المغرب يعزز التعاون مع بوركينا فاسو في مجال الأمن العسكري    زيارة تاريخية تعكس متانة العلاقات.. الأمير الراحل مولاي عبد الله يمثل المغرب في احتفالات الصين بعيدها الوطني عام 1964    لقاء دبلوماسي بطابع ودي جمع ولي العهد المغربي آنذاك وسفير الصين سنة 1992    بإذن من أمير المؤمنين: المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته الربيعية العادية يومي 23 و24 ماي الجاري بالرباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    المغرب يمنح الترخيص لأول مقاولة للخدمات الطاقية "ESCO"    واشنطن تُعيد رسم سياستها تجاه سوريا: دعم مشروط ولقاءات رفيعة المستوى تمهد لمرحلة جديدة    تعاون مغربي-أمريكي يجسد الجاهزية العسكرية خلال مناورات الأسد الإفريقي 2025    حسام زكي: حل الدولتين هو الأساس الذي تشكلت منه مبادرة السلام العربية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب يطلق علامة "المقاولة الصغرى والمتوسطة المسؤولة"    اعتقال الرئيس السابق لجماعة بني ملال ومسؤولين آخرين على خلفية اختلاس وتبديد أموال عمومية    الأمن المغربي يكشف عن سيارة ذكية تتعرف على الوجوه وتلاحق المبحوث عنهم في الميدان    مرصد: النسيج المقاولاتي يستعيد ديناميته بإحداث نحو 24 ألف مقاولة سنويا    غزة.. مقتل 19 فلسطينيا في قصف جديد والإمارات تتفق مع إسرائيل لإدخال مساعدات إنسانية    ترامب يعلن بناء الولايات المتحدة درعا صاروخية تحت مسمى "القبة الذهبية"    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    لقجع لنجوم منتخب الشباب: الجماهير المغربية كانت تنتظر أداءً أكثر إقناعًا واستقرارًا    ناصر بوريطة: البعض يزايد باسم فلسطين دون أن يقدّم حتى كيس أرز    طقس الأربعاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من المناطق    الصويرة: وفود 15 بلدا إفريقيا يشاركون في الدورة ال11 للجنة التقنية للمؤتمر الوزاري الإفريقي للتعاونيات    إقرار مشروع قانون المسطرة الجنائية    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    إيقاف دراجة نارية قادمة من القصر الكبير ومحجوزات خطيرة بالسد القضائي    سي إن إن: معلومات أمريكية تشير إلى تجهيز إسرائيل لضربة على منشآت نووية إيرانية    السغروشني: مناظرة الذكاء الاصطناعي قادمة.. والأمازيغية تنال عناية الحكومة    أداء إيجابي لبورصة الدار البيضاء    الوداد يفسخ عقد موكوينا بالتراضي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    العرائش تحتفي ب20 سنة من التنمية    متهم بالاختطاف والتعذيب وطلبة فدية.. استئنافية الحسيمة تدين "بزناس" ب20 سنة سجناً    مؤلم.. عشريني ينهي حياة والده بطعنة قاتلة    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    لقجع يحث "الأشبال" على الجدية    وزيرة الخارجية الفلسطينية تشكر الملك محمد السادس لدعمه القضية الفلسطينية والدفع نحو حل الدولتين    حديث الصمت    استثمار تاريخي بقيمة 15 مليار دولار ينطلق بالمغرب ويعد بتحول اقتصادي غير مسبوق    أخنوش: إصلاح التعليم خيار سيادي وأولوية وطنية    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    نقل إياب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى زنجبار    تلك الرائحة    كيف تعمل الألعاب الإلكترونية على تمكين الشباب المغربي؟    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    الوداد الرياضي يُحدد موعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية    40.1% نسبة ملء السدود في المغرب    يوسف العربي يتوج بجائزة هداف الدوري القبرصي لموسم 2024-2025    صلاح رابع لاعب أفريقي يصل إلى 300 مباراة في الدوري الإنجليزي    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطرف الثقافي ... وقولة عبد الله العروي "القرآن يخاطب الفرد"
نشر في أخبارنا يوم 09 - 01 - 2024

نقاشات خلافية بين الفقهاء والمتكلمين والمحدثين تواصلت بكثافة عبر الحقب الزمنية التي ميزت الحضارة العربية الإسلامية، ولم تنقطع يوما منذ أربعة عشر قرنا. واصلت احتلال فضاءات هامة وشاسعة في الحياة المجتمعية مؤثرة سلبا على ارتباط الثقافة بالتنمية وعلى علاقة الفكر النظري بالهندسة التطبيقية. الرأي العام العربي أصابته بفعل ذلك الهشاشة المزمنة، وتقهقرت علاقته بقوى الطبيعة وثرائها، وضعفت إرادته في البحث عن السبل العلمية للتحكم فيها وتحويل خيراتها إلى منافع لإسعاد الناس ماديا وجسديا ونفسيا. الميول إلى التكنولوجيا والعلوم الصرفة والتصنيع تحول إلى تطلع فئوي لا تتملكه إلا بعض الأسر المتعلمة الراقية من الطبقتين الوسطى والغنية، والتي ينتهي مسارها التكويني الأكاديمي بالهجرة إلى الغرب. استجابة للتطلعات المجتمعية ومستجداتها، وسعيا لرفع تحديات الوجود السيادي مستقبلا في بعض البلدان كالمغرب والإمارات العربية، استثمرت الدولة نسبيا في توفير البنيات المؤسساتية التعليمية الجامعية في مجال التميز العلمي والتكنولوجي والفني. الثقافة القاعدية بالنسبة لأغلب الشعوب العربية والمغاربية بقيت تائهة تتخبط في مستنقع نقاشات هامشية لا تمت بصلة بتحسين مستوى معيشة الأسر. تقوت نوازع التطرف الثقافي العامي، وأصبح من الصعب مواجهتها أو توجيهها بدون الاستثمار المالي في المقاربة الأمنية. ضعف الفكر العملي وانفصل عن الفكر النظري واتسعت الهوة بينهما.
أمام كل هذه الانكسارات المستمرة والمتجددة في شكلها وطبيعتها، لم ينقطع الدكتور عبد الله العروي في الدفاع عن المصلحة والمنفعة الجماعية والعامة في حياة المجتمعات العربية والمغاربية. الارتماء العقلاني في أحضان الثقافة الحداثية وفيما تزخر به من علوم نظرية وتطبيقية في مختلف المجالات الصناعية والهندسية والمالية والاقتصادية (الدرابة اليدوية والعقلية) هو الحل لتغيير نظرة المجتمعات لتراثها القديم. ترسيخ التفكير العقلاني في أذهان الأجيال يتطلب تجريب العيش في عمق الحداثة قبل العودة إلى قراءة التراث قراءة جديدة متجددة. القرآن كلام حق يخاطب الفرد، بحيث يكفل له الله عز وجل حق التمعن والتفكر في آياته، والبحث عن سبل التقرب من الحقائق المطلقة ساعيا لتحقيق ما ينفعه ويخدم مصالح أمته. كل منا، يقول العروي، مطالب بقراءة القرآن لنفسه بدون أن يلزم أحدا بما آل إليه تفكيره من استنتاجات واستنباطات وأحكام وقياسات. كل الآيات تخاطب الفرد كفرد لا كعضو في المجتمع أو كأمة. مفهوم هذه الأخيرة (الأمة) في مشروع العروي هو اعتباري مرتبط بنهاية التاريخ. الأمة، أمة الميعاد (وتهم الذين عاشوا بالطريقة المحمدية)، لن يجتمع ناسها في فضاء واحد إلا أمام الله يوم القيامة. إنه الزمن الإلهي الذي سيخاطب فيه المسلمون بعبارة "يا أمة محمد"، وسيسألون "ماذا حققوا في الحياة الدنيا من إنجازات بحثا عن الحقائق الربانية المطلقة؟".
الكل يقرأ النص القرآني وله الحرية في الاستنباط العقلي للفائدة منه. وبذلك لا يحق لأحد أن يحتكر تفسير هذا النص المقدس ما دام هناك جزاء أخروي سيجسد ترجيح إحدى كفتي ميزان الحسنات والسيئات المتراكمة دنيويا. إنه الاعتبار الذي اعتمده العروي للتمييز بين المنطق الفردي والمنطق الجماعي. هذا الأخير مرتبط أشد الارتباط بالمصلحة الجماعية، ولا يطيق أن يفرض إنسان مصلحته على مصلحة الآخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. كل فرد مسؤول على ما يفكر فيه وعلى طبيعة إيمانه. منذ الأزل كان دائما الفرد مسؤولا عن سلوكياته أمام الله. وبذلك يكون مصدر "الفردانية" قديما في التراث العربي الإسلامي وليس مرتبطا بالغرب (النيوليبرالية). في هذا الصدد قال ابن رشد مذكرا بما كتبه ارسطو طاليس في المناهج الفقهية وفي كتابه "الحيوان" أن الفرق بين العرب المسلمين والغرب يختزل في الإيمان والفقه. فماعدا ذلك، كل الأمور والأشياء تعتمد على التجربة والملاحظة والموقف الفردي السليم. وعليه، علينا أن نأخذ بنتائج التطور المادي الغربي ومنافعه كنتيجة للحضارة الحديثة التي تهم الإنسانية جمعاء، وأن نعتمد الانتقاء الإيجابي عندما يتعلق الأمر بالخصوصيات الثقافية باستحضار المنفعة العامة وتأثيرها في مجريات أحداث الحاضر والمستقبل.
في هذا السياق، تحدث العروي عن الإرهاب بشكل موجز بالرغم أن الظاهرة لا تهمه كمفكر. التطرف العقائدي مرتبط نسبيا بالخارج الذي أثر ويؤثر فيه بقوة. فهو ليس نابعا 100 بالمائة من الحضارة العربية الإسلامية. المستشرقون اهتموا بما هو هامشي في حضارتنا جاعلين منه جوهرا لها. لقد تعمدوا الاهتمام بالفكر السلفي. فأول من روج لابن تيمية هو هونري أبوست (أستاذ العروي في السوربون بفرنسا). لقد اهتم بالفكر السلفي ولم يهتم بشيء آخر. لقد اعتبر ابن تيمية مفكرا محوريا في الفكر الإسلامي في حين لم يتم تصنيفه عربيا إلا في خانة المؤلفين. عبد الله العروي قرأ لهذا المؤلف عندما أثار قضية ابن تومرت، فلم يلمس لديه إلا أمورا عادية لا تشد الاهتمام.
الوقوف عن تأثير الخارج في الداخل واضح في فكر عبد الله العروي. لقد تطرق هذا الأخير للمذاهب الفقهية الإسلامية (الحنفي، والمالكي، والشافعي والحنبلي)، وأبرز كيف بدأ الفقه في عهدهم منفتحا متفتحا (الحنفي)، وانتهى منغلقا (الحنبلي) سالكا بذلك مسارا متناقضا مع الوقائع التاريخية (تاريخ الخلافة عرف تفتحا مستمرا عكس تاريخ الفقه الذي تدحرج إلى الانغلاق مع مرور الزمن). الحنبلي لم يكن سوى محدثا استعصى عليه التموقع في مصاف الحكماء والمجتهدين، وبذلك فلم يتجاوز مرتبة الوعاظ الذين كتب عنهم الحريري مستهزئا. نزعة العودة إلى الوراء ما هي إلا ظاهرة ناتجة عن التذمر المتسلط على النفوس جراء ضعف القدرة على التنافس مع الآخر. لقد شبه العروي الفرد في هذه الحالة وكأنه اقتيد إلى غرفة لا نور فيها، فاضطر للعودة إلى نفسه والانكفاء عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.