اجتماع طارئ .. هل بدأ لقجع يشكك في اختيارات الركراكي؟    الاتحاد الأوروبي يدرج الجزائر ودولاً أخرى على قائمة "الدول عالية المخاطر" في مجال مكافحة غسل الأموال    "نوردو" يسعد بالغناء في "موازين"    بيان عاجل حول انقطاع أدويةاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من الصيدليات وتأثير ذلك على المصابين وأسرهم    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    كأنك تراه    انسيابية في رمي الجمرات واستعدادات مكثفة لاستقبال المتعجلين في المدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحِسَابْ البِيزَنْطِي
نشر في أخبارنا يوم 11 - 03 - 2013

هذا على حد قولهم" الجدل البيزنطي" الذي يقال في وصف كل كلام طويل وفارغ،والذي فيه من الثرثرة والنقاش الخاوي، واللغو أضعاف مافيه من نفع وجدوى، وفي الغالب لا نفع منه إطلاقا إلا تحريك الأسنان، وتمارين اللسان.
ذلك ما تجلى في بيان وزارة الأوقاف الذي نشرته مؤخرا في الصحف، والذي هون كثيرا مما فعلته الوزارة ببعض أهل الدين وحملة القرءان من الطرد والتوقيف والعزل المستمر، في غياب أي مظلة قانونية معتبرة لما يحدث، وفي غياب الشفافية والإنصاف. بل إنما يتم ذلك بقوة المركز، وسطوة الموقع ، بعيدا عن أية مساطير أو إجراءات ولو شكلية وفي إلغاء تام لمقتضيات الضمير، وومضات المروءة والإنسانية، أو الإحساس بالذنب، وثقل المسؤولية،وعبء القرار.
ولهذا أصدر البيان المذكور مقللا من شأن الأمر كله، مستعرضا ببرودة حادة ما وقع، مبينا أن الوزارة لم توقف ذلك العدد. وإنها " لم تضطر إلى إنهاء مهام بعض الأئمة والخطباء، إلا في حالات قصوى استلزمتها ضرورة صيانة حرمة بيوت الله،) ثم شرعت تقسم العدد الذي اعترفت به إلى خانات وأرقام، وأمامهم أسباب العقوبات .
والذي يقرأ البيان يخيل إليه أن الوزارة حمامة بيضاء، وأنها تواجه جحافل من المخربين والإرهابيين،ومهددي الأمن العام، والأمن الروحي، وأنهم خطر على ثوابت الأمة، وأعمدتها وأشجارها،وطرقها الإسفلتية، وأن الوزارة التي لا يفوتها شيء، جمعت الأئمة جميعا في صعيد واحد، فقرأت خواطرهم، وتسللت إلى خبايا صدورهم، واطلعت على مافي نواياهم، فوزعت شهادة الرضا على ما تشاء،وقالت:" الأئمة والخطباء يبذلون جهودا مشكورة لحفظ الخصوصية المغربية في الشأن الديني ... أما حالات الخروج عن الاختيارات المذهبية والسياسية فهي نادرة جدا،) وتلك الحالات فككت الوزارة شيفرة مخططاتهم، وأدركت مكايد تدبيرهم، فأسرعت إلى استئصال الشر قبل استفحاله، وجففت منابعه وينابيعه،وقضت على منابته ومزارعه، وعادت تلتقط أنفاسها من هذه المعركة الظافرة، لتدبج بيان الانتصار العظيم.
ولكي تهون مما نشرته الصحف اعترفت أنها لم تعزل إلا مائة وسبعة وخمسين إماما وخطيبا (157) ورغم أن العدد مشكوك فيه، لكن نفرض معها أنها عزلتهم بدون اللجوء إلى حكم قضائي بذلك، ودون الرجوع إلى لجنة شرعية مستقلة تتقصى في الأمر وأسبابه وحجمه، وتقرر فيه، ورغم تلك النواقص والثغرات التي تدل على تصفية الحساب، ورغم أن الوزارة حولتهم إلى أرقام مضغوطة لكي يبدوا الأمر سهلا وهينا "وهو عند الله عظيم" إلا أنه كيف تتناسى أنه ما من فرد من أولائك إلا وهو يعول أسرة لا يقل أفرادها في أقل تقدير عن ثلاثة أشخاص آخرين، ما يرفع الذي بطشت بهم الوزارة، وداست على آلامهم،وحرمتهم من أعمالهم، وقطعت مصادر رزقهم، إلى أكثر من ست مائة فرد (600)، وفيهم أطفال صغار كانوا وقودا وضحايا في هذا الظلم السافر.
إن اعتراف الوزارة بتلك الأرقام، ومحاولة تفكيكها وتقسيمها وطمس ما تدل عليه من بغي وتعسف،يذكرني بقصة أوردها الجاحظ في كتابه " البيان والتبيين " عن أحد الحمقى قال : \4\26\ كان عندنا قاض يقال له أبو موسى كوش، فأخذ يوما في ذكر قِصر الدنيا وطول أيام الآخرة، وتصغير شأن الدنيا وتعظيم شأن الآخرة، فقال : هذا الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا، وعليه فضل (زيادة) سنتين ! قالوا : وكيف ذلك ؟ قال خمس وعشرون سنة ليل وهو فيها لا يعقل قليلا ولا كثيرا وخمس سنين قائلة ( قيلولة) أي نوم الظهيرة وعشرون سنة إما أن يكون صبيا وإما أن يكون معه سكر الشباب فهو لا يعقل، ولا بد له من نومة بالغداة، ونعسة بين المغرب والعشاء، وكَالغَشْي الذي يصيب الإنسان مرارا في دهره، وغير ذلك من الآفات، فإذا حصلنا ذلك فقد صح أن الذي عاش خمسين سنة لم يعش شيئا وعليه فضل سنتين.
هكذا مسح هذا الواعظ الأبله عمرا بأكمله بحساب بيزنطي غريب ، لاكن قارنه بحساب البيان المذكور (36)، عدم الالتزام بثوابت الأمة (5)، فقدان الأهلية الشرعية (8) ، عدم التزام الحياد في الانتخابات .... الخ ....
والفرق الوحيد بين الحسابين، أن حساب الواعظ لم يترتب عنه تشريد عائلات، ولا تنكيل بالأبرياء، ولا رمي حملة القرآن في متاهات البطالة والبؤس والتشرد، كما فعلت الوزارة ذلك متجاهلة أن الأمر ليس في هذا العدد أو ذاك، بل أن هناك أشخاصا من لحم ودم وأعصاب عَانَوْا ويعانون، وأن توقيفهم عن عملهم الذي يحسنون،يسبب لهم أزمات وصدمات تتلف أعصابهم، وأن بطالتهم كانت ظلاما يسد عليهم الآفاق،وأن العزل يسلب منهم فرصة في حياة لائقة بهم كآدميين،ويبصرون أحلامهم وآمالهم تنعدم أمامهم وتتلاشى، في مواجهة غير متكافئة مع الوزارة العتيدة هي فيها الخصم والحكم في الوقت ذاته.
وهي مأساة أستطيع أن أنشد فيها ما كنا نحفظه صغارا ونحن طلبة أعرارمن رفض أحد الشعراء لبطش بعض الولاة وقسوته على الخلق، ولم نكن نظن أننا سنضطر إلى إعادة ترديده اليوم، وقد عض الظلم على جلودنا، ورأينا شطط الولاة المتغول والمتعسف. يقول ذاك
معاوي: إننا بشر فأسْجِحْ == فلسنا بالجبال ولا الحديد ==
أتطمع في الخلود إذا هلكنا == وليس لنا ولا لك من خلود ==.
وحتى ولو فرضنا أن أولائك الكرام أخطأوا فعلا، وارتكبوا شرا وجهلا، أليس من اللائق في دنيا المروءة وأخلاق الحلم والعفو، أن تتاح لهم فرصة أخرى يستأنفون فيها السير بعد العثرة، والنهوض بعد الكبوة.
لماذا واجهتهم صلافة وصلابة لا حدود لها ؟ حتى كأنهم هم من حرضوا على عقر الناقة، وألقوا يوسف في الجب، وأوقدوا النار لحرق الخليل، وساقوا الفيل لهدم البيت، وطعنوا الفاروق في المحراب، واقترفوا كل موبقات التاريخ.
إن الوزارة سمعت ولا زالت تسمع ومن ورائها مجالسها العلمية، ووعاظها ومناديبها، ومؤسساتها المختلفة من يطعن في دين الأمة صباح مساء، ويتطاول على الشريعة، ويشكك في القطعيات، ويستهزئ بالأحكام، ويرد النصوص المحكمة، لاكنها تبتلع لسانها، وتتوارى حدتها وشدتها، وتصمت صموت الأحجار.
لكن إذا قال إمام في قعر مسجد بأقاصي الأرض ومجاهلها كلمة منفلتة لآتاتي على هواها، كشرت عن أنيابها، وأصبح تهديدا للثوابت، وطوحت به إلى العراء،وألْقَمَتْه أحجارا، وجعلته عبرة ونكالا.
أحرام على بلابله الدوْح حلا == ل للطير من كل جنس == .
مفارقة بائسة تجعل العدل ضرورة ملحة في كل وقت، ليكف غلواءَ الأمزجة والأهواء، في كل قضايا الأمة بدون استثناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.