كن منصفا يا سيدي القاضي ... ذنبي أنا معطل سهر الليالي كن منصفا يا سيدي القاضي ... تخونني لغتي وألفاظي إن الذي أمامك الآن ... أشبعني ظلما وعدوانا صبري الجميل تجاوز الصبرا ... لغة الحوار تحولت جمرا
صدّرت مقالي بهذه الكلمات لأن ملفنا الآن بين يدي القاضي
في الحقيقة لا أدري من أين أبدأ ولا بماذا أنتهي، ولكن لابد من المحاولة لعل الكلمات تسعفني للتعبير عما عشته من خيبات أمل متتالية، منذ أن أنهيت دراستي بسلك الماستر وحصلت على شهادة بميزة حسن سنة 2010. لقد كان طموحي الدراسي يدفعني إلى مزيد من الجد والاجتهاد حتى أحصل على أعلى الشهادات، حتى إنني لم أكن أهتم بالحصول على وظيفة قبل الحصول على شهادة الدكتوراه، ولكن ظروفي المادية جعلتني أفكر في الدكتوراه بعد الحصول على عمل أو وظيفة تسد حاجياتي المادية وتساعدني على الدراسة. كم كانت فرحتي كبيرة يوم تسلمت شهادة الماستر بميزة حسن، ولكنني نسيت أن هذه الفرحة لن تكتمل إلا بالحصول على وظيفة عمومية كتتويج لما قدمته خلال مسيرتي الدراسية. شاء الله تعالى أن ألتحق بمجموعات المعطلين المرابطة في الرباط، بعد أن سمعت بأذني وقرأت على شاشة القناة الثانية المغربية أن الدولة ستوظف جميع حاملي الشواهد العليا المعطلين بعد أن تم إدماج 4304 منهم يوم فاتح مارس 2011 وقد كنت واحدا منهم قبل أن يتم إقصائي لعدم تمكني من مسايرة النضال الأسبوعي لأسباب مادية محضة. وبعد سماعي للأخبار التي تفيد بإدماج جميع حاملي الشواهد العليا المعطلين، عدت إلى الرباط مجددا في فبراير 2011 لألتحق بمجموعة جديدة إلى جانب باقي المعطلين. وبعدها مباشرة تم تأسيس التنسيقيات الأربع: الموحدة، الأولى، الوطنية، والمرابطة، بعد أن تم التأشير على لوائح المجموعات المنضوية تحت لواء التنسيقيات السالفة الذكر من طرف المسؤولين والمؤسسات المعنية بملف الأطر العليا المعطلة، وهي الوزارة الأولى، وزارة تحديث القطاعات العامة، ووزارة الداخلية. وبعد مدة من النضال وجملة من الحوارات التي لا طائل من ورائها سوى ربح الوقت ومحاولة تهدئة الأوضاع نظرا للظروف الإقليمية والربيع العربي، تحولت شوارع الرباط إلى مسلسلات أسبوعية للقمع والتنكيل بخيرة شباب البلاد، إلى أن تم اقتحام مقر حزب الاستقلال من طرف التنسيقيات الأربع لمدة أسبوع، ولن ينسى أحد ما تعرضنا له خلال اليوم الأخير من مشاهد ما كنا نتصورها أبدا، حيث حاول مجموعة من البلطجية اقتحام مقر الحزب وإخراجنا بالقوة، فرشقونا بالحجارة وما إلى ذلك من أنواع التخويف والإرهاب، قبل أن تقوم قوات الأمن بتطويق المقر وصعود البنايات المجاورة له لإخراجنا بالقوة، وفي الأخير تم الاتفاق على توقيع محضر 20 يوليوز 2011 بولاية الرباط بعد خروجنا من مقر الحزب بحضور ممثلين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان. استبشرنا خيرا لأننا نثق في دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات. وبعد توقيع المحضر الذي يقضي بإدماجنا بشكل مباشر في أسلاك الوظيفة العمومية ابتداء من فاتح نونبر 2011، حصل ما لم يكن بالحسبان، تغير كل شيء، دستور جديد وانتخابات سابقة لأوانها وفوز حزب جديد وما إلى ذلك من المتغيرات التي لا دخل لنا فيها سوى مساهمتنا الإيجابية في التغيير نحو الأفضل، وإيمانا منا بجعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار. بعد الانتخابات طمأننا وزراء الحزب الجديد، حزب العدالة والتنمية، بأنهم ملتزمون بما التزمت به الحكومة السابقة وأن المغرب دولة مؤسسات وليس دولة أشخاص. ولكن سبحان مبدل الأحوال، بين عشية وضحاها يطل علينا رئيس الحكومة بنكيران بوجه جديد وخطاب مغاير، مفاده أن المحضر غير قانوني وأن السبيل الوحيد للتوظيف هو المباراة، قبل أن يعلنها على قناة الأولى وتحت قبة البرلمان بنبرة مدوية: اذهبوا إلى المحكمة وإذا أنصفتكم فأنا مستعد لتوظيفكم. ذهبنا إلى المحكمة وحصلنا على جملة من الأحكام الابتدائية لصالحنا تجاوزت 900 حكم، ولكن كما تعلمون من نكث مرة بإمكانه أن ينكث مرة ثانية، فقال لابد من استيفاء جميع مراحل التقاضي. ولكن إلى متى يا رئيس الحكومة؟ إلى متى ستستمر في التماطل والتسويف؟ ألم تعلم أن المساواة الحقيقية هي مساواتنا بالدفعة الأولى؟ ألم تعلم أن مؤسسات الدولة هي من وقعت على المحضر؟ ألم تر كيف أصبح حالنا بعد أن شردتنا ثلاث سنوات في شوارع العاصمة؟ ألم تر ما نعانيه جراء القمع والتنكيل والكدمات التي على أجسادنا؟ هل رأيت رئيسا يقاضي أطر بلاده ليرغمهم على العطالة والبقاء في الشوارع؟ هل رأيت رئيسا يستهزئ بشباب بلاده ويسخر منهم؟ ألم تعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟ ألم تعلم أن الله تعالى سينصر المظلوم ولو بعد حين؟
بسبب تعنتك يا رئيس الحكومة وظلمك لنا، ستنمو أفكار جديدة في أذهاننا مغايرة تماما لتلك التي كانت قبل تشردنا في شوارع العاصمة، أفكار عنوانها أن الدراسة في المغرب طريق للعذاب والتشرد وضياع الأموال، أفكار تمنعنا من الإقدام على تعليم أبنائنا وحثهم على الدراسة. باختصار ستصبح الدراسة أكبر جريمة ارتكبناها في حياتنا وجنينا بها على أهلنا وأموالنا.
محضر 20 يوليوز 2011 سيبقى وصمة عار على جبين الدولة إلى حين تفعيله، وأصحابه لن يتنازلوا عن حقهم حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.