الخط : إستمع للمقال في عالم يتغير بسرعة الضوء، لم تعد التهديدات التي تواجه الدول تُقاس بما تمتلكه من ترسانات عسكرية، بل بما تواجهه من اختراقات ناعمة تستهدف العقول والمؤسسات، على جبهات الوعي الجمعي، وعبر أسلحة غير مرئية تُصوّب مباشرة نحو ثقة الشعوب في مؤسساتها. إنها الحرب التي لا يُسمع فيها أزيز الرصاص، لكن آثارها تدمّر بُنى المجتمعات من الداخل، وتُفتّت الروابط التي تجمع الدولة بمواطنيها. إنها ليست مجرد حرب ضد الأكاذيب، بل حرب سيادةٍ على العقول والضمائر. إنها حرب الوعي السيادي، التي لا تُخاض في جبهات السلاح، بل في ساحات الإدراك وميادين المعلومة. حربٌ تُراد لنا فيها الهزيمة من الداخل: بالتضليل، بالتسخيط، وبالتفكيك النفسي والمعنوي للدولة. لكنها حربنا جميعا. حرب كل مغربي غيور على مؤسساته، وواعٍ بقيمة وطنه، ومدرك أن السيادة لا تُستورد ولا تُهدى، بل تُحمى بالوعي، وتُصان بالحقيقة. هذه الحرب الجديدة لا يقودها بالضرورة جيش نظامي أو منظمة متطرفة، بل شبكات من الأفراد و"المعارضين المزيفين" الذين وجدوا في الفضاء الرقمي منبرا مثاليا لصناعة السُّخط، وفي الجهل والتلقين أداة فعالة للتضبيع والتضليل. بخطاب عاطفي جذاب، تُزرع بذور الكراهية تجاه الدولة، وتُضخّم النظريات السوداوية حول "الدولة العميقة"، بينما تُقدَّم شخصيات مشبوهة في ثوب الضحية، لا لشيء سوى لاكتساب التعاطف والتمويل والشرعية. في هذه البيئة المضطربة، يتداخل النضال مع الابتزاز، والنقد مع التآمر، والمعارضة مع النشاط التجاري المربح، وتغدو الأكاذيب أدوات لتكوين ثروات، واستمالة جماهير، وتجنيد متابعين لخدمة أجندات لا تمتّ بصلة للمصلحة العامة. وما يبدو للوهلة الأولى حركة احتجاجية أو رأيا معارضا، لا يلبث أن يتكشّف، عند التمحيص، عن كيان مموّل، موجه، وربما مخترق من جهات تتقن اللعب في الهوامش. لقد أظهرت تجارب دولية، من أوروبا إلى أمريكا الشمالية، أن هذه الموجات لا تمرّ دون ثمن، وأن التهاون مع "صناعة السُّخط" و"التضليل الممنهج" يسمح بتحوّلها إلى أشكال متقدمة من التطرف، بل وإلى محاولات حقيقية لتقويض استقرار الدولة. وما المغرب بمنأى عن هذا الخطر، خاصة في ظل ما نرصده من محاولات ممنهجة لنقل خطاب الفوضى من الخارج إلى الداخل، مستغلين في ذلك هشاشة بعض المساحات الإعلامية وغياب التأطير الرقمي الفعّال. ولأن المرحلة تفرض اليقظة، سنفتح من خلال سلسلة تأملية بعنوان "معركة الوعي السيادي" ملفا دقيقا ومعقدا يتناول هذه الظواهر في عمقها: من التضليل الإعلامي إلى التزييف العميق، ومن المعارضة الوهمية إلى الجريمة الرقمية العابرة للحدود، وصولا إلى الشبكات الدولية التي تموّل وتغطي وتوجّه هذه المشاريع التخريبية بأقنعة براقة. "بوغطاط المغربي" يضرب لكم موعدا مع سلسلة من ست حلقات تكشف، تُحلل، وتواجه... وبقدر ما تسعى إلى التوثيق والفهم، تهدف أيضا إلى دق ناقوس الخطر، وتحصين الوعي الوطني من الاستدراج إلى معارك لا يجب أن ننخرط فيها أو حتى مجرد السقوط فيها. كما تهدف السلسلة إلى التحصين من الوقوع في شراك سرديات موجهة تصنع من الحقد رأس مال، ومن اللاشرعية سلطة بديلة. ترقبوا أولى حلقات هذه السلسلة، على أن تتواصل عبر منصتكم الإعلامية "برلمان.كوم" بنشر حلقة كل ثلاثة أيام. الوسوم المغرب بوغطاط المغربي